الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بالتفاصيل.. "البوابة نيوز" تكشف رحلة وصول صاروخ "الإيجلا" المتطور للعناصر التكفيرية في سيناء.. مرت من السودان عن طريق قبائل محترفة في التهريب.. خبير استراتيجي: وجودها تهديد خطير لحركة الطيران

أحد عناصر التنظيم
أحد عناصر التنظيم يمسك بصاروخ سام 7
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استند أبو خالد المصري، اسم مستعار لأحد أشهر المهربين فى سيناء، بيده على سيارته اللاندكروز ذات الدفع الرباعي، نفث دخان سيجارته أثناء توقفه بأحد أكثر الدروب الجبلية الأكثر خطورة وقسوة، ثم بدأ يروى قصته.
«أبو خالد»، رجل فى أوائل عقد الأربعينات، أسمر البشرة، ينتمى لصنف من المهربين، الذين خبَروْا دروب البحر الأحمر مرورًا بجباله حتى وديان سيناء هناك على بعد خطوات من أحد أكبر منافذ التهريب، وهو الشريط الحدودى الفاصل بين مصر وغزة.
قضى الرجل 10 سنوات، مهربًا بين 4 دول "السودان، مصر، إسرائيل، فلسطين"، متجاوزًا كل الطرق الرسمية، لتلك الخلفية التى ندر من يعرفها.. بعد 3 أشهر من ثورة 25 يناير، كان أبو خالد على موعد مع صفقة "تهريب أسلحة" سيقوم بتوصيلها للفصائل الفلسطينية؛ إلا أنها لم تكن كأى صفقة قام بها «أبو خالد كانت مهمته تقضى بنقل عددا من الصناديق الخشبية المغلقة إلى سيناء، ثم يعود أدراجه تماما، كما يفعل معظم المهربين فى سيناء، إلا أن هذه الشحنة كانت تحمل سلاحا مميزا وهو "صاروخ مضاد للطائرات".
تهريب بعد الثورة
حالة الفراغ الأمنى والسياسي، التى أعقبت الثورة المصرية، ساهمت فى انتشار عمليات تهريب السلاح والأفراد داخل المثلث الليبى السودانى المصري، ووصلت عدد من الأسلحة التى كانت فى مخازن الجيش الليبى إلى أيادى تنظيمات إرهابية عدة، عبر مهربين كأبو خالد وغيره.
بعد عامين وتحديدا فى عام 2013 بدأت عدد من تلك التنظيمات بشن هجمات على قوات الجيش والشرطة عقب الإطاحة بحكم جماعة الإخوان، لكن قمة جبل الجليد كانت فى نوفمبر 2014، حينما أعلنت جماعة أنصار بيت المقدس بيعتها لتنظيم داعش الذى سيطر على مساحات واسعة فى العراق وسوريا حيث تطورت العمليات الإرهابية وتعقدت أكثر بعد ذلك.
فى الخامس من فبراير 2015، بث ارهابيو سيناء ألبوما مصورا لمقاتليه تحت عنوان "يوميات مجاهد فى سيناء" يسلط الضوء على نشاطات مقاتليه فى شبه الجزيرة، كانت أولى الصور لـ "كمال علام" وهو زعيم سابق لما يعرف بجماعة التوحيد والجهاد فى سيناء، وأحد قيادات الصف الأول للتنظيم الإرهابي، ظهر "علام" فى الصور ممسكا بمنظومة دفاع جوى محمولة كتفا أخفيت فوهته وذيله بشكل لافت.
يقول «أبو خالد»: إن هذا القاذف يشبه إلى حد كبير الصواريخ التى نقلها إلى سيناء عقب الثورة، لكنه رغم ذلك لم يستطع أن يؤكد أن هذا الصاروخ من نفس الطراز الذى هربه فى وقت سابق. لعل أبرز ما قد يتبادر للذهن، هو: لماذا يحاول التنظيم إخفاء سلاح معلن عن وجوده بحوزته قبل عدة سنوات؟
منظومات دفاع جوي
"إن إرهابيى سيناء لديهم منظومات أكثر تطورا من سام 7" بهذه الكلمات بدأ اللواء نبيل أبو النجا، أحد أبطال الصاعقة المصرية فى حرب 1973، ويقيم بمدينة العريش. ويضيف، أن التنظيم يمتلك صواريخ محمولة كتفا موجهة بالليزر قادرة على تعقب الطائرات وإسقاطها. ويتابع:" فى مخابرات دول معروفة شغالة على دعم الإرهابيين فى سيناء، واللى يسيب بابه مفتوح لا يحق له أن يشكو من تسلل الطامعين".
عبر البريد الإلكتروني
حديث أبو النجا، حول حصولهم على منظومة صواريخ أكثر تطورًا من سام7، تؤكد أن التنظيم أخفى معالم القاذف بشكل متعمد، حتى يصرف الأنظار عن سلاح أكثر تطورًا، يخفيه، ليواصل مناكفة قوات الأمن من خلاله.
عبر البريد الالكتروني، طرح معد التحقيق، تساؤلات مع واحد من أكبر مراكز بحوث التسليح فى العالم ARES، وهو مركز متخصص فى فحص وتتبع صفقات السلاح فى دول العالم، حول منظومات الدفاع الجوى المحمولة كتفًا التى بحوزة ارهابيى سيناء.
بعد 4 أيام، جاء رد مدير المركز "نيك جينز جونز" على مراسلتنا، مؤكدا أن مركز بحوث التسليح تعقب ووجد أدلة على امتلاك العناصر الارهابية لمنظومة IALGA "إيجلا " التى توُصف بـالأسطورية.
استهداف أباتشي في سيناء
تأكيدات مدير مركز، وقاعدته المعلوماتية الضخمة عن السلاح، تعيدنا لشهر يناير من العام 2014، حيث بث التنظيم الارهابى فيديو يظهر عملية استهداف طائرة مروحية من طراز أباتشى فى سيناء، بواسطة منظومة محمولة كتفا لجأ التنظيم إلى إخفاء معالمها أيضًا.
المفارقة، أن التنظيم الذى فشل مرات عدة فى إسقاط طائرات مروحية باستخدام صاروخ سام7، نجح هذه المرة فى إسقاط الاباتشي، تلك الطائرة المُلقبة "بالحاصدة".
يعلق أبونضال -أحد المقربين من التنظيم الإرهابي- على إخفاء السلاح المستخدم فى إسقاط الطائرة قائلا:" التنظيم لا يريد الكشف عن هوية السلاح ولا يلجأ لتمويه المنظومات بهذا الشكل لإخفاء الأرقام التسلسلية.. لكن هذا القاذف تحديدا مميز".


يدعم كلام أبو نضال، تقرير مصور للإرهابيين فى سيناء بثه فى يناير من العام الجاري، تحت عنوان "رباط سرايا الدفاع الجوي"، يظهر فيه أحد مقاتلى التنظيم الارهابى ممسكا بقاذف من طراز ستريلا "سام 7" لكن بدون إخفاء لمعالمه.
الصاروخ المستخدم إيجلا
وتشرح مؤسسة IHS janes المعنية بشئون الاستخبارات والتحليل العسكري، فى ورقة بحثية أصدرتها تعليقًا على حادثة إسقاط الهيلكوبتر المصرية فى سيناء، قائلةً: "إن طول ماسورة الإطلاق وعرضها ينفيان تماما أن يكون هذا السلاح من طراز سام 7 بل ويؤكدان أن السلاح المستخدم هو من طراز إيجلا". وتضيف المؤسسة، أنه لا يوجد أى دليل على أن هذه المنظومة هُربت من ليبيا، لأن نظام القذافى لم يقوم باستيراد هذا النوع من مضادات الطائرات.
كما يوضح مشروع مسح الأسلحة الصغيرة، وهو مشروع بحثى مستقل يتبع معهد الدراسات العليا للدراسات التنموية بسويسرا، ويعد المصدر الرئيسى للمعلومات العامة عن الأسلحة الصغيرة فى العالم، أن محاولات إخفاء هوية المهاجم والسلاح أيضا يوحى بأن القاذف المستخدم فى عملية الإطلاق ليس من نوع ستريلا -2 المعروف باسم سام 7، مرجحا أن يكون السلاح من الجيل الثانى والثالث لمنظومات الدفاع الجوى روسية الصنع من طراز إيجلا وإيجلا إس، أو طراز كيو دبليو 2 صينى التصميم، والذى صنُع بالهندسة العكسية ليضاهى منظومة الإيجلا. 
ويدلل مشروع مسح الأسلحة الصغيرة فى تقريره المختصر الذى أصدره فى يناير من العام 2016 بعنوان انتشار منظومات الدفاع الجوى فى شمال أفريقيا على كلامه، بأن شكل السلاح المستخدم ومكان البطارية وتحديدا مكان مبرد البطارية ينفى أن يكون هذا السلاح من طراز سام 7، بل ويؤكد أنه أكثر تطورا منه.
تهيد حركة الطيران
من جانبه، يؤكد اللواء محمد رشاد، وكيل جهاز المخابرات العامة الأسبق ورئيس لجنة الشئون العسكرية الإسرائيلية، أن منظومة إيجلا المحمولة كتفا تمثل تهديدا خطيرا لحركة الطيران وبخاصة طائرات الأباتشى لأن سرعة وقدرة هذه الطائرة على المناورة محدودة.
يضيف «رشاد» أنه ثبت يقينا أنها وصلت إلى سيناء عبر عدة سنوات، وبخاصة عقب الثورة المصرية، حيث كانت التنظيمات المسلحة فى غزة تتخذ من سيناء مخزنا للسلاح، باعتبارها أكثر أمنا من القطاع المحاصر، مشيرا إلى الفصائل الفلسطينية نقلت جزءا من سلاحها إلى غزة عقب الإطاحة بحكم الإخوان وأبقت جزءا داخل سيناء، ويؤكد أن هذا السلاح تم تهريبه لسيناء من عن طريق شحنات سلاح نٌقلت من السودان إلى سيناء.
ويشير «رشاد» إلى أن هناك أسلحة أخرى جرى نقلها إلى سيناء من الحدود الغربية مع ليبيا عقب انهيار نظام الزعيم الليبى الراحل معمر القذافي.
ليبيا ليست مصدر الصواريخ 
فى محاولة للكشف عن مصدر منظومة إيجلا المضادة للطائرات، راجع معد التحقيق، صفقات التسليح التى أبرمها عقيد ليبيا معمر القذافى على مدار الـ42 عاما الماضية. 
بحسب قاعدة بيانات مركز ARES المتاحة، ومشروع مسح الأسلحة الصغيرة والصفقات القانونية المُعلنة التى أبرمها مع دولة روسيا الاتحادية المورد والحليف الرئيسى للسلاح فى عهد القذافي، فإن نظام العقيد الليبى لم يبُرم أى اتفاقات لحيازة هذا الصاروخ، وإنما أبرم صفقات أخرى مع كل من روسيا وبلغاريا وبولندا وغيرهم لتوريد منظومات 9 ك 32 ستريلا 2 والمعروفة باسم سام 7، كما أبرم صفقة أخرى مع باكستان لتوريد صواريخ عنزة 2 فى عام 1994.
لم تقتصر صفقات سلاح نظام القذافى على الصواريخ المضادة للطائرات، فخلال زيارة رئيس الوزراء الروسى فلاديمير بوتين لطرابلس فى أبريل 2008 ألغت روسيا ديونا لها مستحقة على ليبيا بقيمة 4.5 مليارات دولار معظمها ديون عسكرية، والتزمت ليبيا فى المقابل بشراء كميات كبيرة من الأسلحة الروسية.
وفى عام 2009 وقعت ليبيا مع روسيا مجموعة من العقود ذات القيمة المالية المتوسطة، من بينها عقد بقيمة سبعين مليون دولار لصيانة وتطوير أسلحة روسية قديمة يملكها الجيش الليبى من بينها 175 دبابة من طراز تى 72 روسية الصنع.
وأدى قرار مجلس الأمن الدولى رقم 1970 الصادر فى 26 فبراير 2011 -والذى ينص على حظر توريد السلاح إلى ليبيا- لإيقاف تصدير الأسلحة الروسية إلى ليبيا، وتسبب فى تجميد عقد جديد لم يتم توقيعه بعد لبيع طرابلس طائرات هليكوبتر عسكرية روسية من طراز 52 أليجاتور، وأنظمة دفاع جوى وصواريخ من طراز إس 1.
ورغم التحالف الوثيق بين روسيا ونظام القذافى إلا أن روسيا لم تورد هذه الصواريخ إلى نظام العقيد الليبى الراحل، وهذا وفقا لتقريرين منفصلين لبعثة الأمم المتحدة فى ليبيا "أونسميل" الصادر فى 2013، وتقرير مشروع مسح الأسلحة الصغيرة الصادر فى عام 2016.
تشير تلك الأدلة إذا إلى أن منظومات الإيجلا لم يتم تهريبها من ليبيا وإنما من مكان آخر.
رحلة التهريب من السودان إلى سيناء
تأتى منظومات الإيجلا من السودان، وهو مصدر رئيسى لتهريب السلاح إلى الفصائل الفلسطينية فى غزة وللجماعات الإرهابية فى سيناء، لجأت إليه إيران لتهريب السلاح إلى الفصائل الفلسطينية التى تدعمها، حيث يصل السلاح عبر البحر إلى السودان، وأحيانا عبر شركات طيران مستأجرة، ثم بعد ذلك ينقل إلى غزة عبر دروب التهريب التى تمر بمصر.
وينفى حذيفة محيي الدين، الأمين العام لحركة العدل والمساوة السودانية المسلحة، أن تكون حركته تورطت فى نقل السلاح للإرهابيين، مؤكدا أن مصر هى الوطن الثانى للسودانيين ولن تساهم الحركات المسلحة فى دعم أى نشاطات إرهابية تضر بمصر.
لكن أبو نضال -المقرب من تنظيم داعش- يؤكد أن هناك حركات سودانية متورطة فى تهريب السلاح لتنظيم ولاية سيناء.
يعمل مهربون من قبائل الرشايدة السودانية، والسوراكة والرميلات المصريتان فى عملية التهريب. وتبدأ رحلة التهريب من ولاية البحر الأحمر السودانية، وتحديدا من بور سودان بحسب أبو خالد المصري، وتمر بعدة محطات حتى تصل إلى سيناء.
تنطلق القافلة من بور سودان بمحاذاة البحر الأحمر وتعبر الحدود المصرية من ناحية حلايب، ثم يواصل المهربون السير بمحاذاة جبال البحر الأحمر حتى الوصول إلى قناة السويس ثم العبور تهريبا إلى شبه جزيرة سيناء.
يتخلل الرحلة عدد من محطات التخزين حيث يتوقف فيها المهربون للاستراحة يستخدم« أبوخالد» ورفاقه أجهزة الهواتف الذكية، وأجهزة الثريا لإجراء الاتصالات فى الأماكن التى تقع خارج التغطية خلال تلك الرحلة.
يشير «أبو خالد» إلى أن منظومات الصواريخ المضادة للطائرات تنقل فى صناديق خشبية، بحيث تكون القاذفات والصواريخ فى صناديق مستقلة، موضحا أنهم يسيرون ويتوقفون بناء على اتصالات مع رفاقهم الذين يعملون كاستطلاع للتأكد من عدم وجود كمائن على هذا الطريق.
ليس هذا طريق التهريب الوحيد، يقول أبو بكر خلاف، النقيب السابق لنقابة الإعلام الإلكتروني،والذى صدر ضده حكم بالسجن 3 سنوات بتهمة نشر أخبار كاذبة، واضطر بعده للهروب من مصر إلى السودان، إن هناك طريق آخر يستخدم للتهريب يقع مابين أسوان والسودان.
يحكى "خلاف" تجربة هروبه، قائلا استقللت القطار حتى محافظة أسوان وبعد أن وصلت تلقيت اتصالا من مهربى يخبره باستقلال سيارة الأجرة إلى مكان آخر، وعندما وصل استقل سيارة مع أشخاص ملثمين، وساروا جميعا عبر دروب صحروية وعرة.
يتابع: لا يستخدم المهربون الذين ينتمون غالبا إلى قبيلتى البشايرة أو العبابدة أنوار السيارة لكشف الطريق حتى لا يتبعهم أحد فيعرف طرقهم وأماكن اختبائهم. ويستخدم هؤلاء المهربون أيضا نفس طريقة نظرائهم من الرشايدة والسواركة، حيث يستخدمون هواتف متصلة بالأقمار الصناعية، ويسيرون عبر دروب صحراوية وجبلية بين أسوان والمنطقة الحدودية المصرية السودانية مرورا بوادى حلفا وانتهاء بالسودان.
ولا يستبعد مصدر مطلع استخدام هذا الطريق فى تهريب السلاح، مؤكدًا أن أحد الأجهزة الأمنية ضبط قاذفا صاروخيا متطورا يرجح أنه من طراز إيغلا بالقرب من الطريق الغربى الموصول لمدينة أسيوط، منذ حوالى شهرين.
كما ضبطت قوات الأمن المصرى شحنة صواريخ مضادة للطائرات من طراز إيغلا بمدينة الإسماعيلية فى أواخر شهر سبتمبر من العام 2011. وقالت وزارة الداخلية المصرية فى بيانها الذى نشرته الصفحة الرسمية لها على موقع التواصل الاجتماعى فيس بوك ونشرته عدد من الصحف وقتها إنه تم ضبطت ثمانية صواريخ، أربعة منها داخل صناديق خشبية حديثة الصنع وكاملة الأجزاء وبحالة جيدة، وهى صواريخ أرض جو طول الصاروخ الواحد حوالى مترين، فيما بلغ طول منصات الإطلاق 70 سنتيمترًا وعرضها نصف متر وارتفاعها 40 سم، وأشارت إلى الوزارة وقتها إلى أنها فحصت هذه الصواريخ لمعرفة بلد المنشأ بعد أن طمست بياناتها.
ويوضح تقرير مشروع مسح الأسلحة الصغيرة إلى أن الصور التى نشرتها وزارة الداخلية هى لمنظومات إيجلا هربت إلى مصر، لافتا إلى أن هذه الصواريخ روسية الصنع.