الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

أحمد أبوخنيجر في حواره لـ"البوابة نيوز": تجديد الخطاب الديني والثقافي حديث "استهلاكي".. ويجب أن يكون هناك نظام تعليمي موحد تُشرف عليه الدولة.. والمصريون شعب عجوز يتفنن في صُنع الحكاية

أكد إن التعليم الحل الوحيد لخروج مصر من أزماتها

 أبوخنيجر يتحدث ل
أبوخنيجر يتحدث ل "البوابة "
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
كاتب وحكاء بطعم النيل وعذوبته، ما إن تقع عيناك عليه؛ تعرف أن ملامحه تحمل عظمة الأجداد وبريق أسوان، مدينته الأثيرة ذات التاريخ البعيد، حيث الأصالة والإبداع بجذوره فى أعماق الزمان، استمد منها حكاياته، وعلى مقهى أحمدانى بقلب المدينة؛ يطيب له أن يلتقى بأبطال أعماله الأدبية، يلون حيواتهم، ويرصد تحركاتهم وانفعالاتهم، إنه الكاتب الكبير أحمد أبوخنيجر، الذى التقته «البوابة» فى مسقط رأسه «أسوان» وعلى مقهى «أحمدانى» كان لها معه حوار تحدث خلاله عن كتاباته وأعماله الإبداعية، وعن رؤيته لواقع مصر الثقافى والاجتماعى والسياسى أيضًا.
■ البداية.. كيف ترى أداء الدورة الحالية لمهرجان مسرح شباب الجنوب؟
- الدورة الأولى للمهرجان أقيمت العام الماضى بمدينة الأقصر وكانت ناجحة جدًا، والدورة الثانية المقامة حاليا بأسوان نجحت بالفعل، ويمكننا أن نقول إن هذه هى المرة الأولى التى يُقام خلالها مهرجان مسرح فى الصعيد خاص بفرق الصعيد، وهو أمر جيد، وهذا المشروع من مميزاته أنه لديه فعاليات ممتدة طوال العام، من خلال الورش الفنية والتدريب فى التمثيل والكتابة والسينوغرافيا، وفى هذا المهرجان قمنا بتكريم ثلاثة من الكُتاب الذين شاركوا فى الورش التى أقيمت ما بين الدورة الأولى والدورة الثانية، وهذا العام بطبيعة الحال هناك ورش على هامش العروض المسرحية وهذه الورش لن تتوقف، وسيتم تطويرها.
■ كيف كانت بدايتك مع الحكى الشعبي؟ وهل للحكاء مواصفات خاصة؟
- حقيقة لا أعرف كيف كانت البداية، ولكن أعرف أنى تعلمت على يد أساتذة «شُطار»، كان لدى معلمون كبار ومنهم جدتى وأعمامى وأخوالى، وبعض الناس الذين لديهم الطرق المميزة فى الحكى، بدأت أستمع ثم بدأت بالسؤال لماذا هذا الأسلوب بالتحديد، ولماذا هذه الطريقة فأنا أعرف الحكاية ومن هنا كان التطور، وبعد ذلك اكتشفت أن بعض المهارات بدأت تنتقل، وبالتالى بدأت ممارسته مع أقرانى، ولكن تظل روح الحكاء موجودة، ونحن نعلم أن الحكى غير الكتابة، فالكتابة لها خصائص وطرق، والحكى له وسائل أخرى فى الأداء والطريقة وتشكيل الحكاية والتفاعل الحى المباشر مع الجمهور، ونفس الشيء بالنسبة لى، لا توجد لدى طقوس قبل الحكى، ومن الممكن أن يكون الحكى بشكل مفاجئ بناء على طلب مجموعة من الحضور فى جلسة ما، وربما تضطر إلى الارتجال، فالأمر غير مرتبط بتحضيرات أو تجهيزات، وإنما التعامل المباشر والتفاعل المباشر مع الجمهور من خلال ما لدى الحكاء من خبرات وتجارب سابقة.
■ هل الورش مرتبطة بصناعة كاتب، وهل للموهبة دور؟
- «الصنايعي» سيظل «صنايعي»، فمن الممكن أن تُعلم مجموعة كبيرة حرفة ما، ستجد منهم أشخاصا جيدين، ولكن ستجد شخصا متفردا، وهذا هو الفنان والموهوب، والموهبة تأتى قبل التعلم، ولا دخل لأحد فيها، وإن أردت تطوير شخص فعليك أن تعرف إن كان موهوبا أو لا، وكل شخص موهوب فى منطقة ما، ولو أننا جميعًا موهوبون فى الكتابة فكيف لنا أن نجد النجار والخباز والسباك إلخ، ولدينا الكثير من الكُتاب والمسرحيين تنطبق عليهم لفظة «الصنايعية» لأنهم بالفعل صنايعية، ولكنهم غير موهوبين، ولكن فى الأخير يبقى الفنان مختلفا عمن حوله من خلال ما يقدمه من أعمال، والورش التى تُقدم لكل الناس فى ظنى أنها خطأ والمفترض أنها للموهوبين، ومن المفترض أن نعرف هل الشخص الذى سيُشارك فى الورشة موهوب أم لا؟.
■ الجدة دائمة الحضور فى حكاياتك.. هل هو تأثر بالموروث الشعبى أم خيال المؤلف؟
- الجدة هى واحدة من المكونات الأساسية فى وعى الكاتب، وأنا هنا أقصد نفسى، لأنه ربما كاتب آخر لم ير جدته أو يكون حضور الجدة بدرجة ما سلبيا، فالجدة فى كتاباتى لها مواقفها الإيجابية والسلبية كإنسانة، تعلمت منها بعض الأمور، ولكن تبقى الجدة صاحبة دور فاعل لأنها حاكمة لمنظومة القيم، وهو دورها الاجتماعى أو دورها داخل الجماعة الشعبية، وتبقى فى الأخير إنسانا قد تصيب وقد تُخطئ وقد ترتكب حماقات، فالنظرة إليها ليست نظرة نمطية، فمثلًا فى قصة «حديث خاص عن الجدة»، تقوم الجدة بكى حفيدها لأنه يبصق كثيرًا، وكان من طرق العلاج الشعبى لديهم أن يتم كى الصغير لعلاجه، فقامت الجدة بكى الصغير فى رأسه، وكان الولد متعلقا بها جدًا، ولكنه بعد عملية الكى وما وجده من ألم رفض هذا الحب، واعتبره ادعاء وكذبا، وكانت النتيجة أن الجدة فى نهاية القصة عندما جاء شخص يطلب منها الكى للعلاج، رفضت، تعلمت من الواقع المباشر أمامها لأنها كانت تحب حفيدها، وأقصد أن الجدة ليست نمطا وإنما متفاعلة مع الحياة المحيطة بها.
■ روايتك «العمة أخت الرجال» هل هى إبحار لتوسيع دائرة الأسطورة فى كتاباتك أم أن هناك عمة حقيقية تعاطفت وتفاعلت معه؟
- من ناحية العمة فهناك عمة بالفعل، ولكن فى النهاية أنت تنطلق من جزء أو من رائحة أو من مشهد، وفى «خور الجمّال» هناك مشهد فى أول الرواية انطلقت منه، وهو مشهد ٥ سطور، وهو مشهد راسخ فى ذهنى، لدى عمتى التى أحبها، عمتى المباشرة التى تعتبرنى ابنها، ومن خلال علاقتى المباشرة بها فهى شخصية قوية ولديها مساحة من الأمل، وبدأت أنسج حول هذه الصفات أو الطبيعة، ولكن تشكيلات النسيج هنا هى للكاتب، أما فكرة الأسطورة، دائمًا فأى إنسان لديه أسطورته الشخصية، وجميعنا لدينا أساطيرنا الشخصية، وهى ما نكونه نحن، بالتفاعل مع معطيات الحياة من حولنا ومع آمالنا وأحلامنا وإحباطاتنا وفى الأخير، تُشكل الأسطورة، كما تقولها الجدة لكل ابن آدم حكاية وأن الإنسان غير الموجود هو إنسان بلا حكاية، الشخص غير القادر على صناعة أسطورته هو شخص غير موجود.
■ أى الأشكال الأدبية أقرب إلى قلب أبوخنيجر؟
- كلها تجد نفسك بها لحظة كتابتك لهم، وأنا لا أكتب شيئا لم أحبه، ودعنى أقول لك إن نجيب محفوظ كتب الرواية وكتب القصة القصيرة، وكتب المسرح الحوارى والأفلام، وهذا هو النص الذى أنتجه نجيب محفوظ، وفى كل لحظة قدم بطريقة مختلفة، ففى اللحظة التى أحكى بها أكون «حابب» لما أقدمه، وفى الكتابة أكون منسجما معها، وما لم أحبه لم أذهب إليه، وخاصة فى مجال الإبداع إن كنت موهوبًا فالموهبة ستأخذك إلى المنطقة الخاصة بك، وما تجد نفسك به، وغير ذلك أمر صعب وتُصعب الأمور على نفسك بل تقتلها لأنك تراكم عليها أشياء ليست خاصة بها، فأنت بذلك تطفئ بريق الجوهرة بداخلك أو تساهم فى إظلامها، فمثلًا القصة والرواية والمسرح والحكى فنون سردية فى الأصل.
■ ولكن كيف تتشكل اللغة لدى أحمد أبوخنيجر؟
- لا أعرف.. فبعض الأوقات أسأل نفسى كيف كتبت هذه الجملة، ولو أمسكت الآن بقصة «غواية الشر الجميل»، أسأل نفسى من كتب هذا الكلام!، وهناك أمر مهم وهو كيف تكون حريصًا على ألا تثبت أشياء معينة لديك، لأنك لو ثبت بعض الأمور فى ظنى ستأخذك إلى نفس الطريق الذى سلكته من قبل، ففى حال تثبيتك استخدام لغة معينة ستجد نفسك ستكتب ما كتبته، والمتابع لأعمالى سيجد طريقة السرد واللغة الموجودة فى «نجع السلعوة» غيرها تمامًا فى «فتنة الصحراء» غيرها تمامًا فى «العمة أخت الرجال»، وكذا «خور الجمال»، والكاتب يجب أن يقوم بانحراف فى كتاباته عما هو سائد، وهذا الأمر سهل وبسيط، والأصعب أن تكسر الطريق الذى تسير فيه، وأن تكسر أدواتك نفسها.
■ من أكثر الشعوب والمجتمعات التى تفاعلت مع حكاياتك؟
- المصريون بكل تأكيد، فهو شعب حكاء ويحب الحكايات، والعراقيون أيضًا تفاعلوا بشكل كبيرة مع الحكى، أما المصريون فبطبيعتهم بطبيعة التكوين، والتاريخ شعب عجوز وليس سهلًا أو هينا، وبطبيعته يحب الحكى، ولذلك تجد الشعر ابن الصحراء أكثر منه فى الحضر، لأن الشاعر فى الصحراء وحيد، أما الحكى فيحتاج إلى جماعة ويحتاج إلى ونس، ومجتمع الصحراء يفتقد إلى الونس، فالمصرى أو الجماعة البشرية عمومًا بدأت تهتم بالحكى لوجود حالة من التنافس فى عرض الأحداث اليومية، والمهم هنا هى الطريقة التى يتم السرد بها، ومن الممكن أن يتم سرد أحداث لم تقع بالفعل ولكنها تكون ضرورية للحبكة الخاصة بالحكاية، ومن هنا جاء التنافس فى السرد ومحاولات تطويره، ومن هنا بدأت فكرة الحكى.
■ رغم صخب القاهرة وأضوائها وإمكانية التواجد أكبر.. ما سبب الإقامة فى الجنوب؟
- أنا أحب هذا البلد، وقلت لك فى بداية الحوار إننى لا أفعل إلا الأشياء التى أحبها، والروح هى التى تختار، وهناك أماكن تحبها وتحب الإقامة بها، كالتفاعل مع الأشخاص بالضبط، فالأماكن لها روح، والتفاعل بين الأرواح هو من يحدد البقاء بها من عدمه، وأنا روحى لم تتصالح مع القاهرة، وهذا الأمر ليس له علاقة بالبعد الثقافى، وهذا الأمر قديم، وحتى فى فترة الصيف قديمًا كنت أذهب للعمل فى الإسكندرية ولا أقوى على العمل والإقامة فى القاهرة، وبغض النظر عن الندوات والأضواء والتفاعل والتواجد، هناك أمران قاتلان بالنسبة لى فى القاهرة وهما الزحام والضوضاء، فما معنى أن أنزل من منزلى لقضاء أمر ما يتطلب نصف الساعة، فأجدنى أقضى أكثر من أربع ساعات فى المواصلات، ما هذا العبث؟ من يُحاسب على هذا العمر الضائع فى وسائل المواصلات، وفيما يخص أضواء القاهرة والشهرة نجد أن التكنولوجيا الحديثة ووسائل الاتصال خدمتنا كثيرًا، .
■ ما رأيك فى المنتج الروائى الشبابى فى الوقت الحالى.. وخاصة أدب الرعب؟
- بعض الأحيان تنظر إلى هذه الظاهرة باستهجان، وترى أن ما يتم كتابته «كلام فاضي»، أو تتهم الكتابة بالجهل والتسطيح وأمور كثيرة، ولكن قبل أن يُقال هذا يجب أن توضع الكتابة فى سياقها، فنحن لدينا مشكلة وهى أننا ليس لدينا حدود، فعندما تتحدث عن جائزة النيل وهى أرفع جائزة تمنحها الدولة فى الآداب، ويتم منحها لأحمد رجب، إذن عن أى معيار نتحدث؟، وما علاقة أحمد رجب بالكتابة الأدبية، ولماذا يتم خروج كتابة هؤلاء الشباب خارج إطار الكتابة الأدبية إذا كانت لا توجد معايير لدينا، ، والكتاب الشباب فى الوقت الحالى يقدمون شيئا جميلا فى ظنى بأنهم استطاعوا استقطاب الشباب للقراء.
■ هل الجوائز معيار على جودة العمل الأدبي؟ أم أن هناك اعتبارات أخري؟
- أنا لا أتدخل فى موضوع الاعتبارات، فربما يقول شخص لم يحصل على جائزة إن هناك اعتبارات، واللجنة التى اجتمعت ربما تكون ذائقتها غير متفقة مع ما كتبته، وقد منحت الجائزة لشخص اتفقت كتابته مع ذائقتها، والجائزة ليست دليلا على جودة العمل، ولكنها تعتبر دعما للكاتب، وأتمنى أن تكون الجوائز كثيرة، ولكن يجب أن توضع معايير دقيقة ويتم الإعلان عنها بشفافية، ولو أن كل شيء يتم وفق معايير واضحة لما وجدنا هذا الكلام، والجائزة نوع من أنواع الرضاء الذاتى، والجانب المادى مهم لمساعدة الكاتب فى التفرغ لكتاباته.
■ كيف تخرج الثقافة من حالة التخبط التى تعيشها؟
- وليس منطقيًا أن يكون هناك شيء جيد وآخر غير جيد، إما الجميع جيد أو الجميع غير جيد، فالثقافة مثلها مثل التعليم، مثل الصحة مثل الصناعة مثل الخدمات الاجتماعية، وكلها على حد سواء، وحلولنا للخروج من هذا المأذق كما قلت لك فى بداية الحوار من خلال التعليم، وليس لنا حل سوى التعليم، الذى يبنى العقول والضمائر.
■ فى النهاية.. كيف ترى الأحداث الارهابية الأخيرة التى شهدتها مصر؟
- إذا ما زلنا مصرّين على التعامل بنفس الطريقة الأمنية العقيمة، فالحل الأمنى ليس صحيحًا فى كل الأحوال، فجميع المشاكل المحيطة بنا فى الأصل مشاكل ثقافية، فيجب حلها من جذرها، والحديث حول تجديد الخطاب الدينى وتجديد الخطاب الثقافى هو حديث استهلاكى فقط ولم يتم منه أى شيء، وإذا أردنا التغيير فعلينا بالتعليم.