الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"البوابة" تكشف الباب السري لسوق الأدوية منتهية الصلاحية

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تجارة الدواء المغشوش تحقق 6 مليارات جنيه أرباحًا سنوية.. والآليات الرقابية عاجزة
تاجر في مكالمة لمحرر "البوابة": مش مهم تاريخ الصلاحية.. المُهم اللي معاك قد إيه وأنا هشتريه؟
إعلانات في شوارع القاهرة لشراء بواقي الأدوية بنصف الثمن.. والشاري مجهول!
الأدوية منتهية الصلاحية تصل إلى مصانع مجهولة لإعادة تعبئتها بتاريخ حديث

ملصقات على الحوائط بالشوارع العامة ومحطات المترو انتشرت على مرأى ومسمع من الجميع في الفترة الأخيرة، لتكون ساترًا لتجارة الموت في مصر، فمن خلال إعلانات صغيره مدون عليها "نشتري الدواء بنصف الثمن" امتلأت بها شوارع محافظات الجيزة والقاهرة، كانت بداية الخيط الذي تتبعَته "البوابة" للكشف عن كارثة تهدد حياة آلاف من المصريين.
التجارة هنا تهدف لشراء الأدوية المستعملة بنصف الثمن، فيما أشارت الإحصائيات إلى أن حجم الدواء المغشوش في السوق يصل إلى ١٢ مليار جنيه، وبلغ حجم وكمية التجارة في الأدوية منتهية الصلاحية في مصر نحو ٧٠٠ مليون جنيه سنويًا، فيما قدر الخبراء أرباح بيع الأدوية المغشوشة بنحو ٦ مليارات جنيه.
وهو ما يطرح عدة تساؤلات، على رأسها أنه كيف تكون هناك أدوية مستعملة؟ وما الهدف من شراء تلك الأدوية؟ ومن وراءها؟ وما حجم الضرر الذي قد يلحق بالمصريين خلف تلك الأدوية؟ ليأتي السؤال الأبرز؛ أين الدور الذي تقوم به الوزارة لتوفير الدواء؟ حتى إن جاءت الإجابات حاسمة بأن الوضع أصبح كارثيًا، فجودة الدواء نفسه ومصدره أصبحت معدومة، في غياب تام لدور الرقابة وهيئة التفتيش الصيدلي، كل ذلك تحت غطاء نقص بعض أصناف الأدوية في السوق أو صعوبة الحصول على بعضها بعد ارتفاع أسعارها في الفترة الأخيرة، وهو ما نسرده خلال السطور التالية.

مكالمة تكشف الخطر
من خلال الأرقام المذيلة بأحد الإعلانات المعلقة على جدران محطة مترو "البحوث" يُفيد بشراء الأدوية بنصف الثمن، وقد اتصل مُحرر "البوابة" بصاحب الإعلان.. وننشر نص المكالمة:
المحرر: "آلو.. هو حضرتك صاحب إعلان شراء الدواء بنصف الثمن الموجود على محطة مترو البحوث؟".
الطرف الآخر: "أيوه أنا صاحب الإعلان، معاك دواء عايز تبيعه".
المحرر: "عندى دواء كتير عايز أبيعه، بس علبة الدواء مش كاملة يوجد بها شريط أو أقل، وفي علب أخرى يوجد شريطان".
الطرف الأخر: "مفيش مشكلة".
الغريب أن صاحب الإعلان لم يتحدث أو يستفسر عن تاريخ صلاحية الدواء الذي اتفق على شرائه منا أو على مدى ملاءمته للتداول.

جريمة متكاملة
برجوع "البوابة" إلى نور حسن، صيدلي، قال إننا أمام جريمة كاملة في تجارة الأدوية منتهية الصلاحية، من خلال شراء الأدوية قبل انتهاء صلاحيتها بفترة بسيطة، وبيع هذه الأدوية على أنها أدوية جديدة وصالحة للاستخدام، منوهًا إلى أن هذه التجارة، ليست بالجديدة، كما يوحي هذا الإعلان، ولكن أزمة اختفاء بعض أصناف الأدوية من السوق أعطاها رواجًا خلال الفترة الأخيرة.
ويضيف حسن: "صاحب الإعلان يشتري الدواء بنصف الثمن، ليقوم ببيعه بسعره الحقيقي، وبالتالي يحقق مكسبًا ماديًا ضخمًا خلال فترة وجيزة، وهي فكرة خسيسة للاستفادة من الأزمة الأخيرة في سوق الدواء".
ويشير "حسن" إلى أن الإعلانات المنتشرة في الشوارع في الفترة الأخيرة لشراء الأدوية بنصف الثمن طامة كبرى، حيث إن صاحب الإعلان يأخذ الدواء المنتهي الصلاحية، ويعيد تدويره بمصانع بير السلم والمصادر المجهولة ويبيعه للصيدليات بفواتير مزوّرة.

طرق غش الأدوية
منوهًا إلى أنه توجد أيضًا طُرق أخرى لغش أدوية المرضى المصريين، على رأسها مخازن بير السلم، بعضها يكون تابعًا لصيدليات كبرى، تعمل في الخفاء وبلا تراخيص ولا تتحصل على الأدوية من الموزعين فقط، بل من تجار الشنطة وتجار الأدوية المهربة والمغشوشة، كما تتحصل عليها أيضًا من الصيدليات التى تبيع كميات من الأدوية المدعمة، التى يبيعها الأفراد لهم بنصف الثمن.
مافيا الدواء تسيطر
وكشف محمود فؤاد، مدير مركز الحق في الدواء، أن حجم الأدوية المغشوشة في سوق الدواء المصرية يصل قرابة الـ ١٢ مليار جنيه عبر السوق السوداء والطرق غير المشروعة، مشيرًا إلى أن "مافيا الدواء" في السوق المصرية قد أصبحت هي المسيطرة بشكل شبه كامل على تجارة الدواء في مصر، كما أنه قد تحولت مصادر حصول الصيدليات على الدواء من الشركات المصنعة إلى مصادر أخرى، كمخازن الأدوية غير المرخصة وإعلانات فيس بوك، للحصول على أكبر نسبة خصم وأكبر مكسب دون مراعاة لجودة الأدوية.
فيما كان المركز المصري للحق في الدواء، قد ذكر في تقرير صدر عنه مؤخرًا يؤكد أن حجم وكمية التجارة في الأدوية منتهية الصلاحية في مصر بلغ ٧٠٠ مليون جنيه سنويًا، وأنه من المرجح أن يرتفع هذا الرقم بعد أن أوجدت الأزمة رافدا جديدا للتجارة في الأدوية منتهية الصلاحية. كما كشف المركز المصري للحق في الدواء أيضًا عن زيادة نسبة الأدوية المغشوشة والمقلدة في مصر، لتتراوح ما بين ١٥و٢٠٪ في تجارة تحقق أكثر من ٦ مليارات جنيه بحسب المنظمات الدولية العاملة فى صناعة الدواء.
قبل أزمة ارتفاع أسعار الأدوية الأخيرة بشهور قليلة كانت هناك تجارة في مثل هذه الأصناف، تتم عبر بيع الصيدليات للأدوية التي قاربت صلاحيتها على الانتهاء إلى مخازن الأدوية، التي تقوم بتصريفها في عدة مسارات، بالإضافة إلى الصيدليات وهو بيع الأدوية من الأفراد إلى مخازن الأدوية، التي بدورها تقوم مخازن الأدوية - التي تجمعت لديها هذه الأدوية من الأفراد والصيدليات - بتصريفها في عدة مسارات.

آليات الرقابة عاجزة
الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالغرفة التجارية، أشار إلى أنه توجد أهداف أخرى يستخدمها بعض معدومي الضمير للتجارة في الأدوية منتهية الصلاحية، لتصل إلى مصانع تقوم بإعادة تعبئتها في عبوات تحمل تاريخا حديثا، وأنه أمام هذه المشكلة الخطيرة، تقف آليات الرقابة التي تنتهجها وزارة الصحة عاجزة، بسبب قلة الكوادر البشرية.. ويبقى الأمل معلقًا على إجراءات متطورة تأخذها الوزارة، وتعتمد بشكل أساسي في تنفيذها على وعي المواطن.
الرقابة الغائبة
وأشار الدكتور على عوف إلى أنه توجد مشكلة وهي تنحصر في قلة عدد المفتشين ولا يتجاوز عدد مفتشي الصيدلة فى مصر ١٦٠٠ مفتش، بينما يوجد في مصر ٦٤ ألف صيدلية، وهو ما يجعل هناك صعوبة في تغطية كل الصيدليات والحل الذي يؤكد عليه هو زيادة عدد المفتشين بحيث يكون متكافئا مع عدد الصيدليات، ولكن الحل الذي أجمعت عليه كل المصادر الأخرى، هو حل المشكلة من جذورها بتوفير الدواء في الأسواق بأسعار مناسبة.
القضاء على المشكلة
وأضاف رئيس غرفة شعبة الدواء باتحاد الغرف التجارية، أن القضاء على المشكلة من جذورها يكمن في عدة خطوات، أولها عودة الشركات إلى سابق عهدها في التعامل مع "مرتجعات الأدوية" كما كان الحال سابقًا عندما لم يكن لديها مانع من قبول أى كميات "المرتجعات" الأمر الذي كان له دور كبير في تقليل الأدوية منتهية الصلاحية.
ويضيف "عوف" بشأن تسجيل الأدوية التى يتم تهربها من الخارج وتسعيرها بنفس السعر المستورد واستقطاع جزء كبير منها لصندوق الدواء، فضلًا عن تطبيق القرار الوزاري والخاص بارتجاع جميع الأدوية المنتهية الصلاحية في خلال عام بدون شروط مع إعدامها بمعرفة وزارة الصحة، والأهم كما شدد "عوف" عليه قائلاَ: ألا يتم الإعلان عن أي دواء لأعشاب طبية إلا بعد موافقة كتابية من وزارة الصحة، مع ضرورة تشديد مراقبة المواقع التي تدعو لشراء بواقي الأدوية والأدوية المنتهية الصلاحية والتفتيش عليها.
عقوبات غير رادعة
واختتم "عوف" قائلًا: بالنسبة للعقوبة التي تطبق على قانون المهنة لسنة ١٩٥٥ رقم ١٢٧ ووفقًا لنص القانون، يعاقَب المخالفون بالسجن مدة لا تتجاوز خمس سنوات أو الغرامة أو العقوبتين معًا، إنها عقوبة غير كافية وغير رادعة بسبب حجم الجرم الذي يرتكبه كل من يقوم بهذه الجريمة من تهديد حياة المواطنين لتجارته في هذه السموم ولا يقل من يفعل هذا عن الذين يتاجرون في المخدرات بأنواعها من حشيش وهيروين وغيرهما من أنواع المخدرات.
مصانع بير السلم
وفي السياق ذاته، تدخل النائب عصام القاضي، عضو لجنة الصحة بمجلس النواب، بشأن خطورة انتشار لافتات لشراء أدوية بنصف الثمن بالشوارع، ووصفها بأنها كارثة لأنه لو قام كل واحد منا بدوره ما وصل الوضع لما نحن فيه سواء من وزارة الصحة أو التموين.
وأضاف "القاضي" مصانع بير سلم وراء هذه الإعلانات لأنهم يقومون بشراء هذه الأدوية ويعيدون تصنيعها من جديد مما يتسبب في انتشار الأمراض الخطيرة من سرطان وغيرها، وأشار القاضي إلى أن الذين وراء الإعلانات لا يشترون فقط الدواء المنتهي الصلاحية فقط، وإنما يشترون أيضا الدواء الخاص بوزارة الصحة من المواطنين الذين يستولون على هذا الدواء بدون وجه حق، لأن الدكتور الذي يوجد بالوحدة الصحية والمستشفيات الحكومية يصرفون الدواء لمن يستحق ومن لا يستحق لأن هذا الدكتور لا يهتم بذلك إنما هو أتى لقضاء ساعات معينة ثم بعد ذلك يذهب لعيادته الخاصة. 
وأضاف طالبنا كثيرًا بعمل منظومة رقابية على الصيدليات وإعلانات الأدوية المنتشرة، وما حدث تقصير من الجهات الرقابية وسنناقش هذا في لجنة الصحة بالبرلمان للتصدى لهذه الظاهرة، وأشار القاضي إلى أنه سوف يقوم ببلاغ لوزارة الصحة والتموين ومباحث التموين وإنه سيطرح هذه المشكلة في القريب العاجل في مجلس الشعب.
 كما طالب "القاضي" بضرورة تطبيق منظومة رقابية على الصيدليات والإعلانات المنتشرة عن شراء الدواء بنصف الثمن في القريب العاجل للحد من تلك الأزمة وعدم تفاقمها والانتباه لها درءا لحدوث كارثة.


بقايا الأدوية
الدكتور حلمي الضلع، خبير صناعة الدواء، يقول إن جهة منتفعة سبب انتشار إعلانات شراء الأدوية بنصف الثمن وتقوم بشراء بقايا الأدوية بنصف الثمن لتعيد تصنيعها وبيعها للمواطنين.
في نفس السياق أكد أن موضوع غش الدواء أكثر بكثير مما نتخيل، ومن المفترض أن وزارتي الصحة والتموين تحاربانه بشتى الطرق، وأشار إلى أنه يوجد ممرضات وعمال وغيرهما بالمستشفيات الحكومية يأخذون الدواء بدون وجه حق ويخرجون لبيعه للصيدليات أو الأماكن التى توجد به هذه الإعلانات، وسبق من فترة قريبة جدًا أن الرقابة الإدارية ضبطت ثلاث ممرضات استولين على أدوية بنصف مليون جنيه بمركز أورام جامعة المنوفية وهى أدوية مخدرة لآلام مرضى السرطان وبيعها لصالحهن، عن طريق ادعاء إصابة زوج إحداهن بالمرض وتزوير إقامته بالمركز على خلاف الحقيقة.
نقص الدولار
فيما أشار الدكتور حلمي إلى أن أسباب غش الأدوية عديدة، منها نقص الدولار في الأسواق المصرية، وارتفاع أسعار تلك الأدوية أو نقصها، مشيرا إلى دور الإعلام في الكشف عما تقوم به بعض الصيدليات من عمليات لغش الأدوية، كما قال "الضلع" إن مخازن بير السلم، تابعة لصيدليات كبرى وتعمل في الخفاء بلا تراخيص بعيدًا عن الرقابة. 
وفيما يتعلّق بالرقابة على الأدوية التي تباع على الأرصفة أو شراء الأدوية بنصف الثمن، ذكر "الضلع" إن إدارة التفتيش الصيدلي بوزارة الصحة هي من المفترض أن تقوم بواجبها نحو من يقوم ببيع الدواء على الأرصفة أو شراء الأدوية بنصف الثمن من الإعلانات المعلقة في كل مكان، ومن المفترض أن يكون هناك تعاون قوي بين الوزارة ومباحث التموين لضبط كل الأدوية الفاسدة وغير المرخصة التي تصنّع من خلال مصانع بير السلّم، قائلا هذه المصانع تنتج أدوية فاسدة ومسرطنة كما تقوم بإعادة تدوير الأدوية منتهية الصلاحية.
تزوير العلامة التجارية
واختتم "الضلع" أنه سبق وأبلغت وزارة التموين عن منتج مصنوع بشركة توب تك، وعندما ذهبنا للمصنع للتفتيش عن هذ المنتج أكثر من ثلاث مرات ولكن دون وجود له وعندما سألنا صاحب المصنع، أكد أنه لا يصنع لدينا هذا المنتج وأنه ليس له علاقة به من قريب أو بعيد واتضح فيما بعد أن صاحب هذا المنتج وضع اسم هذه الشركة وهميا وإنما هو يصنعه فى مكان آخر فيما يسمونه "بير السلم" وذهبت معهم وأتينا بتفتيش الصحة وتم القبض على هذا الشخص الذي يوزع هذا المنتج وعندما ذهبوا للتفتيش وجدوا لديه شقة في مدينة نصر يتم فيها صنع هذا الدواء المغشوش وبعد ذلك اختفت هذه الشقة بما فيها.
 وفي واقعة ثانية قال "الضلع" إنه يوجد لدى شخص يملك مخزن دواء جاء إلىّ قائلا: "جاء إلىّ أحد الأشخاص بدواء ومعه كمية كبيرة جدا وعليه خصم أكثر من ٥٠ في المائة"، وأنا رديت عليه قائلا لما يأتي مرة أخرى أطلب منه عينة وكلمت مديرة التفتيش بمحافظة الجيزة، وقدمنا لها العينة، وعند تحليلها كانت الكارثة، حيث وجدت أن هذا الدواء لا يصلح من الأساس للاستخدام الآدمي، وأيضا أبلغنا وزارة التموين وأعطيناهم رقم موبايل صاحب هذا الدواء ورقم العربية التى أتى بها والمكان الموجود به هذا الشخص، وعند ذلك ردوا علينا قائلين عايزين رقم المخزن اللي بيخزن فيه.