الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

فساد وصراع القيادات.. وراء تسمم أطفال مدارس مصر

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الرقابة غائبة في شروط التعاقد بين المحافظات والموردين.. ولا يوجد شرط جزائي خاص بفساد الوجبات
أيمن البيلي: تخزين الوجبة المدرسية في فصول مهجورة 

«التغذية المدرسية.. فيها سم قاتل».. بهذا الكلمات بدأت التغذية المدرسية في الانهيار منذ ١٢ عامًا مضت، والتي أصبحت بدلا من أن تغذى جسم الطالب بالفيتامين أصبحت تجلب له التسمم الذي وصل إلى حد الموت.
تتعدد أنواع الوجبات المدرسية وتختلف بين المحافظات، ففي محافظات الصعيد يتم تقديم وجبة ساخنة إلى الطلاب، والتي تحتوي على نوع من أنواع الخضراوات والخبز، بالإضافة لتنوع الوجبات بين فطيرة بالعجوة وبسكويت بين طلاب محافظات القاهرة والجيزة، وتكثر الإصابات دائما بين طلاب الصعيد لأسباب كثيرة تكشفها «البوابة» خلال السطور القادمة.
كشفت مصادر داخل ديوان عام وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن تسمم طلاب سوهاج في إدارتي ساقلتة وأخميم التعليمية ١٤ مارس الماضى، كانت «القشة التي قصمت ظهر البعير»، عندما أمرت الرئاسة بالتحقيق في هذا الأمر ومتابعته، وهو الأمر الذي جعل قيادات التربية والتعليم والتعليم الفني يعقدون اجتماعًا عاجلا مع قيادات الخدمة الوطنية لوقف مهازل التغذية المدرسية، والعمل على تطويرها خلال الأعوام القادمة بما يتناسب مع الطلاب والحفاظ على صحتهم.

كعكة التغذية
وكشفت المصادر لـ«البوابة» الكواليس التي تحدث خلال الصراع على كعكة التغذية المدرسية، والتي يعتبرها البعض مثلها مثل الثانوية العامة «سبوبة»، قالت المصادر إن أول خيوط التغذية المدرسية هو «المناقصة»، حيث أكدت أن العام الماضي لم تلحق الوزارة على عقد المناقصة حتى قام التعاقد مع الخدمة الوطنية بالإسناد المباشر بموافقة رئيس مجلس الوزراء، وعن طريقها تم التعاقد مع الموردين، حيث توجد ٢٥ محافظة تعاقدت مع جهاز الخدمة الوطنية من العام الماضي.
وكشفت المصادر عن كارثة كبرى قائلة إن التغذية المدرسية لا مركزية أي أن المسئول عنها أولا وأخيرا المحافظة، ويتم توزيع الماليات الخاصة بها من وزارة المالية إلى المحافظة مباشرة دون تدخل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، قائلا: «الوجبة المدرسية لو مركزية هيبقى فيها قطم رقبة وهتمسكي سماسرة وحيتان كتير، الوزارة مش عارفة تواجههم حتى الآن».
وقالت المصادر إن وزارة التضامن هي التي وضعت الاستراتيجية وكان مهام التعليم الإشراف فقط، فالوجبة المدرسية تعاون بين ٩ هيئات هي التربية والتعليم، التضامن، التموين، الصحة، الزراعة، الخدمة الوطنية والمعهد القومي للتغذية فالقصة متشعبة، يقول المصدر: «لو مركزية زي زمان من ١٥ سنة عمرنا ما نسمع عن تسمم الطلاب».

المحافظ مسئول
وأكد المصدر أن أي تسمم يحدث داخل أي محافظة هو في الأول والآخر مسئولية المحافظة وليست الوزارة، لذلك في حدوث تسمم يخرج المحافظ إلى الرأي العام يقول المصدر: «لأن دي شيلته هو اللي متعاقد مع الموردين وغيره ودا بيحدث فيه تلاعب لم يتم الرقابة عليه لأن بيكون فيها مجاملات بسبب اللامركزية.. لكن وزارة التعليم ملهاش ذنب».
وقال المصدر أيضًا إن الموردين والشركات التي تدخل ماراثون التغذية المدرسية تكون في الأصل غير معروفة، مؤكدًا أنه في إحدى عبوات بسكويت المدرسة في إحدى إدارات المعادي من قبل تم ضبط خلط البسكويت بـ«مسمار»، وكانت هذه الواقعة سببًا في إحالة مدير المديرية إلى التحقيق. 

شروط التعاقد
قال أيمن البيلي الخبير التربوي، إن حالات تسمم طلاب المدارس تكاد أن تتحول إلى ظاهرة منذ عام ٢٠١٣ حتى وقتنا هذا وتتكرر تحديدا في شهر مارس، ويرجع ذلك إلى أسباب كثيرة بينها داخل وزارة التربية والتعليم والتعليم الفني، وأسباب أخرى تكمن في شروط التعاقد مع الموردين.
كشف البيلي لـ«البوابة» عن مفاجآت في تخزين الوجبة المدرسية قائلا: «لو نظرنا إلى الوجبات التي تستمر لمدة طويلة في الحفظ.. فهي أكثر الوجبات التي تسبب التسمم، وذلك يرجع الى أن مخازن الإدارات التعليمية على مستوى المحافظات غير صحية وغير جيدة التهوية ومليئة الحشرات، فهي في الأصل فصول مهجورة لا يتم استخدامها»، بالإضافة إلى أن نقل الوجبات إلى المدارس من السيارات كارثة أخرى، فالسيارات المخصصة لنقل الوجبات المدرسية غير مطابقة للمواصفات الصحية، فالوجبات كلها مكشوفة ومعرضة للأتربة داخل السيارات، فضلا عن أن الوجبة المدرسية لا تخضع للرقابة الصحية إلا فقط أثناء اختبار العينات عند عقد المناقصات.
وأكد «البيلي» أن شروط التعاقد بين المحافظات والموردين لا يوجد فى نصوصها ما يفيد برقابة شهرية أو دورية على هذه الوجبات، ولا يوجد شرط جزائي خاص بفساد الوجبات، حيث إن جميع التعاقدات «لا مركزية»، وذلك نقترح أن يكون التعاقد مركزيًا مع شركات تغذية معروفة تخضع لرقابة الدولة بشكل مباشر وتكون الوزارة مسئولة عنها مسئولية كاملة.
أما عن محافظات الصعيد، أكد «البيلي» أن هذه المحافظات في جانب بعيدًا تمامًا عن أعين الدولة، رغم أنها أكثر المحافظات التي يتعرض طلابها إلى تسمم ومنها سوهاج، أسيوط والمنيا، وذلك بسبب أن هؤلاء الطلاب تخصص لهم وجبات ساخنة، وفي ظل ارتفاع درجات الحرارة تصبح هذه الوجبات عرضة للفساد.
وقال «البيلي» إنه يقترح إما أن تكون الوجبة مركزية، أو يتم صرف بدل نقدي للطلاب بدلا منها، أو يتم الرجوع إلى النظام القديم والذي كان من خلاله لا يتم السماع عن أي حالات تسمم، حيث أوضح أنه فى عام ١٩٦٤ كان يتم توزيع لبن مبستر وعيش ساخن على الطلاب ولم يتم السماع عن أي حالات تسمم حينها.

سبوبة قيادات
على الجانب الآخر، قال حسين إبراهيم، الأمين العام لنقابة المعلمين المستقلة، إن النقابة قد طالبت مرارًا وتكرارًا بوقف التغذية المدرسية، وأشار إلى أن التغذية ما هي إلا «سبوبة» بين بعض قيادات وزارة التعليم ورجال الأعمال الموردين، مشيرًا إلى أنه توجد عصابة تشرف على التغذية وتتاجر بمستقبل أبناء الوطن قائلا: «التعذية المدرسية غير صالحة للاستخدام الآدمي»، واقترح أنه بدلا من إضاعة مليارات الجنيهات على التغذية يتم صرف هذه المليارات على الأنشطة والمقاعد وكذلك العمل على جلب أجهزة إلكترونية تساعد الطلاب على تطوير التعليم قائلا: «غذوا عقولهم أحسن ما تغذوا طلابهم.. فالوجبة المدرسية إهدار للمال العام».
وقال إبراهيم إن «باكو البسكويت» الذي يتم توزيعه على الطلاب لا يسمن ولا يغني من جوع، فإما يتم تقديم وجبة غذائية صحية متكاملة أو يتم الامتناع عن تقديم الوجبة من الأساس، قائلا إنه على مدار ١٢ عامًا الماضية حدثت حالات وفاة وتسمم من الوجبة المدرسية.
وكشف إبراهيم عن مفاجأة قائلا إن من يشرف أو يفتش عن الوجبة المدرسية داخل المدرسة، هو معلم عادي ليست لديه أي خبرة في هذه الأمور، وليست معه شهادة صحية، مؤكدًا أن المدارس لا يكون بها زائر صحي يجلس بداخل المدرسة من ساعتين لثلاث ساعات على الأقل لإسعاف الطلاب قائلا: «لو دخلتي أي مدرسة مش هتلاقي غير مكركروم وأسبرين للصداع وبس ولو لقينا أصلا»، موجهًا رسالة عاجلة إلى الدكتور طارق شوقي وزير التربية والتعليم قائلا له: «اتخذ إجراءات صارمة بموضوع التغذية المدرسية وأوقفها على الفور حفاظًا على أرواح ومستقبل أبنائك المصريين».

الزراعة على الخط
على الجانب الآخر قالت مصادر إن وزارة الزراعة تدرس الآن القرار الخاص بأن تنتج مصانع التغذية المدرسية (كورن فليكس ومقرمشات وكرواسون)، وحول ذلك قال صبحي عبدالرحمن، مدير عام الإدارة العامة للتغذية المدرسية بوزارة التربية والتعليم، إن الوزارة حتى الآن لم تتسلم أي قرار خاص بتحويل الوجبة المدرسية إلى كيك ومقرمشات وكورن فليكس والسناكس، وقال «صبحي» إن هذا القرار لا بد أن يتم بموافقة جميع الجهات المتعاونة في التغذية المدرسية.
جاء ذلك ردًا على إصدار الدكتور عبدالمنعم البنا وزير الزراعة واستصلاح الأراضي، قرارًا وزاريًا يحمل رقم ٤٠٥ لسنة ٢٠١٧ بتشكيل لجنة برئاسة المدير التنفيذي للمشروع الخدمي للتغذية المدرسية و١٠ أعضاء لدراسة وتشغيل خطوط إنتاج الكيك، والكرواسوان، والكورن فيلكس والسناكس والمقرمشات الموجودة بمصانع مشروع التغذية المدرسية.

تقرير شامل
وعلى الجانب الآخر كشفت مصادر بوزارة التربية والتعليم والتعليم الفني أن الدكتور طارق شوقي، طلب من الإدارة العامة للتغذية تقريرًا بكامل التفاصيل حول التغذية المدرسية بالمدارس. 
وأشارت المصادر إلى أن الإدارة العامة للتغذية المدرسية بوزارة التربية والتعليم، برئاسة المدير العام، صبحي عبدالرحمن بدأت بالفعل في إعداد ملف كامل عن التغذية المدرسية على مستوى المحافظات.
وكشفت المصادر أن التغذية المدرسية لم تكن الوزارة مسئولة عنها مسئولية مباشرة حيث إنها «لا مركزية» أي تتم على مستوى المحافظات، مما يعطي فرصة كبيرة في إهمالها، وأشارت المصادر إلى أنه يوجد اتجاه الآن لجعل التغذية المدرسية مركزية.