الجمعة 10 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

حسن البنا وصناعة الاغتيال

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
يُستغرب ممَن يكتب فى تاريخ «الإخوان المسلمين»، وينسى أنها الجماعة الأولى، فى العصر الحديث، التى وظفت الدِّين سياسيًا وحزبيًا، وبغرض مفضوح، وأن الديمقراطية المرجوة عندها تنتهى بـ«التَّمكين» لأنها غير «الشورى»، وما الدولة الوطنية إلا التمرد على حاكمية الخلافة، وعبارة «طز بمصر» أشهر من أن يُذَكَّر بها.
بعد التغيير الذى حصل بمصر «٣/٧/٢٠١٣» حاول البعض تقديم «الإخوان» على أنهم ضحية الأنظمة السياسية، والادعاء بأن هناك شيطنة بعيدًا عن الاعتراف لهم بأى دور إيجابي، لكن على ما يبدو أن من كتب محاولة لتلطيف تاريخ هذه الجماعة، وهو مِن خارجها ولم يكن منسجمًا معها سياسيًا ولا فكريًا، أخذ جانبًا وترك جوانبَ، بينما تاريخ الجماعة صار مفتوحًا فى كتبها ودورياتها.
مَن كتب معتبرًا أن عنف «الإخوان» جاء ردة فعلٍ لا أصلًا فى جهادها، والجهاد فريضة ليست غائبة عندها، يعرف أنه جهاد ضد نجيب محفوظ «ت ٢٠٠٦» وإحسان عبد القدوس «ت ١٩٩٠»، فالأدب والفن عندها فساد فكري، وقد قامت باغتيال السياسيين، مِن درجة رؤساء وزارات وقضاة، فتنظيم الجوالة والتدريب على العنف قد سبق تلك الحوادث، ناهيك عن النظام الخاص المنفذ للاغتيالات.
لكن أهم ما اغتاله «الإخوان» هو الدِّين نفسه، لذا كانوا واثقين مِن تحقق «التمكين»، والانفراد بالسلطة، حدثت تلك الاغتيالات، مِن قِبل «الإخوان»، وكان حسن البنّا قد سبقها بمقال «صناعة الموت» (١٩٣٧)، ثم أعاد نشره بعد سنوات فى الجريدة نفسها «الإخوان المسلمون» (العدد ٩٠) بعنوان «فن الموت». أقول: إذا كانت هذه الثقافة، فهل يُستغرب استعداد الجماعة للقتل، والتبرير ديني؟
يصعب التنافس ديمقراطيًا بين حزب يستخدم المسجد ويرفع المصحف والمسدس معًا، ويعتبر السياسة عبادة شأنها شأن الصلاة والصوم، وآخر يشار إليه بالكفر لأنه يرفض توظيف الدين فى السياسة وإخضاع الدولة له، هذا ما قاله رئيس حزب «الوفد» سراج الدين «ت ٢٠٠٠» لحسن البنّا «اغتيل ١٩٤٩». «يا شيخ حسن عايز أعرف أنتم جماعة دينية أو حزب سياسي؟ إحنا ما عندناش مانع أبدًا أنكم تكونوا حزب سياسي، اعلنوا على الملأ أنكم بتشتغلوا بالسياسة..» (السيد يوسف، الإخوان المسلمون وجذور التطرف الديني). هذا أهم سؤال يُقدم للذى يريد التخفيف مِما تفرّخ عن «الإخوان» من جماعات دينية، وصولًا إلى «داعش» التى تعبث الآن بالدماء: «أنتم تعملون سياسة وإلا دين؟!»، أجاب عنها مؤسس «الإخوان» نفسه، متظاهرًا بالبراءة من التنظيم الديني: «نحن لم نفكر فى العمل بالسياسة، ونحن رجال دين فقط، ورجال فكر ديني..» «نفسه».
بعد حين، يعود «الإخوان» إلى التظاهر بالبراءة من العمل الديني، بإعلان رغبتهم برديف العلمانية «المدنية»، فبعد «الإخوان» بتونس «النهضة»، أعلن «الإخوان» العراقيون عن تأسيس حزب مدني. هل العنف والشيطنة أجبرت «الإخوان» على التنصل من «الحاكمية الإلهية»؟ أم بسبب فشلها الذريع بعد التجربة على أرض الواقع، حتى أخذ قياديون فى «النهضة» ينتحلون أقوال عدوهم بو رقيبة «ت ٢٠٠٠» نفسه، بعد معارضته عليها آنذاك (اسمعوا نائب الغنوشى مورو مثلًا)؟ فكأن هذه الجماعة اكتشفت المدنية والوطنية حديثًا، ويبقى الرصافى (ت ١٩٤٥) سبّاقًا فى التشخيص: «لا يخدعنكَ هتاف القوم بالوطن/ فالقوم فى السّرِّ غير القوم فى العلنِ/ أُحبولة الدين ركت مِن تقادمها/ فاعتاض عنها الورى أُحبولة الوطنِ » (الديوان).
بدأ «الإخوان» شيطنة الآخرين بتكفير دعاة فصل الدين عن الدولة، حتى أصبح هذا التكفير من المسلمات، فأى ديمقراطية تُرتجى من هذا السلوك؟ أما الأحزاب غير الدينية، مهما مالت للعنف أو إقصاء الآخر، فالتأثير يبقى محصورًا بزمنها، لا يُقاس بتأثير الجماعة الدينية، والتغيير الذى تفعله فى العقول. لا أحد ينكر ما فعلته الحكومات والأحزاب الراديكالية غير الدينية، لكن «الإخوان» كانوا السباقين فى التخطيط للانقلابات، وتبنى الجماعات المسلحة، والتصرف بالدين أسوأ تصرف باستخدامه سلاحًا، كانوا طلاب سلطة لا تسعها الأوطان، وما أنهى سلطتها بمصر إلا تسرعها فى أسلمة الدستور والمجتمع، فاستفزت الملايين وخرجوا إلى الشوارع ضدها، وكم نفت أن يكون لها تنظيم دولي، مع أنه جاهز لاقتناص الفرص، وزعزعة هذا البلد أو ذاك. أفسدوا مفردة «الإصلاح»، لكثرة ما سموا تنظيماتهم بهذا الاسم، و«الخير» لكثرة جمعياتهم (الخيرية)، وتبين أنها واجهات حزبية لجمع المال، حتى صار لديهم مَن هو أكثر أهمية مِن وزراء المال أنفسهم.
لسنا ضد مَن يُقدم نفسه موضوعيًا ويكتب فى براءة هذه الجماعة أو تلك، لكن عليه اعتماد المصادر، وتمحيص المعلومات، ولا يكتب تاريخ نحو قرن من الزمان بلا إسناد وتوثيق، وكأنه شاهد عيان.
إن طريق «الإخوان المسلمين» بمشرقنا: تبشير ودعوة، يد على المصحف وأخرى على المسدس، لا النُّبل الذى يقدمون أنفسهم به، ويأتى مَن يبكيهم كضحايا للإقصاء وشيطنة الآخرين!
نقلًا عن «العربية نت»