الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

حتى فى الكلاب.. "الحكومة" تحارب "البلدي" وتحترم "المستورد"

«الصحة» مصابة بعقدة «الخواجة»

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
95 مليون جنيه.. فاتورة مواجهة «الكلاب الضالة»
«الصحة»: 74 حالة إصابة بالسُّعار سنويًا.. وتقارير «منظمة الحيوان العالمية»: لا سعار فى مصر
«طاقة وبيئة النواب» توصى بوقف استخدام «الأستركنين».. 45 دولارًا ثمن مصل عقار الكلب

لم تعلم أن ليلتها الأخيرة حانت، ولم يبد لها القدر أى مقدمات، فقط انشغلت الطفلة «مريم» التى لا يكاد عمرها يتسأوى مع أصابع يديها العشرة، فى الاستعداد للاحتفال بليلة العيد فى منطقتها حيث تقطن أسرتها بالشيخ زايد بمدينة ٦ أكتوبر، غافلة عن حقيقة اقتراب نهايتها على يد مجموعة من الكلاب الشرسة مجهولة المصدر، فلم تنعم «مريم» بلعبتها ولا الحلوى التى أتى بها جدها، منعها عن ذلك «كلب شرس» محرم دخوله لمصر بعد هجومه على الملاك الصغير «مريم» التى كست دموعها على ملامحها الصغيرة، وهى ممسكة بتلابيب فستان أختها الأكبر منها، التى أصابها هستيريا الفزع على أختها الصغيرة التى تحولت فى خلال ثوان معدودة لـجثة هامدة أسفل أقدام حيوان لا يعرف سوى لغة الدم. 
وقعت الطامة، وضاع الملاك الصغير، فلم تقو سواعدها النحيلة على المقاومة، صرخات دوت فى المكان، وأصيبت بالجروح المتفرقة فى جسمها النحيل وانتشرت رائحة الدم «هذه رواية جدها وسط سيل دموع اندفعت تشق طريقها وسط زحام ملامحه القاسية، فى صوت حزين عليه العوض ومنه العوض» «زهرة عمرى ضاعت».
الطفلة مريم لم تكن وحدها بل هناك مئات الضحايا حسب الأرقام التى سجلتها وزارة الصحة حيث بلغت ٦٦ حالة وفاة فى عام ٢٠١٦، و١٦٦ حالة وفاة خلال السنوات الثلاث الأخيرة، كما بلغ عدد الإصابات بعقر الكلب قرابة الـ٣٠٠ ألف، وسبعين حالة خلال ٢٠١٦، ٩٩٠ ألف حالة عقر فى الـ٣ سنوات الماضية أيضًا. ويبقى السؤال، ما نوعية الكلاب المسببة لهذه الإصابات، هل هى الأصناف المنتشرة فى شوارع مصر والمعروفة بـ «الكلاب البلدى»، أم أنها تعود للأصناف المستوردة التى تسكن المنازل.
وتسعى وزارة الزراعة للقضاء على الأصناف البلدى، دون أن يكون لديها يد أو رقابة على السلالات الأجنبية التى تستجلب من الخارج، بأغراض الحراسات وتأمين المنشآت أو أعمال الأمن. «البوابة» تحقق فى ملف الكلاب الضالة فى مصر وبيزنس الأصناف الأجنبية بمباركة من وزارة الزراعة حتى بلغ بيزنس الكلاب الأجنبية الشرسة ١٥٢ مليون جنيه للشركات الخاصة فى الفترة من ٢٠١٥ حتى ٣١ ديسمبر الماضى.
الوثائق والمعلومات تكشف مفاجأة عدم وجود أو تسجيل حالة سعار واحدة فى مصر حتى الآن، طبقًا لما نشر على الصفحة الرسمية للمنظمة العالمية لصحة الحيوان، الأمر الذى يثير علامات استفهام حول الملايين التى تصرف من الوزرات المعنية بالأمر سواء الصحة أوالزراعة التى قاربت الـ٨٥ مليون جنيه سنويًا وهى فاتورة مكافحة الكلاب الضالة، ولما الحرب على الأصناف البلدية؟ خاصة أن هناك أطرافا وشركات تستورد مئات الأصناف والسلالات مجهولة المصدر.
تضارب الأرقام
«لا توجد أرقام محددة لأعداد الكلاب فى مصر»، وفقًا لما ذكره الدكتور حسن الجعوينى، رئيس الإدارة المركزية للتفتيش البيطرى بالهيئة العامة للخدمات البيطرية، مضيفًا: «لا توجد إحصائيات تقريبية لأعداد الكلاب الضالة لأن مسألة الحصر تستلزم حصر وضبط الأعداد فى مكان محدد ومحاط بسور، لكنها أعداد متحركة، خاصة بعد فشل منظمة «السيلزا» فى حصر أعداد الكلاب فى منطقة الجيزة بعد محاولات دامت ٣ شهور. أما شهاب عبدالحميد، نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية العامة للرفق بالحيوان، فذكر أن عدد الكلاب الضالة يتراوح بين ١٢ و١٥ مليون كلب ضال، وفى نفس التوقيت لا تملك الهيئة العامة للخدمات البيطرية أرقامًا للسلالات الأجنبية التى انتشرت ليس على سبيل المصادفة أو وليدة اللحظة، بل بفعل عصابات عمدت على استجلاب أو تهريب سلالات أجنبية قد يكون بعضها محرمًا دوليًا نظرًا لشراسته.
القرار الكارثي
القرار الوزارى رقم ٥٣ لسنة ١٩٦٧ الذى يبيح استخدام السموم من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية فى مقاومة الكلاب الضالة بالمخالفة للمنهج العلمى وتعليمات منظمة الصحة العالمية للحيوان، خاصة بعد ثبوت أضرار السموم والمواد التى يتم إضافتها عبر صناديق القمامة، فضلًا عن إهدار العملة الصعبة.
يذكر أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية كممثل عن وزارة الزراعة تستورد مواد محرمة دوليًا تسمى «سلفات الاسترنكين»، لتصل الكميات طبقًا ما يسمونه ممارسات وهى الطرق التى يتم الشراء بها، حيث تم استيراد أكثر من ٣٠٠ كيلو جرام وفقًا للبيانات المدونة على صفحة الهيئة الرسمية، وعن طريق تتبع الصفقات التى يتم استيرادها عبر ما تسميه الهيئة من الهند من أبريل ٢٠١٥ حتى نهاية ٢٠١٦، حيث يصل ثمن الكيلو الواحد ما بين ٢٠ إلى ٢٥ ألفا أى قرابة من ٦ إلى ٨ ملايين جنيه بالمخالفة لكل التوصيات من المنظمات العلمية المعنية بشأن حقوق الحيوان. 
300 مرض مشترك بين الإنسان والحيوان
الهيئة العامة البيطرية ترى أن هناك أكثر من ٣٠٠ مرض مشترك بين الكلاب والإنسان تتمثل فى «السعار والجرب والسل، والتكسوبلازما، والبروسيلا، والقراع فضلًا عن أذى الكلاب بسبب النباح المستمر وتخويف المارة أو إتلاف ماله قيمة، ناهيك عن وجود حشرة الجراد التى تنقل أمراض الدم من الكلاب للإنسان، ويجب أن تكون الكلاب «مكممة» ومقودة بزمام أثناء سيرها فى الطرق والأماكن العامة بالمدن، وإلا يجوز ضبطها وإعدامها وفقا للمادة الثالثة من القرار القانونى رقم ٥٣ لسنة ٦٧ السابق ذكره.
لجنة الطاقة والبيئة بالنواب
الأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل وصل لصدور توصية من لجنة البيئة والطاقة بمجلس الشعب، يوم ١٢ ديسمبر الماضى تفيد بأن مادة الاستركنين ضارة بالبيئة والإنسان، وأقرت اللجنة التوصيات التالية، وقف استخدام سم سلفات الاستركنين من قبل الهيئة العامة للخدمات البيطرية، كما طلبت تقريرا مفصلا عن الكمية المستوردة - السعر - الاستخدام خلال الخمس سنوات الماضية، فضلًا عن تشكيل لجنة مشتركة من مجلس النواب - لجنة البيئة والطاقة ولجنة الزراعة لتطبيق التوصيات العلمية لمنظمة الصحة العالمية ومنظمة الصحة الحيوانية والتحالف العالمى للقضاء على السعار بحيث يكون عام ٢٠٣٠ إفريقيا خالية تماما من السعار، كل هذه الإجراءات ولم يتحرك أحد. ووفقًا لمنظمات الصحة العالمية والصحة الحيوانية والأمن والغذاء والتحالف العالمى للقضاء على السعار أفادت أن استخدام سم «سلفات الاستركنين» ليس الحل العلمى للدول النامية هو التوعية والتطعيم وأن القتل ليس حلا، وتعتبر أن سم سلفات الاستركنين خطر أكيد على البيئة والمواطن سواء عن طريق الاستنشاق أو البلع أو اللمس وأنه تم حظر استخدام واستيراد هذا السم فى بعض الدول العربية وعلى رأسها دولة الإمارات العربية الشقيقة ولدينا وثيقة تؤكد ذلك.
مواد سامة وقاتلة
الدكتور سميح عبدالقادر خبير السموم العالمى يقول عن سمية مادة سلفات الاستركنين إنها ليست من المبيدات الموصى بها فى وزارة الزراعة وإنما مادة شديدة السمية، كما أن وضع مادة شديدة السمية على افتراض أن الكلاب تأكل المواد العضوية فى القمامة أمر لا أساس علمى له، ناهيك أن هناك حيوانات أخرى قد تموت على سبيل الخطأ، يضاف لذلك العمالة المباشرة التى تعمل فى فصل وفرز القمامة - قد تسبب هذه المواد السامة الإصابة بالتسمم فى حالة التلامس- واستنكر «سميح» أن هذا الأسلوب يصيب عامل القمامة وليس الكلاب الضالة ووصفه بأنه أسلوب غير علميا، فى حين أسلوب التطعيمات هو الأقرب والأقل تكلفة.
لا سعار فى مصر
على الرغم من أن الهيئة العامة للخدمات البيطرية لا تملك أرقامًا بشأن السلالات من الكلاب الأجنبية، إلا أنها تعمل على مقاومة الأصناف البلدية فى مصر رغم كونها تمثل خط دفاع طبيعى ضد الزواحف والقوارض، خاصة أن أغلب ظهير المدن المصرية صحراوية، المفاجأة أن طرق المقاومة والمكافحة ليس لها أساس علمى ولا تتبع توصيات المنظمات العالمية المعنية بشأن الحيوانات، كما تتبع مصر المنظمة العالمية لصحة الحيوان وباقي دول الأعضاء، التى تعتبر المرجع الصحى فى العالم، كما تتبع أيضًا لـ Who، التى من المفترض أن أى قرارات تتخذ بشأن التعامل مع الحيوانات أو الأمراض التى تصيبها تكون طبقا لتعليمات هذه المنظمة، والمفاجأة، أن السعار وفقًا للوثائق التى بحوزتنا أو حتى المعلومات المدونة على الموقع الرسمى لـ WHO المنظمة العالمية لصحة الحيوان يساوي صفرًا.
مرض السعار
مرض السعار يصاب به أى حيوان دمه دافئ وهو مرض يشبه إنفلونزا الطيور، وحال عدم غسل الجرح بالماء والصابون جيدًا، خلال ٤٨ ساعة يصل المرض للدماغ، ويسبب الوفاة، وهو أيضًا مرض يسببه فيروس يهاجم المخ والنخاع الشوكى، يفرز هذا الفيروس فى اللعاب وينتقل هذا الفيروس إذا عض حيوان إنسانا، يسبب العدوى عشرات الآلاف من الوفيات سنويًا معظمهم من آسيا وإفريقيا، ويمثّل الأطفال دون سن الـ١٥ عامًا ٤٠٪ من الذين يتعرّضون لعضّات الكلاب المشتبه فى إصابتها بداء الكلب الأمر الذى لم تتمكن الهيئة العامة البيطرية من إثبات حالة واحدة حتى الآن، وأضافت «منى ذوالفقار» بأنه فى حالة الإصابة وفور تطهير الجروح فوريًا وإعطاء التطعيمات اللازمة، فى غضون الساعات القليلة الأولى التى تعقب مخالطة حيوان يُشتبه فى إصابته بداء الكلب، من الأمور الكفيلة بالحيلولة دون الإصابة بالمرض وحدوث الوفاة.

فوضى تسجيل بيانات «عقر الكلب»
وأضافت «دينا»، أنها ذهبت لأحد المستشفيات بالقطامية وادعت بأنها أصيبت بعقر كلب لمصل الكلب، المقابلة تمت دون إجراء أى فحوصات، فقط قابلتها ممرضة وقامت بتسجيل بياناتها دون إجراء أى فحص أو كشف، فقط قامت بتدوين «عض كلب» فى أوراق المستشفى والاستقبال، وشرعت فى فتح الثلاجة وبدأت فى إعطاء المصل «لأنه يعطى مجانًا، الأمر الذى أثار فزع «دينا» فى صرف مثل هذه الأمصال وقامت بتحرير محضر بقسم شرطة الحى الثالث بالقاهرة الجديدة برقم ٣١٧ إدارى، ولدينا الوثائق والصور التى تؤكد ذلك.
وزارة الصحة
لاكتمال الصورة تم مخاطبة الدكتور عمرو قنديل مساعد وزير الصحة للشئون الوقائية الذى بدوره أحالنا للدكتور علاء عيد رئيس الإدارة المركزية لشئون الطب الوقائي، الذى أفادنا بأن المعقور بصفة عامة هو من تعرض لعقر من «كلب، أو قط، أو بقرة، أو حمار أو حصان، وعرسة» وغيرها مصاب أو غير مصاب بالسعار. يذكر أنه ليس كل من أصيب بالعقر يكون مصابًا بالسعار، بل هو من تعرض للعقر وظهرت عليه أعراض داء الكلب أو السعار.
كما حمل لنا رد وزارة الصحة بأن عدد حالات العقر من جميع الحيوانات فى ٢٠١٦ بلغ ٣٥٥ ألفا ٣٧٣ حالة عقر من بينها ٢٤٥ ألفا ١١٧ بسبب الكلاب. كما يتم التعامل مع الشخص المعقور خلال اتباع بروتوكول التعامل مع المعقورين وفقًا لإجراء تقييم حالة العقر والتعامل معها طبقًا لرؤية الطبيب المعالج. يتم إعطاء جرعات الطعم الواقى أيام «صفر» توقيت العقر واليوم الثالث والسابع والرابع عشر واليوم الثامن والعشرين.
كما يتم إعطاء مصل «الأمينوجلوبين» فى حالة الإصابة الشديدة خاصة فى الرأس والرقبة وتعطى جرعة واحدة لا تكرر. كما بلغت مخصصات وزارة الصحة والسكان لصالح علاج مرضى عقر الكلاب ٨٥ مليون جنيه مضافًا لها تكاليف البنية التحتية والمواد البشرية والمستلزمات. كما حمل لنا الرد مفاجأة وجود بين ٤٩ إلى ٧٤ حالة سعار سنويًا خلال الفترة بين ٢٠١٢ حتى ٢٠١٦، فى حين أن منظمة الصحة العالمية لصحة الحيوان لم تذكر حالة سعار واحدة فى مصر لأن وزارة الصحة لا تملك أي تحاليل معملية تؤكد إصابة مواطنين بسعار.
القيمة الاستيرادية للكلاب فى مصر
قال الدكتور عادل عامر رئيس مركز المصريون للدراسات السياسية والاقتصادية إن سوق الكلاب الأجنبية فى مصر تقدر بالملايين، وتتكون من ثلاثة أنواع، الأول كلاب الزينة التى تباع فى محلات الزينة والمحال التجارية والتى تقدر فاتورة استيرادها وأغذيتها والأمصال والأدوية الخاصة بها بـ٢.٥ مليون دولار سنويًا يتم علاجها فى مستشفى الكلب الوحيدة من نوعها فى مصر ميزانيتها سنويًا تتجاوز ٧٥٠ مليون جنيه سنويًا، يضاف لذلك الأمصال والأدوية لعدوى الكلاب التي تصل إلى ٣.٥ مليون دولار سنويًا. أما النوع الثانى، فيتمثل فى الإدارة العامة لكلاب الحراسة فى وزارة الداخلية التى خصص لها موازنة ٣٣ مليون جنيه لرعاية هذه الأصناف الخاصة بأعمال الحراسة والعمليات الأمنية. أما شركات الأمن الخاصة المصرح بها بالقانون رقم ١٥٧ لسنة ٢٠١٥ فأصبحت هذه الأصناف الذى يصرح باستيرادها من وزارة الداخلية لاستخدامها فى أعمال الحراسات ونقل الأموال وبلغ حجمها ١٥٢ مليون جنيه وفقًا للأرقام من ٢٠١٥ حتى أواخر ديسمبر العام الماضى.
85 مليون جنيه فاتورة مكافحة الكلاب الضالة
ويواصل «عامر» أن تكلفة وزراة الصحة والزراعة فى مكافحة الكلاب الضالة وسعارها بلغ على الموازنة من ٧٠ إلى ٨٥ مليون جنيه للعام المنقضى بل وصلت التكلفة لأكثر من ٢٠٠ مليون جنيه خلال الـ ٣ سنوات الأخيرة، مضيفا أن سوق تجارة الكلاب فى مصر، وسوق هذه الأصناف قفز قفزة ملحوظة بعد اندلاع ثورة ٢٥ يناير، التى صاحبها اقتحام عدد من السجون وهروب المجرمين المحتجزين داخلها، وهو الأمر الذى أدى إلى شيوع وانتشار حالة من القلق والشعور بغياب الأمن، الأمر الذى جعل الأهالى تقبل بشكل كثير على شراء كلاب الحراسة.