الجمعة 17 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اتقوا الله في الشعب السوري

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أعرف على وجه الدقة، ما الذى يحدث فى سوريا، ولا أعرف بالضبط، مَن يحارب مَن فى بلاد الشام، هل ما يجرى على الأرض صراع داخلى على السلطة بين النظام الحاكم ومعارضيه الممولين من دول إقليمية، أم حرب ضد الإرهاب تقودها حكومات هى بالأساس راعية للإرهاب، أم أن ما يجرى يمثل أحد مشاهد الصراع بين القوى الكبرى على المصالح الاستراتيجية لتقسيم مناطق النفوذ فى الخريطة الجغرافية المستباحة؟
ما يحدث من قصف ومعارك دامية وتشريد للأبرياء فى سوريا يفوق قدرة العقل على تصور تداعياته الكارثية على المنطقة بأكملها، إلا أن عجز العقل عن تصور ملامح تلك التداعيات لا يمنع من التأكيد على حقيقة مفادها بأن مصير سوريا لن تقرره الفصائل والتنظيمات الإرهابية المتناحرة على اختلاف مسمياتها وتنوع مقاصدها، فهم مجرد أدوات تنفذ أدوارها المرسومة لها بمقابل معلوم، كما أن مصير نظام بشار الأسد لن يحدده المقامرون بالأوطان من الحكام الحمقى، وهؤلاء تحركهم مغامراتهم دون حساب لأى عواقب، أيضا، لن تكتب البلطجة الأمريكية نهاية النظام الحاكم، فمصير البلد الذى تكالبت عليه الديناصورات العالمية، ستحدده القوة المهيمنة على الأرض.
فالقراءة المتأنية لمشاهد الأحداث فى سوريا، تشير لكل من لديه القدرة على الرؤية، إلى أنها جزء من المخططات سابقة التجهيز لتقسيم المنطقة العربية الى دويلات صغيرة، هشة، قائمة على أساس مذهبى وعرقى وطائفى، بما يجعل الدولة العبرية صاحبة الهيمنة على الإقليم.
للوصول للأهداف الغامضة، جرى تسويق الإرهاب تحت لافتة براقة اسمها ثورات «الربيع العربى»، جذبت عديمى الوعى من الحمقى فى العديد من البلدان العربية، ممن خرجوا لإسقاط أنظمة الحكم بدعوى القضاء على الديكتاتوريات، وجرى ما جرى فى المنطقة على اتساعها، سقط نظام القذافى، ولم تعد هناك دولة اسمها ليبيا، سقط نظام زين العابدين فى تونس، ونحن نرى تونس الآن وما يحدث فيها على أيدى التيارات التى تحمل مسميات الإسلامية، سقط صدام حسين، فتمزق العراق، استهدفوا مصر لكن جيشها كان يقظا، وها نحن نرى سوريا وما يجرى فيها من عبث تحت لافتة الثورة ضد بشار، وأخيرا اتهموه دون تحقيق بقتل شعبه بالكيماوى، بالضبط مثلما حدث مع صدام حسين الذى اتهموه بالاستحواذ على أسلحة دمار شامل، وتبين أنها كذبة كبرى هدفها إسقاط الدولة وتفكيك الجيش، وهو ما جرى بالفعل.
إذن ما جرى فى العراق يتكرر الآن بنفس المشاهد مع سوريا، وهو أمر لافت للانتباه، لكن يبدو أن الذاكرة العربية ضعفت إلى حد الشفقة، ولم تعد لديها القدرة على استيعاب دروس التاريخ، تناسوا الأكاذيب الغربية، خصوصا الولايات المتحدة الأمريكية «بلطجى العالم»، وانساقوا وراء واشنطن لتأييد جرائمها فى حق الشعب السورى وجيشه، لأغراض شخصية، صفقوا قبل أن يصفق البريطانيون وغيرهم من تابعى أمريكا، هللوا وكأنهم حققوا انتصارا على الصهيونية العالمية.
المثير للاستغراب أن بعض الحكام العرب، والدوائر الإعلامية والسياسية فى بلدان هؤلاء الحكام، كانوا ينتظرون بيانا رسميا يعبر عن رضا الدولة المصرية بالجريمة الأمريكية، وعندما صدر البيان المتوازن، قامت الدنيا ولم تقعد، وجدنا مغالاة فى توجيه الانتقادات ضد الدولة المصرية، ومحاولة دفعها لتبنى مواقف أكثر حدة، لا تتسق مع السياسة المصرية التى ترفض استمرار الأوضاع الحالية فى سوريا، أما القراءة الدقيقة لبيان وزارة الخارجية المصرية بشأن القصف الصاروخى على قاعدة الشعيرات فيتضمن إصرار مصر على موقفها المؤيد لوحدة الدولة السورية والحفاظ على الجيش، وبه عبارات مشحونة بالتحذير من الاستمرار فى هذا الوضع، فضلا عن أنها حملت القوتين الكبريين «روسيا وأمريكا» مسئولية إيجاد الحلول السياسية لإنهاء الأزمة فى سوريا. 
وبالنظر للبيان نجده أكثر ملاءمة للواقع بعيدا عن العنتريات، خصوصا أن المواقف الرسمية للدول، تنبع من رؤية قائمة على معلومات واتصالات ولا تخضع للأهواء والانفعالات، بخلاف وجهات نظر الأفراد ومواقفهم، فالأخيرة تعبير ذاتى لا يخضع لمعايير سياسية، بل يخضع لمعايير عاطفية، وعلى أى حال جاء البيان أكثر كبرياء وشرفا من البيانات التى صدرت عن حكومات عربية أيدت ما جرى، والأهم طالب البيان بتجنيب المنطقة ويلات الحروب وإنهاء الصراع العسكرى واللجوء إلى الحل السياسى، كما تضمن البيان موقفا مصريا، عبر حث الأمريكان والروس على احترام الشرعية الدولية، بما يشير إلى رفض التصرف الأمريكى الذى خرج عن إطار الشرعية الدولية.
القصف الصاروخى، كشف زيف التحالف الدولى ضد الإرهاب، فحقيقته تحالف دولى لإسقاط سوريا بمزاعم مختلفة، كما عكست الجريمة الأمريكية توافقا عربيا إسرائيليا بامتياز فى تأييد الجريمة الأمريكية ومباركتها، ومن هذه النقطة يمكن التأكيد على أن بعض الحكام العرب صاروا، بإرادتهم، أدوات فى أيدى الديناصورات العالمية، تحركهم كالدمى على رقعة الشطرنج، تتلاعب بهم، وتتحكم فى قراراتهم وتوجه سياساتهم، والنتيجة التى غابت عن عيونهم هو العبث بمصائر بلدانهم وشعوبهم، ظنا منهم أن القوى الكبرى هى التى تقرر بقاءهم فى السلطة، أو إجبارهم على الرحيل، فارتموا فى أحضانها، دون إدراك منهم لعواقب ما يفعلون، ودون دراية بأنهم ينفذون مخططات استراتيجية معلنة ومعلومة للكافة، عكفت على إعدادها أجهزة الاستخبارات ومراكز الدراسات، بهدف سيطرة الشركات العالمية على الثروات النفطية والغاز.
الموقف المصرى تجاه ما يجرى فى سوريا، الذى حدد ملامحه البيان الرسمى، لم يكن قائما على التعاطف، وإن كان التعاطف مع مأساة الشعب العربى فى القطر الشقيق فريضة قومية، إنما تحكمه أبعاد استراتيجية ودواع أمنية، تتجاوز فى مضمونها النظرة الضيقة والمحدودة لبعض أنظمة الحكم العربية، يدور مجملها فى ضرورة الإبقاء على الدولة السورية موحدة، وتماسك الجيش وعدم تفكيكه، فالحفاظ على وحدة الجيش السورى يمثل أحد أهم الأركان الأساسية للأمن القومى العربى، باعتبار أن سوريا طرف أصيل ورئيسى فى معادلة الصراع العربى الصهيونى.. ساندوا بقاء الدولة السورية.. اتقوا الله فى الشعب السورى يرحمكم الله.