الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

"البوابة القبطية" ترصد المشهد الحزين في كنيسة طنطا

تفجير كنيسة طنطا
تفجير كنيسة طنطا
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الغاضبون أمام مشرحة طنطا: نريد العدالة لا رسائل تعزية
مسعف: رأيت بعينى جنينًا يخرج من رحم أمه الشهيدة
٥ دقايق فصلت بين تواضروس والموت.. وعامل: «الشمامسة كلهم راحوا»

نوبة سكر طارئة تنقذ حياة والدة القس بيشوى.. وستينى فقد ساقه يطالب بتركه وإنقاذ الآخرين
كأن قدر الأقباط فى هذا الوطن أن تكون دماؤهم القربان فى الحرب على الإرهاب، وكأن قدرهم أن تتحول أعيادهم إلى مآتم، وبدلا من أن يفترشوا سعف النخيل لاستقبال السيد المسيح، تستقبله أشلاؤهم الممزقة.
للمأساة وجوه كثيرة، وبالطبع فإن وجهها الأكثر إيلامًا يظهر فى «المشرحة»، حيث تتكدس الأجساد بعد أن خرجت الأرواح.
أمام مشرحة مستشفى طنطا التعليمي، يمتزج الغضب بالحزن والانكسار والدموع بالإيمان والصراخ بالتسليم بالقضاء والقدر، حيث تجمهر المئات من أهالى طنطا مسلمين ومسيحيين يبحثون عن الوجوه يشتبكون مع الصحافة والإعلام ويمنعون التصوير، ويصرخون كأنهم يعلنون أن الفاعل الجبان ليس منهم وغريب داخل على مدينة يسودها الحب والهدوء.
«فين الحقيقة».. «ابحثوا عن الجاني» هكذا صرخ الناس، حتى هتف أحدهم: «مسلم مسيحى إيد واحدة» فبدأت الاشتباكات اللفظية، ما يكشف عن أن الشرخ وقع والله وحده يعلم متى يمكن رأبه.
«مش عايزين هتافات عايزين نعرف الحقيقة».. قال أحدهم، ومضى يطرح الأسئلة: كيف دخلت العبوة الناسفة صحن الكنيسة؟
ويعتصر قلبك الألم حين تقع عيناك على كاهن الكنيسة الأب دانيال، جالسًا يبدو هادئًا وشاردا فى وقت واحد لا يحتمل قلبه، دماء فلذة كبده التى لطخت تونية الفرح.
رداء أبيض مطرز يرتديه الكاهن أثناء الصلاة داخل الكنيسة فقط، فقد كان يخدم فى القداس ويصلى صلوات عيد الفرح وخلال حمله للمبخرة والصلاة وقعت الفاجعة لتصاب يده بشظية.
وما بين وجع يده ووجع فقدانه فلذة كبده تغلبه دموعه ويخونه جسده الذى يرتعش بعدما أجهش فى البكاء فقد استشهد الدكتور بيشوي، ويتمت حفيدته التى لم تبلغ عامها الثاني.
وتتوالى مشاهد التراجيديا، فالثكالى يرفضون كلام «تطييب الخواطر» ويتمسكون بمعرفة الحقيقة، وحتى مواعظ رجال الدين لم تجد آذانا تصغي.
وبمستشفى الأمريكان خرج أحد أعضاء طاقم التمريض من حجرة مصابة فاقدة الوعي، مناديًا أسرتها أو من يعرفها، يهرول الناس لكن أحدًا لم يتعرف عليها.
الأرجح أنها آخر من تبقى من عائلتها.. حمدا لله أنها فاقدة الوعي، وعسى أن تفقده للأبد، ففى الغياب عن هذا الواقع الدامى منتهى الرحمة.
وعلى أسرة المستشفى ليس ثمة جسد إلا ممزق، فمنهم من فقد أحد أطرافه، أو استقرت شظايا الزجاج فى لحمه، وفى العيون استوطن الفزع.
ويقول عيسى الشيخ مشرف قطاع الإسعاف بالغربية، إن أكثر ما مزق قلبه هو أن حاملا أصيبت بشظية فخرج جنينها من أحشائها، ويضيف «الجنين تنفس نحو دقيقة، ثم لفظ أنفاسه ليلحق بأمه التى سبقته بثوانٍ».. أى وحشية تلك، ملعونون فى كل كتاب.
غلبتنى دموعى وأنا أحمل تلك السيدة وبشاعة منظر خروج جنين من بطن أمه متأثرأ بانفجار رحمها، فلأول مرة فى حياتى أشاهد هذا المنظر البشع.
ويضيف «أثناء نقلها صرخت إحداهن بأنها حملت بعد ١٢ عامًا من الزواج.. انتظرت طويلا لكن الإرهاب لم يمهلها، هذا المشهد لن أنساه ما حييت».
كنت أول من وصل موقع الجريمة، وبالقرب من الكنيسة اخترقت أنفى رائحة الدخان، وفور وصولى صرخ الأهالى بتوجيهى إلى أماكن الجثث وقد ذعرت من كم الجثث والأشلاء والمصابين، وعليه وجهت إشارة إلى غرفة العمليات التابعة للإسعاف بإرسال إمداد فورى حتى نتمكن من نقل الحالات، وفى أقل من ثلاث دقائق وصلت أكثر من خمسين سيارة إسعاف للمكان.
مسعف آخر طلب عدم ذكر اسمه يقول: هزنى مشهد رجل ستينى سقط أرضا وهو يصرخ بعدما بترت ساقه، وعندما اقتربت منه قال شوف إخواتى أنا حالتى أحسن من غيري».
ويضيف نقلته طبعا لأنه كان ينزف كما كان قلبى ينزف من شدة الألم.
ويقول المسعف هانى محمدي: تأثرت كثيرًا خلال نقلى رجل إلى المشرحة قد تهشم رأسه تمامًا ولم تعد هناك ملامح له، مضيفا «فور تلقينا البلاغ ذهبنا إلى الموقع ولم يكن هناك سوى صوت صراخ وكل من فى المنطقة يخروجون من منازلهم مهرولين، فور وصولنا وفتح باب سيارة الإسعاف جاء الأهالى بحالتين من الشهداء واثنين من المصابين، قمت بنقلهم على الفور لمستشفى طنطا التعليمي، ومعظم الحالات كانت تعانى من بتر فى الأطراف.
ويقول: تجميع الأشلاء كانت أصعب مهمة على الإطلاق، بالرغم من أن هذا عملى ومن المفترض أننى لا أهتز من تلك العمليات إلا أن كم الأشلاء أصابنى بحالة من الغثيان والحزن على إرهاب يدمر الإنسانية.
الروايات القدرية التى تسمعها داخل الكنيسة والتى روتها السيدة «م. ع» حيث قالت قبل الانفجار انتابت والدة القس بيشوى نوبة سكر، ما جعلها تسقط على الأرض فتجمع المصلون حولها، وبعد أن اقترب ابنها الكاهن منها علم أنها «غيبوبة سكر» فطالب الجميع بالهدوء والرجوع إلى أماكنهم، وحمل والدته بمعاونة ثلاثة من الكهنة، وغادروا صحن الكنيسة وبعدها بدقائق حدث الانفجار ونجت الأم وولدها وثلاثة كهنة آخرين.
بينما استكمل الأب دانيال الصلاة وأثناء حمله للبخور ليتم الطقس الكنسى ليطوف بالكنيسة، اجتاز مكان الانفجار بأمتار معدودة ولحقت بيده شظية فتسقط الشورية «المبخرة» من يده وينجو من الموت.
وكان قداس «الفرح» فى تمام الساعة السادسة صباحًا بكنيسة مارجرجس، وفى تمام الثامنة جمع الخدام كل الأطفال واتجهوا بهم إلى كنيسة ملحقة سميت باسم القديس الطفل «أبابوب» لعمل خدمة خاصة بالأطفال ليحتفلوا بطريقة مبسطة، ولكن الطفل كيرلس البالغ من العمر خمس سنوات الذى يرتدى تونية الشمامسة ظل بالكنيسة، منتظرًا الانضمام لصفوف الشهداء.
وخارج أسوار الكنيسة والتى تتوسط أربعة شوارع تجمهر الناس بشارع على مبارك حيث الباب الرئيسى واتشحت السيدات بالسواد، وتوافد أهالى الشهداء لاستلام ٢٥ دعوة لكل عائلة لحضور الصلاة أمام الباب الأمامي، وبدأت فرق كشافة الكنيسة فى النداء على اسم الشهيد فيقترب ذووه لاستلام الدعوات من الداخل.
وتراص البعض الآخر على الأرصفة مسلمين ومسيحيين، وبين لحظة وأخرى تصرخ عجوز ترتدى خمارا تجلس وسط سيدات يبدو من ملابسهن أنهن مسلمات جئن منددات بالإرهاب باكيات فتقول «ينتقم منكم يا بعدة، تتحول أفراحكم لمياتم، ربنا يشربكم من نفس الكاس».
داخل الكنيسة فى كردون الدماء يقف عم «مجدي» أحد عمال الكنيسة مذعورًا حاملًا بيده منديلا تشرب الدماء ومعادن العبوة الناسفة، يتحدث تارة ويصمت تارة يشير بيده مذعورًا إلى الأشلاء التى التصقت بسقف الانفجار.
ويروى مجدى «شفت كل حاجة بعيني، زجاج الكنيسة كله وقع من شدة الانفجار وفى لحظة واحدة تحول النور إلى ظلام وصوت الصراخ كان بيهز الجدران والناس بتخبط فى بعض ومش عارفين يجروا على فين، كله بيخبط فى بعضه، ولما الدنيا نورت شوية وياريتها ما كانت نورت، ولا كنا شفنا الشفناه».
«بصى الأشلاء كان لازقة هنا وهو يشير إلى سقف الكنيسة، والنجف» ويفاجئنى بصرخة: «لكرسى المرقسى وهو كرسى مخصص للبابا داخل كل كنيسة، اتحطم بقى فتات مالوش أثر، الانفجار كان هنا بالقرب من الهيكل، ويصرخ ثانية الشمامسة.. الشمامسة كلهم راحوا وتغلبه دموعه ويتساءل إزاى دخلت القنبلة لغاية هنا إزاي»؟
وبعد أن يهدأ قليلًا يقول: «ساعدت رجال الأدلة الجنائية فى جمع الأشلاء وبقايا القنبلة، كل حتة فى الكنيسة كان فيها أشلاء، الدم ملأ الكنيسة كلها».
فى الدور الأرضى اجتمع أهالى الشهداء فى انتظار وصول جثامين ذويهم لمثواهم الأخير بمقابر دفن الكهنة وأساقفة الكنيسة وهى ملحقة بمارجرجس.
وداخل سرداب توافد كل من معهم دعوات لحضور صلاة ليست «جنائزية» وفق الطقس الكنسى فهذا الأسبوع مخصص لقراءة نبوات صلب المسيح واجترار الآلام التى لاقاها المسيح فى طريق الصليب.
ودخلت كنيسة مارجرجس فى الآلام قبل أن يحل أسبوع الآلام والذى كان يفصلهم عنه ساعات قليلة وربما دقائق معدودة، فمن المقرر وبعد الاحتفال بعيد «الفرح» السعف، أن تختتم الصلاة بصلاة «الجناز العام» وهذا يكون على كل الأقباط الذين يتوفون فى هذا الأسبوع، وبعدها تتشح الكنيسة بالسواد.
وترأس الأنبا بولا أسقف طنطا وتوابعها صلاة «البصخة» وهى صلاة يومية خلال أسبوع الآلام كل يوم يتم فيه إحياء ذكرى أيام المسيح الأخيرة والمؤلمة، على الجثامين.
وأكد عماد سمعان، شاهد عيان وخادم بالكنيسة أنه وصل الكنيسة فى ساعة مبكرة من الصباح، وشاهد بعينيه التشديدات الأمنية حولها وإغلاق الأربعة شوارع المطلة عليها.
وأضاف «مررت عبر البوابة الإلكترونية التى تكشف عن المفرقعات وهكذا كل المصليين، وهذا على عكس ما حدث بالبطرسية فلم يكن هناك أمن بالخارج ولا بوابات إلكترونية».
وقال «كنيستنا بها كاميرات مراقبة فى كل مكان، ومن المؤكد أنها ستسجل من فعل هذا العمل الإرهابي، بينما تجاهلت الكنيسة البطرسية ورفضت وضع كاميرات للحفاظ على حرية المصلين، ولجأت أجهزة الأمن وقتئذ إلى كاميرات مثبتة على سور الكاتدرائية للتحقق من الانتحاري».
انتهز الانتحارى الذى استهدف البطرسية صفوف السيدات والتى كانت ملاصقة للباب الأول الذى دخل منه وراح ضحية الانفجار ٢٨ ضحية منهم رجل واحد، بينما اجتاز منفذ التفجير بمارجرجس طنطا كل الحواجز والجدران ليصل إلى صحن الكنيسة وبالقرب من الهيكل الذى يقع فى المقدمة، ليستهدف بذلك صفوف الشمامسة من الرجال، لتكون محصلة الشهداء ٢٨ معظمهم من الرجال.
ولم تكن دماء شهداء طنطا هى الأخيرة، فبينما عيون الجميع متجهة إلى كنيسة مارجرجس، كان الخطر يهدد رأس الكرسى المرقسى البابا تواضروس، بعد أن فجر انتحارى نفسه أمام الكنيسة المرقسية ليستشهد ١٧ من الأبرياء.
وقال مصدر مطلع رفض ذكر اسمه لـ«البوابة» إن ٥ دقائق فصلت بين البابا والموت، الانتحارى كان يستهدف ركب البابا الذى كان من المقرر أن يكون خارجا منه البابا المخصص للسيارات غير أن القدر عطل البابا دقائق لإنقاذ حياته.
وبعدما وصل الانتحارى كان البابا قد فرغ من الصلاة وغادر غالبية الشعب الكنيسة، وتوجه الانتحارى للباب الآخر وهو أقرب إلى باب السيارات إلا أنه تم منعه للمرة الثانية، ولم ينجح سوى فى محاولة الدخول من الباب الأخير ولكن البوابة الإلكترونية كشفته.
وأناب بابا الإسكندرية الأنبا دانيال أسقف المعادي، لتشييع جثامين شهداء الإسكندرية التى أقيمت بدير مارمينا بمريوط.
وقال خلال كلمته إنه عندما حكم اليهود على استفانوس بالرجم، رأى ما لم يستطع أحد أن يراه رأى سموات مفتوحة والمسيح، مشيرًا إلى أن هؤلاء الشهداء كانوا صائمين وحضروا الصلوات وتناولوا من يد قداسة البابا ولحقوا بموكب المسيح بعد هذا الاحتفال.
فالمسيح دخل بهذا الموكب لأورشليم ليصل إلى الصليب وهم حملوا معه الصليب لينالوا المجد، هؤلاء الشهداء مع محبتنا لهم لكن نؤمن أنهم اشتركوا فى هذا ودخلوا مع المسيح فى أمجاد السماء. 
نتأثر لفراقهم ولكن انظروا كم من المجد الذى صار لهؤلاء الشهداء ونحتاج أن ندون صفحات هؤلاء الشهداء.
وتغيب البابا عن الصلاة لكنه أرسل رسالة قال فيها: «قال القديس بولس الرسول: لأعرفه وقوة قيامته وشركة آلامه متشبهًا بموته كلمات اختبرها هذا القديس، وها نحن نعيشها مع وداع أبنائنا الأحباء الشهداء من الكنيسة المرقسية بالإسكندرية».