رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لماذا أعارض قانون التظاهر الذى صدر مؤخراً؟

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

منذ عدة أسابيع صدر عن مجلس الوزراء قانون جديد للتظاهر، وتسربت فى ذلك الوقت لوسائل الإعلام أنباء عن خلافات كبيرة نشبت داخل المجلس ما بين مؤيد ومعارض للقانون، حتى قيل إن الأمر انتهى إلى إجراء تصويت وافق بمقتضاه أغلبية الوزراء على القانون، ومن ثم تم الإعلان عن بدء العمل به لكن الرأى العام، وبالذات الأحزاب والقوى الديمقراطية والحركات الشبابية وعلى رأسها حركة "تمرد"، أعلنت، ومنذ التسريبات الأولى، عن رفضها القانون لا من حيث مواده فحسب، ولكن أيضاً، من حيث توقيت صدوره، وكان لافتاً للنظر أن هذا الرفض أتى ثماره سريعاً عندما أُعلن أن الرئيس عدلى منصور سيدير حوارا مجتمعيا حول القانون، وسيستطلع آراء القوى والهيئات المختلفة، وعلى رأسها المجلس القومى لحقوق الإنسان، وقد اعتبر المراقبون أن هذه الخطوة تُجمد القانون أو ربما ترجئ إصداره لحين تعديله أو توفير الأجواء المناسبة لقبوله، أو لحين توفير الشرعية المناسبة لإصداره من خلال مجلس نواب مُنتخب، وأياً كان ما حدث: "إرجاء أو تأجيل"، وبصرف النظر عما إذا كان التأجيل كان يفترض أنه سيطول أم لا، ومتى بالضبط كان من المفترض أن يصدر القانون، فإن هذه الخطوة كما قيل، وكما استنتج أغلب المراقبين، تمت بإيعاز من هيئات سيادية اعتبرت أن أضرار إصدار هذا القانون ستكون أكثر من فوائده، ومن ثم أرسلت القانون إلى ثلاجة التجميد أو الإرجاء، وكان لهذه الخطوة أثر بالغ فى درء مخاطر صراعات وانقسامات بدت بوادرها فى الأفق، وهو الأمر الذى دفع بعدد كبير من قيادات القوى الديمقراطية إلى الإشادة بهذه الخطوة وبحكمة من اتخذها، وبعد ذلك بعدة أيام بدأت بالفعل بعض الاجتماعات والمشاورات بين ممثلى الدولة وممثلى بعض الأحزاب والحركات والهيئات، وكان على رأس الهيئات التى شاركت فى الحوار المجلس القومى لحقوق الإنسان، وقد أجمعت كل الأحزاب والحركات والهيئات على عدة ملاحظات لكنها شددت فى ذات الوقت على أن يتم تأجيل إصدار القانون لحين انتخاب مجلس نواب يستطيع الاضطلاع بمسئولية إصدار قانون سيحظى فى هذه الحالة بمشروعية ومصداقية تجيز احترامه وتقديره، والالتزام به.
وفقاً لكل المعلومات السابقة يمكننا أن نفهم كيف أن صدور القانون متضمناً نفس العوار الذى انتقدته القوى الديمقراطية، وعلى نحو مفاجئ، وبدون مقدمات، كان أمراً صادماً لهذه القوى، وأثار تساؤلات عديدة حول الأسباب التى دعت لصدور هذا القانون فى هذا التوقيت وعلى هذا النحو، ولكن دعونا قبل أن نتطرق لمحاولة الإجابة عن هذا السؤال، أن نحاول فى البداية إبداء بعض الملاحظات على القانون نفسه، وأيضاً على بعض ما أثير حوله من تعليقات، وسأحاول أن أستفيد فى هذا الصدد، من الملاحظات والتعليقات التى وصلتنى على "فيس بوك" اعتراضاً أو تأييداً لموقفى الرافض للقانون، وتنقسم الملاحظات كما ذكرت إلى قسمين:

الملاحظات حول القانون:
أولى هذه الملاحظات، تتعلق بلغة التعليقات الرافضة لموقفى، وهى تعليقات لم تكتف بإلقاء الاتهامات جزافاً، وإنما امتدت إلى استخدام لغة بذيئة فى بعض الحالات، وهو أمر يعكس من زاوية حدة الاستقطاب القائم، ويعكس من زاوية أخرى، بكل أسف، عدم فهم لأهمية الالتزام بآداب وقواعد الحوار، ونعني بذلك الحوار الذى يمكن أن يكون مُجديا، ذلك أن الالتزام بلغة مُهذبة واحترام المخالفين فى الرأى ليس معناهما أن الشخص مُهذب وحسن التربية فحسب، ولكن معناهما أنه حريص على استمرار الحوار، لأن التطاول من طرف ما قد يدفع الطرف الآخر للرد بالمثل، وهذا معناه أن الطرفين بعد بدء الحوار مباشرة سينصرف اهتمامهما عن محتوى الكلام وينصب رد فعلهما وغضبهما على ما يوجه لهما من إهانات وتنتهى بذلك أى جدوى من الحوار، ولذلك أنا أناشد كل المهتمين أن يلتزموا آداب الحوار لكى يكون مُجديا وإذا كان رأيهم أن الحوار مع فلان مثلاً غير مُجدٍ فلا معنى إذن للدخول فى حوار معه.
الملاحظة الثانية، تتعلق بأن الكثير من التعليقات على موقفي الرافض للقانون أدان رفض القانون لأن كل بلاد العالم المتحضر بها قانون للتظاهر، وهو أمر لم يكن أبداً موضع خلاف، فنحن لم نعترض على أهمية وضرورة وجود قانون يُنظم الحق فى التظاهر، فقط اختلف البعض حول توقيت وأسلوب إصداره، واختلف جميع من اختلف مع القانون حول محتواه ومواده، حيث اعتبروا، كما سأشرح بعد ذلك تفصيلاً، أن القانون يُقيد، بل يمنع الحق فى التظاهر ولا يُنظم ممارسته.
الملاحظة الثالثة، تتعلق باعتراضى على أن الشرطة فى حاجة لهذا القانون لكى تستطيع مواجهة مظاهرات الإخوان المُخربة، لأن هذا معناه أن الغرض من القانون إذن ليس تنظيم الحق فى التظاهر وهو أمر يتعارض مع الادعاءات المُعلنة الخاصة بإصدار القانون، كما أنه أيضاً، يتعارض مع الحقيقة القائلة بأن كل ممارسات الإخوان التى نرفضها جميعا مُجرمة بالقوانين القائمة بدءاً من حمل السلاح وتخريب المنشأة العامة والاعتداء عليها وإعاقة المرور والسير.. إلخ، ومن المفارقات فى هذا الصدد أن حمل سلاح آلى عقوبته الأشغال الشاقة المؤبدة، ولكن حمله فى المظاهرات بمقتضى القانون الجديد 7 سنوات !!، وبالتالى فإن عجز الشرطة فى مواجهة عنف الإخوان لا يتعلق بعدم وجود قوانين، وإنما يتعلق بمدى كفاءتها أو قدرتها على القيام بدورها، أو يتعلق أيضاً، حتى لا نُحمل الشرطة ما لا طاقة لها به كما كان يحدث فى عصر مبارك، بأعداد المشاركين الكبيرة فى هذه المظاهرات، حيث يتحمل مسئولية هذه الأعداد جميع مؤسسات الدولة والقوى المناوئة للإخوان، وينبغى هنا أن تقوم كل هذه المؤسسات والقوى بجهد سياسى يجعل قوة الإخوان تتآكل وأعداد المشاركين تقل، وهو جهد، مرة أخرى، على كل مؤسسات الدولة والأحزاب أن تضطلع به جنباً إلى جنب مع جهود التنمية ورفع مستوى المعيشة وتنمية العشوائيات.. إلخ. وكل هذه الجهود ينبغى أن تبدأ الآن وفوراً تأكيداً على أن الحل الأمنى لم، ولن ينجح وحده.
الملاحظة الرابعة، تتعلق بأننى لا أتفق مع القول بأن القانون، بصرف النظر عن عواره، لازم يحترم، وهذه الفكرة لا تخلو من وجاهة إذا كانت مساحة الخلاف مع القانون محدودة، ولكن أى قانون يتجاهل المنطق تماماً أو يتعارض مع مصالح الناس بالكامل لا يحترم عادة، وإذا احترمه البعض، ولبعض الوقت، فإن الأكثرية على الأقل لفترة طويلة، لن تحترمه ولن تلتزم به، ولعلنا جميعاً نذكر أنه طوال عهد مبارك كانت القوانين التى تنظم حقوق الاحتجاج السلمى: "الإضراب والاعتصام والتظاهر" لا تُحترم من قبل جماعات التغيير السياسى مثل: كفاية، والحملة الشعبية للتغيير، وغيرها، ولا تُحترم أيضاً، من كل التحركات الفئوية والجهوية بدءاً من أهالى دمياط فى مواجهة المصنع الذى كان سيضر بالبيئة هناك، وانتهاءً بمئات الإضرابات العمالية طوال عهد مبارك، حيث لم يُفلح القانون فى ردع مُعظم ممارسات الاحتجاج السلمى كما لم تنجح الدولة فى تطبيق القوانين الجائرة على المحتجين.
الملاحظة الخامسة، إن الوقوف ضد القانون معناه أنك إخوان أو على الأقل طابور خامس أو يصب لمصلحة الإخوان أو يضعف الشرطة، ولهؤلاء أقول إن من يضعف الشرطة ويقوى الإخوان هو ممارسات الدولة الأمنية، ويكفي للتدليل على ذلك أن هذه الممارسات الأمنية التى ننتقدها وتحت قيادة نجمها الأبرز حبيب العادلى أدت إلى توحش الإخوان وانتشارهم، ولم تؤد إلى القضاء عليهم أو حتى إضعافهم، ومن ناحية أخرى فإن أى مؤسسة تقوي بمصداقيتها وقدرتها على محاسبة من يرتكب أخطاء من أبنائها، والقول بأن الشرطة فوق النقد أو أن أبناءها لا يخطئون هو أمر يُضعف الشرطة كثيراً ويجعلها، مرة أخرى فى مواجهة الناس، وهو أمر دفعت الشرطة ثمنا فادحا له فى 25 يناير وتحمل وزره ضباط أبرياء لم يكونوا من أصحاب السياسة.
بخصوص القانون نفسه سأحاول بإذن الله – فى مقال مقبل أن أتعرض للملاحظات المحددة حول بنوده المختلفة.