الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تكشف كواليس "مفرخة الإرهاب" في قنا

١٦ فردًا ينتمون إلى قبائل عريقة وراء تفجيرات الكنائس الأخيرة

صورة من داخل كنيسة
صورة من داخل كنيسة طنطا عقب التفجيرات
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قائد البؤرة الإرهابية «محمود الشويخى» تاجر موبايلات استطاع تهريب أحد أفراد مجموعته إلى سوريا
عضو بالجناح العسكرى للجماعة فى التسعينيات: تهميش الصعيد وراء ظهور جماعات تكفيرية

بيان وزارة الداخلية الذى أعلنت فيه عن هوية مُنفذى تفجير كنيستى مار جرجس بطنطا والمُرقسية بالإسكندرية، كان بمثابة الصدمة الكُبرى لأبناء محافظة قنا، بعدما أوضحت الداخلية أن حوادث تفجير الكنائس فى الفترة الأخيرة، كان وراءها بؤر إرهابية لمجموعة أشخاص، يتخطى عددهم 16 فردًا، ينتمون ويقيمون بمحافظة قنا، بل وينتمى معظم هؤلاء الإرهابيين إلى قبائل عريقة، لعبت دورًا وطنيًا لا يمكن تجاهله عبر مراحل التاريخ المُختلفة لما لها من تأثير واضح فى الحراك السياسى فى مصر. لكن ظل السؤال مطروحًا: لماذا قنا الآن؟ ربما البحث عن إجابة لهذا السؤال يعود بنا إلى أواخر السبعينيات وفترة الثمانينيات، حينما كان للجماعة الإسلامية بقنا كلمة ويد نافذتان، ليظهر سؤال آخر يطرح نفسه بقوة.. هل فعلًا استطاعت الجماعة الإسلامية، التى سيطرت عليها قبائل قنا فى التسعينيات، تغيير جلدها مرة أخرى، وتحولت إلى جماعات تكفيرية ذات فكر سلفى جهادى أم أن المُقارنة بين الفترتين، فترة الثمانينيات والفترة الحالية، مقارنة غير عادلة بالمرة؟!
«البوابة» تحاول الإجابة عن تلك الأسئلة من خلال استعراض وقائع وأحداث ترجع إلى ما يزيد على 30 عامًا من الآن، وبشهادات وتفسيرات أعضاء قُدامى من الجماعة الإسلامية بقنا، وأيضًا بالاستناد إلى آراء وتحليلات قيادات قبلية وعائلية حالية بالمحافظة، وذلك خلال السطور التالية..
بداية ظهور الجماعة الإسلامية الفعلى والمُعلن فى قنا كانت عام ١٩٨٨، على يد الشيخ على ياسين، حيث كان «ياسين» خريجًا لكلية الشريعة والقانون بأسيوط وإمامًا لمسجد أبو بكر الصديق بالمحافظة، وهو يُعد واحدًا من أوائل من انضموا إلى الجماعة الإسلامية بمعقلها فى أسيوط أثناء تلقيه تعليمه الجامعى بداية الثمانينيات، حتى إنه عاد إلى «قنا» مرة أخرى ليكون قائد الجماعة الإسلامية الأبرز بالمحافظة فى أواخر الفترة نفسها.

التسعينيات.. الحرامي ومخلوف
ما لبث الأمر إلا سنوات قليلة أو أشهرًا معدودة، تحديدًا بداية التسعينيات، حتى تغير الهيكل التنظيمى للجماعة الإسلامية فى قنا، بعدما أصبح الشيخ فوزى الحرامى والشيخ بدر مخلوف، ذوى الجذور العائلية من قبيلة الأشراف، على رأس الجماعة، وذلك على خلفية سفر «ياسين» إلى إحدى الدول العربية بضغط من عائلته، التى رأت فى آرائه، أثناء خطبة الجمعة أو دروس الفقه بعد الصلاة، تهورًا لا يمكن التهاون فيه ولا بد من القضاء عليه بالسفر إلى الخارج.
«ع. م»، اسم مُستعار لأحد أفراد الجناح العسكرى للجماعة الإسلامية بقنا أوائل التسعينيات، قال إن الجماعة الإسلامية أواخر الثمانينيات فى قنا كانت عبارة عن «شلة» معدودة على الأصابع من الشباب، ممن تلقوا تعليمهم الجامعى فى بداية الثمانينيات وأواخر السبعينيات بمحافظة أسيوط، التى كانت معقلًا للجماعات الإسلامية فى تلك الفترة، لكن تلك «الشلة» استطاعت أن تستقطب عددًا لا بأس به من شباب قنا، تحت سِتار الدعوة الإسلامية والفكر العقائدى المُنظم. ويوضح: «كان هؤلاء الطلبة من عائلات شتى، ففى أواخر السبعينيات وأوائل الثمانينيات، وفى الفترة نفسها التى كانت الجماعة الإسلامية فى أسيوط مُنتشرة، حَمل بعض هؤلاء الطلبة هذا الفكر وأتوا به إلى قنا، الجماعة الإسلامية فى تلك الفترة كانت عبارة عن مرض أُصيب به الجسد المصرى، وقنا كانت جزءًا من هذا الجسد، وجامعة أسيوط كانت الفيروس الذى من خلاله صُدر فكر الجماعة الإسلامية إلى معظم محافظات الصعيد».

لقاء السبت.. واستعراض الخيول
ويُتابع: «فى تلك الفترة كان عُمرى لا يتخطى ٢٠ عاما، وكُنت مهتمًا بالكم وليس الكيف، بمعنى أن لقاء الجماعة يوم السبت من كُل أسبوع فى مسجد التحرير بقنا، كان عبارة عن مسرح للتهكم على الحكومة والأمن فى فترة تتكتم فيها الأفواه، وفى الأعياد مثلًا كُنا نجوب المحافظة راكبين الخيول لاستعراض الهيمنة والقوة، وأيضًا كُنا نرى بأم عيننا بعض رجال الأمن البارزين يتحدثون لقيادات الجماعة سواء «مخلوف» أو «الحرامى» بترجٍ واستعطاف، فما كان منا إلا أن ننضم إلى الجماعة، بل ونحلم أن نكون مثلهم فى يوم من الأيام، لذا أعتقد أن الانضمام للجماعة الإسلامية وقتها ليس بهدف الدعوة الإسلامية بقدر أنه نوع من أنواع العصبية والقبلية والاستعلاء».
فى أواخر الثمانينيات، انتهجت الجماعة الإسلامية طريقًا مغايرًا لعادات وتقاليد العائلات فى قنا، بدأت بوقوف بعض أفرادها فى وجه بعض العادات والتقاليد الأصلية المتوارثة، كاعتراضهم على الأفراح حتى لا تُستخدم فيها الطبول والمزمار، والدعوة الفرضية لمنع الاختلاط بين الجنسين، وأيضًا مواجهة بعض أفراد الجماعة للطقوس الشعبية للسيدات فى الصعيد كـ«الزار»، إلى أن وصل الأمر ذات مرة إلى الاعتداء على إحدى الفرق الموسيقية أثناء فرح بالضرب المبرح، وهو ما ساعد بدوره فى نشوب «خناقات» بالأسلحة النارية بين أفراد عائلة واحدة فى قنا.

الجناح العسكري.. وفرض الجزية
تطور الأمر بداية التسعينيات، حينما قامت مجموعات الجماعة الإسلامية المسئولة عن تغيير المُنكر، ممن يُطلق عليهم «الجناح العسكرى»، بفرض الجزية على تُجار الذهب المسيحيين بمحافظة قنا تحت لافتة «تبرعوا للغلابة»، حتى إنهم اعتدوا على مسيحى يقطُن بحوض عشرة فى قنا بـ «قطع أُذنه»، بعدما اعترض على دفع تلك الجزية، ليُسجل بذلك أول عداء ضد مسيحيى قنا من الجماعات الإسلامية بالمحافظة.
ما هى إلا أشهر قليلة بعد تلك الواقعة إلا وكان العداء الأشهر بين الجماعة الإسلامية والمسيحيين، إثر اعتناق فتاة مُسلمة بمدرسة الزراعة بقنا للدين المسيحى، فقامت الجماعة الإسلامية بالاعتداء جهارًا على الطلبة المسيحيين بمعظم مدارس المحافظة، وذلك بعدما استطاعوا أن يكسبوا استعطاف بعض الناس بمنشور تم توزيعه على سُكان المحافظة كُتب فيه: «يا حسرة على العباد، يا حسرة على المسلمِ، صليبى يدُق على يد مُسلمِ»، ثم تبعها اقتحام للكنائس والقيام بعمليات تخريب.

اغتيال اللواء عبد الحميد
وفى عام ١٩٩٣ كان حادث اغتيال اللواء عبدالحميد غبارة بنجع حمادى من قبل الجماعة الإسلامية بقنا، والذى يُعد البداية الحقيقية لإرهاب الجماعة وقوتها فى الصعيد، ليتبعه بعد فترة لا تتجاوز الثلاثة أشهُر، حادث اغتيال النقيب محمد ندا فى ١٩٩٣، الذى كان بمثابة بداية سلسلة من المواجهات الدامية بين قوات الأمن والجماعات الإسلامية على أرض محافظة قنا.
يعاود «ع. م» حديثه قائلًا: أواخر عام ١٩٨٩ كانت قوات الأمن بدأت باعتقال بعض أفراد الجماعة الإسلامية فى قنا، مع تكثيف زيارات «زوار الليل» على أعضاء الجماعة، وبعد كل حادث تقوم به الجماعة تأتى مرحلة جُملة اعتقالات يروح ضحيتها أحيانًا أشخاص ليس لهم علاقة من قريب أو من بعيد بالجماعة، لدرجة أن فاض الكيل بوالدى فى أواخر عام ١٩٩٢ وقال لى نصًا: «لو حد جيه ياخدك من البيت أنا هضربك بالنار الأول قبل ما تطلع»، وكان يقصد إن جاء رجال الأمن للقبض علىّ فسوف يتولى هو ضربى قبل أن يسلمنى لهم، فتركت الجماعة وقتها نهائيًا.

الأمن والجماعة.. صراع دم
ويكمل: «بعد استشهاد النقيب ندا فى ١٩٩٣ حصلت اعتقالات بالجملة لأعضاء الجماعة فى قنا، وصلت إلى أكثر من ٢٤٠ حالة اعتقال، ثم مقتل ٢ من الجماعة الإسلامية داخل مسجد التوحيد بنجع منصور بقنا على يد قوات الأمن وإصابة العشرات، وأيضًا مقتل آخرين من أعضاء الجماعة بمنطقة السيد عبدالرحيم، كما توفى بعض المعتقلين فى السجون، إلى أن أُعدم ثلاثة أشخاص فى سنة ٩٧ كانوا ضمن المُتهمين على إثر القضية نفسها».
الطامة الكُبرى كانت فى منتصف التسعينيات، عندما قامت مجموعة أفراد الجماعة الإسلامية، يصل عددهم إلى ما يزيد على ٦ أشخاص، بتنفيذ عملية إرهابية ضد السياحة كانتقام على مقتل بعضهم على يد قوات الأمن وفى السجون؛ حيث قاموا بإطلاق النار على أتوبيس سياحى بمنطقة السيد عبدالرحيم، راح ضحيته ما يقرُب من ١٤ أجنبيًا ومصريين، وعلى خلفية هذا الحادث اعتقلت قوات الأمن العشرات من الجماعات الإسلامية، إلى أن نفذت الجماعة الإسلامية الحادث الإرهابى الشهير ضد السائحين فى الأقصر عام ١٩٩٧.

مراجعات السجون
الضغط القِبلى الكبير على أفراد الجماعات الإسلامية بعد تلك الأحداث، وانتفاض العائلات القناوية على أبنائها المُنضمين للجماعة الإسلامية، بالإضافة إلى جُملة الاعتقالات والتصفيات التى نفذتها قوات الأمن ضد أفراد الجماعة، كانت بمثابة الطريق الذى تتبعته الجماعة للمصالحة داخل السجون عن طريق إجراء «مراجعات» للأشخاص الذين لم يتورطوا بشكل مباشر فى عمليات إرهابية بمساعدة رءوس الجماعة الإسلامية فى مصر وقتها كناجح إبراهيم ومُختار نوح، بحسب «ع.م».

ثورة 25.. الجماعة في حضن الحكومة
ويُضيف: «بعد ثورة ٢٥ يناير ارتمت بعض قيادات الجماعة الإسلامية فى أحضان الحكومة، ممن كانوا أعداء مباشرين لهم بالأمس، وعلى رأسهم القياديان «مخلوف» و«الحرامى»، لدرجة أن تلك القيادات كانت تُردد على مسامع بعض الناس أنهم أخذوا شر النظام فى فترة من الفترات، وأنه حان الوقت لأخذ خيرهم، وهو ما كان بمثابة إعلان واضح وصريح بأن «الجماعة الإسلامية» ما هى إلا شُغل سياسة».
يُكمل «ع. م»: «هناك عائلات تضررت بشكل كبير جدًا من انضمام أفراد منها للجماعات الإسلامية، على رأسها قبيلة الحميدات فى قنا، التى عانى أبنائها عدم قدرتهم على الالتحاق بكليات الشرطة أو النيابات أو القضاء لفترات طويلة، فما كان منهم إلا الابتعاد نهائيًا عن دوائر الجماعات الإسلامية أو الأفكار المتطرفة».
ويُرجح «ع. م» أن الجماعات التكفيرية التى ظهرت مؤخرًا داخل عائلات بعينها فى قنا لا تنتمى إلى فكر الجماعات الإسلامية الذى انتشر فى فترة الثمانينيات والتسعينيات بالمحافظة، وأنه فكر وَليد الفترة الحالية، ظهر بعد ثورة يناير، وساعد فى نموه الظروف الاقتصادية الصعبة التى تمر بها البلاد فى الفترة الأخيرة، مطالبًا الدولة بضرورة السعى إلى الاهتمام الفعلى بتنمية الصعيد، الذى عانى طويلًا الإهمال والتهميش، لأن الإهمال والظروف المادية الصعبة قد تصل بالفرد إلى فعل أى شىء على حد قوله.

انتشار الشيعة.. والفكر المتشدد
«أ. ع» محامى وأحد القيادات الحزبية فى قنا، يرى أيضًا أنه لا يوجد صلة بين ما شهدته محافظة قنا فى فترة الثمانينيات والتسعينيات على يد الجماعات الإسلامية، وما تشهده قنا حاليًا؛ حيث إن الفترة الأخيرة كانت بمثابة توحش للفكر التكفيرى، وانتشار للجماعات التى تتبنى الفكر السلفى الجهادى ببعض قُرى المحافظة.
ويُضيف: «سببان رئيسيان لانتشار الفكر التكفيرى أو السلفى الجهادى بمحافظة قنا فى الفترة الأخيرة، الأول مُتمثل فى وجود واضح للشيعة فى بعض العائلات والقبائل خلال العشر سنوات الأخيرة، كالأشراف القبلية، التى من بينها أشخاص يدعون جهارًا ونهارًا للتشيُع بعدما استطاع بعضهم السفر إلى إيران وتكوين علاقات وطيدة ببعض الأفراد هناك، فكان من الطبيعى فى ظل جو التشيُع ظهور مجموعة أخرى تنتهج الفكر السلفى المُتشدد، كما حدث فى الأشراف البحرية، حتى أصبحت تلك الجماعات تنتهج الأفكار التكفيرية الصريحة».

حكم الإخوان.. ونواب الجماعة
ويواصل: «السبب الثانى الذى ساعد فى انتشار الفكر السلفى الجهادى هو فترة حكم الإخوان لمصر، فتلك الفترة كانت بالنسبة لتلك الجماعات فترة حرية على مستوى التحركات داخل المدينة والقُرى والنجوع لنشر أفكارهم، خاصة بعدما أصبح لهم أعضاء فى مجلس النواب من الإخوان فى تلك الفترة، أمثال محمد يوسف، لدرجة أن بعض الناس كانت تهاب وتخشى الاقتراب من هذه المجموعات وتبتعد عن طريقهم بعد توحشهم وكثرة عددهم، وهى الفترة نفسها التى استطاعوا فيها تكوين علاقات بأشخاص تنتهج الفكر التكفيرى نفسه بالخارج».

قائد البؤرة الإرهابية
ويوضح: «على سبيل المثال، المدعو «عمرو سعيد عباس»، وهو قائد البؤرة الإرهابية التى ذكرها بيان الداخلية على إثر تفجيرات كنيستى مار جرجس بطنطا والمُرقسية بالإسكندرية، وأيضًا زوج شقيق الانتحارى حسن مبارك عبدالله مُنفذ تفجير كنيسة الإسكندرية، وهو شهير باسم «عمرو الشويخى»، استطاع تهريب أحد أفراد مجموعته إلى سوريا إبان فترة حكم مرسى، كما أن شقيقه محبوس على ذمة قضية تظاهر وقلب نظام الحُكم، وأيضًا أحد الذين كانوا يعملون معه فى تجارة المحمول كمساعد كان ضمن المُعسكرين الدائمين بميدان «رابعة العدوية» بعد عزل مُرسى، وأيضًا ممن لقوا مصرعهم أثناء فض الاعتصام».

قبيلة الأشراف
ما يؤكده «أ. ع» أن تلك المجموعات كانت تستخدم القبلية لحمايتهم وحتى يضمنوا عدم اعتراض العائلات على وجودهم، موضحًا: «إذا نظرت إلى البؤرة الإرهابية التى ذكرها بيان الداخلية بعد تفجير الكنائس، والذى يزيد عددهم على ١٦ فردًا، تجد أن أغلبهم موزعون على عائلات قبيلة الأشراف وليس عائلة بعينها، لذلك كانوا غير مرفوضين من عائلاتهم، والمرفوض منهم كان يتجه إلى الإقامة بمدينة قنا بعيدًا عن قريته حتى تظل علاقته بعائلته مُستمرة وغير منقطعة». ويُكمل: «الدليل أيضًا على عدم رفض بعض العائلات لأفكار أبنائها المتطرفين أو خضوع تلك العائلات لوجود متطرفين بينها، أن عمرو سعد عباس مثلًا، الشهير بـ «عمرو الشويخى»، كان يعمل فى تجارة المحمول بشكل واسع، وأموال تلك التجارة كان يجمعها من أفراد عائلته والعائلات الأخرى بقريته مُقابل اقتسام الأرباح، لدرجة وصلت إلى أنه اكتسب احترام قريته بالكامل رغم أنه كان «يُكفر» بعض أبناء القرية جهارًا».

عائلات إخوانية.. وأبناء إرهابيون
ينوّه «أ. ع» إلى أن معظم العائلات التى تورط أبناؤها فى تفجير الكنائس والعمليات الإرهابية الأخيرة من قنا بها جزء كبير ممن ينتهجون طريق الإخوان منذ سنوات طويلة، ويوضح: «الإخوان من المعروف عنهم أنهم يميلون أكثر إلى التعامل مع الجماعات الإسلامية التى على شاكلتهم، حتى إن كانت مُتطرفة، وهو ما ساعد بدوره فى انتشار البؤر الإرهابية لما كانت تلك البيئات خصبة لتقبلهم عن غيرهم».
بينما يقول «علم عبدالوهاب مرعى»، عضو مجلس محلى سابق بقنا، إن المتطرفين الذين كشف عنهم بيان الداخلية على خلفية تفجير كنيستى مار جرجس بطنطا والمُرقسية بالإسكندرية، التى راح ضحيتها ما يزيد على ٤٤ شهيدًا وعشرات الجرحى والمصابين، هم نسبة ضئيلة جدًا مقارنة بحجم عائلاتهم، وأن تلك الأعداد الضئيلة لا تعنى أن تلك العائلات تبنت هذه الأفكار التى أغلبها لا يتماشى مع الطبيعة القبلية والموروثات فى الصعيد.
وأضاف «مرعى» أن ظهور بعض الأفراد المتطرفين فكريًا فى محافظة قنا أمر لا داعى للتهويل فيه أو التهوين أيضًا، كما أن تبنى هذه الأفكار يكون نتيجة رد فعل لظواهر ما فى المجتمع لا بد أن نصلح منها، كالمشكلات الاقتصادية، التى على رأسها الغلاء الفاحش، وهى بيئة خصبة لظهور التطرف والإرهاب، وأيضًا القضاء على الطبقة المتوسطة وما يُسببه من انفلات أخلاقى وظواهر انحلالية ومُتطرفة، كما أنه لا بد للقبائل والعائلات ألا تهون من تبنى بعض أبنائها للأفكار المتطرفة والتكفيرية وتسعى للقضاء عليها، حتى لا تنموا مثل تلك الأفكار داخل مجتمعاتنا.

الانفلات الأمني.. وبيئة التطرف
يوضح مرعى: «فى الصعيد، الجاهل إذا انحرف قد يتبنى أو ينتهج طريقًا لعمل غير شرعى كبيع المخدرات أو الاتجار فى السلاح، إنما الشخص المُتعلم، إذا تطرف، يتبنى إيديولوجية «البتروإسلام» التى اجتاحت ربوع مصر خلال السنوات الأخيرة، رغم أنها تختلف مع طبيعة المُجتمع المصرى الذى ينتهج الفكر الوسطى والإسلام المُعتدل ويميل إلى حب آل بيت النبى». ويرى «مرعى» أن الانفلات الأمنى الذى أعقب ثورة ٢٥ يناير ساعد فى خلق بيئة خصبة للتطرف بأشكاله المُختلفة، وأنه حتى تتم مواجهة تلك الأفكار فلا بد للدولة من تدعيم القيادات التقليدية والزعامات العائلية التى كانت موجودة وتتعاون معها مُسبقًا وتسهيل عملها أو خلق قيادات مجتمعية جديدة تمثل الوجه الآخر للجهاز التنفيذى فى الدولة، كما أنه من الضرورى عودة عمل المحليات والتعجيل بانتخاباتها.
يشير «مرعى» إلى اعتقاده بأن أصحاب الفكر التكفيرى ليسوا بأصحاب جذور اجتماعية أو عائلية قوية فى بيئتهم المُحيطة، وأنهم أشخاص لا يجدون أنفسهم بين المُتسيدين للمشهد الاجتماعى والسياسى فى مجتمعاتهم، وهو ما يدفعهم إلى تبنى أفكار مُتطرفة والتحاقهم بجماعات مُتشددة فكريًا غالبًا، وهو ما يُتيح لهم ويعطيهم حيثية اجتماعية فى بيئتهم التى يعيشون فيها، وأن أولى محطات الأفكار المتطرفة تبدأ بالمذهب النقدى، الذى يحتوى فقط على قاعدتين هما: «هذا حلال وهذا حرام»، ومع انعدام الثقافة والتحليل والتدبر، قد يقود هذا المذهب إلى درجات عدة من التطرف.