الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

الأخبار

الإفتاء تصدر عددا خاصا حول "جرائم الإرهابيين ضد المسيحيين"

دار الإفتاء المصرية
دار الإفتاء المصرية -صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أصدرت دار الإفتاء المصرية عددًا خاصًّا من مجلة "ان سايت"، التي أطلقتها الدار منذ عام، للرد على مجلة "دابق" التي يصدرها تنظم "داعش" الإرهابي باللغة الإنجليزية؛ ردًّا على التفجير الإرهابي في محيط كنيستَي طنطا والإسكندرية، وراح ضحيته العشرات من المصريين.

وافتُتح العدد الذي صدر بعنوان: "جرائم الإرهابيين ضد المواطنين المسيحيين" باستعراض لجرائم التنظيمات الإرهابية ضد غير المسلمين، وخاصة المسيحيون، في مصر وليبيا والعراق وسوريا وكينيا، مِن قتل وحرق وتهجير وهدم لدور العبادة. ثم ذكرت الافتتاحية العهد والقواعد التي وضعها النبي صلى الله عليه وآله وسلم لضمان حقوق المسيحيين والأقليات الدينية وحماية دور عبادتهم.

وبعنوان "أيديولوجية الكراهية ضد الأقليات الدينية" جاء بحث مهم تحدث عن كيفية استخدام الجماعات الإرهابية ستار الدين لتغطية أعمالهم الإجرامية المتطرفة العنيفة على نحو صارخ تجاه غير المسلمين، وهو ما يكشف عن منطقها المشوه ومصادرها المزيفة التي تستقي منها هذا الفكر من أجل شرعنة جرائمها ضد الأقليات الدينية.
وأوضح البحث أن أحد العيوب الإيديولوجية التي وقعت فيها هذه الجماعات الدموية أنهم يرفضون بشكل فِجٍّ كل آية من آيات القرآن لا تتناسب مع اتجاهاتهم الدموية، بل ويعلنون بشكل صارخ الحرب من جانب واحد ضد المسلمين وغير المسلمين الذين لا يشاركونهم عقليتهم المريضة التي تشتهي سفك الدماء.
ومن أمثلة ذلك تجاهلهم للتصور القرآني للتنوع والأخوة بين البشر جميعًا وعلاقة التعايش والسلام التي يجب أن تكون بين المسلمين وغير المسلمين وهو ما جاء في الآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ } [الحجرات: 13]، وهو ما يدل على أن القرآن قد حثنا على تبني التنوع والاختلافات في التعامل مع الناس، سواء كانت اختلافات دينية أو عرقية أو ثقافية، إلا أن الجماعات المتطرفة تصر على اعتبار أي شخص يرفض أيديولوجيتهم المتطرفة هدفًا مشروعًا يجب أن يُقتل، وهو ما يتناقض تمامًا مع الرسالة القرآنية الواضحة التي يقول فيها الله سبحانه وتعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32].
هذا فضلًا عن تضييقهم لمفهوم الجهاد وحصره بفهمهم السقيم في مسألة القتل وذبح المخالف، والادعاء بأن هذا الفكر هو الجهاد الحقيقي الذي شرعه الله عز وجل، على الرغم من أن الجهاد قد شُرع للدفاع عن النفس وحماية الفرد والمجتمع، والذي هو من صلاحيات حاكم الدولة أو من ينيبه، وليس للأفراد أو الجماعات العادية.
وأضاف البحث أن الإرهابيين يعتبرون أن غير المسلمين أعداءً للإسلام؛ وبالتالي فإن لديهم خيارين فقط، هما: إما تبنِّي الإسلام الذي يدعيه المتطرفون وإما أن تقطع رءوسهم، وهو فكر سقيم ومتناقض بشكل كبير مع روح الإسلام الذي يصف المسيحيين بأنهم "أهل الكتاب" وبيَّن أن لهم احترامًا، فضلًا عن أن التشريع الإسلامي يحظر بشكل صريح تدمير أو الاعتداء على دور عبادتهم بما في ذلك الكنائس، ويأمر المسلمين بأن يكونوا منصفين لهم ما داموا مسالمين.
واستعرض العدد الجديد من المجلة في مقال "أمثلة ساطعة من التعاليم الإسلامية المسيحية" تلك الأمثلة التي تدل على مدى التعايش والاندماج المثمر الإيجابي بين المسلمين والمسيحيين على مر التاريخ، والتي كان أولها في هجرة المسلمين الأولى إلى الحبشة، التي كان يحكمها ملك مسيحي، وصفه النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأنه «ملك عادل لا يظلم عنده أحد» (مسند أحمد).
وهناك رحَّب بالمسلمين وحماهم وعاشوا في سلام مع مسيحيي الحبشة، وحينها حاول كفار قريش أن يوقعوا بينهما، فادعوا أن الإسلام يسبُّ سيدنا عيسى المسيح، ولكن الملك العادل استمع إلى الصحابي جعفر بن أبي طالب الذي بيَّن له الحقيقة، فقال النجاشي: "إن هذا الكلام لا يخرج إلا من مشكاة واحدة"، وتعهد بحمايتهم.
ومن النماذج التي ذكرها المقال كذلك عندما فتح الفاروق عمر بن الخطاب القدس، وكتب العهدة العمرية التي تضمن حقوق المسيحيين، وعندما حانت الصلاة طلب منه المسيحيون أن يصليَ في الكنيسة؛ فرفض حتى لا يأخذها بعض الناس ذريعة في المستقبل ليحولوا الكنيسة إلى مسجد.
ومن الأمور المشرِّفة كذلك أن أعطى المسيحيون مفتاح كنيسة القيامة للمسلمين؛ ليكونوا مسئولين عن حمايتها، ولا يزال المفتاح مع أسرة مسلمة حتى الآن.
وذكر المقال كذلك المواقف الإنسانية التي قام بها صلاح الدين الأيوبي بعد أن حرر القدس من يد الصليبيين المتطرفين، حيث حرص على أن يعيش المسلمين والمسيحيون معًا في سلام وأمان وانسجام.
ومن الموضوعات المهمة التي تناولها العدد الجديد من المجلة، فتوى حول حكم مهاجمة الكنائس وتفجيرها، حيث أكدت الفتوى على أن الإسلام دعا إلى التعايش؛ ولا يعرف الإكراه في الدين، بل جعل اختيار الناس لدينهم طواعية.
وأضافت الفتوى أنه بما أن الإسلام يعترف بحرية الاعتقاد، فإنه يسمح لغير المسلمين المقيمين في البلدان الإسلامية بممارسة شعائرهم الدينية بحرية تامة داخل أماكن عبادتهم؛ ومن ثم فهي تكفل تأمين أماكن عبادتهم وتتيح لهم حماية خاصة من خلال منع جميع أشكال العدوان عليها.
وذكرت الفتوى أن السنَّة النبوية تعترف بحرية الاعتقاد، وتضمن حماية دور العبادة لغير المسلمين، وذلك في الرسالة التي وجهها النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى أسقف شعب الحارث بن كعب والأساقفة ورجال الدين وأتباعه وكهنة نجران، والتي أكدت حقَّهم فيما بين أيديهم من ممتلكات، وكذلك معابدهم وكنائسهم وأديرتهم، وأنهم في عهد الله ورسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
ثَمَّ مقال بعنوان "الإحسان إلى غير المسلمين" أكد أن الله سبحانه وتعالى قد دعا المؤمنين إلى أن يكونوا عادلين ومحسنين إلى غير المسلمين، ما داموا لا يحاربونهم، فقال تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة: 8].
واستعرض المقال كذلك العهدة العمرية التي كتبها الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى أهل إيلياء، والتي قال فيها: "بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عبدُ الله عمرُ أميرُ المؤمنين أهلَ إيلياء من الأمان؛ أعطاهم أمانًا لأنفسهم وأموالهم ولكنائسهم وصلبانهم وسقيمها وبريئها وسائر ملتها: أنه لا تُسكَنُ كنائسُهم ولا تُهدَمُ ولا يُنتَقَصُ منها ولا مِن حَيِّزها ولا من صَلِيبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يُكرَهون على دينهم، ولا يُضَارَّ أحد منهم … وعلى ما في هذا الكتاب عهد الله وذمة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وذمة الخلفاء وذمة المؤمنين ما دفعوا ما فرض عليهم من جزية [الضريبة]. شهد على ذلك: خالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، وعبد الرحمن بن عوف، ومعاوية بن أبي سفيان، وكتب وحضر سنة خمس عشرة".
وذكر المقال كذلك تعليق عدد من المستشرقين على ذلك، ومن بينهم المستشرق الفرنسي إميل ديرمنجن الذي كتب: "إن القرآن الكريم وسنَّة النبي صلى الله عليه وآله وسلم مليئة بأوامر تحث على التسامح، وقد التزم المسلمون في وقت مبكر بهذه التعاليم في جميع الفتوحات".
واستعرض العدد كذلك نماذج من تعهدات المسلمين بحماية دور العبادة لغير المسلمين، ومنهم الصحابي القائد خالد بن الوليد في رسالته لمسيحيي دمشق، وشرحبيل بن حسنة لشعب طبرية، وأبو عبيدة بن الجراح في رسالته إلى مسيحيي بعلبك، وإياد بن غانم في رسالته لأهل الرقة، وغيرهم.
وأوضح المقال أن بعض العبارات التي ذكرت في بعض كتب التراث حول هدم الكنائس كانت مرتبطة بظروف تاريخية واجتماعية معينة، وليس من الملائم جعلها أساسًا من أسس الشريعة الإسلامية؛ لأن النصوص الشرعية واضحة في ذلك الأمر، والتاريخ الإسلامي بأكمله وحضارة المسلمين شاهدان على وجود الكنائس والمعابد عبر البلدان الإسلامية في الماضي والحاضر، وأنها حظيت بالاحترام والحماية.
وأشار العدد إلى أن ادعاء البعض بأن العهد بين المسلمين والمسيحيين لم يعد موجودًا، هو أمر خاطئ ويشير إلى انعدام الفهم السليم؛ لأن المواطنة هي مبدأ إسلامي معترف به من قِبل الشريعة الإسلامية، وقد تم تطبيقه في جميع دساتير وقوانين الدول الإسلامية، بما في ذلك المادة (2) من الدستور المصري، الذي يعتبر مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع.
وأضاف أن الإسلام أسَّس بقوة لمبدأ المواطنة قبل أربعة عشر قرنًا، وهو ما مثله دستور المدينة الذي صاغه النبي صلى الله عليه وآله وسلم، والذي أكد على التعايش والتعاون والإنصاف فيما يتعلق بالحقوق والواجبات بين مواطني مجتمع واحد، بغض النظر عن الانتماء الديني أو العرقي أو المذهبي أو أي اعتبار آخر.