الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«أردوغان» مرشد الإخوان الجديد

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
انقلب رجب طيب أردوغان على الجمهورية الأتاتوركية بالاستفتاء لا بدبابات ولا بثورة شعبية، صحيح أنه فاز بغالبية ضئيلة لكنه سيستند إليها، مهما طعن الطاعنون، لإنجاز الجمهورية التركية الثانية ذات النظام الرئاسى والأيديولوجية الإسلامية المستندة إلى الحلم العثمانى، إذ يتجدد بمشاركة الدول والقوميات والأديان والطوائف وليس بالاصطدام بها وتحطيمها. ويلاحظ أن الرئيسين الروسى والإيرانى كانا فى مقدّم مهنّئى أردوغان، وخلف التهنئة المتعجّلة وعى بالشراكة التاريخية العميقة، حتى عبر الصراعات، بين الأتراك والروس والفرس فى المنطقة الشاسعة من ضفاف البوسفور إلى شمال الصين، ويسمونها أوراسيا على رغم أن مساحتها الأوروبية محدودة وتقتصر على الوجودين الروسى والتركى. أردوغان فى رئاسته القوية، يتشبّه بالقيصر فلاديمير بوتين أو أى قيصر آخر فى روسيا المتخفّفة من ثوبها الشيوعى الأوروبى، كما يتشبّه بالمرشد على خامنئى رأس النظام الدينى فى إيران والذى لم يقطع، بل يشجع التيار القومى بما يحفظ التقدُّم العلمى والانفتاح على الحداثة، على رغم شعارات النظام الماضوية. بهذا المعنى، يمكن اعتبار أردوغان «المرشد الأعلى» فى تركيا أكثر مما هو السلطان كما يظن منتقدوه والمتحسّرون على صورة تركيا كنموذج إسلامى حداثى. هو المرشد بصفته مجدّدًا لجماعة «الإخوان المسلمين»، أو على الأصح معيدًا تأسيس الجماعة على قاعدة التخفُّف من التجربة المصرية الفاشلة بقياداتها الثلاث: حسن البنا الذى أسس «الجماعة» جيدًا على الورق، لكنه دفعها فى الواقع إلى التصادم مع المدينة المصرية التى كانت أكثر المدن حداثة فى الشرق لكونها ضمّت نخبًا مصرية وشامية وجاليات أوروبية هاربة من حروب بلادها المتعاقبة، فكان «إخوان» البنا ريفيين يحطّمون كل ما يقع تحت فئوسهم من مظاهر الحداثة بدعوى البعث الإسلامى. والقيادة الثانية جسّدها سيد قطب المثقّف الذى طوّر العداء ضد الحداثة المصرية إلى رفض الحضارة الحديثة برمّتها فى البلدان التى تطاولها أيدى الجماعة، وركّز رفضه على المجتمعات الحاملة «فيروس» هذه الحضارة، فأفتى بتكفيرها وأمر بإعدامها ليبقى على الأرض الإسلام النقى كما يراه. وكان قطب بذلك المؤسس النظرى لما يسمى فى أيامنا الجماعات الإرهابية. والقيادة المصرية الثالثة لـ «الإخوان» هى الرئيس السابق محمد مرسى الذى قاد بلدًا عربيًا كبيرًا بخفة عمدة قرية معزولة، فبدا مزيجًا من الساذج والسيئ الطويّة والمتخلّف والعنيد، كما أن رئاسته فضحت قيادات «الإخوان» المحيطة به فبدوا قصار النظر وانصرفوا إلى حلاوة الحكم لابسين أقنعة التواضع، فيما يضمرون التجبّر والتخطيط لتهميش غير «الإخوان». ثمة قناعة فى المنطقة أن أردوغان سيكون مرشد «الإخوان» فى طبعتهم التركية الأكثر ذكاءً والأكثر اعترافًا بإمكان الجمع بين الإسلام والحداثة. وقد يدفع «الإخوان» فى مصر والعالم العربى ثمن فرحهم المتسرّع بفوز أردوغان فى الاستفتاء، وفى مقدّم هؤلاء «إخوان» مصر المرشحون لدورات إعادة تأهيل أو للطرد فيندرجون فى أمكنتهم المناسبة، الجماعات الإرهابية. و«إخوان» سورية المدعون إلى الإذعان للمرشد التركى فاقدين استقلالية طالما تباهوا بها ومرونة سبق أن أوصلتهم إلى وزارة ورئاسة فى عهود سورية المدنية. ولن يكون المرشد أردوغان معاديًا بالضرورة للقيصر الذى يحكم «روسيا المقدّسة» ولا للمرشد الإيرانى الذى يرى فى نفسه قائدًا دينيًا عالميًا. ثمة ما يجمع أنقرة وموسكو وطهران هو الوعى بلقاء المصالح وتعارضها فى ملعبهم الأوراسى المشترك، والوعى أيضًا بشعوب المنطقة، نقاط قوتها ونقاط الضعف.
نقلا عن «الحياة اللندنية»