السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الإلحاد" والتشدد حاضران فى عقول طلاب الأزهر الشريف

رغم جهود المشيخة

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عضو هيئة تدريس: «لن ندفن رؤوسنا فى الرمل
«ملحد»: الجامعة رفضت تحويلى إلا إذا اعتنقت دينًا آخر

لم يدخر الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، جهدًا فى التحذير الدائم من الاستجابة للمتربصين بالأديان، من الملحدين والمعلنين موت الإله، والمروجين للفلسفات المادية فمنذ بضع سنوات وهو يطالب بالتصدى للإلحاد، الذى وصفه بـ«موضة العصر»، المسلطة على الأديان، إلا أنه لم يتوقع أن تصل تلك الموضة إلى عقر داره «الأزهر»، وتهدد أكبر جامعة دينية فى العالم.
فرغم توجيه الاتهامات الدائمة لجامعة الأزهر، ونعت طلابها بالتطرف ووصفها بـ«مفرخة الإرهاب»، إلا أن مفارقة ما حدثت بالجامعة لتضعها بين اتجاهين، أحدهما أقصى اليمين والآخر أقصى اليسار، فلا مجال للالتقاء بين من فر منهم وانضم إلى «داعش»، ومن رفض الدين الذى وجد عليه أباءه، ليعلن إلحاده، فيما يفضّل الباقون الوقوف فى المنتصف، ليكونوا البرهان الذى يلجأ إليه المسئولون، للتأكيد على وسطية الأزهر، واعتبار المتطرفين والملحدين قلة لا يجب الالتفات إليها.
فى البداية التقت «البوابة»، «حسن.ع»، الطالب بالفرقة الثالثة، بكلية الدراسات الإسلامية بجامعة الأزهر، الذى يقول إن طلاب جامعة الأزهر مثلهم مثل طلاب الجامعات الأخرى، ولا يرى ما يستدعى الربط بين مكان دراسته وبين فكره، مشيرًا إلى أنه حاول إقناع ذويه، بالتحويل من جامعة الأزهر إلا أن رفضهم كان يمنعه، وحتى الآن لم يجرؤ على مصارحة أسرته بإلحاده.
وعن دراسته للعلوم الشرعية وحفظه للقرآن، يؤكد أنه أصبح يتعامل مع دراسته باعتبارها «حشو مخ» ليس إلا، مشددًا على أن حفظه الأجزاء المقررة عليه ليس اختياريًا، ولكنه مُجبَرٌ على ذلك؛ وبالتالى فإنه يحفظ السور مثل أى نصوص أخرى يدرسها، مضيفًا أنه تواصل مع أحد الأساتذة بالجامعة، وأخبره بما يدور فى رأسه وأنه أصبح ملحدًا.
وتابع الطالب: «تواصل أستاذى مع أحد موظفى شئون الطلبة، لمعرفة ما يلزم للتحويل من الجامعة، وأبلغه أننى ملحد، ولا جدوى من دراستى فى الجامعة، إلا أنه أخبره بضرورة اعتناقه دينا آخر، لكى تفصله الجامعة مثلًا، وطالما كان موجودًا فى خانة الديانة بالبطاقة أنه مسلم، فلن يحول أوراقه إلى جامعة أخرى».
فيما يستنكر تعامل الطلاب معه، ممن لاحظوا عدم مواظبته على الصلاة، أو تجنب الدخول معهم فى أى نقاش، أو أمور جدلية فى الدين، حيث قال له أحد زملائه: «لو كنا فى بلد يطبق الشريعة لقتلوك تطبيقًا لحد الردة»؛ موضحًا أنه ليس وحيدًا فى الجامعة، ولديه الكثير من الأصدقاء، الذين يدرسون فى الجامعة- كرهًا- وهم ملحدون، ولكنهم لا يصارحون أحدًا بسبب الخوف من البطش بهم.

من جانبه قال الدكتور دياب فتحى، عضو هيئة التدريس، إن الإلحاد أصبح موضة فى عصرنا هذا، وجامعة الأزهر بها بعضُ الطلاب، الذين انجرفوا فى هذا التيار وباتت قضية الإلحاد تشغلهم كثيرًا، ويحاولون إيجاد أجوبة لتساؤلاتهم، مما دفع عمداء بعض الكليات، ومنها كلية الدراسات الإسلامية، إلى تخصيص ندوات وتبنى مبادرات، لمناقشة الإلحاد والطلاب الملحدين، من داخل الجامعة وخارجها.
وأضاف «فتحى»، لـ«البوابة»، أن المسئولين فى الجامعة لم يدفنوا رؤوسهم فى الرمال، ولكن يواجهون الحقيقة من خلال خطوات عملية، وليس مجرد شعارات، مشيرًا إلى أن الدكتور جاد الرب أمين، عميد كلية الدراسات الإسلامية، استجاب لتساؤلات الطلاب المتزايدة، حول ظاهرة الإلحاد، ومطالبهم بتعلُّم كيفية الرد العلمى على مَن يناظرهم من الملحدين، فخصصت الجامعة ندوات لمناقشة تلك القضية لكى تعصم الشباب من هذا الخطر.
وردا على اتهام كتب التراث بأنها السبب فى ظهور موجة الإلحاد؛ قال الدكتور دياب فتحى، عضو هيئة التدريس: «نحن نفخر بتراثنا وأئمتنا، ولا نقبل إهانتهم»، وأكد أن الدين حاكم، ولا تعارض بينه وبين العلم، مطالبًا جامعة الأزهر بتبنى مبادرة لمحاورة الطلاب الملحدين، ووضع آليات للحد من هذه الظاهرة.
فيما يرى الدكتور عمرو شريف، المحاضر فى موضوعات نشأة الحضارات والعلاقة بين الفلسفة والأديان، أن بعض الأئمة يطوعون أنفسهم للهجوم على العلم، وتكفير المخالفين فى خطب الجمعة، مما يُنفِّر الشبابَ من المساجد، مشددًا على أن كتب التراث هى السبب فى الإلحاد، ونحن لا نرضى أن نقر بتلك الحقيقة، ونراجع أنفسنا، ونجدد الخطاب الدينى.
ويلفت «شريف»، إلى الفتاوى التى قال بها مفتى الديار الأسبق الدكتور على جمعة، فيما يخص «حمل الخمس سنوات»، و«إرضاع الكبير»، والتى كان مصدرها كتب التراث، وليس القرآن الكريم أو السنة المطهرة.
وأشار إلى أن جهل بعض الدعاة، وتكفير الشباب بسبب تبنيهم نظريات علمية، تتعارض مع أفكار هؤلاء الدعاة والمشايخ، أدى إلى إلحاد الكثير من الشباب نظرًا لإصرار بعض رجال الدين على معاداة العلم، مشيرًا إلى أنه لو تَصادم العلم والدين سيكون الدين خاسرًا، فى هذه الحالة وسنتبع العلم.
وطالب علماء الأزهر بانتقاء الزلات التى تعج بها كتب التراث، قبل معاداة الآخر، وأن يسايروا العلم الحديث، دون التفريط فى الدين، موضحًا أن «أنتونى فلو» الفيلسوف الغربى، والذى يلقَّب بـ«نبى الملحدين»، رفض الاعتراف بالإسلام، بعدما قرأ تفسير «واقتلوهم حيث ثقفتموهم»، فى كتب التراث.
وأضاف «شريف»، أن «نظرية التطور»، التى أثبتها العلم، وكانت سببًا أساسيًا فى تحول الشباب للإلحاد، ينكرها المتطرفون، ويقولون إنها كذبة، وأن الدين يرفضها، فنتساءل: «لماذا قبلنا رأى العلم فى دوران الأرض حول الشمس، ولم نقبله فى التطور؟».
وشدد، على أن بعض علماء الأزهر، طرحوا فهم تطورى لخلق الإنسان من آيات القرآن الكريم، وتم تكفيرهم لذلك ومنهم على سبيل المثال المفكر الراحل الدكتور عبد الصبور شاهين، أستاذ اللغة العربية بكلية دار العلوم، جامعة القاهرة، إلا أن مجمع البحوث الإسلامية، أفاد أن ما كتبه هو اجتهاد فى إطار الشريعة، وأنه لم يخالف أسس الدين.
فيما يرى أحد أساتذة الأزهر، أن مناقشة ظاهرة الإلحاد، والإقرار بانتشارها فى الجامعة، نصرٌ للملحدين وأعداء الدين، ولفت إلى أن البعض سيستغل الأمر لتشويه صورة الأزهر، وتشجيع الطلاب على التقرب من الملحدين، والتعمق فى فكرهم؛ مشيرًا إلى أنها مجرد شذرات فكرية عند البعض، يصورها الشيطان للإنسان، وسرعان ما يحيد عنها، ويعود إلى صوابه.
وشدد على أن هؤلاء الطلاب، الذين شذ فكرهم، ربما يشعرون بالنصر والفلاح ويتوهمون أنهم على حق؛ من حيث إلحادهم، وهم يدرسون فى أكبر مؤسسة إسلامية فى العالم، وبالتالى فإنهم على صواب- وفقًا لمعتقداتهم، ولكنهم لن يتمكنوا من استقطاب المزيد لهم، قائلًا: «الحق حق، وعقول طلاب الأزهر منفتحة، تستطيع رؤية الصواب من بعد، ودعكم ممن يقول غير ذلك».
ويبقى التساؤل الذى لا نجد له إجابة ماذا لو اجتمع الطالب المؤمن، بالفكر الداعشى، ومن أعلن إلحاده؟.