الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حرية المرأة عند زكي نجيب محمود «5»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
ليس من اليسير أن يقف الباحث موقفًا موضوعيًا بحتًا فى دراسته لسيكولوجية المرأة والرجل، كما لو كان يقوم بدراسة فى علم الكيمياء أو علم الطبيعة. فالباحث سواء تحدث عن جنسه أو الجنس الآخر، يتأثر بتجاربه السابقة، وبالصورة التى قد يكون اكتسبها منذ طفولته عن أبيه وأمه، أو بالنموذج الذى تبلورت من خلاله ملامحه وسماته أو بالخبرات التى عاناها.
وهناك وجهات نظر ترى، أن الفروق بين الجنسين بعضها فطرى أو جوهرى، يرجع إلى اختلاف أساسى فى بناء النواة التى ستكون إما ذكرًا أو أنثى، وبعضها فروق فى الدرجة، بمعنى أن هناك سلسلة من الدرجات المتوسطة تصل بين الأنوثة والرجولة، بحيث يبدأ التطور من صورة «الأنثى» ويتجه نحو شكل أرقى هو كمال الرجولة، والمرأة -من هذا المنظور- ليست إلا رجلًا ناقصًا لم يكتمل نموه. 
ويؤكد فريق من الباحثين أن الاختلافات التى نشاهدها فى المجتمع بين الرجل والمرأة من حيث الاهتمامات والوظائف الاجتماعية، ترجع إلى العوامل الوراثية التى تميز بين الجنسين، وما يترتب على هذه العوامل من خصائص نفسية وجسمية. ويذهب فريق آخر إلى القول بأن الطبيعة البشرية تمتاز بالمرونة، وهى قابلة لأن تتشكل بأى شكل يريد المربى أن يطبعه عليها، حتى أن البعض أنكر وجود طبيعة بشرية أولية؛ وزعم أن جميع الفروق التى نشاهدها بين الأفراد -سواء كانوا ذكورًا أو إناثًا- ترجع إلى تأثير البيئة الاجتماعية. 
ولا شك أن الفروق النوعية بين الجنسين تؤثر -بشكل أو بآخر- فى تنظيم الحياة العائلية وأساليب التربية ومختلف أوجه النشاط الاقتصادى والاجتماعى.
وحول هذا الموضوع تحدث «زكى نجيب محمود» عن النتائج المترتبة على هذه الفروق اجتماعيًا وثقافيًا ونفسيًا. يقول: «نعم بين الرجل والمرأة أوجه كثيرة من الاختلاف، لا تستند فى ذكرها إلى نتائج بحوث علمية، إلا فى القليل النادر...، وربما يفيدنا فى موضوعنا هذا، أن نذكر أمثلة واضحة لما بين الجنسين من ضروب الاختلاف، لأنه قد يتبين لنا أن بعض تلك الاختلافات فى صالح المرأة، وبعضها فى صالح الرجل، وإذا كان الأمر كذلك وجب علينا بعد ذلك ألا نحكم بالتفوق لأحد الجنسين على الآخر حكمًا مطلقًا، بل نقيد حكمنا بما بين أيدينا من شواهد، فى كل حالة على حدة».
والفروق الظاهرة بين الجنسين ثلاثة -كما يقول «زكى نجيب محمود»- أولها: فروق فى شخصيات الأفراد، ثانيها: فروق فى أساليب التعامل فى المجتمع، أى أن ننظر إلى الفرد الواحد، لا من حيث هو كائن قائم برأسه؛ بل من حيث هو مواطن يتعامل مع آخرين هم سائر المواطنين.
وثالثها: فروق فى موقف كل من الجنسين فى العمل على استمرارية الحياة الإنسانية ذاتها.
ويرى أنه «إذا بدأنا المقارنة بين الجنسين من النقطة الثالثة الخاصة باستمرارية الحياة الإنسانية، وقعنا على اختلاف بينهما قد يكون هو المصدر الرئيسى -أو أحد المصادر الرئيسية- التى منها يتفرع سائر ما قد نراه بين الرجل والمرأة من أوجه التباين، وذلك لأن للمرأة دورًا فى جانب تلك الاستمرارية لا يقاس إليه دور الرجل.
ومن هذه النقطة تنبثق أهم خصائص المرأة: فردًا وعضوًا فى المجتمع، لأنها نقطة تحتم عليها أن تميل إلى الحياة الآمنة لتوفر للأبناء مناخًا صالحًا يتربون فى أمنه حتى يبلغوا النضج، ولا كذلك الرجل لأنه بحكم ضرورة أن يهيئ مقومات الحياة لهؤلاء الأبناء قد يضطر إلى المغامرة، بل وإلى القتال، مما ينتهى بالمرأة والرجل إلى مزاجين مختلفين فى الأساس: المرأة تبسط جناحيها فى هدوء على ما هو موجود ليظل موجودًا، والرجل يصفق بجناحيه ليطير.
إن استقرار الحياة هو أساسًا من صنع المرأة، والثورة على الحياة لتغييرها هى أساسًا من صنع الرجل، ومن هنا تولدت فروق فرعية كثيرة فى حياة كل منهما، من حيث هما فردان ومن حيث هما عضوان فى حياة اجتماعية». 
وبصدد موضوع الفروق بين الجنسين، يذكرنا «زكى نجيب محمود» بآراء الفيلسوف والأديب «ول ديورانت» (١٨٥٨-١٩٨١) حول «المرأة والموازنة بينها وبين الرجل»، الذى يقول: «فُطرت فى الإنسان مجموعة من الغرائز والميول «Instincts»، هى محور سلوكه فى الحياة وقدرته على التصرف والتفكير» وهذه الغرائز الفطرية – كما يرى «ديورانت» – قسمها علماء النفس ثلاثة أقسام: «غرائز تصون حياة الفرد»، وأخرى «تعين على حياة المجتمع»، وثالثة «تعمل على حفظ النوع بأسره»، وهذا التقسيم يبين اختلاف المرأة عن الرجل فى هذه القوى الطبيعية التى يتألف منها الجانب الكبير من شخصية الإنسان. ويبدأ «ديورانت» بالغريزة التى من شأنها صيانة النوع البشرى بصفة عامة، وهى «الغريزة الجنسية»، لأنها – فى موضوع الموازنة – أساس يتفرع عنه كل اختلاف بين الذكور والإناث فى الجسم والعقل والسمات الشخصية. ففى عالم الحيوان نجد الأنثى -فى كثير من الأنواع- أضخم حجمًا من الذكر، وهى فوق ذلك مكلفة بأداء الرسالة الحيوية الكبرى، التى إن قيست إليها رسالة الذكر فى حفظ الحياة؛ لم تكن إلى جانبها شيئًا مذكورًا، فلا جدال فى أن الأنثى من الحياة بمثابة الأساس، والذكر فرع ثانوى فى حياة النوع. وتعمل «الغريزة الجنسية» لتخدم الغاية الكبرى وهى التناسل واتصال الحياة.
وعلى المستوى الإنسانى نجد أن الحياة الجنسية هى كل شىء فى المرأة، فالحب أقوى أدوات الحياة الجنسية، والمرأة فى الحب أعقل من الرجل والرغبة عندها أقل حدة منها عند الرجل، لذلك قل أن تضل فى حكمها. ويروى لنا «تشارلس داروين» (١٨٠٩-١٨٨٢) على حد قول «ديورانت» أن معظم الحيوانات لا تعبأ أنثاها بموضوع «الحب»، على هذا الأساس يزعم بعض الباحثين أن المرأة لا تسعى إلى المتعة الجسدية بقدر ما تنشد الإعجاب بها والثناء عليها، من أجل هذا ترى المرأة أسرع من الرجل ترحيبًا بالجانب الروحى من الحب، معنى هذا أن الحب يطغى على جوانب حياة المرأة، فهى لا تحيا إلا مع الحب، حتى إنها لا تملك لنفسها إرادة مستقلة -كما قال «نيتشه» على لسان «زرادشت»- وإنما ترتكز إرادتها على إرادة الرجل. 
أما الغريزة التى تصون حياة الفرد، باعتباره فردًا مستقلًا، يرى «ديورانت» أن المرأة تختلف فيها عن الرجل من حيث «النوع» الذى تعمل باستمرار على دوامه، أما الرجل فواجبه أن يخدم المرأة وصغارها، وهذا هو الأساس الذى تتفرع عنه الفوارق التى تباعد بين الشخصيتين، فلما كان الرجل منوطًا به -بحكم فطرته- أن يخدم المرأة والأبناء، كانت وظيفته التى تمليها الطبيعة هى الحماية وتحصيل القوت وركوب المخاطر. والمرأة إذا كانت غايتها أن تنسل ليدوم «النوع»، فغاية الرجل أن يجمع القوت ليحيا بشخصه، لذلك تجده -فى سبيل تحصيل ذلك- ينقلب على مر الزمان محاربًا يقاتل بالمنافسة الاقتصادية كى يحصل على رزقه. أما المرأة فبطبيعتها أن تلتمس لها كنفًا يؤويها، فحياة الأمن والدعة أثيرة لديها من حياة الحرب والقتال، وإن حاربت ففى سبيل أبنائها أو فى سبيل «النوع».
ولكن إن لم تكن المرأة مقاتلة بطبعها، فهى تحب المقاتلة فى الرجل، أى أنها أميل إلى المحارب المقدام من الرجال؛ فما أحب إلى قلبها أن يكون زوجها جنديًا أو ذا سيطرة.
وليس اختيار المرأة للمحارب عبثًا عارضًا، بل هو نابع من طبيعتها، لأنها تتوقع من الرجل أن يحميها ويحمى صغارها، والحماية تبلغ حدها الأقصى فى المحارب الباسل. 
ومن هنا، فقد تبينا -من آراء «ديورانت»- أن المرأة أعلى شأنًا من الرجل فيما يتصل بصيانة «النوع»، وأقل منه خطرًا فيما يتعلق بالشخصية الفردية.
وإذا انتقلنا إلى المرحلة الثالثة من الغرائز التى من شأنها حفظ المجتمع، نجد أن المراة أشد من الرجل حبًا فى المجتمع، وأكثر منه ميلًا إلى مرافقة الأصحاب والضرب فى الزحام.
ومن حب المرأة للاجتماع تشعر بنقصها إذا لم يكن الرجل إلى جانبها، أكثر مما يشعر الرجل بنقص إن لم تكن فى رفقته امرأة.
وطبيعة المرأة الاجتماعية جعلها أكثر من الرجل محافظة على العرف والتقاليد، وأقل منه إبداعًا وأصالة، وأجبن منه فى الثورة والخروج على النظام الموضوع؛ كذلك هى أبطأ من الرجل فى مخالفة الشىء المعهود المألوف.
ومن نتائج ميل المرأة إلى التجمع وتفوقها فى ذلك على الرجل، أنها أكثر منه تقديرًا لرأى الناس وهذا يقتضى منها الأناقة فى الثياب والحديث، خشية أن تزل فتنتقد. وتفرع من طبيعتها الاجتماعية ومن أمومتها أنها أحن من الرجل على الضعفاء، وأكثر عطفًا منه على الفقراء والمرضى، وتلك الصفات تنزع بها إلى التدين.