الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

قتلى والفاعل مجهول.. اغتيال يحيى المشد عالم الهندسة النووية بآلة حادة..ووفاة ماري كلود "عاهرة الموساد" يزيد اللغز..منظمة صهيونية تتخلص منه لتسهيله حصول العراق على اليورانيوم المخصب.. وجنازة خالية بمصر

الدكتور يحيى المشد
الدكتور يحيى المشد
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

استمرارًا لملف "قتلى والفاعل مجهول"، الذى حوى بداخله تعرض الكثير من أبناء الشعب المصرى للقتل فى ظروف غامضة حالت دون الوصول إلى هوية الجناة، كان مقتل علماء الوطن وتحديدًا علماء الذرة والفيزياء النووية إلى القتل، وسبق وأن عرضنا خلال الملف قصة اغتيال العالمة سميرة موسى، والتى لم تختلف فى الكثير عن واقعة بطل ملفنا اليوم، وهو "يحيى المشد"، عالم الهندسة النووية، الذى عثر على جثته في غرفة فندق الميريديان بباريس في الثالث عشر من شهر يونيو عام 1980، بعد أن ضرب بآلة حادة على رأسه، وقيّدت القضية ضد مجهول، وضرب حولها طوقًا من التعتيم الإعلامي.


وقال الكاتب الصحفي عادل حمودة، عن واقعة اغتيال المشد، بباريس: كنت متواجد فى نفس الفترة بالحى اللاتينى، وفوجئت بأن إحدى القنوات التليفزيونية، تعلن عن مقتل عالم مصرى فى مجال العلوم النووية.

وأضاف حمودة: لفت نظرى أن الضباط خارج من حمام غرفته وبيده "منشفة" عليها آثار لأحمر شفاة، وغمز الضابط فى إشارة إلى أننا أمام "جريمة عاطفية".

وأضاف الدكتور "مصطفى عبدالباقى"، عالم بهيئة الطاقة الذرية، فى تصريحات صحفية لإحدى القنوات الفضائية، أن الدكتور المشد كان يقطن فندق "المريديان"، ويوم الواقعة ذهب لشراء بعض المستلزمات والهدايا لزوجته وأبنائه استعدادًا للسفر، وهذه الرواية أكدها حمودة فى ذات اللقاء الصحفى.

وأكمل عبدالباقى، أن المشد فور دخوله الفندق كان هناك سيدة مجهولة تجلس، وتتبعت خطواته، ودخلت معه الأسانسير وحاولت إغوائه لتقضية سهرة معه، ولكنه قام بصدها وتركها ودلف إلى حجرته.

وأضاف أن الفحص الكامل لتصوره الشخصى، أن دور العاهرة، قد انتهى لفشل محاولتها، وهنا يقوم رجل الموساد بمحاولة أخرى لإغوائه بالمال نظير التعاون معهم، وحال فشلة يعود، ويقوم بإرسال رجلين متخصصين يقومان بفتح الغرفة "بمفتاح" master key   لتنفيذ الجريمة.

وكشف تقرير الطب الشرعى وقتها عن أنه قتل بآلة حادة.


وقال الصحفى فؤاد أبو منصورة: "إن السيناريو الذى أتبع أن تكون الواقعة نتيجة علاقة غرامية، لذلك تم استخدام آلة حادة ليبدو أن منفذ العملية شخص عادى غير مدرب، ولا ينتمى لأية جهة".

وقالت زوجته زنوبة الخشاشنى: إن زملاءه من الطاقة الذرية حضروا إلى المنزل وأخبروها بأن زوجها توفى نتيجة ذبحة صدرية.

وأضافت: "ثرت عليهم واتهمتهم بأنهم قتلوا زوجى؛ لأن صحته كانت جيدة ولا يشتكى من أى مرض عضوى".


حياة المشد:

ولد المشد ببنها في العام 1932، وتحرج في جامعة الإسكندرية من قسم الكهرباء عام 1952، وسافر إلى لندن عام 1956 فى بعثة الدكتوراه، وعاش بها 6 سنوات وعاد بدكتوراه فى هندسة المفاعلات النووية عام 1963.

التحق المشد بهيئة الطاقة الذرية التى أنشأها جمال عبدالناصر، وبعد سنوات قليلة من توليه رئاسة مكتب قسم الهندسة النووية عام 1968، وبعد سنوات كثيرة ترك علمه وتلاميذه، وذهب إلى بغداد لينضم إلى الجامعة التكنولوجيا التى أسست في العام 1975.

ويقول"منذر التكريتى، رئيس قسم هندسة السيطرة والحاسبات: بعد إنشاء الجامعة ببغداد وتوليه رئاسة القسم، وجد أن الأعباء زادت، وكانت المهمة كبيرة وملحة ولم يكن لدينا الوقت، فتقرر الاستعانة بزملاء من مصر، وكان من ضمنهم الدكتور يحيى المشد، لافتًا إلى أنه كان عائلى جدًا، وقومى فى تصرفاته، ولم نلاحظ عليه أبدا أن تصرفه وكأنه مصرى، بل كان عربيا يسكن في بلده.

وسُمح للمشد أثناء عطلته من الجامعة بالتردد على هيئة الطاقة الذرية العراقية حتى التحق بها للعمل رسميًا.

وأضافت زوجته أنه كان متخوفا من الاستمرار معهم، رغم سفره إلى العراق منذ البداية بسبب وجود "النووى "حسب إشارة زوجته، التى قالت: إن الفرصة لم تسنح له فى مصر، وكان ذلك هو السبب الرئيسى خلف اختياره العراق، ولكن لم يتوفر التأمين الكافى له.

وعام 1975، سافر الرئيس صدام حسين وقام بصحبة "جاك شيراك" رئيس الوزراء الفرنسى، لتفقد مركز الطاقة النووية بفرنسا، وتم عقد صفقة بين العراق وفرنسا دون تبليغ الوكالة الدولية للطاقة الذرية حسب مصادر غربية، وفي العام 1976 زار شيراك العراق، وتم استحداث أساليب جديدة لتخصيب اليورانيوم، ولوجود المفاعل بالعراق "ايزيس وازوريس"، واللذين تم نقلهما إلى فرنسا، لتنفيذه، وتم سفر المشد إلى فرنسا لذات السبب.

وفي أبريل 1979، تم تدمير قلب الفرن النووي للمفاعل العراقي «أوزوريس» في مخازن بلدة «لاسين سورمير» القريبة من ميناء طولون الفرنسي عشية إرساله إلى بغداد، على يد الموساد بعد تنفيذه، ولم يكن بوسع أحد من العلماء القيام بمهمة إصلاح الفرن سوى «المشد»، الذي نجح في إصلاحه والإشراف على عملية نقله لبغداد.

بعدها أصبح الدكتور يحيى المشد، المتحدث الرسمي باسم البرنامج النووي العراقي، ثم ترأس البرنامج النووي العراقي الفرنسي المشترك، وكانت أول وأهم وأخطر إنجازات «المشد» هي تسهيل مهمة العراق في الحصول على اليورانيوم المخصب من فرنسا.

وكشف عمير أورين المحرر بصحيفة هآرتس الإسرائيلية، عن أنه بينما كان البرنامج النووي العراقي في طريق التقدم في أواخر السبعينيات وبداية الثمانينيات، أقسمت إسرائيل علنا أن تضع حدا له.

وأشار إلى وجود تقارير موثوق بها تؤكد أن إسرائيل حاولت النيل من الأشخاص الضالعين في البرنامج النووي العراقي كالعلماء والمهندسين ومن المواد التي كانت في طريقها للمفاعل النووي العراقي.

وعثر على مفكرات المشد التى حوت مشاريع عدة حول تعليم شباب العراق بفرنسا، ومقاسات أبنائه، وتكاليف مصاريف سفره الزهيدة، وتوفى المشد.

وتم اكتشاف الواقعة بعد أكثر من يوم على وفاته.

يقول عادل حمودة: إنه عقب صده لمارى كلود" قام أحد الأشخاص التابعين للموساد بعرض التعاون معهم قائلا: "إحنا ولاد عم"، ولكن طرده، وبعدها بساعات قليلة وق حادث الاغتيال.

وصرحت الجهات الأمنية بفرنسا بعد فترة من انتهاء القضية التى قيدت ضد مجهول أن أحد الأنظمة الصهيونية خلف حادث اغتيال المشد، وبعد عام من الواقعة توفيت "مارى كلود" العاهرة، الشاهد الوحيد فى الواقعة عقب خروجها من إحدى الحانات فى حادث سير وقيدت القضية أيضا ضد مجهول.

الغريب أنه بعد رجوع أسرة المشد من العراق، قاموا بعمل جنازة للراحل، ولم يحضرها أحد من المسئولين أو زملاؤه بكلية الهندسة إلا قلة معدودة، حيث إن العلاقات المصرية العراقية وقتها لم تكن على ما يرام بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وأصبحت أسرة «المشد» القادمة من العراق لا تعرف ماذا تفعل بعد رحيله، لولا المعاش الذي كانت تصرفه دولة العراق، والذي صرف بناء على أوامر من صدام حسين مدى الحياة (رغم أنه توقف بعد حرب الخليج)، بجانب معاش ضئيل من الشئون الاجتماعية.

ولازال لعز وفاة عالم الهندسة النووية الأشهر عربيًا وعالميًا لغز محير، رغم اتجاه كل الدلائل إلى أن أجهزة الموساد هى المتورط والمستفيد الرئيسى فى قتله.