الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«سياستنا الخارجية».. نحو مراجعات فكرية صعبة

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
حماية للأمن القومى، وصونًا للمصالح الوطنية، تأتى السياسة الخارجية، كجزء من السياسة العامة للدولة، باعتبارها منهج الدولة للتعامل مع كل مكونات المجتمع الدولى. وعليه فإن السياسة الخارجية، منوطة بالأساس بالدولة باعتبارها الوحدة الأساسية فى المجتمع الدولى، وهى المالكة للسيادة وللقدرة المادية والعسكرية؛ إذ الحرب جزء من السياسة الخارجية. غير أن السياسة الخارجية لكل دولة موجهة بشكل عام لكل الفاعلين الأساسيين فى العلاقات الدولية، سواء المنظمات الدولية، حكومية وغير حكومية، وأيضًا الشخصيات الدولية المؤثرة، إلى جانب الدول الأخرى بطبيعة الحال. ووصولًا إلى أهدافها، ترتكز السياسة الخارجية لكل دولة على ما تملكه من مفردات داخل مفهوم القوة الشاملة للدولة، سواء كانت قوة سياسية، أو عسكرية، أو اقتصادية، أو معنوية، وصولا إلى القوة التكنولوجية، وكذلك القوة السكانية والجغرافية، وغيرها كثير من المستحدثات على مفهوم القوة الشاملة. كانت تلك مقدمة نظرية، رأيت أن ننطلق منها صوب رصد موضوعى لملامح أراها بالغة الدلالة على ما تنتهجه مصر من سياسة خارجية فى المرحلة الدقيقة الراهنة، فى عصر اشتبك فيه الشأن الداخلى بالشأن الخارجى، وتقاطعت المصالح، وتلاقت مفاهيم كنا نظنها متنافرة؛ حتى بات الإرهاب فاعلًا رئيسًا فى العلاقات الدولية المعاصرة، رغم ارتكاز الأخيرة على مجموعة معتبرة من القيم الإنسانية النبيلة، كحقوق الإنسان والديمقراطية. ما أدى إلى تضافر الملفات الاقتصادية بالأمنية بالسياسية بالاجتماعية بالعسكرية. من هنا أرى أن مراجعات فكرية صعبة، لا تنقصها الصراحة، ينبغى أن تنال من سياستنا الخارجية، ومن رؤيتنا لمفهومها الواسع؛ وعليه أقول:
- بداية، على سبيل الخطأ، يُنظر إعلاميًا إلى السياسة الخارجية كمجال عمل يختص به الرئيس السيسى، بمعاونة من وزارة الخارجية، وعلى رأسها الوزير سامح شكرى. وفى ذلك مغالطة كبيرة؛ إذ، كما أوضحنا عاليًا، لا تخرج السياسة الخارجية عن كونها جزءا من السياسة العامة للدولة؛ ومن ثم فهى صناعة مشتركة لكل مؤسسات الدولة، الرسمية وغير الرسمية. وفى ذلك تأكيد لما أشرنا إليه من تضافر بين الملفات الاقتصادية والأمنية والسياسية والاجتماعية والعسكرية. ومن هنا نحتاج إلى توسيع وتعميق مفهوم السياسة الخارجية لدى كثير من الفاعلين على الساحة الداخلية، ليدرك كل منا دوره فى صياغة سياستنا الخارجية، ورسم صورتنا الذهنية لدى المجتمع الدولى. فى هذا المقام أُشير إلى بعض النماذج الإيضاحية، نأخذها من البرلمان، وما الحكومة، أو الإعلام، بأفضل حال، بما يقدمه كل طرف من إسهامات فى سياستنا الخارجية:
ــ يُبدى البرلمان حرصًا بالغًا على التواجد فى المحافل الدولية، تعبيرًا عن رغبة مصر «الجديدة» فى الانخراط فى المجتمع الدولى. إلا أن مشاركات إلى الخلف، ربما أوسع، يؤكدها البرلمان بدخوله فى صراعات مع أصحاب الرأى، سواء على شاشات الفضائيات، أو صفحات الصحف. مع ما فى ذلك من إضافة حقيقية لتعثره المعيب، على مدى شهور قاربت العام، فى تطبيق حكم محكمة النقض بشأن إسقاط العضوية عن أحد أعضائه وتصعيد آخر بدلًا منه. إلى جانب تراخيه، البرلمان، فى إصدار قوانين هامة تنتظرها المصالح الوطنية بشغف، كقانون الاستثمار، مقابل تطوعه وتعجله غير المبرر فى تمرير قانون يتغول به على السلطة القضائية؛ إذ يسحب منها موروثًا راسخًا باعتماد «الأقدمية» سبيلًا إلى اختيار رؤساء الهيئات القضائية، ليضيفه إلى صلاحيات الرئيس، الذى لا أشك أبدًا فى أنه سينحاز بقوة إلى مبدأ الفصل بين السلطات والتوازن بينها، ولن يقبل اختصاصًا هو ملك أصيل للسلطة القضائية. وعلى هذا النحو كثير يمكن أن نرصده فى إسهامات البرلمان فى تشكيل وتكوين سياستنا الخارجية، بما يقدمه من صورة ذهنية لا تتفق أبدًا وما نعلنه من تمسكنا بمتطلبات التحول السياسى نحو الديمقراطية، التى هى أساس نجاح سياستنا الخارجية.
- ملفات مُغلقة منذ فترة فى وجه سياستنا الخارجية، آن لها أن تُفتح ويتم التنقيب فيها عن فرص حقيقية يمكن أن تزيد من قدرتنا على مواجهة التحديات والمخاطر المحيطة بمسيرتنا نحو تحقيق التنمية الشاملة والمستدامة التى نتطلع إليها. من ذلك ملف العلاقات المصرية/الإيرانية. فليس من شك أن إيران قوة إقليمية يصعب تجاهلها، ولا يفيدنا أبدًا إنكار ما يمكن أن تحمله لنا من إضافات نحتاجها فى سبيل دعم وتعزيز القوة المصرية فى معادلات القوى الإقليمية. لكن الواضح أن إخفاقًا يعترينا أمام إجراء توازنات منطقية بين علاقاتنا بالمملكة العربية السعودية، وغيرها من دول الخليج، وتصعيد علاقاتنا بإيران إلى حدود طبيعية. لست أدفع هنا باتجاه أى تنازل عن ثوابت الدولة المصرية، بل أُشير إلى حقيقة مفادها أن نهج المقاطعة يسحب بالقطع من أوراق المفاوض المصرى فى كثير من القضايا الإقليمية والدولية.
- ملف العلاقات المصرية/الإيطالية ما زال عصيا عن الحل، فيما يؤكد أن جديدًا لا يمكن توقعه فى القريب يمكن أن يزيل التوتر المكبوت بين الدولتين، الذى تجسد فى خلو موقع السفير الإيطالى فى القاهرة منذ أبريل ٢٠١٦، تبعه سحب السفير المصرى من روما، رغم ما يربط البلدين من علاقات تاريخية وطيدة. وفى هذا السياق أرى أن مصر لا ينبغى، ولا يصح، أن تراهن على النسيان! أو تُبادل الحقيقة التائهة بقوة دورها فى مجابهة ملف الهجرة غير الشرعية المهم لإيطاليا وأوروبا كلها، بغرض الالتفاف على مسئوليتها ودورها فى إظهار الحقائق كاملة فى قضية مقتل الباحث الإيطالى ريجينى. وعليه فدور أكبر ينبغى عدم التراخى فيه بما يُظهر الوجه الحضارى والحداثى لمصر، وصدق توجهها نحو حكم ديمقراطى حقيقى، يسوده القانون والشفافية. كذلك فإن تبسيطًا للأمر يمكن أن يزيد الفجوة؛ من ذلك ما راج فى فترة قريبة مضت من أن الحكومة الإيطالية إنما توجه ضغوطًا انتخابية تدفعها إلى التصادم مع مصر فى ملف ريجيني!. غير أن الواقع أن الملف برمته وثيق الصلة بالرأى العام الإيطالى، والأوروبى عمومًا، بل والعالمى كل؛ ومن ثم ليس لنا أن نتوقع نسيانًا أو تراجعًا فى الموقف الإيطالى من الأمر. كما ليس لنا أن نندهش من كل تعاطف ومساندة تلقاها إيطاليا من الاتحاد الأوروبى فى هذا الشأن، فتلك قيم لا مساس بها فى مجتمعات رسخت ديمقراطيتها. ورغم التصريحات الوردية التى تتردد من وقت لآخر عن عودة السفير الإيطالى إلى القاهرة، فإن علينا الاعتراف بأن أزمة حقيقية تعترى العلاقات المصرية/الإيطالية، فيما يعبر عن مأزق حقيقى تواجهه سياستنا الخارجية، بشكل عام، جراء عدم القدرة على إظهار الحقائق مهما تكن. لاحظ موروثنا، وراجع القصص غير المحبوكة، والتصريحات الساذجة التى أعقبت الحادث، تدرك عمق التشابك بين الشأن الداخلى والشأن الخارجى فى إطار العلاقات الدولية المعاصرة.
- بوجه عام، بالفعل تحسنت السياسة الخارجية تجاه إفريقيا، وإن كان الأمر ما زال يتطلب الكثير من الجهود لاستعادة مصداقية الدور المصرى فى التنمية الإفريقية. فما زال الأمر بحاجة إلى بناء شراكات اقتصادية استراتيجية حقيقية، تنطلق منها توافقات سياسية متينة، بعيدًا عن شعارات جوفاء لم تجن منها إفريقيا إلا ابتعادًا مصريًا عن جوهر القضايا الإفريقية. وفى ذلك تجدر الإشارة إلى أن فرصًا اقتصادية كبيرة لمصر فى إفريقيا، نتراخى إن لم نرصدها بدقة. كما أن المساندة الإفريقية لمصر لازمة فى كل المحافل الإقليمية والدولية؛ ومن ثم فنظرة إلى إفريقيا، أوسع من كونها منبع النيل، نحتاجها لضمان دائرة بالغة الأهمية فى منظومة أمننا القومى. ورغم ما يواجهه «الاتحاد الأوروبي» حاليًا من منعطفات حرجة، إلا أنه كتحالف، قدم بالفعل نموذجًا شديد الدلالة على أن الاقتصاد روح السياسة، وشراكات اقتصادية أوروبية حقيقية وجادة أسست بالفعل للاتحاد الأوروبى، أما تحالف سياسى أجوف من المصالح الاقتصادية المشتركة، فنموذج هش قدمته الجامعة العربية، ليس لنا أن نحتذى به إفريقيًا!.