الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

حوارات

"البوابة" تحاور الباحث الغزاوي المقرب من الحركة.. "دلول": حماس أكثر جرأة الآن لإعلان الانفصال عن الإخوان.. الجماعات المتطرفة تحاول جر قطاع غزة لمواجهة عسكرية مع إسرائيل

أحمد فايق دلول، باحث
أحمد فايق دلول، باحث غزاوى فى الشئون السياسية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أبومازن يعمل على إقصاء المقاومة المسلحة إرضاءً للمجتمع الدولى 40 % من موازنة السلطة تنفق على الأمن «عرفات» كان يفاوض الإسرائيليين ويدعم الحركة فى نفس الوقت

أحمد فايق دلول، باحث غزاوى فى الشئون السياسية، مهتم بشئون الحركات الإسلامية، وقريب الصلة بحكم ميدان التخصص من حركة حماس، درسها عن قرب طوال السنوات الماضية، حاصل على درجة الماجستير عن دور تنظيم الإخوان فى الحياة السياسية بمصر وعلاقاتهم الإقليمية والدولية وارتباط ذلك بدراسات الشرق الأوسط. تحدث معنا مؤخرا عن زيارة الرئيس الفلسطينى محمود عباس أبومازن إلى مصر، وانتخاب يحيى السنوار لمنصب المكتب السياسى، وعن توقعاته لعلاقة حركة حماس بمصر فى المستقبل.
وفجر الباحث الغزاوى، عدة مفاجآت منها قرب إصدار حماس وثيقة تخص شكل حماس الجديد وصياغة علاقتها بالدول والحركات القريبة منها وعلاقتها بمصر.

■ صف لنا كيف تدار المفاوضات وما هي الخيارات البديلة لها؟
- يؤكد الرئيس أبومازن بين الحين، والآخر، أنه لا بديل عن المفاوضات إلا المفاوضات، وهذا الأمر وإن كان يجسِّد رؤيته لوسائل التحرير؛ إلا أنه يعتبر «قاصرًا» فى عالم السياسة، ودائما نسمع الأمريكان يقولون المفاوضات كلام أجوف ما لم يستند إلى القوة، والقوة بمفهومها الشامل من دبلوماسية وإعلامية واقتصادية وثقافية وعسكرية وغيرها.
كان على الرئيس أبومازن أن يأخذ تجارب التحرير السابقة بعين الاعتبار، خاصة التجربة الجزائرية والتجربة الفيتنامية، بجانب تجربة الرئيس الراحل ياسر عرفات، فالأخير كان يفاوض الإسرائيليين من فوق الطاولة ويدعم المقاومة من تحت الطاولة، بمعنى أنه لم يكن أحادى التفكير.
لو استفاد الرئيس محمود عباس من الخيارات الأخرى المكملة للمفاوضات لما كان مجبرًا على البحث عن بدائل أخرى للمفاوضات، ومن الملاحظ أن الرئيس عباس يعمل على إقصاء المقاومة المسلحة لإيصال رسائل وُد للمجتمع الدولي، ربما يكون محقًا نسبيًا ومؤقتًا فى هذا الأمر، لكن لا أعتقد أنه محق فى هذا الأمر على المدى البعيد أو كاستراتيجية تحرر وطنى.
■ يرى البعض أن انتخاب يحيى السنوار هو بداية عسكرة حركة حماس ونهاية زمن الدبلوماسية الناعمة فى علاقتها الخارجية؟
- الشارع الفلسطينى متخوف من انتخاب السنوار لقيادة حركة حماس، وهذا التخوُّف فى محله، لأن السنوار رجل عسكرى قضى أغلب حياته فى العزل الانفرادى فى السجون الإسرائيلية، كما أنه لا يعرف الحلول الوسط. لكن ما يجب التأكيد عليه هو أن حماس تتخذ قراراتها بنظام شورى جمعي، ولا يمكن لشخص أن يتخذ قرارًا بشكل منفرد.
أجد نفسى متفائلًا من انتخاب السنوار فى هذا المنصب، لأنه أحد الصقور صانعى القرار، على العكس من الحمائم الدبلوماسيين الذين لم يتمكنوا من البت فى كثير من القضايا، وأقصد هنا أن بإمكان يحيى السنوار إذا تعهد بالدخول فى مصالحة مع حركة فتح أن يطبق ما يتفق عليه، على العكس من بعض قيادات حماس الأخرى. 
أعتقد أن موضوع العسكرة وعدمه هو موضوع يرتبط بعدد من المؤثرات، أولاها الأزمات التى يشهدها قطاع غزة والحصار، وإذا ما استمر الحصار والمضايقات الإسرائيلية ستكون حماس مجبرة لتصدير أزمات قطاع غزة على الأغلب نحو إسرائيل وبالصيغة العسكرية، هذا بجانب أن حماس تحاول تهدئة الأمور وتضبط الحدود الشرقية لقطاع غزة على طول ٤٦ كيلو مترا، لكن جماعات متطرفة تقوم بإطلاق الصواريخ على إسرائيل، إما بدوافع ذاتية منها أو بإيعاز من إسرائيل لجر قطاع غزة وحركة حماس لمواجهة عسكرية مع إسرائيل.
■ لماذا لا تشرح حماس للرأى العام المصرى والعربى ما يواجهها من قبل جماعات الغلو والتطرف؟ 
- أعتقد أن حركة حماس الآن فى طور إعداد وثيقة أو تصور يشرح طبيعة الحركة بشكل أكبر، وهى وثيقة الهدف منها توضيح بعض الموضوعات الرمادية والخلافية فى ميثاقها القديم، خاصة أنه قد مضى على تأسيسها نحو ٣ عقود.
كان ميثاق حركة حماس الصادر عام ١٩٨٨ صالحًا للتعامل مع تلك الفترة، وكان نتاج أحداث وقعت فى تلك الفترة، لكنه على الصعيد الآخر كان بمثابة الورقة المفضلة بالنسبة لإسرائيل، قامت بترجمته للغات مختلفة وكانت كثيرة الحديث عن «عنصرية» حماس، وقامت بالفعل بشيطنة حماس عالميًا.. وهذا يعنى أن حركة حماس ستعمل ما بوسعها من خلال وثيقتها لتجاوز هذا الأمر.
كثير من الموضوعات التى من المتوقع أن تتضمنها الوثيقة، خاصة ما يتعلق بموقف حماس من المرأة والشباب والقوى المجتمعية، أو الأحزاب والفصائل أو حركات التحرر العالمية، أو المؤسسات الرسمية الدولية والعربية والفلسطينية.
المؤشرات تقول، إن الوثيقة تُخرج اليهود الذين هم خارج دائرة الاحتلال ومعادلة العدوان من حسابات العداء. كما أن الصراع على أرض فلسطين مع الاحتلال فقط دون استهداف أى من اليهود المقيمين خارج فلسطين. 
■ الأنفاق والوحدة الوطنية والمصالحة المصرية.. كيف يمكن التعامل مع هذه الملفات الشائكة فى هذه الوثيقة الجديدة؟ 
- فى البداية يجب التأكيد على أهمية قطاع غزة بالنسبة لمصر من الناحية الاستراتيجية، كثير من علماء الاستراتيجية قالوا عن أن قطاع غزة أشبه بالدرع الاستراتيجية لمصر منذ فجر التاريخ، وهذه حقيقة ثابتة من قبل قدوم الإسكندر المقدونى الأكبر لمصر سنة ٣٣٣ قبل الميلاد.
بناءً على هذه الحقيقة، كان يجب أن تدخل حركة حماس فى مصالحة مع الشقيقة مصر، لكن ثمّة معيقات كانت تقف حائلًا أمام هذا الأمر أبرزها ارتباط حركة حماس بجماعة الإخوان المسلمين التى تقف على درجة كبيرة من الاختلاف مع النظام المصرى بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسى.
الآن أصبح قطاع غزة تحت أمر واقع بدون أنفاق، وغزة يومًا بعد يوم تفقد قدرتها على الصمود، وهذا بحد ذاته يستلزم من القيادة المصرية الحكيمة أن تتدخل وتفتح معبر رفح بشكل متواصل من أجل وقف نزيف الإنسان الفلسطينى فى غزة.
ما يجب التنويه إليه هو أن تعاملات قطاع غزة التجارية مع إسرائيل زادت علي ٣ مليارات دولار سنويًا فى الوضع الطبيعى بعيدا عن ملف إعادة إعمار غزة، والحقيقة أن مصر الشقيقة ومصر العربية ومصر العمق أحق بهذه المبالغ الكبيرة، وإذا أرادت فعليًا أن تُحوِّل هذه المبالغ إلى اقتصادها فعليها أن تدرس إمكانية تطوير ملف التبادل التجارى مع غزة.
لكن أعتقد أن مصر تدرك هذه الحقيقة وهى مقبلة على تحسين علاقتها مع قطاع غزة على الأقل فى البعدين الإنسانى والتجاري، وهذا ما بدا واضحًا من خلال التصريحات التى تحدثت عن أن الرئيس عبدالفتاح السيسى وافق على إنشاء محطة توليد كهرباء فى سيناء لصالح قطاع غزة.
■ تغير ديموغرافية البيئة الفلسطينية والاعتداء على ساحة الحرم.. كيف تجعلون هذا القضية قضية دولية؟ 
- أعتقد أن الوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام هما أولى الخطوات الفعلية لتفعيل قضية القدس، وفضح جرائم الاحتلال الإسرائيلي، لأن تكلفة الجهد المبذول على ملف الانقسام يفوق تكلفة الجهود المخصصة للملفات الفلسطينية الأخرى، وبالتالى إنهاء الانقسام وتوفير تلك الجهود سيؤدى إلى تحويلها لملف القدس مباشرة. مع الأخذ فى الاعتبار أن العالم لن يتعاون مع الفلسطينيين فى دعم القدس وفضح جرائم الاحتلال ما داموا منقسمين، وأعتقد أن كل العالم يقول للفلسطينيين «توحدوا حتى نتعامل معكم بسهولة».
الماكينة الإعلامية الفلسطينية غير فاعلة، ولا تحسن مخاطبة العالم باللغات التى يفهمها، الإعلام الفلسطينى يصل إلى العالم بلغات محدودة جدا، والرواية الفلسطينية هى الأصدق حول العالم كما يُقال، لكن الإعلامى المسئول عن تسويقها فاشل، وفلسطين قضية عاملة لكن محاميها ضعيف.
■ هناك أصوات إسرائيلية تردد أن حل المشكلة الفلسطينية يتمثل فى إقامة دولة غزة وتشمل غزة وسيناء بدلًا من الضفة الغربية، ما رأيك فى مثل هذه المقترحات والتسريبات وأين سوف تنتهى وما هو الهدف منها؟
- الدولة الفلسطينية يجب أن تُقام على فلسطين أو فى فلسطين وليس فى الأراضى المصرية، لكن يبدو من السلوك الاستيطانى الإسرائيلى أن خيار حل الدولتين بات شيئًا من الماضي، إسرائيل تسيطر على أكثر من ٩٠٪ من أراضى الضفة الغربية، نحو ٧٢٪ من أراضى الضفة الغربية هى المنطقة «ج» التى تم وضعها تحت السيادة الإسرائيلية مدنيًا وأمنيًا وفق اتفاقية أوسلو، و٢٨٪ هما المنطقتان: «أ» ومساحتها ٣٪ من الضفة الغربية وهى خاصة للسلطة الفلسطينية مدنيًا وأمنيًا، و«ب» ومساحتها ٢٥٪ من الضفة الغربية، وهى خاضعة للسيطرة المشتركة: السيطرة المدنية للفلسطينيين والسيطرة الأمنية للإسرائيلية وفق أوسلو، ومن المؤكد أن السلطة الفلسطينية لم تعد تسيطر إلا على نحو ٣٪ من الضفة الغربية فى «أ» وأجزاء متفرقة فى المنطقة «ب».
خيار حل الدولتين انتهى، والسلطة الفلسطينية الآن أمامها مجموعة من الخيارات، الأول خيار كانتون الحكم الذاتى على منطقة محدودة وصغيرة من أراضى الضفة الغربية، أو خيار الضم الفيدرالى أو الكونفيدرالى مع الأردن، أو خيار الضم الفيدرالى أو الكونفيدرالى لغزة مع مصر.
ما يتعلق بغزة على وجه الخصوص هناك خيار لإقامة ما يسمى وفق الرؤية الإسرائيلية بـ«غزة الكبرى» وهو مخطط إسرائيلي موجودة منذ ثمانينيات القرن الماضى وكان يقضى باقتطاع نحو ١٠٠٠ كيلومتر مربع من سينار وإلحاقها بغزة مقابل تعويض مصر بأراضٍ من صحراء النقب، لكن القيادة المصرية فى عهد الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك رفضت هذا الخيار، وما حدث الآن توسيع خيار غزة الكبرى بإعطائها ٢٠٠٠ كيلومتر مربع من سيناء مراعاة للزيادة السكانية والكثافة السكانية الكبيرة التى تعتبر الأكبر فى العالم.
■ فى رأيك ما الأشياء التى طلبتها مصر من حماس وردت حماس أنها ليست فى استطاعتها؟
- أعتقد أن اجتماعات حماس الأخيرة مع القيادة المصرية، لم تكن تخرج من النطاق الأمني، كان الهدف منها تحقيق بعض الإنجازات أو الاتفاق على بعض الملفات الأمنية، لأن ما كان يوتر العلاقة بين مصر وقطاع غزة هو الملف الأمنى وخاصة بعض المتطرفين الذين كانوا يهربون من غزة إلى مصر، لكن حماس أثبتت عمليًا لمصر أنها ترفض دخول المتطرفين من غزة إلى سيناء، وقامت باعتقال عدد غير محدد من الطرفين الذين يثيرون مخاوف أمنية ليس فى مصر فحسب، بل فى غزة أيضا، وهم الذين يقومون بشكل متكرر بإحراج حركة حماس من خلال إطلاق صواريخ على إسرائيل حتى وإن كان الأمر دون رؤية سياسية أو أمنية.
■ تنزعج مصر من علاقة حماس بالإخوان المسلمين وأيديولوجيتها.. كيف يمكن تطمين مصر فى هذا الجانب؟
- هذا الموضوع هو أحد دوافع إصدار وثيقة حماس الجديدة، كانت حركة حماس وما زالت ترفض فك ارتباطها بجماعة الإخوان المسلمين، وهذا نابع من أن الإسلاميين حول العالم يعملون لصالح القضية الفلسطينية مع حماس وفتح وغيرهما، ولهم تأثير كبير فى الجاليات العربية والإسلامية، لكن بعدما أعلن الشيخ راشد الغنوشى فك ارتباط حركة النهضة بجماعة الإخوان المسلمين، أضحت حماس أكثر جرأة على إعلان عدم قوة علاقتها بالإخوان المسلمين.
مصر هى الطرف الأقوى، وهى صاحبة أوراق القوة فى هذا الأمر، وأعتقد أنها ليست بحاجة إلى تطمين، لأن غزة هى التي بحاجة مصر.
ولا يخفى على أحد أن شباب حماس الذين شاركوا فى مؤتمرات عين السخنة وخاصة الوفد الإعلامى الذى زار مدينة الإنتاج الإعلامى بمصر والوفد الشبابي، قد نقلوا صورة مشرقة لحركة حماس ولقطاع غزة عن مصر.
الآن أستطيع القول إن نظرة كثير من السكان فى قطاع غزة وحركة حماس نحو مصر قد تغيرت بشكل إيجابي، خاصة بعد مؤتمرات عين السخنة من ناحية أولى، وفتح المعبر بشكل متكرر من ناحية ثانية، وتصريح القيادة المصرية بتأهيل المعبر والتحضير لإنشاء محطة توليد الكهرباء لصالح غزة.
زيارة الرئيس عباس لمصر تؤكد أهمية الدور المصرى فى إدارة الملف الفلسطيني، وتقطع الطريق على القوى الإقليمية الأخرى من إدارة الملف الفلسطينى أو التغلغل فى الإقليم العربى والإقليم الشرق أوسطى من خلال بوابة الملف الفلسطينى.
فى كل الأحوال؛ تؤسس هذه الزيارة لتعاون مشترك وتفاهم متبادل بين القيادتين المصرية والفلسطينية، وتطوى صفحة الخلافات بين الطرفين شريطة أن يقبل الرئيس عباس بطى صفحة الخلافات مع النائب محمد دحلان.