الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

سياسة

"حماية الكنائس في الإسلام".. درع الأوقاف لمواجهة تكفيريي داعش

الوزارة ترجمته لـ13 لغة بعد تفجيري مارجرجس والمرقسية..

وزارة الأوقاف
وزارة الأوقاف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
في تطبيق عملي للمثل الشعبي" الخواجة لما يفلس"، فتّشت وزارة الأوقاف في دفاترها القديمة، كردّ فعل سريع على التفجيرات الإرهابية التي استهدفت كنيستي مارجرحس بطنطا والكنيسة المرقسية بالإسكندرية، يوم الأحد الدامي منذ أسبوع. فقرر الدكتور محمد مختار جمعة، وزير الأوقاف، نشر كتاب "حماية الكنائس في الإسلام" وترجمته إلى 13 لغة.
"حماية الكنائس في الإسلام" هو كتاب أجازه المجلس الأعلى للشئون الإسلامية في أبريل الماضي، وتمت ترجمه إلى 9 لغات مختلفة، يتضمن عددًا من الأبحاث التى تؤكد بالأدلة الشرعية حرمة المساس بالكنائس بل وجوب حمايتها، وتم إهداء الطبعة الأولى من الكتاب إلى الرئيس عبدالفتاح السيسى؛ تقديرًا لجهوده العالمية فى مواجهة التطرف والمطالبة بتجديد الخطاب الدينى.
وتعرض "البوابة" الكتاب الذي تعتبره وزارة الأوقاف أبلغ رد على من ينسب الإرهاب للإسلام أو يزعم زورًا أن الدين يحض على كراهية الآخر أو اضطهاد الأقباط، شارك فى تقديمه الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، ومفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، ومجموعة من أساتذة الفقه والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر.
فى البداية أشار وزير الأوقاف إلى أن الهدف من إصدار هذا الكتاب هو ترسيخ أسس المواطنة العصرية الكاملة دون تمييز وتأصيل فقه العيش المشترك بين البشر دون تفرقة على أساس الدين أو اللون أو العِرق أو الجنس أو اللغة، والخروج من ضيق الأفق الفكرى إلى رحابة الإسلام الواسعة واحترامه للآخر وتأكيد سماحة الإسلام للعالم كله وأن ما يصيبه من محاولات تشويه لا يمت لسماحته بصلة، مؤكدًا أن الكتاب يأتى فى ضوء سلسلة وموسوعة المستجدات وتصحيح المفاهيم الخاطئة التى يصدره المجلس الأعلى للشئون الإسلامية.
فيما أكد الدكتور شوقى علام/ مفتى الجمهورية، أن الشريعة الإسلامية تحفظ للإنسان إنسانيته وكرامته بل إن مقاصدها جميعها تدور حول الحفاظ على الإنسان من غير تمييز بين أفراده وحقه فى التعبد بما يقتنع به من المذاهب والأديان مع كامل مسئوليته أمام الله وحده عن اختياراته، لافتًا إلى أن حماية أهل الأديان السماوية ودور عبادتهم من مقاصد العمران الإسلامى، استنادًا بقوله تعالى: "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا".
وتضمَّن الكتاب ثلاثة حقائق تمثل تأصيلًا لحماية الكنائس، قدمها الدكتور محمد سالم أبو عاصى، الأستاذ بجامعة الأزهر، الأولى: أن استغلال الدين لأهداف سياسية يعود بالضرر على المجتمع كله، والثانية: أن مبادئ الشريعة الإسلامية تقضى بحرية الإنسان فى اعتناق الشريعة التى يرضاها كقول الله تعالى "لا إكراه فى الدين"، وقوله أيضًا "ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين"، أما الحقيقة الثالثة فتتمثل في أن القرآن الكريم أقرّ قاعدة التعامل مع أهل الكتاب على أساس البر والعدل.
وحذر "أبو عاصى" من أعداء الوطن الذين يبثون عوامل الشقاق والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد، قائلًا: "عندما ينجح العدو فى تفكيك هذا النسيج الحضارى الجامع فى مجتمعاتنا العربية، فسوف ينحط الوبال من جراء ذلك على كل المسلمين والمسيحيين على السواء". 
وشرح أسباب تورط البعض ممن لا فقه لهم فى العدوان على الكنائس، منها عدم النضج الفقهى بأحكام أهل الكتاب، ولا سيما لدى الجماعات المتطرفة، وعدم وجود منهج معرف ومُلزم بالطريقة المثلى للبحث عن أحكام أهل الكتاب، والمأمول فى الفتاوى والأحكام الشرعية التى تتعلق بالقضايا الكبرى للدولة أن تشكل فيما بينها آلية للتواصل والتنسيق تحقق التناغم والانسجام، بدلًا من الأحكام والفتاوى المتخالفة والمتناقضة التى تثير عوامل الاضطراب.
كما تطرَّق الكتاب إلى أن المحافظة على الكنائس مطلب إسلامى يقوم على عدد من أهم مبادئ الإسلام وهو المحافظة على الدين، فجميع الشرائع السماوية بينها قاسم مشترك يتمثل فى الضرورات الدينية والمبادئ الأخلاقية، كما تتفق تلك الشرائع فى المحافظة على القيم الإنسانية كالوفاء والكرم والصدق والأمانة وغيرها من القيم التى تقتضى وجوب الحفاظ على تلك الشرائع وعدم المساس بها، أيضًا ذكر الله مطلوب من المسلم وغير المسلم، حتى لو كان لا يؤمن بدين من الأديان.
حيث أكد الدكتور عبدالله النجار، عضو مجمع البحوث الإسلامية، أن"القرطبي" فسّر آية "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا"، بأن الله تعالى ذكر دُور عبادة أهل الديانات السابقة وهى صوامع الرهبان، وبِيَع النصارى وصلوات اليهود ومساجد المسلمين؛ لأن أصحاب تلك الدور أهل كتب سماوية سابقة وفيها ما يجب حمايته، وأن هدم دُور عبادة غير المسلمين والتعرض لها يمثل تزيدًا على الله وعلى دينه ويمثل إكراهًا فى الدين منهيًّا عنه.
وفى مبحث آخر من الكتاب تحدَّث الدكتور محمد عبدالستار الجبالى، أستاذ الفقه بجامعة الأزهر، عن موقف الإسلام من ممارسة غير المسلمين شعائر دينهم، فلا تُهدم لهم بيعة أو كنيسة ولا يكسر لهم صليب، بناء على القاعدة العامة فى حقوق أهل الذمة “أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا” هذه القواعد جرت على لسان الفقهاء ويؤيدها بعض السلف، ومنهم "عمر بن عبدالعزيز".
كما نوّه بوصية الرسول صلى الله عليه وسلم بالأقباط، حينما قال لأصحابه "إنكم ستفتحون مصر، وهى أرض يسمى فيها القيراط فاستوصوا بأهلها خيرًا، فإن لهم ذمة ورحمًا، كما طبّق عمرو بن العاص هذا التسامح عمليًّا عندما فتح مصر، حيث أطلق الحرية الدينية للأقباط وردّ البطريرك بنيامين إلى كرسيه بعد تغيبه عنه ما يقرب من ثلاث عشرة سنة، بل إنه أمر باستقباله بكل حفاوة عندما وصل إلى الإسكندرية.
فيما أكد الدكتور عبدالحليم منصور، وكيل كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن الإسلام يحرِّم المساس بدُور العبادة كلها من كنائس وأديرة ومساجد وغير ذلك، فقد كفل الاسلام حرية الاعتقاد لكل البشر وعدم جواز إكراه أحد على الدخول فيه، يدل على ذلك قول الله تعالى "لا إكراه فى الدين"، وقوله أيضًا "أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".
أيضًا وجوب المحافظة على دُور العبادة وحمايتها كما جاء فى كتاب عمر بن الخطاب لأهل بيت المقدس: "إنكم آمنون على دمائكم وأموالكم وكنائسكم لا تسكن ولا تخرب، إلا أن تحدثوا حدثًا عامًّا، وأشهد شهودًا"، مما يعنى لزوم تأمين وحماية الكنائس، وما روى أن عمر بن عبدالعزيز كتب إلى عماله: "أن لا يهدموا بيعة ولا كنيسة ولا بيت نار"
وفى مبحث آخر من الكتاب أورد الدكتور محمد نبيل غنايم، أستاذ الشريعة الإسلامية جامعة القاهرة، الأدلة الشرعية على وجوب حماية الكنائس وعدم المساس بها، منها أنه لم يردْ فى القرآن الكريم، ولا السنة النبوية أمر للمسلمين بذلك، وإنما ورد الأمر بصيانتها والمحافظة عليها.
أيضًا تعامل النبى محمد مع أهل الكتاب فى المدينة وفى الجزيرة العربية وفى اليمن، ولم يرو عنه أنه أمر بشىء من الهدم أو العدوان، بل نهى المسلمين الفاتحين عن هدم الصوامع أو قتل الرهبان أو النساء أو الأطفال فى أى معركة، وقد سار الخلفاء الراشدون على سنته فلم يرو عن أحدهم أنه هدم كنيسة أو أمر بالعدوان عليها.
ويضيف: "أمر الإسلام أمرًا واضحًا بحسن رعاية أهل الكتاب ومعاملتهم وقرر أن لهم ما لنا وعليهم ما علينا، وأن من آذى ذميًّا فالله ورسوله بريئان منه لأنه قد آذى الله ورسوله، مع لزوم معاملتهم بالعدل والإنصاف، كقول الله تعالى "إن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم، وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئًا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين".
ويبين الكتاب أنه وفقًا للقاعدة الشرعية لا يجوز الاعتداء إلا على المعتدين على المسلمين لرد العدوان، حيث قال تعالى: "فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله واعلموا أن الله مع المتقين". ويشير الكاتب إلى أنه لم يعتد أحد من الإخوة المسيحيين على مساجدنا بل دافعوا عنها وحافظوا عليها وساعدوا فى بنائها، متسائلًا: "كيف يعتدى المسلمون على كنائسهم ولا يحافظون عليها معاملة بالمثل وتحقيقًا للبر؟!".