الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

بوابة العرب

جابرعصفور من الأردن: التنوير الطريق الأمثل للمستقبل العربي

دكتور جابر عصفور
دكتور جابر عصفور
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ألقى الدكتور جابر عصفور، وزير الثقافة الأسبق، محاضرة بمؤسسة عبدالحميد شومان بالعاصمة الأردنية عمّان، عن دور التنوير ومدى احتياج العرب إليه في ظل الظروف التي يمر بها العالم العربي، في محاولة لاستخلاص نظرية عربية للتنوير.
وأكد "عصفور" في المحاضرة التي أدارتها، أمس، الدكتورة هالة فؤاد، أن التنوير هو الطريق الأمثل للمستقبل العربي الذى ننشده، وأداة ضد التعصب والجهالة والمذهبية، وهو أيضًا ضد العولمة الوحشية والإرهاب الذى غزا العالم كله".
وأضاف "عصفور": أن ما يعنيه التنوير، هو "منح الأولوية للعقل في إدراك الوجود، وإبداع العالم، والنظر إلى العقل البشري بوصفه النور الذى يهتدى به الإنسان، ويصوغ به عالمه، متحررًا من أشكال الوصاية التي تحجر على العقل أو تقيد انطلاقه".
ورأى "عصفور" أن اقتران العقل بالنور لدى طوائف المتكلمين والفلاسفة كان بمثابة تأكيد لحرية العقل الإنساني في الإدراك والإبداع، وتأكيدًا لنوع جديد من المساواة بين الطوائف التي أشرقت عليها شمس الإسلام، ولم تفرق بينها إلا بالتقوى وبمسعى العقل وجهده في الانتقال بمن حوله من الظلمات إلى النور.
وقال: إن من الطبيعي أن يختلف مفهوم العقل، أو تتباين دلالته من طائفة إلى أخرى، وأن يقترن هذا الاختلاف بسياقات متصارعة من التأويلات الاعتقادية الاجتماعية السياسية، ولكن أيا كان الاختلاف فإن العلاقة بين العقل والنور تظل ثابتة ثبات العلاقة بين المعرفة الإنسانية ودلالة النور التي تقضي بدورها إلى الرتبة التي يحتلها الإدراك العقلي بالقياس إلى غيره في النظريات العقلانية السائدة في التراث.
واعتبر "عصفور" أن الدلالة الرمزية التى انطوى عليها حضور أمثال "حى بن يقظان" فى فلسفة ابن سينا أو ابن طفيل هي التجسيد الإبداعي للاستقلال الذاتي للعقل واكتفائه بنفسه معرفيًا، هو أن الإنسان يستطيع بهدى من نور عقله، أن يصل إلى إدراك المطلقات، أو يفعل الخير لذاته وبذاته ويجتنب الشر، فكل من له غريزة من العقل، ونصيب من الإنسانية، فيه حركة إلى الفضائل، وشوق إلى المحاسن، وأن هذه المكانة المتميزة للعقل هي الأساس النظري لأي فهم للتنوير في الدلالة على التعقل النقدي للأشياء والتأصيل الفكري للمفاهيم، على نحو ما نجد في عناوين الكثير من الكتب التراثية وكتب البلاغة والنقد منها كتاب "منهاج البلغاء وسراج الأدباء" لحازم القرطاجني الذى وصل بالنزعة العقلانية في التراث النقدي إلى ذروتها الفريدة.
واكد "عصفور" أنه لا يجب الشعور بالغربة حين نتوقف عند الأفكار التي خلفتها حركة التنوير الأوروبية في القرن الثامن عشر، أو نتوقف عند هذا العلم أو ذاك من فلاسفة التنوير القدماء أو المحدثين في أوروبا ذلك لأن احترام العقل وإعطاءه الأولوية يظل القاسم المشترك الذى يصل بين تراثنا العربي الإسلامي وغيره، وهو أصل الإضافة التي أضافها تراثنا العربي إلى التراث اليوناني السابق عليه، وأصل ما انتقل من تراثنا إلى التراث الأوروبي الأحدث الذى أفاد من تراثنا العقلاني قبل أن يضيف إليه، منذ كانت اسهامات ابن رشد إحدى بدايات النهضة الأوروبية وازدهار تياراتها العقلانية، مبينا أن المثقف العربي، في سياق هذه العلاقة المتبادلة بين تراثه والتراث الإنساني، السابق أو اللاحق، لا يشعر باغتراب أو دهشة.
واعتبر "عصفور" أن الممالك العامرة تصنع فيها بداية النهضة العربية الحديثة التي جمعت بين التنوير والدولة المدنية واستبدلت الابتداع بالاتباع، وأعادت فتح أبواب الاجتهاد، فأشاعت أنوار العقل، وفتحت أمامه أفق الحوار مع الآخر في زمن يتطلع إلى المستقبل، وأنزلت المتفلسف الحكيم منزلة رفيعة، وهيأت لدوره المتزايد في تأصيل الدولة المدنية وإشاعة حضورها الواعد بواسطة التعليم الحديث.
وتطلع "عصفور" الى ضرورة نشر أفكار التنوير التي لا تنفصل عن الإيمان الديني ولا تتعارض معه‏، فإن الحاجة الى التنوير هو من منطلق الوعى بقداسة العقل في الموروث الإسلامي وبحافز الدفاع عن الدولة المدنية والحفاظ عليها، مبينا ان فكر عصر التنوير الأوروبي في القرن الثامن عشر، يشتمل على جوانب من هذا الفكر أصولاً إسلامية، وثيقة الصلة بالنزعات العقلانية في الإسلام.
وفي ختام محاضرته أكد "عصفور" أن التنويري الحقيقي هو الذي يبدأ من واقعه ومعرفة تراثه، مجادلا بالتي هي أحسن، واضعًا أفكاره وأفكار غيره موضع المساءلة، مدركًا أن المعرفة البشرية نسبية في نهاية المطاف، وأن هؤلاء الذين تكتسب لغتهم صفات الإطلاق واليقين والجزم هم أبعد الناس عن الحقيقة، وان صياغة حركة تنوير عربية مغايرة، تبدأ من الواقع العربي.