السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

مطلوب مركز بحثي لتجفيف منابع الإرهاب "2"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أكدنا فى مقالنا السابق أمس مفارقة عجيبة، أننا أكثر دولة تتعرض للإرهاب فى العالم، وتعانى منه بينما لا يوجد لدينا مركز بحثى متخصص ورصين فى هذا الشأن يحلل وينقب ويبحث فى جذور وأصول الظاهرة الإرهابية ومغذياتها الأساسية ومكملاتها الغذائية الفكرية التى تحول الفرد العادى إلى إرهابى وكيفية تجفيف منابعه حماية لأمننا القومى؟ 
ولقد شرحنا فى المقال السابق ذلك الارتباط الجذرى بين العولمة والظاهرة الإرهابية، وفى اعتقادنا أن التحول إلى الإرهاب هو محض عملية عقلية يصاب خلالها عقل الفرد بالأصولية، مرض العصر الفتاك فيعتبر فهمه الدينى البشرى أصلًا مطابقًا للأصل الإلهى المقدس وليس مجرد صورة وفهم لواحد من البشر، أو يحل أصله البشرى المزعوم محل الأصل المقدس وهو سياق مجنون يستبدل أصلًا إلهيًا بأصل بشرى. 
وهنا يبدأ الفرد فى تقديس فهمه، أى تحويله إلى مقدس، ويطابق بينه وبين صحيح الدين والمقاصد الإلهية للتنزيل الحكيم، ثم يشرع فى قياس فهم الآخرين الدينى على فهمه هو الصحيح والمقدس حصريًا، فإذا وجده مختلفًا كفرهم طبعًا. 
وينتفى لدى المريض بالأصولية التعدد وتسقط الغيرية، ويتطلب فهمه أن يصبح الجميع على فهم واحد فقط هو فهمه حصرًا للنصوص الدينية. 
ثم يأتى الخطاب الدينى للمشايخ، فيؤسس ويغذى فيه النرجسية الدينية القاتلة، فيؤكد له المشايخ أن الشريعة التى اختارها أفضل شريعة وأن نبيه أفضل نبى، وأن لغته أفضل لغة، وأن المؤمنين أفضل أمة على الأرض على الإطلاق، وأن على جميع أهل الكتاب ترك شرائعهم فورًا والهرولة إلى ما شرعه الرسول صلي الله عليه وسلم، وهو ما لم يأمر به الرسول أصلًا. 
ثم يغذى فيه الخطاب الدينى للمشايخ «الرسالية» و«الوصاية» المقيتة والقبيحة على الناس، وهى ما لم يتقرر للرسول ذاته، قال تعالى للرسول «ليس عليك إلا البلاغ وليس عليك هداهم ولست عليهم بمسيطر وإن أنت إلا نذير».
وفى الوقت الذى يغذى فيه المشايخ إحساسًا عارمًا بالتفوق الدينى على غيره من البشر، يجد نفسه غارقًا فى إخفاق حضارى مديد يعيشه فهو فى مؤخرة الدول، وهنا يبدأ الصراع النفسى.
ثم يؤسس الخطاب الدينى لديه لمفاهيم خاطئة عن حكمة تشريع القتال فى الإسلام والحاكمية لله والجاهلية والجهاد والحدود الإسلامية وأهل الكتاب والمرأة وخلط شديد بين الكفار وأهل الكتاب، وبعض من كفروا منهم فيتحول الشخص إلى إرهابى طبعًا، والإرهاب كله يبدأ فى العقل ولا علاقه له بفقر أو غنى. 
ولأن الإرهاب مكانه العقل، فعلينا بالاهتمام بإصلاح ذلك العقل المريض ولا يجب أن ننسى أن أيمن الظواهرى وأسامة بن لادن زعيمي القاعدة وهو أكبر تنظيم إرهابى عالمى تقابلا فى لندن، وأنهما من الأثرياء بل إن بن لادن من المليارديرات.
وبقى أن نؤكد أن:
الخطاب الدينى يكافح الأصولية ويكسر احتكار الحقيقة المطلقة، وينفى عن أى فهم بشرى أى قدسية، حتى لو كان فهم فضيلة شيخ الجامع الأزهر نفسه. 
الخطاب الدينى يقتل النرجسية الدينية عند المؤمنين، ويؤكد لهم أن أنبياء الله إخوة وإن كانت شرائعهم شتى فهدفها واحد وأنه لا توجد شريعة أفضل ولا دين أفضل وأن كلها من عند الله، قال تعالى «ومن أحسن دينًا ممن أسلم وجهه إلى الله وهو محسن» وأنه لا توجد لغة فضلى، فلقد حدث الله كل قوم بلغتهم التى يفهمونها وأنه الرسول الخاتم هو آخر الرسل وفقط. 
الخطاب الدينى يكافح الرسالية والوصاية على الناس، ويؤكد لهم أن الوصاية لم تتقرر حتى للرسول نفسه. 
الخطاب الدينى يؤكد أن لفظة الإسلام معناها التوحيد، ولا تعنى أبدا شريعة سيدنا محمد وحدها فقط، وأن أتباع محمد والمسيح واليهود كلهم مسلمون.
الخطاب الدينى يؤكد أن الله شرع القتال للمؤمنين بالرسول، مرتين مرة دفاعًا عن أنفسهم عندما كانوا معذبين مضطهدين، وأخرى دفاعًا عن حق الناس فى معرفة الله بقتال من يحول بينهم وبين هذه المعرفة ويأمرهم بالسجود لغيره، وأن الفتح الإسلامى انتهى تاريخيا، فلم يعد حاكم أو إمبراطور على وجه الأرض يمنع الناس من معرفه الله أو يحول بينهم وبين تلك المعرفة فى عصر الإنترنت.
الخطاب الدينى يؤكد أن المرأة إنسان، والمسيحى إنسان وأنهم من بنى آدم الذى كرمهم الله فى كتابه المقدس عندما أكد ذلك «إنا كرمنا بنى آدم».
الخطاب الدينى يؤكد أنه لا يحق لأحد محاكمة غيره أو قتله طبعا وأن المغضوب عليهم هم من يقتلون مؤمنا بالله، ويلغون ما جاء بآراء السابقين من تعزير ويسقطون سلطة الحاكم على الاعتقاد، وبالتالى سلطة حسابه للناس على اعتقادهم، وبالتالى سلطة من يتصور أن الحاكم لا يستخدم سلطته المتوهمة والمزعومة، وأن عليه أن يقوم هو بواجب الحاكم فى قتل المرتد أو استتابة الزنديق، فهذا ليس دينًا وإنما كانت سياسة للدولة العباسية فى التعامل مع معارضيها فى القرن الثالث الهجرى والدين بريء منه.