الخميس 18 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

الشاعر الكبير محمد آدم في حوار لـ"البوابة": مصر تحتفي بـ"الغريب".. والعظماء في عالمنا العربي مصيرهم التهميش.. وقصائد "نزار" سطحية.. و"الماغوط" محلي بامتياز

الشاعر محمد آدم
الشاعر محمد آدم
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
الذاكرة الجمعية مرتبطة بالشعر الشفهى.. وأحفر عميقًا لأغير مسار التاريخ الشعري
أكتب للتاريخ والمستقبل.. ولا أسعى إلى إعجاب جماهيري
أُنسى الحاج ابن تجربة توراتية ولم يخلق نصًّا خاصًا به

يُعد الشاعر محمد آدم من طليعة كتاب قصيدة النثر، بل واستطاع أن يصل بها إلى آفاق عالمية، حيث ترجمت قصائده للإنجليزية والفرنسية والإسبانية والعبرية وغيرها، كما طبعت أعماله الكاملة فى سوريا والعراق ولبنان والمغرب، وتم مصادرة ديوانه «أنا بهاء الجسد واكتمالات الدائرة» فى التسعينيات..
«البوابة» التقت آدم بعد صدور الجزء الأول من أعماله الكاملة عن «هيئة الكتاب» منذ أيام، فى هذا الحوار الذى فتح من خلاله النار على الوضع الثقافى فى مصر.. وإلى نص الحوار.
■ قلت إن كل الشعراء العظام كان مصيرهم التهميش فى مصر.. لماذا؟
- لأن الوعى الجمعى والذاكرة الجمعية مرتبطة أو متعلقة بالشعر الشفاهي، وبكل الأصوات الصاخبة والغنائية وكل ما يلقى التصفيق الحاد، أما من يشق طريقا مغايرا فلا بد أن يأخذ وقتا حتى يصل ويلتفت له الناس، ولذلك إننى أتساءل: أين هو نزار قبانى الآن؟ إنه مجرد نسل من القصيدة الصحراوية، وحينما تنظر إلى عمق التجربة ترى أنه كان غنائيا بامتياز، كذلك كل الشعراء الذين حازوا شهرة، كان ذلك لأنهم تعودوا على كل ما هو شفاهي، وبمجرد أن انتهت القصيدة وصفق لهم الجمهور فقد أخذوا حقهم وانتهوا، ولكنى أحفر عميقا لكى أغير مسار التاريخ الكتابى والثقافى والمعرفى والشعرى.
■ وأنت لمن تكتب شعرك؟
- أنا أكتب للتاريخ والمستقبل ولا أنتظر شيئا من أحد، وكما قال الفيلسوف اليونانى كازانتزاكيس: «أنا لا أحتاج شيئا من أحد.. أنا حر»، ودائما ما أضع هذه الجملة أمامى وأكتب من منطقة الحرية ولا أسعى إلى تصفيق أو إعجاب جماهيري، وإنما أشكل لبنة أساسية لتغيير الوعى فى الشعرية العالمية كلها وليس العربية فقط، وهذا الأمر الذى يضعك إلى جوار رامبو وسان جون بيرس ومالارمين وبودلير، وهذا ليس رأيى وإنما رأى كل الذين ترجموا أشعارى إلى الإنجليزية والفرنسية، فالمترجم الكبير محمد عنانى حينما يضع عنى كتابا منذ أكثر من ربع قرن، ويضعنى بجوار ويليم بليك فهذا يكفيني، فأنا لا أسعى إلى تصفيق جماهيرى تافه ولا جوائز دولة أشد تفاهة من المانحين والحاصلين عليها، لكن يكفى أن التاريخ سيضعنى إلى جوار الكبار أمثال طه حسين وعلى عبدالرازق ومحمد عبده ونجيب محفوظ... وغيرهم ممن شكلوا ذائقة مغايرة.
وما رأيك في تجربة الشاعر اللبناني أنسي الحاج؟
مصر بها عيب خطير جدا، وهو أنها تحتفى طيلة الوقت بالغريب دون أن تمنح أبناءها من العباقرة حقهم، وانظر ماذا صنعوا بجمال حمدان فقد تركوه إلى أن قتل، ثم أدركوا قيمته، ولو لم يعط نجيب محفوظ جائزة نوبل ويقدره الغرب لأضعنا نجيب محفوظ من بين أيدينا.
وعموما فأنسى الحاج هو ابن تجربة توراتية من الألف إلى الياء، ونصه مغموس فى التوراة ولم يخلق نصًّا خاصًا به، واغترف تجربته من التوراة، وهذا نقيض الشعرية، فالشاعر ابن تجربته وابن رؤية كونية هائلة، ويجب أن يكون صانعا لشعريته دون الاغتراف من أى ثقافة بعينها أو بئر بعينها، وإنما يكون جماع كل الثقافات، ليعيد صهرها وإنتاجها برؤيته الخاصة للعالم وللشعر.
■ كيف ترى تجربة الشاعر السورى الراحل محمد الماغوط؟
- نص الماغوط سطحى بامتياز، ولكن يبقى له أنه حاول أن يسير فى مسار مغاير، فيما يسمى بقصيدة النثر، وتحسب له الريادة، ولكن حينما يوضع إلى جوار الشعراء العظام الذين شكلوا انقلابا فى الوعى يظل محليا بامتياز، وتستطيع أن تقول ذلك عن أحمد عبدالمعطى حجازى والبياتى وبدر شاكر السياب.
■ ماذا عن محددات الحكم على جودة قصيدة النثر؟
- النص بما يقطعه من مخيلة ورؤية وكتابة هو الفيصل، وقصيدة النثر فتحت بابا هائلا لإعادة تشكيل الثقافة العربية كاملة، فقد كانت ثقافة شفاهية بامتياز، والتحول التاريخى الذى خلقته هذه القصيدة، أنها انحرفت بالعقل العربى ليأخذ شكلا مغايرا يسهم فيه الوعى والمخيلة والرؤية الإنسانية.
■ كيف ترى ادعاء بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعى بأنهم شعراء؟
- هذا الأمر لا معنى له على الإطلاق، وإنما هو نص واحد يكتبه الجميع، فالشاعر العظيم هو الذى يخترع قارات عظيمة جديدة، ويشكل صياغة شعرية مغايرة، أما أن تجد هذا الذى يُكتب فهو هراء لا معنى له، لأن اللغة متشابهة والصورة متشابهة والرؤية متشابهة وكل يسرق من كله، أما الشعراء العظام فهم مُلهمون عظام وعباقرة عظام ويشكلون وعيا مغايرا على مستوى الكتاب والرؤية والمستوى اللغوي، فاللغة مختلفة ولا يمكن بأى حال من الأحوال أن تقول على رامبو أنه بودلير، أو محمد آدم أنه أدونيس أو عبدالصبور، فكل كتابة عظيمة تشق طريقها بلغتها المختلفة، أما أن تتشابه اللغة فهو فى مذبلة التاريخ.
■ ماذا عن رؤيتك للمشهد الشعرى الحالي؟
- هناك شعراء كثيرون لكن بلا موهبة حقيقية، لأنه ينقصهم الوعى الإنسانى والتاريخي، فالكتابة بنت رؤية معرفية، وإذا لم تكن بئرك مليئة فلن تنتج نصا حقيقيا. وأنا أبحث عن الخصوصية أما الكتابة المشاع فهى خارج سياق الكتابة.
■ هل نحن فى زمن الرواية؟
- لا يوجد هناك زمن رواية وزمن شعر، ولا يمكن لأى نوع من الإبداع أن ينفى نوعا آخر، وكل نوع من الكتابة هو مهم وضرورى ولازم فى حركة الكتابة العالمية، وهذا المصطلح سطا عليه الدكتور جابر عصفور من الغرب وأراد أن ينال السبق، بينما «زمن الرواية» هو نص صدر عام ١٩٨٣ فى المؤسسة الثقافية العراقية، ونسبه لنفسه، لأن الثقافة الغربية بعد أن دخلت حربين عالميتين هائلتين وفقدت الملايين من البشر، واكتشفت عبثية الوجود وأنه لا شيء سوى إعادة تأسيس كرامة الإنسان من خلال الإنسان نفسه وليس من خلال المقدس، وفى لحظة العبث والقتل كانت الرواية هى التى تغذى الروح أكثر من الشعر، وهذه الثقافة وصلت برؤيتها الخاصة إلى هذه المرحلة، والمنحنى، ولكنها لم تهن الشعر لأن لديها شعراءها العظام الذين تجلهم وتحتفى بهم حتى الآن، ولم يقل أحد أن جوتة أقل من ديستويفسكى أو رامبو أقل من بروست، ولكن لكلٍ رؤيته الخاصة، فلا الشعر يمكن أن ينفى الرواية أو الرواية تنفى الشعر، ولماذا لم نلتفت إلى الرواية ولدينا الرواية الأقدم «ألف ليلة وليلة» التى استقى منها العالم كله البناء الروائى.