الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

نقولا حداد.. ألف باء الاشتراكية المصرية «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ونبدأ معا فى مطالعة بعض– وليس كل– ما أورده نقولا حداد فى كتابه «الاشتراكية» الذى امتلأ رغم إيجازه بمعلومات فاضحة للنظام الرأسمالى ولأساليبه الاستغلالية، والباب الأول عنوانه «فى إجحاف النظام الإفرادي» ثم الفصل الأول تحت عنوان «فى التباين العظيم بين الغنى والفقر»، ونقرأ «وأول ما يلوح فى بال المفكر بالأحوال الاجتماعية الحاضرة هو البون الواسع بين الغنى والفقر، وهو فرق مثير للدهشة لأهل الزمان الحاضر حتى أغنياءه، لأنه لم يكن له نظير فى الأجيال الماضية، فبينما ترى جمهورا عظيما من الناس يتضورون جوعا وهم لا يستطيعون الحصول على الرزق فقط بل لا يستطيعون فى أحيان كثيرة وسيلة الحصول على الرزق، فإننا فى الناحية الأخرى أفرادا يحتارون فى كيفية بعثرة أموالهم، وفى أية ملذة يقضونها، وبينما ترى جموعا عظيمة من العمال يكدحون طوال يومهم وحتى آناء ليلهم كى يحصلوا على ما يسد رمقهم، ترى عديدًا من الناس يتقلبون على مهاد النعيم بين المتنزهات والحانات والملاهى، ولا عمل لهم سوى جباية ريع ثرواتهم الوفيرة، وبينما نجد عديدا من أذكياء الناس منهمكين فى تحصيل رزق شحيح ترى فى الطريق الآخر بلهاء وصعاليك يبعثرون أموالهم بلا حساب. وبينما ترى أناسا كرام الأخلاق وذوى قلوب رقيقة وعواطف قويمة يعانون المشقة فى كسب القوت ترى أشرارا يعيثون فى الأرض فسادا، ويخربون العمران، ويدمرون الآداب والفضائل، وهم يعيشون فى بحبوحة من العيش، وتتدفق الأموال بين أيديهم تدفق النبع فى الربيع..»، ثم يستدعينا نقولا الحداد بعد ذلك إلى أمثلة من البون الشاسع بين الغنى والفقر، ومن هذه الأمثلة ما ورد فى إحصاء «م الوك» المشهور. أن ٣٥٠ ألف عائلة إنجليزية تضم ٧٥٠ ألف فرد تكسب العائلة الواحدة منها ٣٠ جنيها فى السنة، فى حين أن من بين الإنجليز كثيرين يكسب الفرد الواحد منهم هذا المبلغ فى يوم واحد، أو يكسبه فى ساعة واحدة. ثم يأتى إلى مصر فيقول: «ولماذا نذهب بعيدا فإن مصر تجد فيها حوالى تسعة أعشار السكان لا يزيد كسب رب العائلة الواحدة فى العام على ما يكسبه شخص واحد فى اليوم».
ثم يأتى نقولا بأمثلة من أمريكا، فينقل عن كتاب «رأس المال والعمل» لأدجار نورى رسل، أنه عندما عقد مديرو شركة الحديد الأمريكية اجتماعا كان نصف ١ على ١٢ من ثروة أمريكا حاضرا فى الاجتماع، وأن روكفلر كان يكسب فى العام من شركة ستاندرد أويل وحدها عشرة ملايين ريال فى العام، وأن معدل كسبه من هذه الشركة وحدها ٢٧٨٣٨ ريالا فى اليوم، وفى الساعة ١١٦٠ ريالا، وفى الدقيقة ١٩ ريالا، وقد ذكر رامزى ماكدونالد، زعيم الاشتراكيين، الأعضاء فى مجلس العموم فى كتابه «حركة الاشتراكيين» أن ثماني عائلات فى أمريكا تمتلك سبعة أثمان إجمالى ثروات أمريكا. ومثل هذه الأمثلة كثير فى بلاد أوروبا، إذ أصبح رأس المال قوة عظمى ولا يمكن تصور ما بحوزة أغنيائهم من ثروات، وقد ذكر إدجار تورى راسل أن سيدة ثرية حضرت من أوروبا بعد أن تسوقت ملابس حديثة الموديلات فى سنة ١٩١٠، وأن مفتشى الجمارك تجمعوا طوال خمس ساعات، وهم يفحصون الخمسة وأربعين صندوقا الممتلئة بهذه الملابس، وفى ذات العام نشر أحد الأثرياء إعلانا يقول فيه إنه غير مسئول أمام التجار عن نفقات زوجته إذ بلغ ثمن الملابس وحدها ١٥ ألف ريال.
ثم يسأل نقولا.. من أين تأتى هذه الثروة؟ ويجيب: نعلم أنه لا يمكن أن يستخرج من الرزق ما يساوى جنيها إلا إذ بذل الإنسان قوة عمل فى استخراجه تساوى فى عرف الاقتصاديين جنيها. وبناء على ذلك فإننا نجد أن هناك من يمتلك مليون جنيه، فإن ذلك يعنى أنه لما حصل على هذا المليون إلا لأن عمالا بذلوا من قوة العمل ما يساويه، وإذا افترضنا أن أجر العامل ريال فى اليوم، فإن صاحب المليون يجب أن يكون قد عمل خمسة ملايين يوم ليحصل عليه، فما قولك بمن يمتلك عديدا من الملايين؟ وما قول بروكفلر؟ وكم مائة عام يتعين أن يشتغلها ليحصل على ثروته؟ ثم يقارن ذلك برؤساء دول العالم العفية. ويقول: «رئيس الجمهورية الفرنسية يتقاضى ٢٤ ألف جنيه فى العام، فيجب أن يبقى رئيسا للجمهورية ولا ينفق مليما واحد من مرتبه لمدة تزيد عن ٤١ عاما».
وكذلك الرئيس ولسون يلزمه أن يعمل رئيسا لأمريكا لمدة تزيد عن خمسين عاما ليحصل على هذا المبلغ، وبناء على ذلك، فإن روكفلر الذى تبلغ ثروته ٢٠٠ مليون جنيه يحتاج لمن يعيش ويعمل رئيسا لجمهورية أمريكا ودون أن ينفق مليما واحدا إلى مدة تصل إلى عشرة آلاف عام.
ويسأل نقولا الحداد.. من أين إذن تأتى هذه الثروات؟ وبعد شرح طويل حول الصراع بين قوة العمل وتملك رأس المال، يقول نقولا: «لما كانت الثروة هى حاصل عمل جسدى وعقلى فإننا نكتشف الذى تعب فى توليدها، ونفهم أن العمال والمفكرين هم الذين حققوها، وأنها ما وصلت إلى أيدى المستثمرين إلا لأنها اغتصبت من أيدى منتجيها، فغنى هؤلاء الأثرياء يأتى من إفقار منتجى الثروة، ولولا هذا ما كان ذاك». ثم يصيح نقولا حداد الاشتراكى ويقول للعمال: «إن الأعمال التى لا يمكن أن يقوم بها عامل واحد بنفسه، ولا بد لإنجازها من إشراك جمهور من العاملين، فإنها يجب أن تبنى على حساب الجمهور، وتكون ملكا للجمهور وريعها للجمهور».
ويسأل: «لماذا لا تكون حكومة الأمة صاحبة رأس المال، وأفراد الأمة كلهم يعملون عمالا عندها حتى لا تتجمع الأرباح فى جيوب أفراد بذاتهم وإنما تتجمع لحساب الأمة كلها. ويمضى نقولا ليشرح مزايا ملكية الدولة لوسائل الإنتاج ويقول: «وهنا يرى القارئ أن كل ما يردده أعداء الاشتراكية ليس إلا سخافة تحاول إطفاء نور الحقيقة الاشتراكية، وأختتم مطالعتنا لقليل مما جاء فى كتاب «الاشتراكية» بعبارة حاسمة قذف بها نقولا حداد فى وجوهنا جميعا، تقول: «العقيدة الاشتراكية إذا كان الناس متعاونين رغم أنوفهم فى إنتاج الثروة أو بالدقة فى استخراج الأرزاق فلماذا لا يشتركون فى التمتع بها على قاعدة العدل والإنصاف، كل على قدر ما يستحق أى على قدر ما يعمل؟».
هذا هو السؤال.. سأله نقولا.. دون أن يتوقف عند نهاية صفحات هذا الكتاب. بل واصل الكتابة.
ونتواصل معه.