الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مغتربو العراق لم يتخلوا عن عروبتهم.. ومصر أمهم الرؤوم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
سألنى الراحل سيد ياسين وهو مدير لمركز الدراسات الاستراتيجية فى الأهرام، قبيل اندلاع الثورة فى مصر: ما الذى يحدث فى العراق الآن؟ وقد كنت متهيبًا ألا أكون دقيقًا فى إجابتى قلت: 
- دولتان وليس حكومتان فى العراق تتقاتلان، دولة علنية كان يقودها البعث وصدام حسين ودولة نصّبها المحتل الأمريكى، شكّلها الحاكم المدنى الأمريكى بريمر، وألغى الجيش والشرطة العراقية وحلّ الإعلام والثقافة العراقية وسفه التعليم، وأتى بمتأسلمين سنة وشيعة ليتقاسموا «كعكعة الديمقراطية» فى العراق، حتى خربت البلاد والعباد وذهب مئات الآلاف من الضحايا وهجّر أكثر من أربعة ملايين عراقى، جلهم من العلماء والمثقفين والتدريسيين ورجال الإعلام وأساتذة الجامعات وأُفرغ البلد من كفاءته وخبراته وزحف الجهل والأمية وعاد العراق إلى القرون الوسطى، بعد أن أعلن فى العام ١٩٧٧ خلوه من الأمية وأشادت منظمة اليونسكو بهذه الدولة التى أنقذت شعبها من الأمية وعلمته القراءة والكتابة. 
كنت أتحدث والراحل سيد ياسين يصغى مع إضافات حاذقة من الصديق ألأستاذ «عبدالرحيم على» حول الأساليب التى اتبعها دعاة العراق من المتأسلمين وهم يروّجون لمشروعهم فى «العراق الجديد». 
كان الراحل سيد ياسين مفكرا عروبيا قوميًا، يتقصى الحقائق ويسمع من أفواه الناس ما الذى يحدث كى يكوّن فكرة دقيقة عما يحدث هنا وهناك. 
تذكرت الراحل السيد ياسين وأنا فى مؤتمر المغتربين العراقيين الذى لم يتمكن أعضاؤه من عقده فى أى دولة عربية فذهبوا لمدينة افيدو الإسبانية أقصى الشمال وأنا أصغى لمئات الكفاءات الوطنية العراقية من كل العالم وهى تستنجد من الأشقاء والأصدقاء أن ينقذوا ما تبقى من العراق، ذلك البلد الذى قاتل فى كل معارك الأمة فى العصر الحديث، عسكريون كبار وأساتذة جامعات وعمداء كليات ومهندسون وصحفيون وشيوخ عشائر حضروا وهم يأملون أن تحدث مراجعة الآن إلى محصلة الحصاد الديمقراطى فى العراق الذى خلصْ إلى حكم الميليشيات وانتهبت ثرواته وضاعت هيبة الدولة التى كانت موئل العلم ودريئة الأمة، لقد خلص العراقيون إلى ما سموه إعلان مبادئ صادر عن مؤتمر المغتربين الحادى عشر. 
إن ما تواجهه الأقطار العربية فى مشرق الوطن العربى ومغربه مجموعة من التحديات المركزية بالغة الخطورة التى تستهدف وجودها وهويتها ومستقبلها، ومن بين هذه التحديات، الاحتلال الصهيونى لفلسطين العربية، والاحتلال الأمريكى والإيراني للعراق وتدميره، والكارثة التى تتعرض لها سوريا واليمن وليبيا، والعدوان والتدخل الإيراني فى شئون الدول العربية وما نتج عن ذلك من فتنة طائفية وفوضى وتخلف، وانتشار ظاهرة الإرهاب والفساد، إضافة لتحديات تتعلق بأزمة السياسة والحكم والاستبداد، وضعف التنمية والمشاركة الديمقراطية، وأزمة الثقافة والفكر وازدياد نسبة الأمية، والتضييق على الحريات العامة والخاصة وانتهاكات حقوق الإنسان، وسوء توزيع الثروة وزيادة نسبة البطالة وانعدام الأمن والخدمات الأساسية، والفقر والمرض والجهل وغيرها. 
إن هذه التحديات الخطيرة وتداعياتها وانعكاساتها على الأمن والسلم المجتمعى وفى المجال الإقليمى والدولى، تفرض وتحتم على القوى والشخصيات الوطنية التمسك بمبادئ وأهداف مشروع النهضة العربى الذى يستند إلى عنصرى (المقاومة والبناء) لغرض مواجهتها على مستوى الأقطار العربية من جهة، وعلى مستوى الأمة بأجمعها من جهة ثانية، وبمؤازرة الأحرار فى العالم والقوى الدولية المحبة للسلام والأمن والحرية، ووضع الحلول والمعالجات لعوامل التردى التى أنتجتها.
إذ يؤكد وعيه لهذه التحديات ويعبر عن إدراكه لخطورتها على مستقبل الأقطار والأجيال العربية، ويستشعر تداعياتها وانعكاساتها السلبية على الأمن والسلام والاستقرار فى العالم فإنه يدعو لغرض مواجهتها إلى: 
- توحيد القوى الوطنية والقومية والإسلامية المعتدلة فى جبهة عربية عريضة وإيجاد آلية للتنسيق فيما بينها والتمسك بالوحدة الوطنية لكل بلد عربى مع السعى الدائم لتحقيق الوحدة العربية بين أبناء الشعب العربى كحتمية تاريخية ضامنة للمستقبل، وبما يحترم الخصوصية الوطنية للبلدان العربية. 
- رفض ومقاومة الاحتلال والتدخل الأجنبى فى شئون الدول العربية بكل أنواعه ومصادره، والتصدى لمشاريعه السياسية ومخططاته الاستعمارية.
- تحشيد طاقات الأقطار العربية وتنسيق إمكانياتها المادية والبشرية. 
- نبذ ورفض ومقاومة قوى الإٍرهاب والطائفية والمذهبية والنزاعات العنصرية والعشائرية والانتماءات الإقليمية والمناطقية، ومشاريع التقسيم والتفتيت ومحاربة الفساد المالى والسياسى والادارى والأخلاقى. 
- الالتزام بمبادئ مشروع النهضة العربى المعبرة عن أهداف الشعب وحقوقه ومصالح الأمة العليا فى الوحدة والتوحد، والحريّة والتحرر، والسيادة والاستقلال الوطنى والقومى، وتحقيق العدالة الاجتماعية، والمشاركة الديمقراطية والبناء والتنمية والتطور والتقدم الحديث، ونبذ العنف والكراهية، والتمسك بمبدأ الحوار فيما بين الجهات الوطنية والعربية، ومع الجهات الدولية كوسيلة أساسية فى حل النزاعات وانتزاع الحقوق وضمان المصالح المشتركة بينها وبين الأقطار العربية.
- بناء دولة المؤسسات الوطنية القائمة على أساس التداول السلمى للسلطة والتعددية الحزبية والمنافسة السياسية بموجب دستور دائم وقوانين مدنية حديثة تعتمد المقاييس العالمية فى تقييم الأداء. 
- التعاون والتنسيق وتوطيد العلاقات مع جميع المنظمات العربية والإقليمية والدولية المهنية والشعبية والرسمية. 
إقامة أفضل العلاقات مع كل الدول وأحزابها وبرلماناتها وإعطاء أهمية خاصة للعلاقة مع حركات التحرر الوطنى فى العالم. 
إن مؤتمر المغتربين العراقيين فى الوقت الذى يسعى فيه لتحقيق أهدافه الوطنية فى الدفاع عن قضية العراق وقضايا الأمة العادلة أمام المجتمع الدولى، يؤكد على تداعيات الاحتلال الأمريكى للعراق والتى تجلت فى أخطر أشكالها فى الاحتلال الإيراني وهيمنة ميليشياته وأحزابه وعصاباته على العملية السياسية التى أنشأها كنواة لمشروعه فى ما يسمى الشرق الأوسط الجديد، والتى كانت بممارساتها وسياساتها الإجرامية القائمة على الظلم والفساد والاجتثاث، السبب وراء ظهور تنظيمات داعش الإرهابى المجرم وغيره من حركات التعصب والتطرف والفتنة.
وإن ما تقوم به إيران وأدواتها يمثل احتلالا صريحا ومباشرا للعراق لم يعد خافيًا على أحد، وهو السبب فى ما يمر به العراق من أزمات وصراعات فئوية وفساد وتخلف، وإنه يجرى أمام أنظار العالم ووسط صمت دولى وعربى غريب، وفِى ظل الديمقراطية المزيفة التى فُرضتْ على العراق بقوة السلاح والإعلام، وتم غزوه واحتلاله وتدميره باسمها وتحت عنوانها.
ولم يفت المغتربون العراقيون من إعادة توكيد الدور الفاعل لمصر فى التفاعل مع قصايا الأمة العربية وفاعلية حضورها القومى وإن ما حصل لمصر من تآمر كان بسبب خواص تتميز بها من بين كل الدول العربية متمثلة فى حجمها وإمكانياتها المادية والبشرية، ومستوى التطور الحضارى لشعبها ولموقعها الجغرافى الاستراتيجى، وهى الجسر الذى يربط بين مشرق الأمة العربية ومغربها، وبين الأقطار العربية الآسيوية والإفريقية، وهى الدولة الأهم من دول المواجهة مع (إسرائيل) يضاف لذلك عمقها التاريخى والحضارى والمعرفى، ومن مميزاتها على مدى التاريخ أنها كانت الصخرة التى تتحطم عليها موجات الغزو والاحتلال، مما حرّك قوى الإرهاب والفتنة لمشاغلة الجيش المصرى وإنهاكه وتعطيله عن أداء واجباته الأساسية فى الدفاع عن الأمن الوطنى والقومى.
الأهم من كل هذه النقاشات بين عراقيي الخارج فإنهم ما زالوا ينظرون لمشكلاتهم فى إطارها الكلى المرتبط بأمتهم العربية فهى كل لا يتجزأ، ولم تحل ظروف الاحتلال من سعة أفق التفكير بحلول الكليات للأزمة العراقية عربيًا.