الثلاثاء 14 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السعادة والسراب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الحياة تجعل منا آلات ومحركات تدفعنا للسير بأقصى سرعة للحصول على المكاسب نذهب هنا وهناك حتى نجمع ما نستطيع أن نجمعه تحت راية «كل ده علشان أستريح» ولا نجد للراحة مكانا فلا الطموح ينتهى ولا لطريق الحياة نهاية، نبحث كثيرا عن السعادة وندخل فى تجارب عديدة أملا فى الحصول عليها ولكننا نكتشف بعد كل إنجاز ووصول أنها مؤقتة فلا يوجد ما يسمى بالسعادة المطلقة ونكتشف أن السعادة شيء نسبى يختلف من شخص لآخر ومن بيئة يعيش فيها مجموعة من الناس لبيئة أخرى فلا يوجد مقياس محدد للسعادة ولا إرشادات محددة لكيفية الحصول على السعادة، وكذلك هى التعاسة والحزن فهى تحمل نفس الصفات ونفس المقاييس فلا يمكن أن تحزن وقلبك يرفض أن يكون حزينا ولا يمكنك أن تشعر بالخوف وأنت من المقاتلين فى ميدان الحياة فأنت من تختار أن تكون سعيدا أو أن تكون حزينا.
كنت أستمع لأحد الممثلين الذين اعتزل التمثيل وعاد مرة أخرى وكانت المذيعة تحاوره وتسأله عن سبب ابتعاده وكان رده غير المتوقع بالنسبة لى قال إنه منذ الصغر كان يبحث عن السعادة وكان فى كل مرحلة من مراحل حياته يجد السعادة بشيء مختلف عن المرحلة التى سبقتها فعندما كان صغيرا كانت سعادته فى اللعب ولكنه بعد قليل من الوقت فى اللعب كان يحس بالملل وعندما أصبح شابا وجد السعادة فى الشهرة وشراء السيارات والسفر ولكنه بعد الوصول لغايته أصبح الأمر معتادا وأيضا أصبح يشعر بالملل، وهنا كان تفكيره أكثر عمقا وأخذ يفكر لماذا تكثر حالات الانتحار فى أوروبا رغم أن معظم وسائل الترفيه متوفرة لديهم؟ وأن كثيرا ممن يملكون النقود فى الخارج يشعرون بأنهم لا يجدون ما يطفئ نار شغفهم وأن بعضا منهم يلجأون للانتحار أملا فى خوض تجربة جديدة ربما يجدون فيها السعادة.
وطبقا لثقافتنا وديننا نراهم مخبولين وهنا يكمن السر وراء قلة تلك الحالات فى بلادنا.
الثقافة المأخوذة عن الدين ولكنه الوسطى الذى يبنى ويعمر ويستنجد بالإله للعطف لا للكره، وفى تلك اللحظة اتخذ قراره بأن يكون سعيدا ولكن هذه المرة السعادة الحقيقية.
فاعتزل واتجه وحين شعر بالرضا رجع ولكن بشعور وأسلوب للحياة مختلف وأصبح يمتلك من المقومات ما يجعله يفعل ما يريد وما يراه فى صالح شخصه ومحيط بيئته فقط.
إننا نمشى ونهرول ونجرى فى اتجاهات قد نراها حقيقية ولكنها فى واقع الأمر سراب فعندما أسمع أن فى يوم من الأيام سيأتى الدجال ليقول هذه هى الجنة وهى فى واقعها النار أرى ذلك اليوم ولكنى لا أرى الدجال ولكنى أرى الجنة التى هى هلاك لمن يجرى وراءها.
جاء فى حكم وقصص الصّين القديمة، أنّ ملكًا أراد أن يكافئ أحد مواطنيه، فقال له: «امتلك من الأرض كلّ المساحات التى تستطيع أن تقطعها سيرًا على قدميك»، ففرح الرّجل وشرع يمشى فى الأرض مسرعًا ومهرولا فى جنون، وسار مسافةً طويلةً فتعب، وفكّر فى أن يعود للملك ليمنحه المساحة التى قطعها، ولكنّه غيّر رأيه، وقرّر مواصلة السّير ليحصل على المزيد، وسار مسافات أطول وأطول، وفكّر فى أن يعود للملك مكتفيًا بما وصل إليه، لكنّه تردّد مرّةً أخرى، وقرّر مواصلة السّير ليحصل على المزيد والمزيد، ظلّ الرّجل يسير ويسير، ولم يعد أبدًا، فقد ضلّ طريقه وضاع فى الحياة، ويقال إنّه وقع صريعًا من جرّاء الإنهاك الشّديد، ولم يمتلك شيئًا، ولم يشعر بالاكتفاء والسّعادة، لأنّه لم يعرف حدّ الكــفاية أو القناعة.