ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية اليوم السبت أن العالم الآن يبدو غارقا في الشغب وعدم اليقين ربما أكثر من أي وقت مضى منذ نهاية الحرب الباردة، مشيرة إلى أن هناك صعودا لليمينيين المتطرفين بينما تبدو الديمقراطية الليبرالية نفسها "تحت الحصار".
وقالت الصحيفة في تعليق نشرته على نسختها الالكترونية إن النظام الذي أرسي في العالم بعد الحرب العالمية الثانية آخذ في الزوال مع انتشار القتال عبر الحدود وفشل المؤسسات الدولية – التي أسست على الأقل لكبح جماح المجازر الوحشية – في توفير حلول.
ورأت الصحيفة أن الحركات الشعبوية على جانبي المحيط الأطلسي لا تقفز فقط فوق موجة الغضب الشعبي ضد المؤسسات والأنظمة ولكنها تذكي المخاوف من المختلفين دينيا..وهم "المسلمون" هذه المرة.
وأردفت الصحيفة تقول: إن الغرب أساء تقدير الصراع السوري في بادئ الأمر وصنفه تحت عنوان " مسلمون يقتلون مسلمين".
وقالت الصحيفة: إن الحرب السورية دخلت الآن عامها السابع وأسفرت عن مقتل 400 ألف سوري ودفعت ملايين منهم نحو البؤس وأرسلت موجات ارتدادية إلى العالم حيث هرب ملايين إلى الدول المجاورة بينما اختار البعض منهم أوروبا.
وذكرت الصحيفة أن مفهوم أن العالم فيما بعد الحرب العالمية لن يترك القادة يقتلون شعوبهم عشوائيا يبدو الآن في تراجع تام حيث قمعت الحكومة السورية الثورة بشكل يهدد بتطبيع وترسيخ فكرة "وحشية الدولة".
وقالت الصحيفة إن الرئيس السوري بشار الأسد يستخدم عُذرا بات شعبيا لدى حكومات العالم منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر وهو مكافحة الإرهاب.
وقال ياسين الحاج صالح المنشق السوري وهو علماني يساري سُجن سياسيا لعامين تحت حكم الأسد الأب " سوريا ليست سبب كل شيء.. ولكنها في الحقيقة..غيرت العالم ".
وقالت الصحيفة: إن مجلس الأمن الدولي مشلول ووكالات الاغاثة منهكة حتى القصف الصاروخي الذي أمر به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لقاعدة جوية سورية ردا على الهجوم الكيماوي على بلدة خاضعة لسيطرة المعارضة لم يغير من واقع الأمر شيئا حيث أنه بعد اسبوعين من القصف قامت الحكومة السورية مدعومة من روسيا بمواصلة عمليات القصف متبعة منهج "الأرض المحروقة".
وأضافت الصحيفة / ليس هناك إجماع بشأن ما يتعين فعله في سوريا وبشأن ما إذا كان موقف أكثر أو أقل قوة من قبل المجتمع الدولي قد يجلب نتائج أفضل /.
وقالت الصحيفة إن إدارة الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما أبقت نفسها في منأى عن سوريا لتجنب أخطاء غزو العراق وتصور الزعماء الغربيين أن الصراع السوري ليس مثل الحرب الأهلية في البوسنة وأن جذوة الصراع السوري ستحترق بعيدا عن بلدانهم.
وقالت الصحيفة إن هذا التصور بغض النظر عن كونه أخلاقي أم غير أخلاقي أثبت أنه خطأ حيث عبرت الأزمة إلى أوروبا وكدرت سياساتها.
يقول جوست هلترمان وهو مواطن هولندي يدير منطقة الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية " لقد ألقينا قيمنا على جانب الطريق ولكننا لم نستطع التصرف بشكل يخدم مصالحنا لاننا تركنا الامور تذهب بعيدا للغاية ".
وأردفت الصحيفة تقول: إن الصراع السوري بدأ في عام 2011 باحتجاجات سياسية واجهتها القوات الأمنية بقمع ودعمها الغرب قولا وليس فعلا قبل أن يرفع بعض معارضي الأسد السلاح ضده لترد الحكومة بحملة اعتقالات وتعذيب وتجويع واسعة النطاق بل وقصف لمناطق خاضعة لسيطرة المعارضة.
وهنا صعد الجهاديون المتطرفون التابعون لتنظيم داعش الارهابي ليعلنوا ما هي في تصورهم "دولة الخلافة" التي أشعلت لهيب العنف حتى في أوروبا.
وقالت الصحيفة:إن أكثر من خمسة ملايين سوري هربوا من بلدهم وعبر مئات الالاف منهم البحر إلى اوروبا.
وأوضحت الصحيفة أن اليمينيين استخدموا صور اللاجئين البائسين والعنف المروع الذي واجهوه في وطنهم في حملة لتغذية المخاوف من الاسلام والمسلمين.. وقفزت الأحزاب اليمينية المتطرفة في أوروبا فوق موجة الاستياء الشعبي من تدفق المهاجرين واللاجئين من فنلندا وحتى المجر.
وأوضحت الصحيفة أن أزمة اللاجئين باتت تشكل واحدة من أكثر التحديات لتماسك الاتحاد الأوروبي وقيمته الأساسية "حرية التنقل" والحدود المشتركة والتعددية وعمقت القلق بشأن الهوية والثقافة وغذت انعدام الأمن الاقتصادي وانعدام الثقة في النخب الحاكمة تلك المشاعر التي نمت على مدار عقود مع العولمة والازمات المالية.
وقالت الصحيفة: إن الدول الأوروبية بدأت فجأة بناء وتشييد الجسور وإقامة المعسكرات لوقف المهاجرين واللاجئين وفي الوقت الذي رحبت فيه المانيا بهم قاومت دول أخرى فكرة مشاركة تحمل العبء. وتحدث اليمين المتطرف عن حماية البيض وأوروبا المسيحية /.. معتبرة أن حملة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لعبت جزئيا على مشاعر الخوف من اللاجئين والمهاجرين.
وقالت الصحيفة: إن مارين لوبان المرشحة اليمينة المتطرفة في انتخابات الرئاسة الفرنسية قد تفوز غدا الاحد في الانتخابات وهى مؤيدة لبقاء الأسد في السلطة.. وفي ألمانيا يضع التيار اليميني المستشارة انجيلا ميركل نصب عينيه وفي هولندا تمكن الحزب اليميني المتطرف بقيادة خيرت فيلدرز من تحويل الدفة السياسية في اتجاه اليمين حيث تبنى الحزب الحاكم تكتيكاته الشعبوية محرضا على المواجهة مع تركيا بشأن المهاجرين.
وقالت الصحيفة: إن الصراع السوري فضح أوجه القصور في كل الأنظمة التي يجابهها اليمين المتطرف.
وقالت الصحيفة إن تأسيس الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة القرن الماضي جاء بعد حروب مدمرة بغية حفظ السلام ومنع الاضطهاد ومحاسبة القادة وتوفير المساعدة للمنكوبين لكن الثقة في هذين الكيانين اصبحت الان تتراجع كلما كانت الحاجة إليهما أدعى.
وتابعت الصحيفة: إن مواثيق جنيف بشأن حماية المدنيين في زمن الحرب، والتي لم تطبق ابدا بشكل مستديم، يضرب بها عرض الحائط علنا الآن .
وقال ياسين الحاج المنشق السوري / إن شبح الازمة السورية لم يلق بظله الأكثر سوادا على العالم حتى الان مقارنا النبرة الشعبوية والترهيب من الاسلام والمسلمين الان بالفاشية ومعاداة السامية ابان الحرب العالمية الثانية/.. مشيرا إلى أن المناخ العام في العالم لا يسير صوب الأمل والديمقراطية بل صوب القومية والكراهية وصعود الدول الأمنية.
وقالت الصحيفة إن الوضع في الولايات المتحدة يشبه الوضع في أوروبا حيث يغذي اليمينيون المتطرفون العنف والخوف ضد التهديدات الاسلامية المتصورة وينشر قياديون في هذه التيارات صورا على مواقع التواصل الاجتماعي للرئيس السوري بشار الأسد تصوره " بالحصن ضد التطرف الاسلامي" بينما يدفع البعض في الغرب نحو تطبيع العلاقات مع الأسد على أمل أن ذلك سيساعد في الحرب ضد داعش وسيعيد اللاجئين إلى أوطانهم. واستبعدت الصحيفة إحتمال أن تتحقق هذه النتائج بدون المساءلة والاصلاحات السياسية.
وقالت الصحيفة: إن مخاوف الغرب من الارهاب أصبحت بالغة لدرجة أن كثيرين باتوا يغضون الطرف ويتقبلون العدد الكبير من القتلى في صفوف العرب والمسلمين وأي انتهاكات من الأنظمة مقابل مكافحة هذا الارهاب والقضاء عليه.