الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ثلاثة مفكرين عمالقة من مصر

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ثلاثة أسماء تستوقفنى دوما فى مصر التى تملك من دون شك مجد آلاف المبدعين، نجيب محفوظ والدكاترة حامد ربيع وسيد ياسين، لما لهم من أثر فى نفسى كباحث وكاتب وأكاديمى.
محفوظ ليس كاتبًا دراميًا مبدعاً، فى الرواية ً فحسب بل إنه سيسولوجى فذ قدم صورة مدهشة عن ديناميات المجتمع المصرى فى الجانب الآخر، غير الموجود فى الشاشة، غير المرئى والمسموع، التقط شخصياته من واقع الشارع والحارة والعالم الخلفى للمجتمع الحقيقى الذى ينتج ويعمل ويكدح، وينجب ويتزاوج، ويبكى ويضحك ويسخر من الواقع القاسى حينًا لكنه يظل ينتمى إلى عمق المجتمع الإنسانى فى مصر، إنه أستاذ اكتشاف محركات الصراع المجتمعى وكشاف نوازع الناس والقيم المعرفية لهم أحيانا. 
خلاصة: إنه وصل إلى روح المجتمع ودقائقه حين يحب ويكره وحين يتسامح ويغضب وبكل جدارة نال محفوظ كل التقدير والثناء ليس من مجتمعه العربى بل من العالم الذى كرمه بنوبل.
كما عرفت المبدع والمفكر الآخر الدكاترة ربيع فى بغداد، حين درّس لى فى معهد البحوث والدراسات العربية ومشرفى فى دراسة الماجستير، بعد نقل المعهد من القاهرة لبغداد فى الثمانينيات، كان ربيع مفكرًا فذًا يقف على رصيد ٥ دكتوراه فى السياسة والإعلام والقانون واللاهوت والقيم، أستاذًا بكل ما تعنى كلمة أستاذ جامعى ومفكر ومنتج، يجلس فى صومعته كل يوم لينتج أفكارًا لم نسمع عنها من قبل وكان عالمًا فى المستقبليات ومخططا سياسيًا بارعًا، ومنّظرًا فى الفقه الإعلامى والقانونى، أحدث ثورة فى الوعى فى القاهرة وبغداد والعالم العربى، طيلة الثمانينيات ومطلع التسعينيات، كان أول من كشف البعد الأيديولوجى - الحركى للإسلام السياسى فى مؤلفه عام ١٩٨٦، وأول من قال للعرب من «يحكم فى تل أبيب» وآخر من أنذرهم بأن حروبًا «ضروس» تنتظرهم، لأنهم لا يدركون المخاطر التى تحيق بهم، وأول من تحدث عن حرب المياه، وآخر من قال إن الغرب سيفتت هذه المنطقة، بنظرية هز الولاءات أيام بريجنسكى وكيسنجر، ونصح صدام حسين فى منتصف الثمانينيات حين قابله ساعتين لمرتين متتاليتين أن يغير سياسته ويتحول من عقله العسكرى إلى السياسى المناور الذى يدرك أن حلفاء اليوم هم أعداء الغد، كان ذلك والحرب بين العراق وإيران على أشدها والإيرانيون غزوا الفاو واخترقوا الدفاعات العراقية وقابل أيضًا ميشيل عفلق، ولم يعجبه منطقه، وخيالاته التى تقدم القومية دون مشروع تنموى يحقق النقلة النوعية فى حياة الناس الذين يمتلأون مشاعر فاضلة دون أن تتحقق آمالهم فى التنمية الفاعلة. 
عاش ربيع فى بغداد محاطًا بطلابه واهتمام المفكرين وأساتذة الجامعات، وتزوج من عراقية أنجبت له عبدالله، ألف وكتب وصرخ ربيع بصوت الباحث والمعلم، ولم يسمعه إلا قلة من طلابه وزملائه الذين يعرفون قدره.
المفكر الثالث هو سيد ياسين، الباحث الدءوب الذى أتحف المكتبة العربية بالكثير من البحوث والدراسات، أذكر أول لقائى به بفضل أخى وصديقى النائب عبدالرحيم على، كان ذلك قبيل اندلاع الثورة بأربعة أشهر، فى مكتبه فى الأهرام يوم كان رئيس مركز دراسات الأهرام وقتها، سألت الأستاذ سيد ياسين «مركب مصر حتعدى على فين» لم يجبنى وقتها وكان حريصا أن يسمع عن مآلات العراق، وإلى أين وصل.
أجبته: إن نظامين يتصارعان، واحد دينى والآخر مدنى، كل يريد إلغاء الآخر.
ثم أجابنى عن مصر بأن النظام بدأ يتفكك، نتيجة سلسلة صراعات بدأت بالسلطة القضائية واحتراب المحامين مع القضاة، وأن النظام يخطئ بالحديث عن التوريث الذى يستفز المجتمع الذى ينشد التغيير لأوضاعه السياسية والاقتصادية، وكم بذل جهدا لإيصال فكرة المراجعة لشخص الرئيس دون جدوى. 
رحل محفوظ وخلف عشرات المؤلفات المؤطرة بنوبل، ورحل ربيع وسيد ياسين، وظلت أفكارهما مدوية برءوس الأجيال التى تؤمن بالتغيير وتنشد المستقبل الواعد. الأزمة أن نضوب العالم العربى من أمثال هؤلاء الأفذاذ يجعل السياسة والفكر والفلسفة بعيدة عن الأجيال والقيادات التى تتولى إدارة الدول، فتصبح الشعوب بلا رؤوس تفكر لها وعنها وإليها.