الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

الإرهاب الدولي وأحداث سوريا.. والقرار الأمريكي

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إذا كان الرئيس الأمريكى دونالد ترامب قد ارتكب خطأ فادحًا وجسيمًا بإصدار أوامره غير المتوقعة بإطلاق ٥٩ صاروخًا توماهوك وكروز من البوارج الأمريكية المتواجدة فى شرق البحر المتوسط على مطار الشعيرات السورى، مما أدى إلى سقوط عدد من القتلى والمصابين ليس لهم أى ذنب وتدمير عدد ٦ طائرات ميج ٢٣.
فقد كلفه ذلك ثمنًا باهظًا من شعبيته فى معظم دول العالم عدا ذيول الولايات المتحدة من بعض الدول الأوروبية وغيرها التى تتربص بسوريا وتكن لها العداء. وهى نفس الدول المعروفة بنفاقها وتملقها وتبعيتها للولايات المتحدة. 
ولعل المناخ السيئ والبيئة السياسية والاجتماعية الأمريكية غير الصالحة التى صنع فيها هذا القرار هو الذى دفع الرئيس ترامب إلى اتخاذه. والمتتبع لمجريات الأحداث الأمريكية منذ وصول الرئيس ترامب إلى سدة الحكم فى البيت الأبيض يناير الماضى نجده يتصارع مع قوى سياسية مناهضة له، فهناك جماعات الضغط والمصالح الأمريكية، وهناك المراكز الاستراتيجية والبحثية المرتبطة بالجماعات الإرهابية، وعلى رأسها التنظيم الدولى للإخوان، وأيضا هناك الصحافة المرتشية والعميلة والمتلهفة لأموال قطر الخليجية وأموال تركيا الإخوانية الاستعمارية، والتى تتطلع بتحقيق حلمها المريض فى المنطقة العربية، وأخيرًا وليس آخرًا تحرك الطابور الخامس الأمريكى الموالى للديمقراطيين والداعم لهيلارى كلينتون مرشحة الرئاسة التى خسرت الانتخابات الرئاسية الأخيرة أمام ترامب. وتأتى جماعة الإخوان الإرهابية على رأس هذا الطابور الخامس الذى كان له دور كبير فى إثارة الفتن والفوضى والمظاهرات العنيفة داخل الولايات الأمريكية الرافضة لنتيجة الانتخابات الرئاسية، والتى راح ضحيتها العديد من القتلى والمصابين، كما راح ضحيتها أهم المبادئ الأمريكية التى طالما طالبت بها الدول المتخلفة باحترامها، وهى الديمقراطية خاصة صندوق الانتخابات التى تعتبره كعبة الديمقراطية له كل القدسية والاحترام. ومما لا شك فيه أن القرار الأمريكى بضرب سوريا بالصواريخ بحجج واهية قبل أن تتأكد الولايات المتحدة من خلال لجنة تحقيق دولية، قد أعاد إلى الاذهان ما حدث عندما جاء بوش الابن على رأس السلطة الأمريكية، وأوهم العالم بأن العراق يمتلك أسلحة الدمار الشامل، وأنه قاب قوسين أو أدنى لاستخدامه لتهديد الأمن والسلم الدوليين ودارت ماكينة الإعلام والصحافة الأمريكية لتتهم صدام بأنه شبيه بهتلر وموسولينى. وأنه يذبح معارضيه ويفزع الشعب العراقى، ونسى بوش أن العالم لم ينس أن الولايات المتحدة هى الدولة الوحيدة فى العالم التى استخدمت السلاح النووى عندما ضربت اليابان إبان الحرب العالمية الثانية فى القرن الماضى. وقام بوش الابن بضرب العراق بالصواريخ والقنابل المحرمة دوليًا بالرغم من عدم موافقة مجلس الأمن.
وكان من نتائج هذا الغزو احتلال العراق والقضاء على جيشه وأجهزته السيادية والأمنية وتدمير الحضارة والتراث والتاريخ والهوية العراقية تمامًا ونهب وسرقة بترول العراق وأمواله فى البنوك والآثار.. إلى جانب التكلفة البشرية التى قدرت بحوالى مليون شهيد وأربعة ملايين مصاب، وقدرت التكلفة المالية بنحو ٦٠٠ مليار دولار. وتحول الحلم الأمريكى الذى قدمه بوش للعالم بأنه سيجعل من العراق واحة للديمقراطية ليصبح العراق الشقيق اليوم غابة للصراع الطائفى والدينى والعرقى وبؤرة خطيرة من بؤر الإرهاب فى المنطقة. ثم جاء بعد بوش فى انتخابات الرئاسة الأمريكية ٢٠٠٨ الرئيس باراك أوباما ابن الإخوانى الإفريقى حسين، وأطل على العالم بوجهه الطيب وبراءة الأطفال فى عينيه، ليعلن أن أول قرار سيصدره هو المتعلق بإغلاق السجون البشعة التى أنشئت فى عهد الرئيس بوش. وأعلن إدانته العلنية للتعذيب وللأنظمة التى تمارسه فى العالم. وكان ذلك عكس ما يؤمن به أوباما تمامًا.
إن ذلك لم يكن المرة الوحيدة التى يظهر فيها أن ما تبطنه السياسات المعلنة يختلف عما تظهره. فقد ثبت أن الرئيس أوباما نفسه قام بتدريب بعض أعضاء أجهزة الأمن فى العالم الثالث، وبالأحرى الدول العربية الخليجية بأعلى وسائل التعذيب المختلفة، وأن لذلك مركزين أساسيين أحدهما فى أمريكا وبالتحديد فى منطقة بنما بأمريكا الوسطى والآخر فى أوروبا وبالتحديد فى عدد من المراكز العسكرية بألمانيا وبريطانيا وتركيا. وقام أوباما الذى صدع العالم بالشعارات الأمريكية الجوفاء، الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، بتدريب عدد من عملاء أجهزة المخابرات الأمريكية وعناصر الطابور الخامس فى الدول العربية، وبالتحديد جماعة الإخوان الإرهابية التى خرج من جلبابها كل الجماعات الإرهابية وأهمها داعش والنصرة وأحرار الشام والقاعدة وغيرها على أسلوب وكيفية نشر الإرهاب والثورات فى المنطقة العربية، وإثارة الفوضى والقلاقل والتى أدت إلى إشعال المنطقة بالثورات الإرهابية المدمرة، والتى أطلق عليها ثورات الربيع العربى.
وكما قام سلفه بوش بتدمير العراق، قام أوباما بتدمير ليبيا وضربها بالصواريخ والقنابل وجميع أنواع الأسلحة حتى أصبحت حطامًا وحفائر وأطلالًا. 
وتحولت الدولة العربية النفطية الغنية إلى أهم بؤر الإرهاب فى المنطقة العربية بل فى العالم.
ودارت الأيام وأصبح دونالد ترامب رئيسًا للولايات المتحدة بعد هزيمة هيلارى كلينتون المرشحة الديمقراطية التى كانت تنافس ترامب على كرسى الرئاسة الأمريكية، ورفض أنصارها الاعتراف بنتائج صندوق الانتخابات ونزلوا إلى الشارع يشيعون الفوضى والقلاقل والاعتداء على الممتلكات العامة والخاصة، مطالبين بوصول كلينتون إلى حكم البلاد واعترضوا على نتائج الانتخابات.. وهكذا اتضح للعالم، أن الولايات المتحدة تتعامل بازدواجية فجة فى معظم قضاياها، فقد رفض الحزب الديمقراطى نتائج صندوق الانتخابات فى الوقت الذى كان فيه الرئيس أوباما يدين الثورات الشعبية التى قامت ضد حلفائه من الجماعات الإرهابية ويستخدم ذلك ذريعة للضغط على الدول العربية لضرورة احترام نتائج الصندوق.
ويبدو أن فى لغتنا الدارجة نستخدم التعبير الأجنبى الدال على السياسة وهو بولوتيكا للتدليل على الغش والخداع. ومع ذلك فكثيرًا ما تدهش كلما انكشف أمامنا أمر سياسة من السياسات، واتضح أن لها وجهًا آخر خفيًا. هذا هو سبب الضجة الكبرى التى لم تهدأ بعد والخاصة بافتضاح أمر سياسة الولايات المتحدة تجاه ما يطلق عليه محاربة الإرهاب الدولى. فى الوقت الذى قامت فيه وبالتحديد فى عهد الرئيس أوباما بمساعدة ودعم الجماعات الإرهابية، وفى مقدمتهم جماعة الإخوان فى مصر وداعش فى سوريا والعراق وغيرها بالسلاح والمال والحماية وأيضًا التدريب.
هذا بمناسبة أنه فى الوقت الذى حقق فيه الرئيس السورى بشار الأسد انتصارات متتالية على الجماعات الإرهابية والمعارضة الخائنة واسترداد أجزاء كبيرة من الأراضى السورية، وبدأت الأمور تتحسن والمعونات تتدفق على الشعب السورى المحاصر فى بعض المناطق السورية، فوجئ العالم بأن الولايات المتحدة تضرب سوريا بالصواريخ بدلًا من أن تضرب الجماعات الإرهابية الموجودة على الأراضى السورية. وكان التبرير الأمريكى فى هذا الأمر هو ما توفر لدى القيادة الأمريكية من معلومات بأن سوريا هى التى قامت بالهجوم الكيماوى على بلدة خان شيخون فى ريف إدلب بشمال سوريا يوم الثلاثاء ٤/٤ الجارى. ونفى الرئيسان السورى والروسى الأسد وبوتين هذا الاتهام جملة وتفصيلًا خصوصًا أن سوريا سبق أن تخلصت من كل ما لديها من أسلحة كيماوية تحت إشراف أمريكى روسى، كما أنه من السهولة بمكان إمكانية حصول الجماعات الإرهابية الموجودة فى سوريا على الأسلحة الكيماوية من الدول المتربصة بسوريا والتى تكن لها العداء وفى مقدمة تلك الدول بريطانيا التى تؤوى آلاف الإرهابيين على أراضيها.
وفى هذا الإطار فإن ما قامت به الولايات المتحدة ضد سوريا سيزيد الموقف السورى تعقيدًا، وسيحول المنطقة إلى ساحة للصراع العسكرى بين القوتين الأعظم فى العالم، لأن روسيا الاتحادية كدولة نووية عظمى لن تسكت على هذا الاعتداء عليها خصوصًا أن لها أربع قواعد عسكرية بحرية وبرية، ما دفعها إلى تحريك فرقاطة وأربع قطع بحرية روسية متطورة ومزودة بأحدث الصواريخ متعددة المراحل، ما أدى إلى تراجع البوارج الأمريكية بعيدًا عن نقاط التماس شرق البحر المتوسط.
وتأسيسًا على ذلك، فإننى أشعر بالقلق البالغ نتيجة ما يجرى فى المنطقة العربية الملتهبة خاصة بعد أحداث سوريا الأخيرة، كما ازداد قلقى بعدما لمسته من تغلغل جماعات الإخوان الإرهابية فى العديد من المواقع الأمريكية المرتبطة بصناعة القرار.
فقد نجحت الجماعة بتنظيم حملة إعلامية مدفوعة الأجر لبعض الفضائيات والصحافة الأمريكية لمهاجمة مصر والرئيس السيسى، وعلى سبيل المثال صحيفة نيويورك تايمز وصحيفة واشنطن بوست، بغرض إفشال الزيارة الناجحة للرئيس المصرى.
ولذلك علينا أن نتحرك وبسرعة لمواجهة ومحاصرة الدور الخطير للتنظيم الدولى للإخوان، والتأثير الفعال له على مراكز ومؤسسات صناعة القرار الأمريكى بعد أن ساعدهم الرئيس أوباما على اختراقها.
وأيضًا علينا أن نرصد ونحدد التغييرات التى تجرى فى مؤسسة الرئاسة الأمريكية، فهناك تغييرات حدثت فى تشكيل مجلس الأمن القومى الأمريكى بعد استبعاد الإعلامى اليمينى المتطرف ستيف بانون، وأيضًا إجبار مايكل فيلن على الاستقالة لاتصالاته المتكررة بالسفير الروسى فى واشنطن. وجاء القرار بتأثير الدور المتزايد لمستشار الأمن القومى الجنرال هريبورت رايمون ماكماستر الذى أعلن أنه لا يريد أن يضم مجلس الأمن القومى أى عناصر سياسية، وهو المجلس الذى يتخذ قرارات بشأن الحرب والسلام.