الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

تهجير الأقباط وإستراتيجية "داعش" في مصر "1-2"

إبراهيم نوار مدير
إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربى للبحوث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إعداد: إبراهيم نوار مدير الوحدة الاقتصادية بالمركز العربي للبحوث والدراسات
التنظيم الإرهابى يتجه إلى توسيع عملياته خلال الأشهر المقبلة
معارضو «السيسى» يجدون مصلحة مباشرة فى تصعيد عمليات العنف ضد النظام
القوى المتطرفة أصبحت فى الأشهر الأخيرة أكثر ميلًا إلى التنسيق فيما بينها
لا علاقة بـ «الإرهاب» بتجديد الخطاب الدينى.. واستمرار نظرية «الحاكمية لله» مرتبط بالفقر والجهل
دراسات «المركز العربى للبحوث»
استمرار لسياسة التعاون بين جريدة «البوابة» والمركز العربي للبحوث والدراسات ننشر اليوم دراسة حول تهجير الأقباط وإستراتيجية «داعش» الجديدة في مصر للباحث إبراهيم نوار. 
تنبئ وتيرة العمليات الإرهابية المتسارعة منذ بداية العام الحالى إلى أن الأشهر المقبلة قد تشهد زيادة فى عدد العمليات واتساعا لنطاق وقوعها وارتفاعا فى كثافتها النيرانية أو التدميرية حتى حلول موعد إجراء الانتخابات الرئاسية المقبلة فى منتصف العام 2018. وتظهر متابعة العمليات التى ينفذها تنظيم داعش بجناحيه تنظيم «ولاية سيناء» وتنظيم «الدولة الإسلامية مصر» الذى أعلن مسئوليته عن تفجيرات كنيستى مار جرجس فى طنطا ومار مرقس فى الإسكندرية ارتفاعا ملموسا فى عدد العمليات المنفذة فى سيناء، واتساع نطاق رقعتها هناك من شمال سيناء إلى القطاع الأوسط من شبه الجزيرة، وانتقال التنظيم إلى مرحلة جديدة من توسيع نطاق عملياته خارج سيناء سواء فى القاهرة أو فى مدن أخرى.
وكانت عملية تفجير الكنيسة البطرسية فى قلب مقر الكاتدرائية القبطية فى العباسية فى ديسمبر ٢٠١٦ علامة مميزة لمرحلة الانتقال الجديدة. 
وهذه المرحلة وإن كانت قد استهدفت الأقباط بالأساس فى تفجير البطرسية ثم تفجيرى كنيستى طنطا والإسكندرية فى ٩ إبريل ٢٠١٧ إلا أنها قد لا تتوقف عند ذلك الحد وإنما قد تشمل أيضا أهدافا عسكرية وأمنية فى قلب القاهرة والمدن الرئيسية الأخرى والكمائن الأمنية المنتشرة على الطرق فى كل أنحاء البلاد. لقد راح ضحية تفجيرات الكنائس منذ ديسمبر ٢٠١٦ حتى الأسبوع الثانى من إبريل ٢٠١٧ ما يقرب من ٩٠ قتيلا إضافة إلى عشرات المصابين الذين تتراوح إصاباتهم بين خطيرة إلى خفيفة، لكن هذه التفجيرات تركت جرحا إنسانيا واجتماعيا وسياسيا عميقا فى قلب النسيج الاجتماعى المصرى سوف يحتاج إلى الكثير من المداواة والصبر حتى يندمل، وما فرض حالة الطوارئ إلا مجرد محاولة لضم الصفوف داخل الوطن استعدادا لمرحلة أشد شراسة فى الحرب على الإرهاب. 
ونظرا لأن الانتخابات الرئاسية المقبلة تمثل اختبارا حقيقيا لشعبية النظام السياسى القائم؛ فإن كل القوى المتطرفة المناوئة للنظام، خصوصا من يعلنون على الدوام رفضهم لما يسمى «حكم العسكر» وعزمهم مقاومة ذلك الحكم بالقوة المسلحة سيجدون لهم مصلحة مباشرة فى تصعيد عمليات العنف ضد النظام أو استثمار العمليات الإرهابية فى الدعاية ضده ووصفه بالعجز عن مقاومتها، ومن ثم الطعن فى شرعية النظام وعدم قدرته على توفير الأمن والأمان للمواطنين. وسوف يكون الميل السياسى لهذه القوى المتطرفة بمثابة حاضنة فكرية وسياسية للعمليات الإرهابية ومكمل لها من الناحية الدعائية بغرض تحقيق أهدافها السياسية؛ فالعمليات الإرهابية ليس هدفها التدمير أو القتل فحسب، وإنما هدفها هو إضعاف النظام السياسى وإثبات عجزه والترويج لبديل سياسى يخلفه، وهو هدف لا تقدر العمليات الإرهابية وحدها على تحقيقه وإنما هى تحتاج إلى إسناد معنوى سياسى وإعلامى يساعد الفعل الإرهابى أن يكون مبررا ومقبولا. 
ويمكن القول إن القوى السياسية المتطرفة التى تميل إلى استخدام العنف أصبحت فى الأشهر الأخيرة أكثر ميلا إلى التنسيق فيما بينها من أجل تشديد الهجوم على النظام القائم بصرف النظر عن الأسوار التنظيمية التى قد تفصل بينها. ومن بين هذه القوى تبرز تيارات السلفية الجهادية والجماعات المسلحة المنبثقة عن تنظيمات الإخوان المسلمين مثل تنظيم الحركة الإسلامية المسلحة «حسم» أو «لواء الثورة» ومتبقيات جماعة صلاح أبو إسماعيل وغيرها، التى أصبحت تتحرك بحرية أكثر بعيدا عن المركزية التقليدية للتنظيم. وتجد التيارات الدينية المتطرفة وعاء واسعا للتجنيد بين الشباب اليائس الذى فقد كل فرصة للحياة فى الحياة، ففضل الموت لأنه لا يوجد خيار سواه. وقد أظهرت تحقيقات ما بعد تفجيرى طنطا والإسكندرية أن وابلا من النيران قد يندلع بين الشباب اليائس حتى يأتى على كل شىء فى طريقه؛ فعندما تهون الحياة على النفس، تهون من باب أولى حياة الغير انتقاما لحرمان النفس. 

إننا فى هذا المقال لن نتعامل مع وقائع الإرهاب بوصفها حوادث إجرامية منفردة، وبالتالى لن نرفع شعار «البحث عن المجرمين وسرعة تقديمهم للعدالة»، فهذه ليست وقائع جنائية بالمعنى الفنى للكلمة، وإنما سنتعامل معها بوصفها جزءا من ظاهرة سياسية لها أيديولوجيتها وبنيتها التنظيمية وأدواتها ومساراتها العملية لتحقيق أهدافها. كما أننا ونحن نتعامل مع وقائع الإرهاب كجزء من ظاهرة سياسية فإننا لن نقتصر على حصر نطاق تلك الظاهرة داخل حدود مصر فقط وإنما سوف نربط فيما بين الداخل والخارج من زاويتين، الأولى منها تتعلق بالترابط بين ظاهرة الإرهاب فى مصر ومثيلاتها فى الدول المحيطة، فكل هذه هى فى نهاية الأمر ظاهرة جمعية فى الدول العربية والإسلامية كما أن لها امتداداتها الكونية. أما الزاوية الثانية فإنها تتعلق بالروابط المتبادلة بين مصر وجيرانها سواء عبر الحدود أو عبر انتقال الأفراد والأموال وغيرها أو ما يتعلق بترابط وتداخل علاقات التاريخ والثقافة والجغرافيا وغيرها. 
وفوق ذلك كله، فإننا لن نتعامل مع وقائع الإرهاب من زاوية دينية بحتة، وإنما سنسندها أو سنردها إلى طبيعتها وجذورها السياسية، ومن ثم فإننا لا نتفق مع الكثير مما يقال عن علاقة الإرهاب بالخطاب الدينى، ومن ثم الدعوة إلى ما يسمى بـ «تجديد الخطاب الدينى» باعتباره طوقا من أطواق النجاة من مخاطر الإرهاب، فالقرآن كما قال سيدنا على كرم الله وجهه فى محاجته للخوارج فى موقعة صفين «حمال أوجه»، والتفسير يصول فيه ويجول فحول من الأئمة منهم من انبرى للدفاع عن السلم والتسامح وأتى بالآيات والأحاديث والسنن النبوية الشريفة التى تسنده، ومنهم من ابتدع طريق الانتقام والقتل الذى لم يسلم منه أحد حتى من الصحابة الراشدين، وأتى أيضا بآيات وبأحاديث تسنده. وقد هدد الخوارج عليا كرم الله وجهه وتوعدوه بالقتل كما قتلوا ابن عفان رضى الله عنه، فانصاع لهم حتى وقعت الفتنة فقتل على وآل الحكم لمعاوية وللأمويين. إن وقائع الإرهاب سياسية الطابع وليس فيها من الدين من شىء، لكن لهذا لن يمنع الإرهاب من محاولة التخفى وراء الدين، ليس لأنه يؤمن بذلك وإنما لأنه لا يرى فى شىء غيره ما يتغطى به. ومن المعروف أن معظم أدبيات الإرهابيين تعود إلى نظرية «الحاكمية لله» التى جاءت مع الخوارج وانتشرت فى عصور مختلفة وأعاد بعثها محمد بن عبدالوهاب فى جزيرة العرب فى القرن الثامن عشر، ثم روجها فى القرن العشرين عالم الدين الباكستانى أبو الأعلى المودودى مؤسس الجماعة الإسلامية، وهى نظرية لها من يريدها ويذود عنها وبها من التأويل ما بها وأخطر ما بها هو ما يحول بين الإسلام وبين طبيعته بوصفه «دين الرحمة» و«دين الفطرة». وسوف تستمر نظرية «الحاكمية لله» ما استمر الفقر والجهل وقصر النظر وانعدام الإرادة القائمة على العقل الذى هو أغلى ما ميز به الله سبحانه وتعالى الإنسان عن بقية المخلوقات. 
إن الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى يجب ألا تترك لتسبح فى خواء أو وسط تخبطات السياسة والإدارة. كما أن الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى ينبغى ألا تتحول أبدا إلى مسوغ للهجوم على الأزهر الشريف أو للخصومة مع شيخه الطيب. ولكى تكون الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى واضحة فإننا يجب أن نحدد أولا ما هو الهدف من تجديد الخطاب الدينى، ذلك أن تحديد الهدف يهدينا إلى الاتجاه. فإذا كان الهدف ينحصر فى استخدام بعض النصوص لتكفير الجماعات الإرهابية؛ فبئس الهدف، لأن سلاح التكفير سوف يستخدمه هذا ويستخدمه ذاك، هذا سيأتى بآية وذاك سيأتى بغيرها، وهذا سيأتى بحديث وهذا سيأتى بغيره، كل سيسارع إلى جعبته لتوظيف الدين لخدمة أغراض سياسية، وحاشا لله من توظيف الدين لخدمة السياسة. إن الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى يجب أن تهتدى بطبيعة وروح الدين نفسه وبالقيم الإنسانية العليا التى ينطوى عليها مثل العدالة والمحبة والتسامح والإخاء والمساواة والصدق والأمانة واحترام حق الحياة للبشر والحيوانات وللنباتات وللطبيعة الجارية. 
وحتى تمضى الدعوة إلى تجديد الخطاب الدينى فى طريق سليم، فإنه من الضرورى إزالة شبهة استخدام الدين كوسيلة لتحقيق أهداف سياسية، وهذا يعنى ضرورة تضييق مساحة التداخل بين الدين وبين السياسة. إننا لا نستطيع هنا أن نقفز إلى ضرورة الفصل بين الدين والسياسة وتطبيق مبدأ «لا سياسة فى الدين ولا دين فى السياسة»، لأننا قطعنا قرونا طويلة نسير فى الاتجاه الخاطئ، وكل ما نستطيع قوله هو إنه من الضرورى أن ندرك أن مأساة العالم الإسلامى الحالية وحروبه والاقتتال بين المسلمين أنفسهم تنبع من خلط الدين بالسياسة والسير على خطى السابقين منذ خلاف على ومعاوية الذى قسم المسلمين إلى شيعة وسنة وخوارج، وها نحن نجد أنفسنا حتى الآن وكل منا يجتهد فى إيجاد خندقه الذى يتمترس فيه ويحارب منه، فى واحد من هذه الخنادق المليئة بالصراع مع أن الدين واحد والنبى واحد والله سبحانه وتعالى واحد. ويجب أن نحذر هنا من الانسياق وراء الدعوات لإقحام الأزهر الشريف فى صراع سياسى، أو استخدام رجاله كأدوات لتكفير الآخرين، حتى وإن تلطخت أيديهم بدماء المسلمين. أطلقوا الحوار داخل الأزهر بدون أوامر إدارية، ودعوا مدارس فكرية كثيرة تتفتح بين جنباته؛ فالريح الطيبة جالبة للخير ومظهرة للعقول وللقلوب. 
ومع ذلك فإننى أظن أن «تجديد الخطاب السياسى» وليس «تجديد الخطاب الدينى» هو أول ما نحتاجه لمقاومة الإرهاب. ولا يكفى أن يحتوى الخطاب السياسى على شعارات رنانة عن العدالة، وإنما يجب أن تكون العدالة واقعا، ولا أن يمتلئ بشعارات الحرية وإنما يجب أن تكون الحرية واقعا، ولا أن نطلق الأغانى والأناشيد الحماسية، وإنما أن نجعل الانتماء لهذا البلد العريق الأصيل فخرا لكل مواطن عندما يدرك أن قيمته تتحقق فى وطنه وليس فى مركب ضالة فى عرض البحر تستجدى أرضا يابسة للهجرة. وسوف أعود إلى مسألة ضرورة تجديد الخطاب السياسى فى موضع آخر. 
كذلك فإننى أظن أن تجديد الخطاب السياسى يجب أن يرتبط بإجراءات لزيادة درجة الثقة السياسية فيما بين المواطنين والمؤسسات وفيما بين المؤسسات وبعضها البعض. وعلى سبيل المثال فإننى أسجل اندهاشى الشديد من المعارك المفتعلة التى يتم إقحام مجلس النواب فيها كرأس حربة لإثارتها، مثل معركة رئاسة الهيئات القضائية ومعركة قانون الأزهر. إن البعض قد يشم فى ذلك رائحة تصفية حسابات أكثر من كونها تخدم مصالح وطنية، وفوق ذلك فإن مثل هذه المعارك تأتى فى وقت خاطئ تماما من الناحية الإستراتيجية، حيث الأولوية للتراص والوحدة وليس للانقسامات والنزاعات.

وفى سياق كل ما يحدث فإننا ننظر أيضا إلى الوقائع الإرهابية التى تتعرض لها مصر، والتى من المرجح أن تتصاعد فى الأشهر المقبلة، باعتبارها جزءا من عملية تاريخية؛ فبعد أن تخلخلت قواعد الدولة التقليدية فى البلدان العربية خلال ثورات الربيع العربى، وجدت القوى الظلامية التى كانت قد ترعرعت فى أحضان النظم التى سقطت فى تونس ومصر واليمن وليبيا فرصة تاريخية للصعود إلى السلطة سواء على حساب حلفائها المحليين أو بالاعتماد على مساعدات من الخارج أو بهما معا. إن الدول القومية التى سقطت لن تعود لأن فى عودتها استدعاء لمقومات الماضى الذى انقضى، تماما كما أننا نقول إن إقامة دولة تحت راية «الخلافة الإسلامية» لن يحدث، لأن زمن الخلفاء الراشدين انتهى وتبعته أزمان وأزمان من حكم الملوك والمماليك، وتطورت الدنيا إلى غير ما كانت تسير عليه. ونقول إنه إذا صح اعتقاد البعض بعودة الدولة القومية كما كانت قبل ثورات الربيع العربى، فإنه يصح أيضا وبنفس المقياس قيام دولة للخلافة يقودها أمثال الخليفة المنصب بأمر نفسه أبوبكر البغدادي!
وهذا يقودنا إلى حال دولة الخلافة التى يقودها الخليفة بأمر نفسه أبوبكر البغدادى، فهذا رجل أمر نفسه على الناس، ففرض عليهم الإتاوات وقتل من لم يدفعها، وأمر الناس بطاعته وقتل من عصى أمره، واستباح غير المسلمين فى أموالهم وأعراضهم، وعرض عليهم الإسلام أو القتل، وهو يسعى فى الأرض فسادا من بلد إلى بلد حتى أصبح الخراب وصف ما حلت به هجمات أعوانه من بلاد المسلمين. الخليفة الهارب من الموصل والذى تكاد تطوقه قوات الحشد الشعبى الشيعى من جانب وقوات التحالف الكردى من جانب آخر ليس له من مخرج فوق الأرض فى سورية والعراق، وقد يكون الآن فى مرحلة البحث عن ملجأ فى مكان آمن بعيدا عن الموصل والرقة، فأين سيكون الملجأ وكيف سيكون المسار إليه؟ 
إن امتداد نفوذ أبو بكر البغدادى إلى مصر وليبيا واليمن وتشاد وتحالفات أعوانه فى بلدان الساحل الإفريقى وبلدان ما يسمى المغرب الإسلامى ترسم صورة مزعجة للمستقبل القريب الذى ينتظر هذه المناطق والبلدان. صحيح أن مآل داعش هو الزوال، لكن ذلك كما نراه يحدث فى العراق وفى سورية يحمل معه ثمنا ثقيل الحمل، يتمثل فى خراب ودمار وفقدان للإرادة الوطنية، يصاحبها جميعا غليان فى الصراعات الدينية والمذهبية. هناك إذن عدو جديد يتربص بمصر، يفقد مكانه ومكانته فى العراق وفى سورية، ويبحث عن ملجأ جديد يأوى إليه. 
الخطر الذى بات يتهدد مصر بقوة يتمثل فى احتمال انتقال قيادة داعش إلى مكان قريب، ومن ثم زيادة كثافة عمليات التنظيم فى مصر. وقد اختار التنظيم لنفسه استراتيجية واضحة تتمثل فى السعى لتهجير أقباط مصر، عبر التضييق عليهم وإرهابهم وقتلهم. وقد أعلن التنظيم ذلك جليا وبدون مواربة فى الفيديو الذى نشره عن تفجيرات الكنيسة البطرسية التى تقع فى قلب الكاتدرائية القبطية فى القاهرة. فى الفيديو الذى ظهر فى ١٩ فبراير ٢٠١٧ توعد تنظيم داعش أقباط مصر وقال إنهم لم يعودوا «ذميين» وإنما هم كفار متآمرون مع الغرب. وقال إن ما حدث فى البطرسية هو فقط مجرد البداية لما سيحدث. وبعد أقل من أسبوع من نشر الفيديو بدأ تهجير أعداد كبيرة من أقباط العريش ورفح والشيخ زويد، وبدت الدولة عاجرة تماما عن حماية مواطنيها أمام الأهالى وأمام العالم، وكأن التنظيم يوجه رسالة صريحة إلى الداخل والخارج ليقول إنه فى مركز قوة وليس فى موقع ضعف. وبعد أسابيع قليلة استهدف التنظيم أقباط مصر فى طنطا وفى الإسكندرية. بمعنى آخر فإن تنظيم الدولة الإسلامية نفذ كلمته وأثبت قدرته على تحويل الوعيد إلى انتقام دموى حقيقى.
وطبقا لخبرة داعش القتالية والسياسية فى العراق وسورية، فإن استراتيجية التنظيم فى مصر سوف تسير تقريبا فى الطريق نفسه مع بعض التعديلات التى تستجيب للتكوين الاجتماعى الذى يغلب عليه الطابع الحضرى وليس الطابع القبلى، وللتكوين الجغرافى الذى يغلب عليه الطابع السهلى وليس الجبلى، مع الأخذ فى الاعتبار أن خلايا التنظيم فى مصر بما فى ذلك قوات التنظيم فى سيناء تتمتع بمعرفة جيدة بخصائص البيئة المحلية الاجتماعية والطبيعية. وقياسا على عمليات سابقة نفذها التنظيم أو أعوانه مثل عمليتى الفرافرة والنقب، فإن عناصر التنظيم تستطيع تنفيذ عمليات قاتلة فى الصحراء الغربية، عبر الحدود الليبية.
كذلك فإنه من المعروف أن هناك صلات قبلية وثيقة بين قبائل الصحراء الغربية وبين قبائل سيناء، وهناك على التوازى طرق ومسارات لتهريب الأسلحة والعتاد وانتقال الأفراد تربط بين الصحراء الغربية وبين سيناء عبر الصعيد أو حتى عبر بعض الطرق التى تمر بالقاهرة أو بما حولها من المحافظات.
وسوف تركز استراتيجية داعش فى مصر على محورين، الأول هو الاستمرار فى استهداف النقاط الأمنية والمتعاونين مع الأمن من المدنيين، والمحور الثانى هو استهداف الأقباط.
 أما بالنسبة للمدنيين بشكل عام فى المناطق التى يتسع فيها نفوذ داعش مثل شمال سيناء، فإن التنظيم سيعمد إلى طلب ولاء المدنيين له، وإثبات الولاء من خلال دفع ضرائب ورسوم وإتاوات، وتنفيذ عمليات انتقامية ضد من يمتنع عن ذلك. 
وتقدر مراكز المعلومات الدولية التى تعمل فى مجالات مكافحة الإرهاب أن الضرائب والرسوم والإتاوات أصبحت تلعب دورا مهما فى تمويل التنظيم، وزاد نصيبها فى موارد داعش بشكل عام من ١٢٪ فى العام ٢٠١٥ إلى ٣٣٪ فى العام الماضى، ومن المرجح أن يزيد وزنها النسبى فى موارد التنظيم بعد الخسائر التى منى بها وما يزال فى العراق وسوريا.