الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الطريقة الأمريكية في الحرب «1»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
واشنطن تستخدم كل صنوف الأسلحة خلال أيام معدودة، وتذكر دائمًا بوجود المزيد. فبعد عشرات صواريخ التوماهوك على مطار الشعيرات السورى، وبعد تحريك حاملة الطائرات الأمريكية كارل فنسون إلى شبه الجزيرة الكورية، ها هو الجيش الأمريكى يستخدم وللمرة الأولى أكبر قنبلة غير نووية فى التاريخ، مستهدفًا شبكة أنفاق تابعة لتنظيم داعش فى أفغانستان، كما أعلن البنتاجون. فهل تنبع هذه التحركات من استراتيجية محددة لمكافحة الإرهاب، وتعكس جدية فى حل الأزمات كما يقول البعض؟.. أم أنها مجرد خطوات استعراضية قد تؤدى إلى عواقب لا يمكن التكهن بها؟.
من هنا تأتى أهمية مناقشة كتاب «الطريقة الأمريكية فى الحرب: قذائف موجهة، ورجال مضللون، وجمهورية فى خطر» لمؤلفه المخرج الأمريكى أيوجين جاريكى، مخرج الفيلم الوثائقى الذى حاز على عدد من الجوائز «لماذا نحارب؟»
والحاصل على درجات علمية فى السياسة الخارجية، والكتاب صادر مؤخرا عن المركز القومى للترجمة، ونقله إلى العربية المترجم المصرى البارز الدكتور عبدالمنعم عبيد. 
إن الميجور مارك «فوجى هوهن»، وزميله فى المهمة الكولونيل ديف «تومز»، هما من أعضاء جناح الصفوة رقم ٣٧٩ للاستكشاف العسكرى الجوى فى القوة الجوية للولايات المتحدة. وقد تم اختيارهما فى ١٩ مارس ٢٠٠٣ لينفذا أمرًا صدر مباشرة من البنتاجون هو محاولة اغتيال فى قمة السرية لصدام حسين، باستعمال قذائف محمولة موجهة. هذه المهمة كانت هى الفاتحة لضربة «عملية حرية العراق». ويتذكر «تومز» الأمر قائلا: «لم نكن فى الحقيقة نعلم من هو الموجود هناك، ومن الذى سيتلقى الضربة لما كنا بصدد تنفيذه». 
تنتمى العسكرية الأمريكية اليوم إلى مبدأ تكنولوجى يطلق عليه «الرجل العالق فى الخية»، وهو نوع من الحماية الذاتية ضد المبالغة فى الميكنة فى زمن سيادة الحرب العالمية التقنية، فكلما تعقدت النظم الدفاعية، أصبح تسييرها يتم تلقائيًا «ذاتيًا». فقد أصبح استمرار «العامل البشرى» كحلقة فى سلسلة القيادة تصميمًا للأداء لا مفر منه. 
وكلما توغل «فوجى» و«تومز» فى اتجاه هدفهما فى تلك الليلة، فقد كانا يمثلان رجال المهمة «العالقين فى الخية» فالطائرة التى كانا يطيران على متنها صقر الليل الشبح الأسطورى من طراز ف ١١٧ إن هى إلا تحفة تكنولوجية. وإطارها المثلثى تحده زوايا بإمكانها أن تُشَتِّت حتى أكثر أجهزة الرادار تعقيدًا، مما يجعلها بحيث لا يمكن لعدو أن يستشعر وجودها. 
إن تسمية «رجل عالق فى الخيّة» إن هى إلا تسمية لها جاذبيتها، وإن كانت تسمية خادعة. ذلك أن سلسلة القيادة لا تحتاج حقًا إلى رجل فى الخية، وإنما إلى «أجزاء» معينة منه. وبقيادة الطائرة ف -١١٧ وتشغيل قنابلها الموجَّهة، تكون كل ملكات الضابطين «فوجى» و«تومز» مشغولة بالكامل: فعيونهما على العدادات، وأياديهما على عصى التحريك، وعقلاهما مشغولان فى القائمة التى أمامهما، إلا أنهما كرجال قد قدر لهما أن يكونا «خارج الخية». 
ودون سابق معرفة منهما، فإن مهمة «فوجى» و«تومز» لقطع رأس الحية، بالتخلص من صدام حسين أطلقت عقيدة عبقرية للحرب الدموية الاستباقية، وقد عكست رؤية جذرية لدور أمريكا الكوكبى، وهو دور اكتسب شكله عبر أجيال. وكان أول طلقة فى حرب أشعلتها أحداث ١١ سبتمبر، وإن كانت الطلقة التى سيقدر لها أن تقسم المجتمع الأمريكى، ذلك أن عملية حرية العراق التى تم تبريرها من قِبَل المروجين لها على أنها كانت ضرورية لمنح الديمقراطية لبلد أجنبى قد أحدثت تحديات كبيرة للديمقراطية داخل أمريكا. 
وفى إطار تاريخى أوسع، فإن مهمة «فوجى» و«تومز» السرية مثلت تعاظم طريقة الحرب الأمريكية عبر قرنين من الزمن. ورغم أن عقيدة بوش التى أطلقتها ينظر إليها على أنها تصعيد شاذ للعسكرية الأمريكية، فإن الجدال بين مؤيديها وناقديها يعكس توترًا بين سياسة الكبح الانعزالى وسياسة العدوان التوسعى. 
حين انفجرت العملية العسكرية «تحرير العراق» على هيئة المأساة الكاملة لحرب العراق، مخلفة الأهداف لمخططيها مشتعلة على مهل فى شوارع بغداد. ابتدأت وسائل الإعلام الرئيسية فى إجراء التحقيقات عن كيف أصبحت أمريكا منغمسة فيما سبق أن أطلق عليه القائد الأمريكى فى العراق «ريكاردو سانشيز»: «الكابوس الذى لا يُدرك البصر له نهاية». 
وبصفة عامة فقد تصاعد التحقيق حول من كان مسئولا عن تشكيل هذه السياسة المضللة على هيئة لعبة من ألعاب تبادل التهمة. وقد وضعت وسائل الإعلام الرئيسية فى الاعتبار العديد من المتهمين المحتملين بدءًا بــ «ديك تشينى» ذى الروابط بشركة هاليبرتون نائب الرئيس الأمريكى بوش الابن، إلى أصحاب المصالح النفطية من عائلة بوش، إلى اللوبى الإسرائيلى، إلى اليد الخفية للمجمع العسكرى الصناعى، قبل أن تستقر على الذين أُطلق عليهم «المحافظون الجدد». وقد حامت حول هذا الكادر الصغير إلا أنه المؤثر من المخططين، بحسبان أنهم طبخوا الحسبة، ليحولوا ١١ سبتمبر إلى سبب للحرب ضد صدام حسين.