الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة لايت

"بيل سميث".. حكاية أم يهودية بقلب مسلم

بيل سميث
بيل سميث
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
هناك بعيدًا عن ضوضاء القاهرة بالقرب من محافظة الأقصر، وعن طريق صدفة بحتة لعبت دورًا كبيرًا في تغيير مصير 4 أطفال، جاءت "بيل سميث" اليهودية لتقضي إجازتها في المدينة السياحية لتقوم بزيارة إلى إحدى دور الأيتام وينفطر قلبها على حال الصغار الذين طالهم الإهمال.
بعيدًا عن الكاميرات والأضواء الصاخبة اتخدت "سميث" قرارها بتحمُّل مسئولية الأطفال الأربعة وعدم مغادرة مصر والاستقرار فيها بعد فتح دار لإيواء الأيتام واللقطاء بنته على أحدث الطرز في أواخر التسعينيات.
ورغم جنسيتها المختلفة وعقيدتها، لم تلتفت المرأة الإنجليزية للمحاذير، كما لم تقف القوانين عائقًا أمام حلمها بإنقاد طفولة مشرَّدة لأيتام وضحايا الليال الحمراء من مجهولي النسب، فسارعت بإجراءات الكفالة لأربعة أطفال كانوا في حالة يُرثَى لها بإحدى دُور الأيتام، وتأسيس دار "الشمس المشرقة" بمنطقة العوامية في الأقصر، وضم الأطفال الأربعة بها كنواة.
كانت لديها قناعة بأن اليُتم ليس يُتم الأبوين وإنما يُتم الفكر الصحيح لمجتمعات تتشدق بالحديث عن الأيتام دون أن توفر لهم الحد الأدنى من مقوّمات الحياة الآمنة، لذا بدأت الرحلة بـ(صابر وعزة وسعيد ورأفت) الذين أصبحوا الآن شبابًا تلقوا تعليمهم في أرقى مدارس الأقصر وأتقنوا 3 لغات ثم التحقوا بالتعليم الجامعي، ومنهم من يكمل دراساته العليا الآن. 
"أنت أقوى من الدنيا تغلَّبْ عليها بطموحك وتميُّزك، لا تلتفت إنْ كنت مسلمًا أو مسيحيًّا، دع قلبك لمن خلَقه واحمل بداخلك كل الرسالات التي تجعلك محلَّ احترام الجميع، لا تجعل الناس يهزمونك فالخائفون وجبات شهية للحيوانات الضالة، لستَ مجهولًا للنسب، ومصيرك ليس مربوطًا بأسماء وهمية أو حقيقية، أنت معلوم بإنجازاتك وما فعلته أنت لأجلك، التمس العذر لوالديك فربما لديهم أسباب قهرية دفعتهم لذلك". كلمات سميث الأم لصغارها التي حفظوها عن ظَهر قلب.
يقول صابر، الابن الأكبر في الدار: كانت يهودية الأصل ولكنها احترمت القوانين المصرية التي تنص على أن الديانة الأساسية للأيتام في الدُّور هي الإسلام، لهذا بدأت جلب شيوخ متخصصين من الأزهر؛ لتعليمنا الإسلام الصحيح والقرآن والصلاة والصيام حتى إنها حفظت معنا 5 أجزاء.
وعن بعض الحكايات التي روتها الأم سميث لطفلها صابر يقول: حكت أمي لي حكاية أخي محمد الذي وجدوه بجوار مبنى المحافظة وكان يحمل داخل ملابسه ورقة مكتوبًا فيها "وصيتي تسمّوا ابني محمد"؛ ولأن سميث أم وفية جاهدت واستماتت لتسجيل أخي باسم محمد، لكن "التضامن" رفضت وقالت: لا نسمي أيتامًا على اسم الرسول، عندها صرخت سميث في وجه المسئول قائلة: من أعطى لكم الحق في احتكار الأسماء، ومن يمنع اسم خير يتيم عن يتيم، أجزم لو كان محمد بيننا الآن لعنّفكم على ما تفعلون، حتى إنها سمّت أخي مصطفي ولكنها كانت تناديه بمحمد.
"سميث داهمها مرض السرطان بكل قوته، ظلّت تقاوم حتى خارت قواها فأبت أن نراها في ضعفها وهي التي لقنتنا كل دروس القوة والتحمُّل والجلَد، لذا سافرت بلدها إنجلترا عام 2004 الذي كان عام الرحيل والعصف بنا، لتلفظ أنفاسها الأخيرة وحدها، بعيدًا عن دموعنا"، هذا ما قاله صابر.
13 عامًا على رحيل "سميث" لكنها الباقية في أذهان كبار وصغار دار "الشمس المشرقة" وكل مَن عرَفها، ولِم لا وهي اليهودية التي علّمت المسلمين معنى الإسلام السمح قولًا وفعلًا.