الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

اتركوا زعيم أنقرة المتغطرس يغرق في سوريا

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
بما لا تزال أنقرة تنتمى رسميًا إلى حلف «الناتو»، وتتمتع بامتيازات نظرية وفق المادة الخامسة التى تنص على أن أى اعتداء عسكرى على إحدى الدول الأعضاء «يحتّم الرد باعتداء مماثل يشمل استعمال القوة المسلحة»، لكن يبدو أن الحلف لا ينوى التدخل فى سوريا.
لماذا تتصرف الحكومة التركية بهذه العدائية مع نظام الأسد فى سوريا؟
ربما يأمل رجب طيب أردوغان أن يساهم القصف المدفعى المكثف على سوريا فى إيصال نظام جديد إلى السلطة فى دمشق. أو ربما يتوقع أن يؤدى إرسال طائرة حربية تركية إلى الأجواء السورية أو إعاقة مسار طائرة مدنية سورية قادمة من روسيا إلى زيادة شعبيته فى الغرب ودفع حلف الأطلسى إلى التدخل. لكن تشكل هذه التصرفات كلها مصدر إلهاء عن أزمة اقتصادية وشيكة تنجم عن الإفراط فى الاقتراض.
تعكس تصرفات أردوغان سياقًا يشبه الوضع الذى ساد منذ نصف قرن. خلال الحرب الباردة، وقفت أنقرة إلى جانب واشنطن بصفتها جزءًا من حلف الأطلسى، بينما كانت دمشق نسخة عن كوبا فى الشرق الأوسط لأنها كانت عميلة موثوقة لموسكو. كانت العلاقات التركية السورية السيئة تنجم عن أسباب محلية أيضًا، منها خلاف على الحدود، وخلاف على موارد الماء، والدعم السورى لحزب العمال الكردستانى «جماعة إرهابية كردية». وصل البلدان إلى حافة الحرب فى عام ١٩٩٨، لكن استسلام نظام الأسد فى الوقت المناسب منع اندلاع صراع مسلح. بدأت حقبة جديدة فى نوفمبر ٢٠٠٢ حين استبدل حزب العدالة والتنمية «حزب إسلامى ذكى يتجنب الإرهاب والكلام عن نظام الخلافة»، الأحزاب اليمينية واليسارية الوسطية التى سيطرت على أنقرة لفترة طويلة. برع حزب العدالة والتنمية فى الحكم، وقاد ازدهارًا اقتصاديًا غير مسبوق، فتنامت نسبة مؤيديه من الثلث فى عام ٢٠٠٢ إلى النصف فى عام ٢٠١١. كان ذلك المسار كفيلًا بتحقيق هدف أردوغان المزعوم بإبطال ثورة أتاتورك ونشر الشريعة فى تركيا.
سرعان ما تخلى حزب العدالة والتنمية عن حماية واشنطن، واتخذ مسارًا مستقلًا يعكس نزعة العثمانيين الجدد بهدف تحويل تركيا إلى قوة إقليمية كما كانت فى القرون الماضية. فيما يخص سوريا، عنى ذلك إنهاء الأعمال العدائية التى دامت عقودًا وكسب النفوذ عبر تحسين التجارة وإقامة علاقات أخرى تمثلت بتدريبات عسكرية مشتركة، وذهاب أردوغان وبشار الأسد إلى العطلة معًا، وإقدام بعض الوزراء من البلدين على رفع الحاجز الذى كان يغلق الحدود المشتركة. تبدلت تلك الخطط فى يناير ٢٠١١ عندما استيقظ الشعب السورى بعد ٤٠ عامًا على استبداد الأسد، فانتفض بشكل سلمى ثم عنيف لإسقاط الطاغية. فى البداية، اقترح أردوغان توصيات سياسية بناءة على الأسد، لكن رفضها هذا الأخير وفضّل القمع العنيف. ردًا على ذلك، أدان أردوغان السنى ممارسات الأسد العلوى، وبدأ يساعد القوات الثورية السنية فى معظمها، تزامنًا مع زيادة وحشية الصراع واتخاذه بعدًا طائفيًا وإسلاميًا، وبعد تحوّل الصراع إلى حرب أهلية بين السنّة والعلويين ومقتل ٣٠ ألف شخص وجرح أضعاف هذا العدد، أصبحت الملاجئ والمساعدات التركية عوامل ضرورية بالنسبة إلى الثوار.
اتضح الآن أن الموقف الذى بدا بطوليًا فى البداية هو أكبر خطأ ارتكبه أردوغان. لقد ضعفت قوته القتالية بسبب إقدامه على سجن عدد كبير من القادة العسكريين الأتراك استنادًا إلى نظريات المؤامرة الغريبة. تجمع اللاجئون السوريون غير المرحب بهم فى البلدات على الحدود التركية وفى مناطق أخرى. يعارض الأتراك بشدة سياسة الحرب تجاه سوريا، وقد ظهرت معارضة قوية مؤلفة من العلويين «طائفة تشكّل بين ١٥ و٢٠٪ من الشعب التركي»، ويتشارك هؤلاء الإرث الشيعى نفسه مع العلويين السوريين رغم الاختلافات الأخرى بينهم. انتقم الأسد من خلال تجديد دعمه لحزب العمال الكردستانى الذى يطرح مشكلة محلية طارئة فى وجه أردوغان إذا قرر تصعيد أعمال العنف. قد يكون الأكراد أبرز المستفيدين من الأعمال العدائية الراهنة، بعد أن أهدروا فرصتهم حين رُسمت معالم الشرق الأوسط بعد الحرب العالمية الأولى. للمرة الأولى، يمكن تصوّر خطوط الدولة الكردية التى تضم الأتراك والسوريين والعراقيين وحتى الإيرانيين. لا تزال دمشق تحظى بدعم قوة نافذة فى موسكو، حيث يقدم لها نظام فلاديمير بوتين المساعدة عبر نقل الأسلحة واستعمال حق النقض فى الأمم المتحدة. فضلًا عن ذلك، يستفيد الأسد من المساعدات الإيرانية السخية والوحشية التى لا تزال مستمرة على الرغم من عمق المشاكل الاقتصادية التى يواجهها نظام الملالى. على صعيد آخر، ربما لا تزال أنقرة تنتمى رسميًا إلى حلف الأطلسى وتتمتع بامتيازات نظرية وفق المادة الخامسة التى تنص على أن أى اعتداء عسكرى على إحدى الدول الأعضاء «يحتّم الرد باعتداء مماثل يشمل استعمال القوة المسلحة»، لكن يبدو أن حلف الأطلسى لا ينوى التدخل فى سوريا.
يبدو أن النجاح الذى حققه أردوغان طوال عقد من الزمن زاد من غطرسته، ما قد يدفعه إلى خوض مغامرة غير مدروسة فى سوريا من شأنها أن تُضعف شعبيته، ربما لم يتعلم بعد من أخطائه وإخفاقاته. حتى الآن، يصر زعيم أنقرة على تكثيف جهوده لمحاربة نظام الأسد ويسعى إلى إسقاطه وإنقاذ نفسه. هذا ما يفسر استنتاجى السابق، تنجم العدائية التركية فى المقام الأول عن طموح وغطرسة رجل واحد. يجب أن تبقى الدول الغربية بعيدة كليًا عن الصراع، وأن تدعه يتحمّل عواقب أفعاله بنفسه.
الترجمة نقلًا عن «الجريدة الكويتية»