السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

إلى الخمسة الكبار

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هذه المذكرة موجهة إلى وزير الدفاع، جيمس ماتيس، ومستشار الأمن الوطنى، الفريق هربرت ريموند ماكماستر، ووزير الأمن الوطنى جون كيلى، ومدير وكالة المخابرات المركزية مايك بومبيو، ووزير الخارجية ريكس تيلرسون.
أيها السادة، أكتب إليكم اليوم باعتباركم الخمسة الكبار الأكثر أهمية فى إدارة ترامب، وأقول لماتيس وماكماستر وكيلى، لقد قدمتم أنتم الثلاثة خدمات مشرفة لأمتنا، باعتباركم جنرالات أديتم واجباتكم فى ميادين القتال، وأقول لبومبيو، لقد تخرجت فى «ويست بوينت» وخدمت فى فيلق الفرسان، وأنت يا تيلرسون، كنت تدير واحدة من أكبر الشركات فى الولايات المتحدة. وأنا أوجه رسالتى هذه إليكم بشكل مباشر؛ لأننى أعتقد أنكم «آخر الرجال الطيبين» الذين يمكنهم النهوض والعمل على وضع حد للانحطاط الأخلاقى الذى يعشش فى إدارة ترامب على أعلى مستوى فيها.
وفى آخر مرة، واجه فيها وطننا داء السرطان الذى أصاب منصب الرئاسة، وقفت قيادات الحزب الجمهورى له بالمرصاد، ووضعت مصلحة الوطن فوق مصالح الحزب من أجل التوصل إلى الحقيقة، وأما اليوم، فقد أصبح الحزب الجمهورى يمثل الصورة الباهتة لما كان عليه من قبل، فيما عدا بعض الاستثناءات القليلة، فقد أعلن الحزب عن إفلاسه الأخلاقى، وتنازل عن المسئوليات الملقاة على عاتقه لتحديد الخطوط الحمراء التى ينبغى على الرئيس دونالد ترامب الالتزام بها.
وفى البداية، أوجه السؤال التالى لأولئك الذين خدموا وطننا كضباط عسكريين: كيف ستكون ردة فعلكم لو أن قائدكم قد اتهم سلفه بارتكاب جريمة تصل خطورتها إلى حد الحنث باليمين الدستورى، ثم لا يلبث القضاء العسكرى أن يكتشف بعد أسابيع قليلة أن ذلك الاتهام باطل؟
وأنت يا تيلرسون، كيف سيتصرف مجلس إدارة شركتك السابقة لو أن أرفع مسئول تنفيذى جديد فى «إكسون موبيل» قد بادر إلى اتهام سلفه بارتكاب عمل خطير يندرج ضمن إطار سوء الإدارة والتسيير، ثم لا يلبث مكتب التحقيقات الفيدرالى أن يخبر مجلس الإدارة بأن ذلك الاتهام باطل جملة وتفصيلاً؟
وهل يمكن للعسكريين أن يقولوا ببساطة: «نحن آسفون لأننا قمنا بتنفيذ ضربة بالمدفعية عن طريق الخطأ؟»، أو أن تقول يا تيلرسون: «أنا مجرد إنسان مبتدئ فى القضايا الدبلوماسية؟». كنت أتمنى لو أنكم جميعًا قد أخذتم اليمين الدستورى على محمل الجد لاحترام وحماية الدستور والالتزام بأعلى المعايير المؤسساتية.
والآن، أنا فى باريس، بعد أن قضيت أسبوعًا فى الشرق الأوسط، وأرى من دواعى الواجب أن أخبركم بأن العالم كله يراقبكم، وقد قابلت العديد من الشبان العرب الذين ينتمون إلى كل دول المنطقة، وأخبرونى بأن أمريكا، عندما تترك الفرصة لرئيسها للابتعاد عن الحقيقة عن طريق تبنى الأكاذيب وإخفاء المعلومات وتلطيخ سمعة الإعلام أو المعارضين السياسيين، فإن ذلك يؤخذ على أنه ترخيص لكل قادة الدول الأخرى لتبنى السلوك المطابق تمامًا والقول: «انظروا.. لقد فعل ذلك الرئيس الأمريكى، فلماذا لا نفعله نحن؟».
والآن، يسود الأجانب فى العالم أجمع إحساس طاغٍ بخسارة واختفاء أمريكا، التى تعودوا أن يروا من خلالها مظاهر التفاؤل واحتواء الآخر والكرم وحكم القانون، وقد أثبت استطلاع رأى حديث أجرى فى ألمانيا، مؤخرًا، أن النسبة المئوية للألمان الذين يعتقدون أن «الولايات المتحدة حليف يستحق الثقة» انخفضت من ٥٩٪ فى نوفمبر إلى ٢٢٪ الشهر الماضى. ونحن نعرف أن ترامب ورث عن سلفه «صندوق بريد عامرًا بالمشاكل»، وخاصة فى السياسة الخارجية، ولكن لسوء الحظ، نرى أن ترامب «يزيد ذلك الصندوق تعقيدًا»، وفقًا لما قاله ريتشارد هاس، رئيس مجلس العلاقات الخارجية فى مجلس الشيوخ، ومؤلف العديد من الكتب القيمة ذات العلاقة بالسياسة الخارجية للولايات المتحدة، ومن أشهرها كتاب تحت عنوان: «عالم الفوضى: السياسة الخارجية الأمريكية وأزمة النظام القديم»، على أن سعى ترامب الحثيث لتبنى النظام الحمائى ومعاداة المهاجرين، وخطابه وسياساته كلها، لا تؤدى إلا إلى تعميق الشكوك عبر العالم حول إمكانية الاعتماد على أمريكا كحليف يستحق الثقة، ومن دون الإسراع إلى تصحيح هذا الوضع، كما يقول هاس، «فسينتهى بنا الأمر ليس إلى شعار (أمريكا أولاً)، بل إلى حالة أمريكا المنعزلة».
والعمل على منع حدوث ذلك هو مهمتكم أنتم أيها الخمسة الكبار الطيبون، وأنا على يقين أنه لا واحد منكم على الإطلاق سيسمح لأحد بأن يسلك طريق عدم الأمانة الذى عبر عنه ترامب من خلال تغريداته الناقدة على موقع «تويتر» ضد سلفه أوباما. وإذا تحدثتم عن هذه الأمور من دون أن تفعلوا حيالها شيئًا، فى الوقت الذى لا يتوقف فيه قائد الأمة عن الإساءة لسلفه، فلن يقتصر الأمر عندئذ على فقدانكم لمصداقيتكم، بل سيتعدى ذلك إلى الإيحاء لبلدان العالم الأخرى بأنكم لم تتمكنوا من الحفاظ على المعايير التى يتطلبها حكم القانون والديمقراطية وحقوق الإنسان، وعندئذ سنتحول إلى بلد أقل شأنًا، وربما إلى مكان أكثر انطواءً على الخطر.
الترجمة نقلًا عن «الاتحاد» الإماراتية