الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

مفاجأة.. المتهم بسرقة مخطوط "الإمام الشافعي" يتحكم في دار الوثائق

بالمستندات.. وثائق مصر فى خطر «1»

دار الوثائق القومية
دار الوثائق القومية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
تهميش باحثى دار الوثائق.. وإهدار المال العام على باحثين من الخارج
رئيسة الدار ترفض جرد الوثائق أو عمل قوائم بما لديها وتتسلمها دون علم مديرى الإدارات
فقد 3 ملفات من وزارة التجارة والصناعة من الدار يشعل الاتهامات بين العاملين
الوثائق تحللت والعاملون يضعونها فى أكياس

الدكتورة نيفين محمد محمود، اسم مجهول للكثير من المهتمين بالشأن الثقافى، رغم أنها تتبوأ منصبا رفيعا فى وزارة الثقافة، فهى أستاذ مساعد الوثائق بكلية الدراسات الإنسانية للبنات بالقاهرة جامعة الأزهر، ورئيسة قسم الوثائق والمكتبات بالكلية، وتم انتدابها فى غير أوقات العمل الرسمية للإشراف على دار الوثائق القومية.
ويبدو أن حب الدكتورة نيفين للعمل فى الظل، انتقل بالتبعية إلى دار الوثائق القومية نفسها، حيث قامت بفرض سياج حديدى بيروقراطى حول ما يدور فى الدار من عمل عام، لدرجة أنها أصبحت خارج حسابات المهتمين بالشأن الثقافى والباحثين، إلى أن انفجرت أزمة استقالة الدكتور محمود الضبع، رئيس دار الكتب والوثائق القومية، منذ أيام، بعد سلسلة من التظاهرات التى قادها بعض العاملين فى الدار ضده لعدم حصولهم على إضافى رواتبهم، وغيرها من المشكلات التى دفعته فى نهاية الأمر إلى تقديم استقالته بشكل دراماتيكى مفاجئ بعد ساعات من نفيه التقدم باستقالته.

«البوابة» اخترقت السياج المفروض على دار الكتب والوثائق، لتكشف الكثير من الأسرار والكواليس والخفايا التى تحيط بـ«الهيئة القومية لدار الكتب والوثائق القومية»؛ بشكل عام، وبدار الوثائق بشكل خاص خلال هذه الحلقة، وسنستعين فى ذلك بالعديد من المستندات التى ننشرها للمرة الأولى وبآراء المتخصصين والمهتمين والعاملين.


استياء العاملين
فى البداية، أعرب عدد من العاملين فى دار الوثائق عن استيائهم من التهميش الذى يعانيه الباحثون فى دار الوثائق، فبدلا من الاستعانة بهم وتوظيفهم فى إصدارات الدار، إذا برئيسة الدار تستعين بباحثين من الخارج، وهو ما يعد إهدارا للمال العام، فما الداعى لإنفاق مكافآت لباحثين من الخارج، بينما أبناء الدار لا يعملون ولا يسمح لهم بالقيام بأدوارهم المنوطة، فضلا عن السماح لباحثين من الخارج بالاطلاع على وثائق الدار، فهل تأمن رئيسة الدار لباحثين من الخارج ولا تأمن لأبناء الدار؟! وقد ظهر ذلك خلال الإصدارات التى ظهرت للنور فى الفترة الأخيرة مثل فتاوى الإمام محمد عبده وغيرها من الكتب.
الاستعانة بأشخاص من الخارج، ينطبق على الدكتورة نيفين محمود نفسها، فما الداعى إلى انتدابها، رغم أن الدار مليئة بالباحثين القادرين على قيادة الدار دون الحاجة إلى انتداب أحد من الخارج، رغم أنها لم تضف شيئا منذ قدومها، وإلا لما اشتكى الباحثون من البيروقراطية التى تعانيها الدار، وهذا ما سنتعرض إليه خلال السطور المقبلة.
أصبح السؤال الذى يطرح نفسه على دار الكتب الآن: لماذا ترفض رئيسة الدار أن تجرى جردا شاملا لمقتنيات الدار كافة؟ أسوة بما يجرى فى دار الكتب، بل أين قوائم الدار الخاصة بالتسليم والتسلم لكل الوحدات الأرشيفية منذ نشأة الدار وحتى الآن؟ حيث إن عدم وجود سجلات للعهدة يتم المطابقة عليها سنويا يُعرّض محتويات الدار للسرقة دون تبيّن المسئولين أو معرفة الوثائق الموجودة لدى الدار أو حتى المختفية.
كما يلاحظ العاملون فى الدار أنها تستغل نفوذها فى إصدار العديد من الكتب التى تضع عليها اسمها الشخصي، وهى إصدارات تخرج من موازنة الدار دون أن تمنح أحدًا فرصة أن يمارس عمله كما تمارسه هي.


مفاجأة
المفاجأة الحقيقية تتمثل فى أن كل لجان التسليم والتسلم تتم دون علم عزة محمود، مدير عام جمع وحفظ الوثائق، ولا تضعها فى أى لجنة من اللجان المختصة، وفى ذلك أمر يمكن أن يفتح بابا عظيما للفساد، فهو فى كل الأحوال محاولة للانفراد بالقرار وإقصاء لمديرى الإدارات المختصين ومخالفة صريحة لبطاقات الوصف الوظيفى للمديرين، وتجاوز لحدود وظيفتها، حيث تنص اللائحة على أن مدير الإدارة يشرف على جميع الأوراق والسجلات والمذكرات من جميع أنحاء الجمهورية، والتى تعد مادة لتاريخنا القومي، كما يشرف على فرز الوثائق وتصنيعها وفق إمكاناتها وحفظها فى تلك الأمانات بعد تسجيلها، ويتخذ إجراءات تسجيل الوثائق الواردة للدار قبل تصنيفها وفق أمانتها وصيانتها، وكل هذه الاختصاصات لا تلتزم بها رئيسة الدار، وتلقى بها فى عرض الشارع.
بل وتمنح رئيسة دار الوثائق محمود فودة، مدير إدارة الجمع التابعة للإدارة العامة لجمع وحفظ الوثائق، بعد أن تم اتهامه بسرقة مخطوط الإمام الشافعي، صلاحيات كبيرة وغير مسبوقة وثقة مطلقة فى التحكم بالوثائق، حتى إنه يغلق الإدارة التى يعمل بها بأقفال ومفاتيح خاصة يغيرها كل شهر تقريبا دون الرجوع للإدارة الأعلى منه، أو الخضوع للإجراءات المتبعة فى مثل هذه الحالات، وتتمثل فى تشكيل لجان وغيرها، ويرفض هو ورئيسة دار الوثائق إجراء الجرد على الإدارة التى يعمل بها، ويتجاوز رؤساءه فى العمل ليحصل على توقيع رئيسة دار الوثائق على القرارات الخاصة به، كما أنه يخاطب الوزارات للحصول على الوثائق منها مباشرة، وغيرها من الممارسات الكثيرة، رغم أنه ووفق مذكرات رسمية تقدم بها أحد المتقدمين للوظيفة نفسها فور علمه بتقدم «فودة» لتولى الإدارة، حيث أكد خلال المذكرة أن «فودة» سبق اتهامه بسرقة مخطوط «الرسالة» للإمام الشافعي، وقد أحيل إلى النيابة الإدارية التى أحالته إلى المحكمة التأديبية بدعوى رقم ٢١٣ لسنة ٤٩ قضائى فى ٣١- ٧- ٢٠٠٧، وقد صدر الحكم عليه بالقرار رقم ٣٧٣، كما صدر قرار رئيس مجلس الإدارة رقم ٢٢٩ بمجازاته بخصم ٢٠ يوما من راتبه، وتم خفض تقرير كفاءة الأداء من مرتبة ممتاز إلى مرتبة متوسط.
وطالب البعض بسحب جهاز الكمبيوتر الوحيد الموصل بالإنترنت فى دار الوثائق، رغم أن جميع أجهزة الدار تخضع لنظام «الدومين» ما عدا جهازه، حيث إنه من الممكن أن يأخذ أى معلومات على «فلاشة» وتسريبها لخارج الدار، ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل تم جعل «فودة» مقررا للجنة العلمية بالدار، وهو وضع يجعل من جميع محاضر اللجنة تحت يده، رغم أنها لا توجد حتى مع رئيس الدار، فما سر الإصرار على منح «فودة» صلاحيات بهذا الشكل؟!


مذكرة مدير الوثائق
وفى السياق نفسه، حصلنا على صورة من مذكرة تقدمت بها مدير عام جمع وحفظ الوثائق، والتى ترأس محمود فودة، أكدت فيها أنها «تفشل فى السيطرة عليه أو حتى معرفة ما يدور فى إدارته»، ومن خلال هذه المذكرة التى تقدمت بها فى ٢٧ مارس الماضي، تثبت مدير الإدارة أمورا تفوق الخيال، حول أمر ما يتعلق بخطاب الترشيح لحضور اللجان أو إعداد الخطاب الخاص بوزارة الإنتاج الحربي، والذى قام به محمود فودة بتكليف جيهان توفيق، سكرتيرة الإدارة لإعداده.
كما تؤكد خلال المذكرة التى وجهتها مدير عام جمع وحفظ الوثائق، إلى رئيسة دار الوثائق، أنها قد بح صوتها فى التأكيد أن أرشيف الإدارة بالكامل تحت يد محمود فودة، وهو يحتفظ بمفاتيحه ولم يسلم سكرتيرة الإدارة نسخة منها لتسيير العمل، وأنه يقوم بتغيير المفاتيح بنفسه دون علمنا، وأن «نيفين» وقفت موقفا سلبيا من الموضوع ولم تتخذ أى إجراء حيال هذا الأمر، لذا فإنها تخلى مسئوليتها تماما عن أرشيف الإدارة لحين اتخاذ اللازم.


ضياع الملفات
ولم تكن هذه المذكرة هى الوحيدة التى حصلنا عليها، وإنما حصلنا على مستندات خاصة بفقد ٣ ملفات وظيفية مهمة تتعلق بثلاثة مسئولين كبار بوزارة التجارة والصناعة تم إحالتهم إلى المعاش، وهم: «إبراهيم الدسوقى عبداللطيف الشهاوي، إبراهيم فاضل أبو الخير، أحمد عبدالقادر الجمال»، وهى ملفات سبق أن تم تسليمها إلى دار الوثائق القومية بتاريخ ١٢ إبريل عام ٢٠١٢، واختفت ولم يستدل لها على أثر ولا تزال التحقيقات جارية ولم تنته حتى الآن، وهى أزمة إن دلت على شيء فإنها تدل على أن الدار لا تستلم الملفات بالشكل الذى يحافظ عليها، ودون قوائم. وتنفى المذكرة الجديدة التى جاءت بتاريخ ٢٢ يناير ٢٠١٧، مسئولية الإدارة العامة لجمع وحفظ الوثائق، عن فقد هذه الملفات، بل وتطالب بضرورة إحالة المتهمين الحقيقيين للتحقيق، وللمفاجأة فى أن المتهم فى هذه الواقعة هو المتهم نفسه بسرقة مخطوط الإمام الشافعى فى السابق، وهو محمود فودة، باعتباره مدير إدارة الجمع، وهو الذى تولى تسليم وتسلم العهدة فى هذا الوقت، كما نفت رانيا مصطفى السباعى علاقتها بالموضوع، لأنها وجدت المحفظة التى تضم الملفات الثلاثة فارغة من أى وثائق، وأنها لم تستلم أو تكن فى اللجنة التى تسلمت الوثائق، التى ضمت ٢٣ محفظة تحتوى ١٢٥ ملفا وظيفيا لكبار قيادات الوزارة، وألقت بالمسئولية على إدارة الجمع التى تسلمت الملفات من وزارة التجارة والصناعة، وأن كل علاقتها بالموضوع تتمثل فى ورقة تسلمتها من خالد محمود عبدالعظيم بها أسماء الملفات والمحافظ، والتى سبق أن تسلمتها دار الوثائق عام ٢٠١٢ وبالبحث داخل الملفات لم يتم العثور عليها.


تحلل الوثائق
فى طريقة أخرى لإثبات ما يحدث بدار الوثائق من إهمال وتسيب على أرض الواقع، نجحنا فى توثيق ما يدور بمخازن الدار من خلال الصور الخاصة التى حصلنا عليها، وهذه الصور أكبر دليل على أن الوضع العام لدار الوثائق لا بد أن يحدث على طريقة «انسف حمامك القديم» دون هوادة ولا انتظار لإخفاء ما يحدث، لأن الأمور إذا وصلت إلى تحلل الوثائق ووضعها داخل أكياس فقد وصلت الأوضاع إلى الحضيض وإلى مستوى لا يقبل الانتظار أو التروي.
حيث تشير الصور إلى بدائية حفظ الوثائق وإلى أنها محفوظة فى أرفف وحافظات عفا عليها الزمن، ويفسر البعض ما يحدث بأنه يقع بطريقتين، إما جلب الوثائق بحالة سيئة من الأساس حتى يخلصوا الجهات الأخرى منها، أو أن دار الوثائق لا تهتم بها حتى تصير حالتها كما هو واضح فى الصور، ومن الواضح أن العاملين يتعاملون بلا مبالاة، لأنهم لو يعلمون أنهم سيتعرضون للمساءلة لما سمحوا لأنفسهم بأن يتركوها بهذا الشكل، أو أنهم يقومون بتخبئتها حتى لا يتعرضوا للمساءلة، فيقومون بكبسها فى أكياس لأنها مفتتة، والمشكلة الأكبر أن ضياع بعض هذه الوثائق قد يترتب عليه مفسدة عظيمة وضياع لكثير من حقوق الجماهير، لأن الدار تحوى فيما تحوى خرائط لا تتوفر لأى جهة أخرى ووثائق سيادية مهمة، بالإضافة إلى خريطة الأنساب والأوقاف وغيرها من الوثائق بالغة الأهمية.


انتداب مخالف
وفى الوقت الذى أرسل فيه اللواء حسن خلاف، رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، منشورا تم تعميمه على الجهات التابعة للوزارة، ومنها دار الكتب والوثائق منتصف شهر مارس الماضي، يشدد فيه على أن وزير الثقافة وجه بعدم الجمع بين وظيفتين قياديتين، وعدم ندب رؤساء الإدارات المركزية لبعض الوقت، وإنما يكون انتدابهم كامل الوقت، فقد رأينا منذ أيام تجديد انتداب رئيسة دار الوثائق لبعض الوقت على عكس كل قيادات وزارة الثقافة التى تم الاشتراط عليها أن تحصل على إجازة من عملها كأستاذة بالجامعة للتفرغ إلى إدارة منصبها بالوزارة، وهو أمر يدعو إلى الدهشة والكثير من الأسئلة حول هذا الأمر.
مواجهة رئيس الوثائق
«البوابة» كانت حريصة على لقاء الدكتورة نيفين محمود، رئيسة دار الوثائق، والتى واجهناها بما سبق، فقالت: من حقى أن أستعين بأى موظف وإسناد أى أعمال بالإدارة له، حتى ولو تم اتهامه وعقابه فى سرقة مخطوط الإمام الشافعي، طالما أن الدولة والقانون لم يفصله من عمله ولم يوقفه، أما أن يتم عقابه على أمور سابقة فهذه أمور لا تحرمه من ممارسة عمله، ولذا فإننى أسند إلى محمود فودة أعمال وظيفية تقع فى إطار إدارته للإدارة العامة للجمع.
وحول تجاوز محمود فودة لمديره قالت نيفين: إن هذا الأمر غير صحيح، ولم يردنى أى شكاوى فى هذا الإطار، كما أن العمل داخل دار الوثائق يجرى بانتظام.
وحول سرقة ٣ ملفات من وثائق وزارة التجارة والصناعة، قالت نيفين: إن هذا الأمر غير صحيح بالمرة، ولم يتم ضياع أى وثائق من الدار، وعلى من يدعى هذا الأمر أن يتوجه إلى الجهات المختصة لتقديم بلاغ رسمي.
أما عن التجديد لها بعض الوقت، وهو أمر يخالف القرارات السابقة للوزارة، قالت نيفين: إننى أحضر العمل بدار الوثائق يوميا دون إجازات وأمارس مهام منصبى طوال الوقت، أما قرار التجديد الصادر لى لتولى رئاسة دار الوثائق، فهو قرار يصدر من وزير الثقافة باعتباره السلطة المختصة باختيار من يتولى رئاسة المواقع القيادية، وبذلك فإذا كان أصدر قرار التجديد لى فإنه يرى أحقيتى بالمنصب.
وحول عدم سماحها أو استجابتها لطلبات جرد ما بالدار من وثائق مهمة، وعدم وجود قوائم محددة بما تمتلكه الدار من وثائق، قالت نيفين: هذا الأمر غير حقيقى لأن لدينا قوائم كاملة بما تمتلكه الدار من وثائق وعلى الجهات الرسمية والرقابية أن تتأكد بهذا الأمر بنفسها لو أرادت أن تتأكد.
ما نفته الدكتورة نيفين محمود تثبته الوثائق التى حصلت عليها «البوابة»، والتى بالمناسبة رفضت رئيسة دار الوثائق الاطلاع عليها أو مناقشتها أو حتى دحضها كما رفضت تسجيل ردها على تلك الوقائع.


نطالب بالتحقيق
بعد كل ما سبق يتضح لنا أن وثائق مصر التى تعد ذاكرة الأمة أصبحت فى خطر عظيم يهددها بالفقدان والضياع، رغم نفى رئيس دار الوثائق للوقائع التى أثبتناها بالصور والمستندات، وهو أمر يدعو الجهات المعنية بفتح التحقيق فى الوقائع التى أوردناها هنا.
وإلى أن يتم ذلك ستواصل «البوابة» خلال الأيام المقبلة نشر حلقات أخرى لكشف المزيد من وقائع الإهمال داخل دار الكتب والوثائق، واستطلاع رأى الخبراء والمتخصصين فيما وصلت إليه الأمور داخل هذه المؤسسة التى تحتل مكانة كبيرة، لما تحويه من مستندات مهمة وخطيرة، بالإضافة إلى الطرق المثلى للحفاظ على هذه الوثائق.