الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ولنفتح ملف.. «سبوبة العمل النقابي»

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
استكمالًا لموضوعنا السابق بـ«البوابة»، حول «الوطنية هى أصل العمل النقابى» كان لزامًا علينا أن نتحدث عن تحول العمل النقابى فى العديد من النقابات، سواء كانت عمالية أو مهنية، إلى سبوبة، وذلك خلال الفترة الأخيرة، لتعود على أصحابها بأموال طائلة، وكفيلة بأن تنقلهم نقلة نوعية على المستوى الاجتماعى، ليحتلوا أعلى الدرك الاجتماعى بدلًا من أسفله، ومن الفقر إلى الثراء الفاحش، وحتى يكون كل منا له سند من الواقع الملموس، فلننظر لأحوال من كنا نعرفهم فى بداية حياتهم المهنية قبل أن يعتلوا مقاعد مجالس إدارات النقابات، سواء كانت عمالية أو مهنية، ومدى التغييرات التى طرأت عليهم، حيث تركوا سكنهم بالأحياء الشعبية ليسكنوا بالأحياء الراقية، والمدن الجديدة بالفيلات، والقصور، وهجروا استقلال الميكروباصات وسيارات الجمعيات، وركبوا السيارات الحديثة الفارهة بخلاف الأرصدة بالبنوك، والتغيير فى معيشتهم واضح، وظاهر، وهذا التغيير كان بسبب العديد من العوامل العامة، والخاصة. مما اضطر النقابيين الحقيقيين، وخدام زملائهم والمهنة إلى الانزواء وعدم الإقدام على المشاركة، والذين كانوا يتفقون على العمل النقابى من جيوبهم، ولم يبق منهم سوى القليل، ودخل بدلًا منهم مدعى العمل النقابى، والذين لا يمتون بأى صلة للعمل النقابي، واعتمدوا على أساليب التربيطات الانتخابية، والنزاعات الإقليمية، والعصبيات بدلًا من السهر على خدمة الجمعية العمومية، والكفاءة، والشفافية، والنجاح المهنى، وساعد على ذلك شيوع مفهوم الفهلوة كإحدى ثقافات الانفتاح الاقتصادى وظهر الانتهازى، والفهلوى كبطل نقابى بينما المخلص والنقى أهبل وعبيط، واضطر النقابيون الحقيقيون إلى الانزواء بسبب الرزالات التى تُمارس ضدهم، وحلت الشللية، والعصبية الإقليمية محل البرامج الانتخابية والتنافس الشريف. فأبناء الشلة المهنية الواحدة مغلق فى وجوه من خارجها، ويتم تفضيلهم على من سواهم حتى ولو كانوا فاشلين مهنيًا، وهو ذات الموقف للعصبية المهنية، ويساعد على انتصار هذا سلبية أعضاء الجمعيات العمومية للنقابات، سواء كانت مهنية أو عمالية، فمجرد انتهاء العملية الانتخابية وانفضاض مولد الانتخابات، يذهب أعضاء الجمعية العمومية إلى حيث أتوا، ولا نراهم إلا عقب انتهاء الدورة النقابية، وحلول موعد الانتخابات الجديدة، وهذا يؤدى إلى عدم وجود أى شكل من أشكال الرقابة على عمل هذه المجالس، والنقباء، الأمر الذى يسهل انحرافهم ماليًا وإداريًا، ومهنيًا، وإحلال السبوبة بدلًا من الخدمات لأعضاء الجمعية العمومية للنقابات، سواء كانت عمالية أو مهنية، والرقى بالمهنة، وحل كل المشاكل والصعوبات التى تواجه أبناء المهنة، وتحويل أموال النقابات إلى حسابات خاصة بهم.ولا نبالغ حينما نقول إن تحويل النقابات إلى عزب وتكيات خاصة بمجالس إدارات النقابات القائمة والنقباء، وقهر الجهاز الإدارى حتى يتحول بالكامل إلى أتباع لهم، وخدم على هذا قوانين تأسيس هذه النقابات التى تم وضعها منذ أمد بعيد، وعفى عليها الزمن نتيجة التطورات التى حدثت فى أغلب المهن، والأعداد الكبيرة التى انضمت إلى النقابات، وهذا كان غير وارد فى ذهن صانع هذه القوانين.. يضاف لذلك أن بعض مواد هذه القوانين تصنع قيودًا على عقد جمعياتها العمومية، وكذلك سحب الثقة، يضاف لذلك الأوضاع السياسية العامة، التى عملت فيها هذه النقابات والقائمين عليها، فبعد ثورة ١٩٥٢ وُضعت قيود على حرية العمل النقابى، واشتراط ضرورة عضوية التنظيم السياسى القائم، وغضت النظر عن المخالفات التى ترتكبها قيادات هذه النقابات، ما دامت موالية للسلطة القائمة، وأصبح الولاء للسلطة هو جواز المرور بدلًا من الولاء لأعضاء الجمعية العمومية، ومن ظهر الاستقواء بالسلطة الحاكمة أيا كانت، وحينما بدأت تقليص قبضة الدولة، للأسف الشديد، برز اتجاه جديد لدى مدعى النقابية، ألا وهو الاستقواء بالخارج مقابل التمويل الأجنبى، والارتباط بالمنظمات الدولية المشبوهة، وكلا الاتجاهين خطر داهم على الحركة النقابية، سواء كانت مهنية أو عمالية، ولا بد من الاعتماد على الولاء للجمعية العمومية، والخدمات التى تقدم لها، وهذا أدى إلى انتعاش الانتهازية النقابية، وتم تسليم النقابات للإخوان المسلمين حتى جادت ثورة ٣٠ يونيو تصحيحًا لمسار ثورة ٢٥ يناير، وتم تطهير بعض النقابات من سيطرة الإخوان، إلا أنه، للأسف الشديد، حل محلهم المتحالفون معهم، وهو تيار استبدادى ناقم على كل ما هو خارجه، وأدى إلى العديد من الأزمات فى النقابات، ولا بد من تطهير النقابات منه، خاصة إذا كانت عناصر جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية قد ارتكبت مخالفات مالية بشعة، وتستر عليها هذا التيار، إلا أنه شاركها أيضا فى هذه المخالفات، لأن كلاهما حول العمل النقابى إلى سبوبة، ولابد من فتح هذا الملف بكل قوة، فإذا كانت الرقابة الإدارية تحقق نجاحات كبيرة فى ضرب الفساد والرشوة والمحسوبية فى العديد من قطاعات الدولة، فلابد من البحث عن آلية فى النقابات المهنية والعمالية، لأن العديد من قيادتهم كونوا ثروات طائلة، فإلى جانب تعديل قوانين هذه النقابات، وتلافى كل القصور فيها، ووضع مواد جديدة تضمن محاسبة هذه القيادات عن كل الأخطاء التى يرتكبونها أثناء ممارسة نشاطهم النقابى، وحق العودة عليهم بالتعويض.
لأنه للأسف الشديد كل أخطائهم القاتلة تتحمّلها النقابات، ولا مسئولية عليهم، وإلى حين تحقيق هذا، يجب المبادرة على الفور بتحويل كل المخالفات الماية التى حوتها تقارير الجهاز المركزى للمحاسبات إلى النيابة، والتحقيق فيها، وتفعيل المادة ٢١٧ من الدستور، التى تنص على تقدم الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية تقارير سنوية إلى كل من رئيس الجمهورية، ومجلس النواب، ورئيس مجلس الوزراء فور صدورها. وعلى مجلس النواب أن ينظرها ويتخذ الإجراء المناسب حيالها فى مدة لا تجاوز أربعة أشهر من تاريخ ورودها إليه، وتنشر هذه التقارير على الرأى العام.
وتبلغ الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية سلطات التحقيق المختصة بما تكتشفه من دلائل على ارتكاب مخالفات أو جرائم، وعليها أن تتخذ اللازم حيال تلك التقارير خلال مدة محددة، وذلك كله وفقًا لأحكام القانون، ونأمل فى إحالة هذه المخالفات لنيابة الأموال العامة، عملًا بنص المادة ١١٩ من قانون العقوبات، حيث إن أموالها أموال عامة، وهذا كفيل للحد من الأزمات التى أحدثها هذا التيار فى عدد من النقابات، لأنه تعمّد تفجيرها للتغطية على مخالفته الجسيمة، ومحاولة إبراز نفسه كبطل قومى، وأن الدولة تضطهده، فى حين أنه قتل العمل النقابى والمهنى، ولا يُعقل أبدًا أن نترك الأمر على حاله، فعوده المهنية للنقابات مطلب لا يحتمل التأخير، حتى نضمن وجود الطبيب الذى لا يرتكب خطأ مهنيًا يودى بحياة مريضة، وكذلك المحامى الذى لا يبيع موكله، والمهندس الذى يخطئ، فينهار العقار، ويسقط العشرات من الضحايا.. إلخ، فالنقابات سواء كانت مهنية أو عمالية لا تقل شأنًا عن باقى أجهزة الدولة فى تطهيرها من الفساد، والسبوبة والرشوة حتى نخلق مجتمعًا ينعم بالشفافية والنقاء.