الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

خطط التقسيم في قمة البحر الميت

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أتفهم حرص الملك عبدالله ملك الأردن على إنجاح القمة العربية التي تستضيف بلاده أعمالها في البحر الميت، وسفره بنفسه لدعوة الرؤساء والملوك "القلقين" من المشاركة، بل ووضع جدول أعمال مغرٍ لقادة الخليج لاحتوائه على "مشهيات" سياسية مثل وضع حد للنفوذ الإيراني، ومناقشة أزمات سوريا واليمن وليبيا، فضلًا عن طرح صفقة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لحل الأزمة الفلسطينية.
كما لم تقف الخلافات البينية بين الدول العربية عائقًا أمام تحرك أحمد أبو الغيط الأمين العام لجامعة الدول العربية لإنجاح أعمال القمة، حيث وعد بوجود إعلان مهم لم يكشف عن ملامحه وتفاصيله في نهاية أعمالها.
كل ذلك مفهوم وطبيعي، لكن هل حقيقة الأوضاع تشير إلى إمكانية تحقيق ذلك، دعنا نتأمل ما يجرى خلف الكواليس بدون إحكام مسبقة.
قادت السعودية حملة رفض لطلب مباشر من العراق لعودة مقعد سوريا لحكومة الرئيس بشار الأسد رغم تحرير الجيش السوري لكثير من المناطق من أيدى الجماعات الإرهابية، وقبوله للجلوس مع المعارضة في جينيف، مما يعنى وجود إصرار سعودي خليجي لبقاء بشار الأسد في السلطة.
مازالت السعودية تراهن على شراكتها مع تركيا في مواجهة الأسد وداعميه سواء إيران أو روسيا، بينما يلعب الرئيس التركي أردوغان على التناقضات بين السعودية وروسيا ليستمر دوره على المسرح السياسي، فهو جزء مهم من التحالف الإقليمي الذى تقوده السعودية ضد إيران، وهو نقطة التقاء ذلك التحالف مع إسرائيل، إلا أن استبعاد الولايات المتحدة لمشاركة تركيا بمعركة تحرير الرقة تؤكد فشله في إقناع الأطراف المتعارضة بالاعتماد عليه في مواجهة داعش، فالولايات المتحدة تعلم جيدا مشاركة تركيا في بناء داعش، ودعمها بالمال والسلاح طوال السنوات الماضية، فكيف لها اليوم أن تحاربه وتستأصله، ولذلك لجأت لحلفائها الأكراد كبديل عن تركيا التي تخشى أن تكون الجائزة الأمريكية للأكراد هي بناء دولتهم في الشمال السوري على الحدود التركية الجنوبية، وتأثير ذلك على أكراد الداخل في تركيا، وصراعهم الشرس مع أردوغان، وربما يفسر ذلك عصبيته الشديدة التي ظهر عليها في أزمته مع أوروبا قبيل الاستفتاء على صلاحياته الديكتاتورية المرفوضة من تلك العواصم، مما دفعه في النهاية لاستخدام خطاب بن لادن، ويهدد مواطني أوروبا بعدم الأمن لتقع بعدها عملية لندن.. مصادفة حزينة بلا شك للأتراك.
الإنزال الأمريكي بالقرب من الرقة وترحيب قوات سوريا الديمقراطية بمشاركة الجيش السوري كجهة وطنية في تحرير الرقة، كلها أمور تشير إلى تفاهمات أمريكية روسية ضرورية لإنهاء الأزمة، خاصة مع الحديث عن تغييرات وخطط تقسيم تسعى كل قوة لتطبيقها داخل سوريا سواء ما طرحته الولايات المتحدة من مناطق آمنة وفق خطة تقسيم سوريا التي أصبحت معلنة أو سعى روسيا لتثبيت أركان حكم الأسد على حساب وحدة الأراضي السورية التي لا يهتم بها أحد.
في ليبيا مازالت الجماعات الإرهابية تحصل على دعم المحور القطري التركي، وهو ما ظهر في محاولتها المستمرة السيطرة على الهلال النفطي من أيدى الجيش الليبي بقيادة خليفة حفتر، وسعيها الدائم لشق الصف الليبي، ودق الأسافين بين حفتر وفائز السراج،  رغم المحاولات المصرية لوحدة الصف الليبي، ودعم الحل السياسي، بينما تسعى روسيا لبسط نفوذها في ليبيا، وتلاحقها دول أخرى مثل بريطانيا والولايات المتحدة التي أعربت عن قلقها من تقارب حفتر وروسيا.
وتأسيسا على ما سبق، يسعى كل طرف منطقيًّا لاستقطاع أكبر قدر ممكن من الأراضي وحكمها على هوى الطرف الغربي الداعم.. خطة تقسيم أخرى في ليبيا.
وفى اليمن يسعى الحوثيون مدعومين من إيران إلى السيطرة على مناطق ومقاومة قوات الرئيس عبد ربه منصور هادى التي تبسط هي الأخرى نفوذها على مناطق من اليمن، والاقتتال مستمر حتى رسم خريطة لتقسيم اليمن وفق رغبة المتصارعين على النفوذ في اليمن.
أما الصفقة المعروضة من ترامب لحل الأزمة الفلسطينية فلم تلق ترحيبًا أو "طنطة" إعلامية، فما هو مطروح هو حل قائم على دولتين لشعبين، وفى المقابل تدخل إسرائيل في تحالفات إقليمية، فضلا عن اتفاقات اقتصادية مقابل ضمان أمن إسرائيل، ولا أدرى لماذا تقبل إسرائيل تحالفًا في العلن يفقدها سيطرتها المطلقة على الضفة الغربية وهضبة الجولان، بينما تحالفاتها الخفية ضد إيران تضمن لها الاحتفاظ بهما وبمشروعاتها الاستيطانية عليهما دون قيد أو شرط، وبالتالي الصفقة لن تمر لأن إسرائيل لا تبحث عن السلام، وترى كل الأطراف العربية منهكة بفعل الحروب الأهلية، وخطط التقسيم والخلافات المتبادلة، ستظل إسرائيل الرابح الوحيد من ضعف العرب واستمرار الانقسام الفلسطيني والتواطؤ الأمريكي.
الموقف العربي برمته بائس، والتدخلات الخارجية ضاغطة، والتآمر البيني واضح ولا أحد يريد الاستماع لصوت الشعوب العربية التي أنهكت واستنفدت طاقتها في البحث عن حل للخروج من دائرة الدم المستحكمة، بل إن من يخطط للتقسيم الجديد للمنطقة لن يجد مقاومة، فالكل منشغل بمصالحة الضيقة، ولا أحد يفكر في مصلحة مشتركة ولا في تقوية القوى التي تتعرض لأزمات اقتصادية كبرى تشل حركتها لدعم أشقائها مثل مصر.
مصر وضعت على الطاولة ثوابتها المنطلقة من أهمية الحفاظ على فكرة الدولة الوطنية، وعدم الانجراف نحو القبول بتقسيمات للدول العربية تقوم على أساس طائفي أو مصالحي، وكذلك الحفاظ على الجيوش الوطنية موحدة، وعدم تقسيمها لميليشيات، وعدم قبولها بتجميل تيارات إرهابية أو مساعدتها للوصول إلى الحكم، فضلا عن امتناعها عن التدخل في الشئون الداخلية لأى دولة عربية تتعرض لمحنة أو نجحت المؤامرة في تقسيمها.
مهمة مصر والأطراف العربية الجادة ليست سهلة في فرض تلك المبادئ على باقي المشاركين في القمة في ظل حالة التفسخ وتداخل المصالح والملفات.. يكفى أن تضع مصر كل الأطراف أمام مسئولياتها التاريخية، وأن تصيغ بيانًا قويًّا ضد الإرهاب ومحركيه؛ لأنهم "السكين" الذى يقسم تورتة الدول العربية،  ويمنحها لمن يفوز في سباق النفوذ على الشرق الأوسط، فمن لم تحركه صرخات الأطفال ولم تهز قلبه مأساة اللاجئين وتجاهل تضور الجوعى ليقدم المال للإرهابين لا تنتظر منه حلا لمأسى العرب.