الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لو أردنا التجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فى أوروبا تتوسع جماعات القرآنيين وتزيد، تكثر مساجدهم وأماكن دروسهم ونحن السبب، إن جيت للحق، مطالبات «القرآنيين» بإعادة فحص السنة النبوية «مشروعة»، واعتقادهم فى ضرورة ترك «الأثر» وإعادة النظر فى المنقول عن الصحابة والتابعين وجيهة.
السنة اجتهادات نبوية، و«الأثر» اجتهادات صحابة، والمعنى أنه لا السنة هى الأصل، ولا اجتهادات الصحابة يمكن أن تكون مرجعًا أساسيًا فى الدين.
الدين دين الله، والصحابة فهموا دين الله حسب عصرهم وزمانهم. ما الذى يضير لو اتفقنا مع القرآنيين فى البحث عن طريقة لتجديد الخطاب الدينى، وتنقية ما فيه شك، وحذف ما فيه من أمور فيها كلام.
إن جيت للحق مرة ثانية، مطالب القرآنيين بالتمسك بكتاب الله دون غيره، سببها أن الإسلام وعلوم الإسلام وكلام عوام المسلمين، دخلت الفضائيات كالبضائع المحلاة فى ورق قزاز بالسوبر ماركت.
فى الفضائيات تاجر مشايخ بالسنة، وفسروا بها الأحلام وعالجوا بها الأمراض. ممكن اعتبار تزايد القرآنيين حول العالم «رد فعل» لمشايخ إخراج العفاريت بأحاديث النبى، وأصحاب نظريات شفاء الأطفال ببول الإبل.
يقول القرآنيون إن كتاب الله هو الأصل، وإن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، هى «أول بيان لمقاصد القرآن»، لكنها ليست البيان الوحيد لمقاصد «القرآن».
كلام معقول، معناه أن السنة النبوية تراث، لكن القرآن الكريم ليس تراثًا، تفسير الصحابة رضوان الله عليهم للقرآن تراث أيضًا. يجوز أن نذهب إلى ما هو أبعد من ذلك. يجوز أن نقول إن اجتهادات النبى صلى الله عليه وسلم نفسه فى تفسير آيات القرآن تراث هو الآخر.
فسر الصحابة رضوان الله عليهم، كتاب الله وفق أرضيتهم المعرفية أو ثقافتهم وقت التنزيل، فسروه وفق ما يعتقدون أنه التفسير الصحيح، وبعد وفاة النبى صلى الله عليه وسلم اجتهدوا بالرأى، فيما لم يجدوا فيه حكمًا قرآنيًا.
يروى أنه جاءت لأبى بكر جدة تطلب ميراثًا من ابن بنتها، فلم يعرف أمير المؤمنين ماذا يفعل، إلى أن أشار الصحابة بتوريثها قياسًا على ميراث الأم.
اجتهد أبوبكر قياسًا على النص، كذلك فعل عمر بن الخطاب، وعلى بن أبى طالب رضوان الله عليهم جميعًا، على بن أبى طالب هو الذى وضع عقوبة لشارب الخمر، فأفتى بضرب شارب الخمر قياسًا على عقوبة «قذف المحصنات»، قال: إنه إذا شرب سكر، وإذا سكر قذف المحصنات.
كلها كانت اجتهادات، والاجتهادات «أحكام مستحدثة»، يعنى ليست أصلًا، لكنها استدلال من الأصل، الأصل هو القرآن، بينما ما دونه لا هو أصل، ولا هو مقدس.
بعد ١٤ قرنًا من انقطاع الوحى، يجوز نقد تفسيرات الصحابة أو استبدالها، فى الوقت الذى لا يجوز نقد آيات القرآن المقدس أو إلغاؤها. اجتهادات الصحابة والتابعين تراث، والتراث صناعة بشرية، لكن كتاب الله صناعة ربانية، فما السبب الذى أوصل بعضنا إلى الإصرار على تشبيه غير المقدس، بالمقدس، واعتباره مثله؟ 
إجابة هذا السؤال بداية التجديد، لو أردنا تجديدًا.