السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"معبد فيلة".. من "الغرق" إلى "الحريق"

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
إهمال جديد يضرب وزارة الآثار، ونيران جديدة تشتعل فى عروق أصحاب الضمائر من الغيورين على تراث بلدهم، بسبب الحريق الذى تعرض له معبد فيلة فجر الإثنين الماضى.
ورغم تعرض كشك تراجان أحد أهم المعالم الأثرية بمعبد فيلة، لحريق أثار ردود أفعال غاضبة بين العاملين فى مجال الآثار والمهتمين بالحضارة المصرية، الذى أثر بشكل كبير على قاعدة الكشك، فإن نصر سلامة، مدير آثار أسوان والنوبة، نفى تَعرض الكشك لحريق، مشيرًا إلى أن الحريق كان على الشاطئ الشرقى من جزيرة فيلة، وبعيد عن المعبد.
وقال سلامة، فى تصريحات لـ«البوابة نيوز»: «لم يحدث على الإطلاق أى حريق بأى مبانٍ أو ملحقات بمعبد فيلة، وهو بحالة سليمة تمامًا، وما احترق، مساء الإثنين، مجرد بعض الأعشاب على الشاطئ الشرقى من جزيرة فيلة اشتعلت بجزء محدود منها نيران، تم التعامل معها فى وقتها، وهذا الجزء مقارب لأسفل الشرفة التى تتقدم كشك تراجان».
وأضاف: «لا يوجد أى أضرار بجميع ملحقات المعبد، لكن هناك تأثير طفيف بقرب شاطئ الجزيرة، ونحن نجري حاليًا بأعمال ترميم وصيانة بالمعبد ليس لها علاقة بالحريق، وأود أن أوضح لمن يقول: إنه حدث حريق أسفل الكشك، أن أسفل الكشك أرض خرسانية وغير ظاهرة، وسوف تتم إزالة أى آثار نتجت عن الحريق، رغم عدم وجودها بالمعبد أو ملحقاته».

وعلى عكس ما قاله سلامة، أكد الدكتور أحمد صالح، مدير عام آثار أسوان، وقوع الحريق بقاعدة كشك تراجان بالمعبد، من خلال الحشائش الموجودة بجوار القاعدة، وهذا الحريق أدى إلى تغطية قاعدة الكشك بالسناج، وهو طبقات الكربون السوداء التى توجد على جدران المعبد نتيجة الحريق، والهباب الناتج عن النيران، ما جعل الأطراف العلوية لهذه القاعدة تغطى بالسناج الكامل للهباب.
وأشار صالح إلى أن باقى القاعدة تغير لونها، وهو ما قد يؤدى إلى تفكك حبيبات الحجر الجيرى الذى صنعت منه، وطالب صالح، بتشكيل لجنة من أخصائى الترميم فى الجامعات المصرية لمعاينة قاعدة الكشك وإبداء الرأى فى كيفية معالجة السناج وترابط حبيبات الحجر الجيرى، لأن هذا الأمر قد يؤدى إلى انهيار الكشك بكامله بعد تعرضه لحريق استمر لأربع ساعات.
وأكد مدير عام آثار أسوان لـ«البوابة» أن الحريق كان بالجانب الشرقى للقاعدة وليس الجانب الشرقى لجزيرة فيلة كما قال مدير آثار أسوان والنوبة، نصر سلامة، ما أثر على الجانب الشرقى بأعلاها الذى جعلها تتشح بسواد الهباب.

كما أكد غريب سنبل، مدير الإدارة المركزية للترميم بوزارة الآثار، أن حريق معبد فيلة جاء نتيجة اشتعال النيران فى «الهيش» وبعض المخلفات الموجودة فى الجزيرة، مشيرًا إلى أنها أثرت على الجزء السفلى للواجهة الخارجية للمقصورة المسماة بكشك «تراجان»، مؤكدًا أن آثار انبعاث الأدخنة كانت وراء إصابة الجزء السفلى للمقصورة.
وأضاف «سنبل»، فى تصريحات لـ«البوابة نيوز»، أنه يجرى الآن تدبير اعتمادات مالية لإزالة الهيش الذى تم اشتعال النيران فيه، تمهيدا للقيام بتنظيف الجزء المُتأثر بالحريق، وإعادة ترميمه، عن طريق خطة ترميم للمعبد، ستبدأ بإزالة «السناج»، وبعدها ستتم تقوية للحجر الرملى المشيد منه المعبد، مشيرًا إلى أن تكلفة عملية ترميم المعبد ستكون بسيطة، حيث تُقام بالفعل عملية ترميم سنوى للمعبد، وبالتالى الخامات المستخدمة فى الترميم موجودة والمهندسون والخبراء أيضا.

وكشف رئيس الإدارة المركزية للترميم بوزارة الآثار، أنه لا توجد أى أعمال ترميم فى المعبد فى الفترة الحالية، رغم دورات الصيانة التى تتم فى المعبد من وقت لآخر، مؤكدًا أنه لا صحة لما يتردد أن سبب الحريق هو اشتعال مواد الترميم الموجودة داخل المعبد، وهو عكس ما قاله مدير آثار أسوان والنوبة، نصر سلامة، عن وجود أعمال ترميم بالمعبد فى الوقت الحالى. وأشار «سنبل» إلى أن الوزارة فى انتظار تقرير اللجنة المشكلة للوقوف على أسباب الحريق، رغم أن المؤشرات الأولية تؤكد أن حجم الخسائر قد يكون معدوما، مؤكدًا فى الوقت ذاته أن سبب الحريق ما زال مجهولًا، ولم يتم التحقق منه سواء كان نتيجة الصدفة أو بفعل فاعل. وقال الدكتور محمود عفيفى، رئيس قطاع الآثار المصرية، إنه فور ورود معلومات إلى مسئولى قطاع الآثار بالوزارة، بنشوب حريق فى معبد فيلة فى أسوان، قامت الأجهزة المعنية فى الوزارة بالتواصل مع قوات الإطفاء والدفاع المدنى وكل الجهات المعنية، من أجل التعامل مع الحريق، مؤكدًا قيامهم على الفور بالتوجه إلى مكان الحريق للتعامل معه. وكشف «عفيفى»، فى تصريحات «للبوابة»، أن قطاع الآثار بدوره قام بتشكيل لجنة من عدد من المهندسين والفنيين والأثريين المتخصصين برفقة مُرممين من كبار الخبراء فى الوزارة، للوقوف على تداعيات الحريق ومعرفة أسبابه وملابساته، من أجل علاجها على الفور، وضمان عدم تكرار مثل تلك الحوادث، ولاسيما أن المعابد والمتاحف الأثرية تحظى برعاية وعناية خاصة من قبل الوزارة، نظرًا لأهميتها التاريخية، على أن تُصدر اللجنة المُشكلة تقريرا عن الحادث فى زمن أقصاه يومان، ترسله لقطاع الآثار، للبدء فى عمليات ترميم الأجزاء التى تضررت من الحريق، ووضع أسس لإعادة الموقع لحالته قبل الحادث دون الإخلال بعراقة المكان وتاريخه الأثرى. وأشار رئيس قطاع الآثار المصرية إلى أن قطاع الآثار لن يستطيع تحديد حجم الخسائر التى أصابت معبد فيلة، قبل وصول تقرير اللجنة المُشكلة من قبل الوزارة للوقوف على أسباب الحريق.

من الغرق للحريق.. قصة جزيرة صامدة في قلب النيل
جزيرة فيلة، هى جزيرة فى منتصف نهر النيل، وهى إحدى الحصون الأقوى على طول حدود مصر الجنوبية، وتفصل النيل إلى قناتين معاكستين فى أسوان، كان بها معبد فيلة، وانتقل من مكانه الأصلى على جزيرة فيلة، وتم تجميعه على جزيرة أجيليكا، وذلك فى أعقاب بناء السد العالى.
ويرجع اسم فيلة أو فيلاى إلى اللغة اليونانية التى تعنى «الحبيبة» أو «الحبيبات»، أما الاسم العربى لها فهو «أنس الوجود» نسبة لأسطورة أنس الوجود، الموجودة فى قصص ألف ليلة وليلة، أما الاسم المصرى القديم والقبطى فهو بيلاك أو بيلاخ، ويعنى الحد أو النهاية، لأنها كانت آخر حدود مصر فى الجنوب، ومجموعة العبادة كرست لعبادة الإلهة إيزيس، غير أن الجزيرة احتوت على معابد لحتحور وأمنحتب وغيرها من المعابد.
ومع قرب الانتهاء من بناء السد العالى، تفاقم الوضع، وأصبحت الجزيرة وما عليها من آثار مهددة بالغرق بالكامل وإلى الأبد. وفى عملية إنقاذ رائعة وتاريخية قامت بها اليونسكو تم تفكيك مجمع معابد «إيزيس» الضخم بجزيرة «فيلة» معبد «فيلة»، ونقله وإعادة تشييده فوق جزيرة نيلية مجاورة تدعى جزيرة «أجيلكا»، تم إعدادها بحيث تكون مشابهة لجزيرة «إيزيس» المقدسة جزيرة «فيلة» بقدر الإمكان. 
ويرجع أقدم أجزاء معبد «فيلة» إلى القرن الرابع قبل الميلاد، أما معظم الأجزاء الموجودة حاليًا فقد بناها البطالمة والرومان على فترات امتدت حتى القرن الثالث الميلادى «أى بعد الميلاد».
وأضاف المسيحيون الأوائل لمساتهم على الجزيرة، وذلك بتحويل قاعة الأعمدة الرئيسية للمعبد إلى كنيسة صغيرة، كما بنوا كنيستين فى الموقع، وحدث فى عصرهم تشويه لبعض نقوش المعبد الوثنية، وأضافوا هم أنفسهم بعض النقوش المسيحية التى لم تسلم هى الأخرى من التشويه وعوامل الزمن فى العصور التالية، وقد شُيد معبد «فيلة» فى الأصل لعبادة الإلهة «إيزيس»، حيث كانوا يعتقدون أنها وجدت قلب زوجها «أوزوريس» بعد أن قتله وقطّعه أخوه الشرير «ست»، وذلك فوق جزيرة «فيلة»، فأصبحت الجزيرة بذلك مقدسة، واليوم تصل المراكب بالزائرين إلى جزيرة «أجليكا»، حيث يوجد المعبد حاليًا، وتتركهم عند قاعدة قاعة «نيكتانيبو»، أقدم أجزاء مجموعة «فيلة».

ويمر المتجه شمالًا بفناء المعبد الخارجى الذى تحده صفوف الأعمدة من الجانبين، حتى يصل إلى مدخل معبد «إيزيس»، حيث توجد أبراج الصرح الأول، وفى الفناء المركزى لمعبد «إيزيس» يوجد «الماميزى» أو «بيت الولادة»، وهو مُكرس للإله «حورس»، وكانت تُجرى قديمًا طقوس «الماميزى» احتفالًا بميلاد الإله، وكان الملوك يحرصون على الاشتراك فى هذه الطقوس تأكيدًا على انتمائهم لسلالة الإله «حورس».
كانت مصر جزءا مزدهرا من أجزاء الإمبراطورية الرومانية، وأصبحت ثرية بحق، وقد بنيت فيها عدة مدن جديدة، ومن أشهر المنشآت فى مصر فى العصر الرومانى ما يُسمى بمضجع فرعون أى كشك تراجان، وهذا الأثر بناه فى جزيرة فيلة تراجان الحاكم الروماني، ويُعد كشك تراجان من أهم المعالم الأثرية بالجزيرة.
أقيم عدد كبير من المعابد فوق جزيرة «فيلة»، لعل أقدمها تلك المعابد التى يرجع تاريخها إلى عهد الملك تحتمس الثالث «١٤٩٠ - ١٤٣٦ قبل الميلاد»، وفى القرن الرابع قبل الميلاد بنى الملك «نخت نبف» «٣٧٨ - ٣٤١ ق.م» معبدًا ضخمًا وعلى أثره شيّد «بطليموس فيلادلف» «القرن الثالث قبل الميلاد» معبده الكبير، ثم تبعه كثير من ملوك البطالمة وولاة الرومان حتى ازدحمت جزيرة فيلة بالمعابد، وأشهرها هو الذى يطلق عليه «مخدع فرعون»، بالإضافة إلى أن هناك عددا كبيرا من التماثيل لملوك مصر القديمة فوق جزيرة فيلة.
وتعود الأطلال الأولى فوق جزيرة فيلة إلى عهد الملك طهرقا من «الأسرة الخامسة والعشرين»، ويعد معبد إيزيس واحدًا من أضخم وأهم الآثار ضمن مجموعة المعابد الكبيرة والصغيرة فوق جزيرة فيلة، ويشغل هذا المعبد حوالى ربع مساحة الجزيرة، ومن بين الآثار الأخرى فوق جزيرة فيلة مقصورة «نختنبو الأول» «الأسرة الثلاثون»، واثنان من صفوف الأعمدة التى ترجع إلى العصر الروماني، ومعبد أريسنوفيس يونانى رومانى، ومعبد ماندوليس «من العهد الروماني»، ومعبد إمحوتب «من العصر البطلمي» ومن أهم المعابد الصغيرة التى تحيط بمجموعة المعابد الكبيرة معبد حتحور «العصر البطلمي» ومقصورة تراجان.

منذ إكمال بناء سد أسوان الأول عام ١٩٠٢ ومياه النيل تحاصر جزيرة فيلة معظم السنة، وذلك بما تضمه الجزيرة من مخزون أثرى ثمين يشمل المعابد والمقصورات والأعمدة والبوابات الفرعونية التى تجسد جميعها أساليب معمارية رومانية يونانية وفرعونية.
وكان «نختنبو» الذى يعد واحدًا من أواخر ملوك مصر الأصليين قد بنى معبدًا على جزيرة فيلة فى النصف الأول من القرن الرابع قبل الميلاد، وبعده جاء البطالمة الذين حكموا البلاد لمدة ٣٠٠ سنة، واعتنقوا عبادة إيزيس، فأضافوا أضرحتهم الخاصة على الجزيرة.
وقد أدى بناء السد العالى إلى تغيير الموقف على نحو جذري، فعلى اعتبار أن الجزيرة ستصبح واقعة بين السد الجديد والسد القديم، فإنها ستصبح غارقة جزئيًا، ولكن على مدار السنة.
إضافة إلى ذلك، فإن السحب اليومى للمياه لدفع التوربينات التى تولد الكهرباء قد يعنى وجود تموجات مستمرة فيما يقرب من ٣ أمتار من مستوى المياه، وهو ما يؤدى بدوره إلى إتلاف الحجارة بشكل سريع، ومن ثم فإن عدم إيجاد حل لهذه المشكلة كان سيؤدى بهذه الجزيرة الطافية التى طالما خلبت أرواح السياح إلى الاختفاء من على الخريطة.

وعندما تم طرح مشكلة جزيرة فيلة باعتبارها مشكلة وملُحة كانت الاستجابة إزاء حملة النوبة سريعة، وهو ما عكس تصميم المجتمع الدولى على إنقاذ منطقة بهذا الجمال وهذه الأهمية التاريخية، ومن ثم فالمسألة لم تكن إنقاذ فيلة أو لا، بقدر ما كانت كيفية إنقاذها.
إلا أنه بعد دراسة نتائج هذا المشروع وعلى وجه الخصوص تأثير المياه الإرتوازية على الآثار، وما يتطلبه المشروع من تكلفة كبيرة، اقترح الخبراء أيضًا مشروعًا آخر مقدما من الحكومة، يهدف إلى نقل الآثار إلى جزيرة إجيليكا. بدأت عملية إنقاذ فيلة عام ١٩٧٢، وذلك عندما بدأت سفن دق الخوازيق تثبيت أول لوح فولاذى، وذلك من بين ٣٠٠٠ لوح فى قاع النيل، لتكوين سد مؤقت لحجز المياه حول الجزيرة، واستغرق الأمر عامين لإحاطة الجزيرة بصفين من الخوازيق المتشابكة بطول ١٢ مترا، وداخل هذا الفراغ تم صب خليط من الماء والرمل المغسول فى محاجر الشلال على بعد ٥ كيلو مترات، وتم توصيل هذا الخليط عبر البحيرة من خلال أنابيب، وقد سمح للماء بالتسرب تاركًا الرمل يدعم الفولاذ ضد ضغط البحيرة، وهكذا اكتمل حزام النجاة حول الجزيرة. تبعد جزيرة فيلة عن القاهرة نحو ٨٩٩ كيلو مترا فى قلب النيل، علاوة على كونها أهم المناطق الأثرية التى تتمتع بمناخ معتدل جاف، نظرًا لوقوعها على الضفة الشرقية للنيل، مما جعلها من أهم المشاتى المتميزة فى الجنوب، وأيضًا تعد همزة وصل فى الربط بين مصر والسودان، وتكاد تكون بالفعل البوابة المصرية إلى القارة الإفريقية. ومن مميزات الرحلة إلى جزيرة فيلة أن الزائرين لمعابدها عليهم استخدام المراكب النيلية التى تتركهم عند قاعة «نختنبو» لينتقل منها الزوار إلى قاعات ومعابد الجزيرة الفسيحة، وإذا رغب الزائر فى الوصول إلى أكثر المعابد شهرة وإثارة وهو معبد إيزيس فعليه أن يتجه من قاعة الملك «نختنبو» إلى شمال الجزيرة، ليصل إلى فناء هذا المعبد الذى تحده صفوف الأعمدة من الجانبين، ومنه يمكن له الوصول إلى أبراج الصرح الأول من المعابد، ليشاهد الماميزى أو ما يُعرف ببيت الولادة، الذى كان معدًا للإله حورس.
تبعد جزيرة فيلة عن القاهرة نحو 899 كيلو مترا فى قلب النيل، علاوة على كونها أهم المناطق الأثرية التى تتمتع بمناخ معتدل جاف، نظرًا لوقوعها على الضفة الشرقية للنيل، مما جعلها من أهم المشاتى المتميزة فى الجنوب، وأيضًا تعد همزة وصل فى الربط بين مصر والسودان، وتكاد تكون بالفعل البوابة المصرية إلى القارة الأفريقية.