الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

كيف أسقط التحالف الإيراني - الإخواني نظام مبارك؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بدا للجميع أن تحالف الثلاثى القذر- «إخوان مصر- حماس - إيران من خلال حزب الله ذراعها الإرهابى».. أثناء ثورة المصريين فى ٢٥ يناير أمرًا غامضًا وغير مفهوم.. هذا التحالف الذي بلغ ذروة إجرامه باقتحام السجون المصرية خلال الثورة، وقام بتهريب قيادات من الإخوان وحماس وحزب الله، كانت قابعة فى السجون بموجب أحكام قضائية فى اتهامات جنائية وأخرى متعلقة بالتخابر وتهديد الأمن القومى المصرى.
فى الأسبوع الماضى، طفا على السطح مجددا هذا الغموض عقب الكشف عن مزرعة فى محافظة البحيرة يمتلكها قيادى إخوانى، وجد فيها أسلحة صناعة إيرانية، مما يعنى أن هذا «التحالف القذر» ما زال قائمًا يمارس الإرهاب ويستبيح أمن البلاد.
سبب هذا الغموض أن المنطقة العربية شهدت وتشهد خلال العقدين الماضيين استقطابًا مذهبيًا حادًا، بين السنة والشيعة، وطبيعى أن تكون جماعة الإخوان مشاركة وفاعلة فى قلب هذا الاستقطاب، وبحكم طبيعتها الدينية ذات الانتماء السنى- السلفى، كان منطقيًا أن نرى تناحرًا بين الإخوان والميليشيات الإيرانية كما يحدث الآن فى سوريا والعراق واليمن، فضلًا عن مناوشات فى لبنان، إلا أن هذا لم يحدث فى حالة إخوان مصر وحماس فقط... فما السر فى ذلك؟
استطاع «فريدريك هاليداى» -توفى فى ٢٠١٠م- المفكر اليسارى الأيرلندى المتخصص فى العلاقات الدولية والشرق الأوسط حل اللغز وفك شفرة هذا الغموض فى كتابه «إيران والإخوان: علاقة ملتبسة»، الصادر مؤخرًا عن دار «مدارك» للنشر، بترجمة فذة للدكتور حمد العيسى. 
أول سؤال أو مفارقة تواجهك فى هذا العمل الخطير، كيف يتمكن مؤلف توفى فى إبريل ٢٠١٠م، من تفسير جوانب غامضة لما حدث فى ٢٥ يناير٢٠١١م؟.. أعتقد أن ما يمكن أن يراه البعض عيبًا أو نقصًا يعد ميزة للكتاب، لأننا بصدد رصد موضوعى للعلاقة بين «الثلاثى القذر» فى مراحلها الأولى، ومن ثم يصبح الكتاب فى هذه الحالة أشبه ما يكون بصيحة تحذير أو إنذار أو نبوءة بما سيحدث.
بل إن هذا الكتاب لو صدر بعد ٢٥ يناير لكان سيصنف ضمن الكتابات التى تشكك فى الثورة، وتعتبرها مؤامرة شارك فيها إخوان مصر وحماس مع أطراف خارجية، لكن شاءت الأقدار أن يصدر كتاب هاليداى فى ٢٠١٠م ليكون وثيقة لها قيمتها عند قراءة مسار ما حدث فى مصر خلال الأعوام الـ٦ الماضية.
يعدد المؤلف الروابط الفكرية والعقدية والتاريخية التى تجمع الإخوان وإيران، إلا أنه يذكر سببًا سياسيًا مباشرًا، عمل على تحويل العلاقة بين إخوان مصر وطهران إلى حلف مقدس -الأدق اعتباره حلفًا مدنسًا- وهو أن إيران بعد ثورتها على الشاه: اهتمت بإضعاف الدول العربية من أجل تعزيز هيمنتها الإقليمية، بينما سعت جماعة الإخوان دائما إلى إضعاف الدول العربية لزيادة فرصها فى الحصول على النفوذ وإقامة دولة الشريعة»....فنحن أمام تلاقى مصالح بين الطرفين، إيران تهدف إلى إضعاف الأنظمة العربية حتى تصبح هى المهيمنة، والإخوان يسعون للهدف نفسه للوصول إلى السلطة.
إلا أن المؤلف يقف عند عام ٢٠٠٥، باعتباره نقطة تحول من «تلاقى مصالح» الطرفين إلى «تحالف استراتيجي» بينهما، حيث نجح إخوان مصر فى الحصول على ٨٨ مقعدًا، ومن ثم أصبحوا بحكم الأمر الواقع بديلا للنظام القائم، ومنذ تلك اللحظة مدت إيران جسور الوصل والوصال مع الإخوان لـ«نزع شرعية نظام مبارك» -هكذا وصف المؤلف هدف هذا التحالف-. ويسوق المؤلف مثالا أو واقعة خطط لها التحالف الإيرانى الإخوانى فى إطار سعيهم إلى نزع الشرعية عن نظام مبارك، فيقول نصًّا: ساعدت إيران الإخوان بقوة من خلال السعى إلى نزع الشرعية عن النظام المصرى وإحراج مبارك، فعلى سبيل المثال، خلال الحرب على غزة «ديسمبر ٢٠٠٨- يناير ٢٠٠٩»، سعت إيران عبر وكيلتها حماس إلى إشعال الحرب –مع إسرائيل-، ومن ثم شنت هجمات «بروباجاندا» عنيفة عبر إعلامها الشعبوى ضد النظام المصرى عن سياسته خلال تلك الحرب، ووصفته بالخيانة ومعاداة المصالح الإسلامية وخدمة إسرائيل، بالرغم من كون سياساته الخارجية كانت عمليًا وبالفعل تحمى المصالح العليا للدولة المصرية. زعيم حزب الله، حسن نصر الله، واصل استعمال هذا الخط من الهجوم عندما حث الشعب المصرى وقادة القوات المسلحة المصرية، ليتمردوا على حكومتهم بشأن تعاملها مع الحرب على غزة. 
وهذه ملحوظة خطيرة يكشفها المؤلف، فالحرب التى شنتها إسرائيل على غزة فى ٢٠٠٨-٢٠٠٩، كانت تقف وراءها إيران، حيث دفعت «حماس» لفتح جبهة حرب مع إسرائيل، ومن ثم تم استغلال هذه الحرب فى التشنيع على نظام مبارك والسحب من رصيده الشعبى.. من يرصد السنوات الأخيرة فى عمر نظام مبارك يجد فعلا أن العدوان الإسرائيلى الهمجى على غزة كان أحد أسباب تصاعد غضب المصريين ضد مبارك.
يتوقف المؤلف عند حادثة أخرى ذات مغزى خطير لم ينتبه إليها الكثيرون، هى موقف الإخوان من إعلان القاهرة عن القبض على خلية لحزب الله عام ٢٠٠٩ تهدد الأمن القومى للبلاد.. بمجرد الإعلان عن هذه الخلية هاجم مكتب إرشاد الجماعة النظام، وأعلن تأييده لحسن نصر الله، وخرج محمد مهدى عاكف مرشد الجماعة، ليؤكد أن المنطقة بها أجندتان، الأولى: تعادى أمريكا وتمثلها إيران وحزب الله، والثانية: استسلامية تتحالف مع أمريكا وتمثلها الأنظمة العربية، ثم أعلن عاكف أن الجماعة منحازة لأجندة إيران، وتعمل وتقاتل تحت راية حزب الله.. معتبرًا القبض على هذه الخلية عملية مصطنعة لإرضاء إسرائيل وأمريكا.
ما لم يشر إليه المؤلف –لأنه مات فى ٢٠١٠- أن هذه الخلية هى التى تم تهريبها أثناء اقتحام السجون فى ٢٥ يناير، وأذاعت قناة «المنار» –لسان حزب الله- خبر هروب هذه الخلية، وبحسب تحقيقات أجهزة الأمن، استغلت عناصر من حماس وحزب الله حالة الفوضى الأمنية، وتسللت إلى داخل مصر لتهريب قيادات حزب الله وأخرى لحماس.
ثمة واقعة أخرى حدثت فى ٢٥ يناير، تشير من طرف خفى إلى سعى الإخوان إلى إلباس الثورة ثوبًا إيرانيًا، حيث تم استدعاء يوسف القرضاوى لإلقاء خطبة فى ميدان التحرير، كما حدث مع الخمينى فى إيران بعد إسقاط حكم الشاه، وقد التفت إلى هذه النقطة الكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، قائلًا عن الإخوان: كانوا يريدون بهذا الموقف تصويره، وكأن الخمينى عائد إلى مصر.
أعتقد أن الزاوية التى توقف عندها فريدريك هاليداى، تحتاج إلى فتح تحقيقات ومناقشات جادة، علنا نتمكن من إيقاف نزيف دماء المصريين الذى تتورط فيه إيران بتحالفها مع جماعة الإخوان الإرهابية.