الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

الأزهر المفترى عليه.. هو "الطيّب"

الدكتور أحمد الطيب
الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
دافع عن الإسلام ووطد المواطنة ووأد الطائفية من خلال بيت العائلة
تصدى للمحاولات الإخوانية فى السيطرة على المشيخة
رفض تكفير غير المسلمين وأعاد العلاقات الغائبة مع مسيحيى الغرب
دمج المواد الأزهرية وطورها وتعاون مع الوزارات لتجديد الخطاب الدينى

لم يكتفِ مهاجمو الأزهر بالترويج للعناصر الإخوانية المحيطة بالدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، داخل المشيخة والرغبة فى إصدار قرار سيادى بإزاحتهم، بل ذهب كثيرون منهم إلى الحديث عن إرهاب المناهج، وغياب الدور الحقيقى للشيخ فى مواجهة داعش ولو بتكفيرها كجماعة خارجة عن الإسلام، مطالبين برحيله وتعديل القانون الحالى للمشيخة كى يقبل بين كبار علمائها من النساء والشباب.
وعلى الرغم من إعلان الشيخ استجابته وتشكيل لجان من أجل تنقيح المناهج، وترحيل ما أمكن من موضوعات للصفوف المتقدمة خشية الالتباس والفهم الخاطئ، إلا أن هناك من بين الأزهريين أنفسهم من أعرب عن عدم اعترافه بتلك اللجان، ورغبته فى تشكيل لجنة من خارج الأزهر، مع تعديل قانون كبار العلماء ليتضمن شخصيات بارزة عرف عنها الرغبة فى تحقيق مناصب خاصة، وتجاهل هؤلاء ما قامت به المؤسسة من جهود فى إطار المواجهة الفكرية لداعش، وسعى المشيخة إلى ترسيخ مبدأ المواطنة ووأد الطائفية من خلال بيت العائلة، إضافة للقاءات الخطاب الدينى التى عقدت على مستوى المشيخة والجامعة ورابطة الخريجين.
ويعد الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والذى اعتلى كرسى المشيخة عام ٢٠١٠، خلفًا للدكتور الراحل محمد سيد طنطاوى، واحدًا من الشخصيات التى اتخذت من الإطار الدبلوماسى مسلكًا، حيث لم يعهده أحد خطيب منبر للجامع الأزهر أو غيره من المساجد، مكتفيًا باللقاءات السياسية التى يعقدها داخل المشيخة وخارجها، وما يلقيه من خطابات كان أبرزها خطاب المجلس الألمانى، وعلى الرغم من إمامته للعاهل السعودى والرئيس عبدالفتاح السيسى إلا أنهما يبقيان ضمن الأحداث السياسية حيث حملت الأخيرة ردًا على عدم الوفاق بينهما.
لقاءات «الطيب» التى عقدت لأول مرة فى تاريخ المشيخة، شملت العاهل السعودى الملك سلمان، وتبعتها زيارة العاهل البحرينى، لتكون آخر الزيارات الدبلوماسية منذ أيام على يد وزير الخارجية اللبنانى سعد الحريرى، حرصت على تلقى الدعم لما يقوم به الأزهر من إنجازات على المستوى الخارجى فى وأد الفتن الطائفية والحد من انتشار الإرهاب والإسلام فوبيا، ليبقى لقاء الزعامة الدينية مع بابا الفاتيكان فرانسيس نهاية الشهر الجارى على رأس تلك اللقاءات لمدلولاته الدينية فى إدانة الإرهاب وإقرار السلام بين المجتمعات فى العالم.
ويتمتع شيخ الأزهر الحالى بدعم كثير من الأزهريين الذين أكدوا رفضهم للهجوم ضده، واتهامه بالتقصير ودعم الإرهاب، مؤكدين أنه استطاع أن يعيد الجامع إلى تبعية المشيخة بعد ٢٢ عامًا فى معية الأوقاف، وأنه تمكن من التصدى للمحاولات الإخوانية فى السيطرة على المشيخة إبان حكم الرئيس الأسبق محمد مرسى.
دعا إلى فتح باب للحوار يكفل العيش فى سلام ومحبة وفق المواطنة فتح الأزهر بابًا من العلاقات الخاصة مع المسيحين فى فترة ما بعد ثورة ٢٥ يناير، من خلال استحداث بيت العائلة المصرية فى عام ٢٠١١، ليشمل ممثلى عدد من الكنائس وفى مقدمتها «القبطية الأرثوذكسية، الكاثوليكية، الإنجيلية، والأسقفية الأنجليكانية»، بل إنه حرص فى أكثر من لقاء على تأكيد الوحدة بينهم وبين إخوانهم المسلمين لعل آخرها أحداث كنيستى طنطا والإسكندرية، كما كان لمؤتمر حكماء المسلمين «المواطنة والتعايش» ما يؤكد أن القانون ضرورة للتعامل مع المواطنين بغض النظر عن ديانتهم وأن مصر تعيش وفق وحدة قوامها المسلمين والمسيحين، كما كان لشيخ الأزهر دوره فى إعادة العلاقات الغائبة مع مسيحى الغرب على مدار ست سنوات كاملة ليلتقى بـ«فرنسيس» فى المقر البابوى بالفاتيكان، ويتفقا على لقاء يعقد نهاية الشهر الجارى.
ورغم أنه لم ينظر إلى اليهود كنظرته للمسيحية، فلم يعقد معهم لقاءً هامشيًا ولا رسميًا، إلا أنه فتح مجالًا للحوار مع المعتدلين منهم فى مؤتمره الأخير عن «المواطنة والتعايش»، ودعا حكماءهم إلى المشاركة فى لقاءات حوار الأديان لإدانة العنف أيًا كان مصدره، وإقرار السلام الذى جاءت عليه الشرائع السماوية.
كما حرص الأزهر، على الترحيب بأصحاب الديانات غير السماوية، ومن خلال لقاء وفد بورما شدد مسئولوه على أن بوذا تمتع بالحكمة، وأن العالم بحاجة إلى أن يكونوا على قلب واحد، دون النظر إلى ديانات، أو جنسيات.
وشدد من خلال مؤتمره الأخير حول «المواطنة والتنوع والتكامل» أن مصطلح المواطنة أصيل فى الإسلام، مشددًا على إدانة كل التصرفات التى تقوم على التمييز وتتعارض مع مبدأ المواطنة، وتبرئة كل الأديان من الإرهاب بشتى صوره، وإقامة شراكة متجددة بين المواطنين العرب كافة، تقوم على التفاهم والاعتراف المتبادل والمواطنة والحرية، فضلًا عن رفض مصطلح الأقليات؛ لما يتضمنه من تمييز وحرمان لبعض فئات المتجمعات من حقهم فى المواطنة والمساواة.
وفى الوقت الذى يشهد هجومًا حادًا على المناهج الأزهرية، سعى شيخ الأزهر إلى تطوير المنظومة التعليمة داخل المؤسسة الدينية، حيث أصدر قرارًا يحمل رقم ٨ لسنة ٢٠١٣، بتشكيل مجموعة من اللجان لإصلاح وتطوير التعليم الأزهرى فى كل مراحله، التى تتمثل فى دمج مواد «الحديث والتفسير والتوحيد، والسيرة»، وتقرر تدريسها جميعا ضمن كتاب واحد يسمى «أصول الدين»، بعد أن كانت كل مادة لها كتاب مستقل، وتدرس على حدة.
كما تضمن إصلاح الأزهر لمناهجه قرارًا بترحيل عدد من النصوص الدينية لمراحل متقدمة خشية الالتباس وصعوبة إدراكها، بالإضافة إلى تنظيم كلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر مؤتمرًا دولًيا بعنوان «تجديد الخطاب الدينى بين دقة الفهم وتصحيح المفاهيم»، انتهى إلى أن تجديد الخطاب الدينى منوط بالأزهر الشريف بالتنسيق مع المجامع العلمية المختصة فى العالم.
التعاون مع الوزارات لتجديد الخطاب الدينى
فى سياق تجديد الخطاب الدينى، أطلق الأزهر مبادرة «الأزهر يجمعنا» فى يناير ٢٠١٥، بالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة، للتحاور حول تصحيح القيم السائدة وتعديل الأفكار المغلوطة التى تبنت نشرها مجموعة من التنظيمات الإرهابية، لغزو عقول الشباب والتأثير عليهم باعتبارهم الفئة الأكثر اندفاعا.
كما تضمنت مبادرته الأخيرة حول المقاهى الثقافية ترحيبًا من قبل البعض، حيث أعلنت البحوث الإسلامية نهاية العام الماضى، ما يسمى المقاهى الثقافية والتى تتضمن توزيع وعاظها على تلك المقاهى بغرض الوصول إلى القاعدة الشعبية.
رفض الأزهر إطلاق لفظ التكفير على أحد سواء أكان مسلمًا أو غير مسلم، ما دعاه للتأكيد على أن مواطنى أوروبا من أهل الفترة، فى المقابل شدد بأن داعش إرهابيون يستوجبون حد الحرابة إلا أنهم ليسوا من الكفار، ومثلهم أقر بموقفه من الشيعة. فى المقابل من التكفير حرص الأزهر على إطلاق مبادرات من شأنها إدانة الإرهاب والتحذير منه، منها مرصد الأزهر لتتبع ما يقوم به التنظيم من أعمال إرهابية وتسليط الضوء عليها بلغات عدة، أعقبه مركزًا عالميًا للفتوى يجرى الإعداد لإطلاقه خلال الأيام المقبلة لتفنيد ما عليه تلك التنظيمات من أفكار ومعتقدات تخالف الشريعة وبيان الحكم الشرعى لها مع ضبط فوضى الفتوى فى الداخل والخارج. كما أن شيخ الأزهر لم يصرح يومًا بكفر الشيعة، على غرار ما يعتقد بعض أعضاء مجلس حكماء المسلمين إلا أنه حملهم دماء المسلمين فى بعض البلدان العربية، ودعا ما سماهم بالمعتدلين إلى حوار يحقن الدماء المسلمة من الطرفين إذا ما رغبوا فى وقف الدمار الذى يتعرض له الوطن العربى، ما جعل بعض المرجعيات الشيعية الكبرى إلى مهاجمته وفى مقدمتهم مقتدى الصدر.
دعم الأزهر، الثورات فى الوطن العربى على اختلافها، وعلى الرغم من تأخر إعلان موقفه فى ٢٥ يناير، إلا أنه حرص على تقدم الصفوف فى أحداث ٣٠ يونيه، وكانت للمشيخة تأكيدها على احترام حريات الشعوب فى تقرير مصائرها مصدرة عدد من الوثائق التى تؤيد تحركات الشعوب، وإدانتها لأفعال بعض الجماعات المتطرفة. وأصدر شيخ الأزهر فى عام ٢٠١١ وثيقة «إرادة الشعوب العربية»، والتى أقرت بحق الشعوب العربية فى العيش بسلام والتأكيد على حرمة الدماء، وتضمنت فى بنودها الست المناصرةَ التامة لإرادة الشعوب العربية، معتبرة أن المعارضة الشعبية والاحتجاج السلمى حق أصيل للشعوب، وقد نفت الوثيقة صفة «البغي» عن المعارضين الوطنيين «السلميين». كما كان للأزهر وثيقته الخاصة بـ«منظومة الحريات الأساسية»، تحديد الموقف الإسلامى الداعم للحريات الأساسية، كحرية العقيدة، وحرية الرأى والتعبير، وحرية البحث العلمى، فضلا عن حرية الإبداع الأدبى والفنى. كما أصدرت المشيخة وثيقتها لنبذ العنف فى ٣١ يناير ٢٠١٣م، جاءت الوثيقة فى ١٠ بنود تؤكد على أن حق الإنسان فى الحياةِ مقصدٌ من أسمَى المقاصِدِ فى جميعِ الشَرائِعِ والأديانِ والقَوانين، وحرمة الدماءِ والممتلكات الوطنية العامة والخاصة، ونبذ العُنفِ بكلِ صُوَرِه وأشكالِه، وإدانة التحريضِ على العُنفِ، أو تسويغِه أو تبريرِه، أو التَرويجِ له، أو الدِّفاعِ عنه.
ساهم مجلس حكماء المسلمين الذى يترأسه شيخ الأزهر، فى تقليل حدة الهجوم على الإسلام على المستوى العالمى، حيث ساهمت مبادرة قوافل السلام، فى عدد من القارات فى التأكيد على سماحة الإسلام، وإدانة أفعال داعش والتنظيمات الإرهابية، وظاهرة الإسلام وفوبيا وتهميش المسلمين على حد سواء، مستنكرة إطلاق لفظ الأقليات المسلمة لما تحمله من معانٍ تتسبب فى الكراهية والعداوة والتفرقة بين مواطنى الدولة الواحدة.