الخميس 09 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

طوارئ قصر العيني.. عذاب داخل "جدران خاوية"

يافرحة ما تمت

صورة ارشيفية
صورة ارشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
مر ما يقرب من عام على الانتهاء من تطوير مستشفى قصر العينى المكلف به إحدى شركات المقاولات بتكلفة 450 مليون جنيه، دون أن يشعر المريض بأى تطوير أو فرق يذكر فى مستوى الخدمة الصحية، بل زادت رحلة العذاب والمعاناة لمرضى قصر العينى، فلا إمكانيات ولا أطباء ولا علاج ولا أى شىء يمكن أن يقدمه للمرضى الفقراء الذين لا يجدون بديلًا.
منذ إنشاء مبنى الطوارئ الجديد بقصر العينى، توقع المرضى تغييرًا جذريًا حقيقيًا حتى وإن استغرق وقتًا.. توقعوا حل المشاكل من جذورها وليس فقط ضخ أموال لبناء مبنى خاوٍ من أى خدمة طبية حقيقية للمرضى وترك العشرات من المرضى يتألمون ويموتون داخل أروقة المستشفى.. ويبقى التطوير الذى حدث مجرد مسميات أطلقوا عليها «طوارئ قصر العينى الجديد» وكأنه يختلف حالًا عن قصر العينى القديم، ليعبر مصطلحا الجديد والقديم عن حداثة المبنى فقط، وليس له صلة بأى خدمة طبية مقدمة للمريض، ليظل المريض يعانى حتى الموت داخل أروقة المستشفيات. بدأت أعمال التطوير فى يونيو عام 2015، ومنذ ذلك الوقت تم تشكيل لجنة لتطوير قصر العينى القديم، تلك اللجنة التى اهتمت بالشكل وليس المضمون، حيث اقتصرت أعمال التطوير على افتتاح مبنى جديد أطلقوا عليه «طوارئ قصر العينى الجديد»، مبنى فخم، لكنهم تناسوا أنه مبنى مخصص لاستقبال الحالات الطارئة، سيأتى المريض إليه منبهرًا بفخامته وآملًا فى الحصول على خدمة علاجية «فخمة».. لكنه لن يجد إمكانات طبية ولا أطباء ولا تمريض، حيث اكتفت اللجنة بتسهيل البيروقراطية التى عانى منها المستشفى منذ سنوات، ووفرت ميزانية من قبل وزارة التخطيط تكفى فقط لافتتاح مبنى شكله فخم.


«الشكل» ولا الغنى
المبنى «آخر شياكة».. والخدمة والأجهزة «صفر»
افتتاح مبنى الطوارئ الجديد بقصر العينى لم يكن حلًا لإنهاء معاناة المرضى وحل مشاكل المستشفى، الذى وصفه رئيس الوزراء بجبل المشاكل، لنعيد نفس السؤال الذى سأله رئيس الوزراء بعد افتتاح مبنى الطوارئ الجديد: كيف يعالج أهلنا فى هذا المبنى غير المطور؟!.. ولنضيف سؤالًا: كيف يتحول المستشفى، الذى يعد أول مدرسة طبية عربية أنشئت بمصر فى عهد محمد على باشا، إلى مقبرة للموتى؟! 
افتتح مبنى الطوارئ الجديد على ثلاث مراحل، الأولى فى يوليو ٢٠١٤ والثانية فى مارس ٢٠١٥، وتم افتتاح المرحلة الثالثة فى نهاية شهر سبتمبر ٢٠١٦، بما يوفر للمرضى أسرَّة فقط، دون أى إمكانات لتشغيل المبنى الطوارئ الجديد، بينما لم تبذل اللجنة المشكلة من رئاسة الوزراء أدنى مجهودا لتقييم تشغيل المرحلة الأولى أو الثانية والثالثة من مبنى الطوارئ الجديد الذى لم يحسن من الخدمة الصحية بقصر العينى شيئًا، بقدر بناء منبى حديث ضخم وفخم لم يستطع البقاء والصمود وتوفير مستلزمات طبية لاستيعاب كمّ المرضى المترددين يوميًا من المحافظات.
رئاسة الوزراء علمت بأن هناك مشكلة فى ندرة التمريض، وبالفعل تم توفير ٥٠ ممرضة، وكان من المفترض أن تستكمل اللجنة دورها وتدرس حجم الإمكانات التى يجب أن تتوفر فى ذلك المبنى الضخم «الشيك» الفخم، ولكن اكتفت بافتتاح المبنى، واعتباره إنجازًا وترك القائمين عليه للبحث عن موارد لاستكمال تشغيل المبنى الطوارئ الجديد.


حقيقة مُرَّة
الدكتور هشام عامر، نائب مدير مستشفى قصر العينى بقصر العينى كشف لجريدة «البوابة» الحقيقة المرة فى المشكلة التى تواجه المستشفى الفترة القادمة، وهى أن مبنى الطوارئ الجديد لا يستطيع أن يصمد ويعالج كم المرضى المترددين على المستشفى من كل المحافظات والسبب هو عدم توافر ميزانية لتشغيل المبنى الجديد!
ميزانية تشغيل المبنى تندرج تحتها المستلزمات الطبية الضرورية التى يجب أن تتوفر فى غرف العمليات والعناية المركزة، كما يندرج تحتها الصيانة الدورية لغرف العناية المركزة والعمليات، ويندرج تحتها المستلزمات الطبية التى يتطلبها كل سرير رعاية مركزة، علاوة على أنها تشمل مصاريف العاملين من أطباء وتمريض وعاملين نظافة من ناحية وتتطلب توفير كوادر بشرية رعاية المريض.
نائب مدير مستشفى قصر العينى كشف أن مبنى الطوارئ الجديد فقط بحاجة إلى ما لا يقل عن ١٠٠ مليون جنيه لاستكمال افتتاحه على أرض الواقع، مشيرًا إلى أن المبنى بحاجة إلى مستلزمات طبية بـ٧٠ مليون جنيه وبحاجة إلى استكمالات إنشائية لا تقل عن ٣٠ مليون جنيه، مؤكدًا أن القائمين على إدارة المستشفى تقدموا للجنة بدراسة كاملة باحتياجات المستشفى لكى تقدم خدمة صحية حقيقية، ولكنهم لم يهتموا بما قدمناه ولم يتم الرد علينا، قائلًا: «حبوا يرضوا رئيس الوزراء، فقاموا بافتتاح مبنى الطورائ الجديد دون دراسة كيفية تشغيله والاستمرار فى تقديم الخدمة الصحية».
وأضاف أن إدارة المستشفى خاطبت وزارة التخطيط لاستكمال الافتتاح، وشددنا بضرورة توفير ميزانية للتشغيل وخاصة سراير الرعاية لأنها تحتاج مصاريف باهظة، ولكن لا يوجد أى رد، مشيرا إلى أن ميزانية الجامعة نفسها لا تكفى لافتتاح مستشفى، موضحا أنهم اضطروا لافتتاح ٢٠ رعاية مركزة فقط ، ودور كامل به ٦٠ سريرًا، محذرًا أن الطوارئ الجديد يعد ناقوس خطر ومنظارًا أسود، لأن فى أى لحظة لم نستطع أن نستكمل تقديم خدمة طبية خاصة، وسنضطر لأن نجبر المرضى على شراء المستلزمات الطبية، كما يحدث داخل مستشفى قصر العينى القديم، وفى النهاية يحملونا اللوم والتقصير.


إرضاء رئيس الوزراء
وأوضح عامر أن اللجنة المشكلة لتطوير قصر العينى أرادت أن ترضى رئيس الوزراء فأسرعت فى افتتاح المبنى الذى توقف منذ سنوات، ودعمت وزارة الصحة المبنى بعدد من الممرضات، وللأسف ليس جميعهم مدربات، وبالتالى أصبح لدينا عبء للتعليم والتدريب، موضحًا كان هناك طفرة فى عام ٢٠١٠ حينما ساهم البنك الأهلى بـ ٦ ملايين جنيه لبناء مبنى الطوارئ، ولكن توقفنا بسبب الروتين الحكومى لاستكمال المبنى، إلا أن رئيس الوزراء أصدر أوامر بافتتاح مبنى الطوارئ، خاصة أنه لا يوجد أى نية لافتتاح المبنى من قبل، ولا يوجد دفع نقدى كى نستطيع أن نصمد ونستكمل ونفتتح المبنى بالكامل، مشيرًا إلى أن ما نملكه ٥ ملايين جنيه فى السنة لاستكمال البناء، وكان غير كاف.


التأمين الصحى
ومن جانبه، قال الدكتور محمد حسن خليل، منسق لجنة الدفاع عن الحق فى الصحة ، إن دور اللجان المشكلة من قبل رئيس الوزراء هو تنسيق جميع الفروع المختلفة، موضحًا أن شيئًا جيدًا أن تكون لجنة من التعليم العالى والصحة والبحث العلمى للعمل فى مشروع الطوارئ الجديد بالقصر العينى، لأن الخدمة الصحية متشعبة، لكن اللجنة بحثت أمور الإنشاء ولم تبحث أمور التشغيل، فقدنا جزءًا مهمًا من وجاهة وأهمية تكوين اللجنة، لأن دورها الأساسى هو تكوين المشروع من الألف للياء ولضمان استمرارية العمل على المشروع أو التطوير بالقصر العينى، هذا يفتح مجالًا للقلق حيال «خصخصة التشغيل»، وهذا ناتج عن عدم وجود رؤية لحل مشكلة الصحة بمصر، الرؤية الحقيقية للحل هى تفعيل التأمين الصحى الشامل، ليس علاج على نفقة الدولة أو علاج مجانى بل هو علاج تكافلى بين الدولة والمواطنين، المريض يتحمل جزء من النفقات عن طريق دفع الاشتراك، والدولة تقوم بالدفع نيابة عن غير القادرين، التأمين الصحى به نظام إحالة يمنع الإهدار.


كيف نحل أزمة التمويل؟
رأى نائب مدير مستشفى قصر العينى أنه ما دامت الميزانية لا تكفى، ووزارة المالية تتحجج بضيق اليد لا يوجد أمامنا سوى وزارة التخطيط والمجتمع المدنى، لا بد أن يساهم فى تطوير المستشفى واستكمال الافتتاح على أرض الوقع، مشيرًا إلى أن الطورائ حياة أو موت للمريض، وقسم الطورائ فقط يعالج سنويًا ١٤٠ ألف مصاب فى حوادث طرق فقط، والعلاج يتطلب تأهيلهم نفسيًاو والذى بحاجة إلى تبرعات. داعيًا المجتمع المدنى إلى المساهمة فى تطوير مستشفى قصر العينى تحت إشراف حكومي، قائلًا: إيدى مغلولة نسبيًا، لأن أى إعلانات تطالب بالتبرعات للمستشفى تحتاج إلى موافقات وآليات روتينية، قائلًا: المجتمع المدنى فى كل الدول المتقدمة يساهم فى العلاج، والدولة لا تستطيع بمفردها تغطية تكاليف علاج المرضى، مؤكدًا أن العلاج المجانى حبر على الورق، لأننا بنطلب من المريض شراء أدوية ومستلزمات طبية، علاوة على أن الخدمة الصحية المقدمة غير مرضية على الإطلاق، نظرًا لأن المناخ الذى يعمل فيه الأطباء والتمريض طارد للعمل، خاصة أنهم يعانون من ضغط كبير وعدد كبير من المرضى مقابل إمكانات ضعيفة.
كما طالب بأن تخصص نسبة من ميزانية وزارة الصحة للمستشفيات التعليمية، خاصة أن ميزانية الدستور تختص بمستشفيات وزارة الصحة فى الوقت الذى تؤدى فيه ٨٧ مستشفى جامعى على مستوى المحافظات ٦٠٪ من الخدمة الطبية، وخاصة للأمراض المستعصية والمزمنة، متسائلًا: مصاريف التشغيل بالقصر العينى هتتوفر منين والدولة تعانى من ظروف اقتصادية، مؤكدًا ضرورة أن يخصص جزء من ميزانية وزارة الصحة للمستشفيات الجامعية، كما يتحتم مشاركة المجتمع المدنى.


ميزانية التشغيل تاهت فى الزحمة
وفى الوقت الذى أسند فيه تطوير مستشفى القصر العينى إلى لجنة تحت إشراف مجلس الوزراء بهدف تسهيل كل العراقيل من أجل تطوير مستشفى قصر العينى، جاء رد المتحدث الرسمى باسم مجلس الوزراء السفير حسام قاويش على سؤال: «هل توجد مشاكل فى ميزانية تشغيل طوارئ قصر العينى؟ وكان الرد: «اسألوا القائمين على إدارة قصر العينى»، وعند سؤاله بأن القائمين على قصر العينى أرسلت خطابًا إلى اللجنة الذى شكلها رئيس الوزراء لتطوير مستشفى القصر العينى، تشمل خطورة نقص الميزانية، وخاصة مصاريف التشغيل كان الرد: «ممكن يكون الخطاب تاه فى الزحمة!».


مصير مشترك
افتتاح المرحلتين من مستشفى قصر العينى أعطى شعورًا لرئيس الوزراء بأن حلمه تحقق بتطوير المستشفى وبناء عليه استكمل خطة التطوير لباقى المستشفيات الجامعية تحت إشراف مجلس الوزراء، ليبقى الخوف من أن تلاقى باقى المستشفيات المصير الذى ستواجه مستشفى طوارئ قصر العينى التى ستقف يومًا عاجزة عن توفير العلاج المجانى للمواطنين، وهو ما يدفعنا إلى طرح سؤال على المتحدث باسم مجلس الوزراء: «وفقًا لأى معايير يتم تطوير المستشفيات؟.. وهل تم التأكد من أن ميزانية التطوير كافية لافتتاح مستشفى القصر العينى الجديد؟!»، فجاء الرد أن التطوير ليس فقط يشمل توفير ميزانيات.. ولكن هناك عوائق كانت تحول دون افتتاح مبنى الطوارئ الجديد وتتمثل فى التمريض والأمن، وهو ما سعى مجلس الوزراء إلى توفيره، مؤكدًا أن الافتتاح تم بعد أن تأكدنا من توفير كل المستلزمات الطبية اللازمة والكافية لخدمة مرضى الطوارئ. 

الأمن الغائب 
المستشفى.. سوق شعبية للباعة الجائلين
حالة من الفوضى تعانى منها عنابر وطرقات مستشفى قصر العينى التعليمى القديم. أصوات ضجيج تشعرك وكأنك وسط سوق شعبية وليس داخل مستشفى بعد أن تحولت الطرقات إلى سوق للباعة الجائلين الذين افترشوا ببضاعتهم ما بين العنابر، بل وصل بهم الأمر إلى التجول ما بين طرقات المستشفى وبيع البضاعة بصوت عالٍ «حاجة ساقعة.. فريسكا» الأغرب أن المستشفى تحول إلى مرتع للمتسولين أيضا.. وسط غياب من أمن المستشفى. 
قال أحد الباعة الجائلين: «بنسترزق من ناحية ومن ناحية بنوفر لأهالى المرضى الذين أتوا من الأقاليم العصائر والطعام».
وعند سؤاله وهل يعترض عملك أمن المستشفى رد قائلا: «أمن المستشفى بياخد اللى فيه النصيب عشان يتركنا ناكل عيش داخل العنابر». 
خلال حوارنا مع الباعة الجائلين، فوجئنا بأمن المستشفى يمسك طفلا لا يتجاوز عمره عشر سنوات بتهمة التسول بين عنابر قصر العينى، تتبعنا رجال الأمن لمعرفة ما الذى سيفعلونه مع المتسول، وكيف دخل إلى المستشفى، فوجئنا أنهم سلموا الطفل لمكتب رئيس الأمن بالمستشفى، وقاموا بتفتيشه ووجودا معه ١٥٠ جنيهًا، وبسؤال الطفل المتسول «من أين لك هذا؟»..كان الرد: «لمتهم خلال ساعتين فى المستشفى».
المفاجأة الأكبر ليست فى وجود المتسول داخل المستشفى، لكن فيما قام به الأمن تجاه الولد، حيث احتفظ بالطفل عدَّة ساعات داخل مكتب الأمن، ثم أطلقوا سراحه بعد تهديده إن تم الإمساك به داخل المستشفى مرة أخرى سيبلغون عنه الشرطة، واكتفى المسئول الأمنى بالمستشفى بهذا التهديد، ولم يبحث حول تقصير أمن المستشفى فى دخول متسولين إلى عنابر المرضى، بالإضافة إلى أنهم تحفظوا على الأموال الموجودة بحوزة المتسول دون إجراء محضر رسمي.

غياب الأطباء الاستشاريين والإخصائيين السبب
المرضى «فئران تجارب».. وطالب الامتياز مسئول عن عنبر كامل
«البوابة» انتقلت من المبنى الضخم الحديث للطوارئ لمستشفى قصر العينى القديم، الذى يتم تحويل المرضى إليه بعد أن يتم استقبالهم بمبني الطوارىء الجديد، لمعرفة كيف يعالج أهلنا ولنكشف المشاكل الحقيقية داخل قصر العينى.
«البوابة» قطعت تذكرة لدخول المستشفى بحجة زيارة مريض دون أن يعارضنا أمن أو نتعرض لتفتيش حقائبنا، وكأن وظيفة الأمن تحولت لجمع خمسة جنيهات من كل زائر أو أهل مريض دون التأكد مما يحمله.
فبمجرد أن تطأ قدماك المستشفى، ترى الإهمال يعبث بأرواح المواطنين البسطاء، مما يُشعرك بداية بالكآبة والانقباض الذى يتحول مع تجولك بطرقات المستشفى إلى حالة «اكتئاب»، من الأسى المرسوم على وجوه شاحبة ومرضى مكلومين، تؤكد أن صرح قصر العينى التعليمى لم يعد كما كان فى الماضي.
جولة فى المستشفى
تجولنا داخل طرقات المستشفى، أهالى المرضى يفترشون الممر، البعض ينتظر طبيبًا يطمئنه على ذويه، والآخر ينتظر خروج ذويه من غرفة العمليات، أو ينتظر موعد الزيارة. 
اقتربنا من أحد أهالى المرضى الجالسين على الأرض، وسألناهم عن سبب بقائهم على الأرض، فقال الحاج عبدالسلام إبراهيم: «أخويا فى العناية المركزة والممرضات قالوا لازم وجود أحد من أهله، لأنه من حين لآخر يطلبون منا شراء أدوية أو أكياس دم»، مشيرا إلى أنه قادم من محافظة بنى سويف بعد نقل الإسعاف شقيقه لعدم توافر مستلزمات طبية كافية فى مستشفيات بنى سويف، مؤكدا أنه يضطر إلى البيات بالأيام أمام غرفة العناية المركزة لعدم وجود أماكن للمرافقين فى المستشفى. 
كما اشتكت «أم يوسف» القادمة من محافظة الفيوم لمرافقة والدتها المريضة، قائلة: «لا يوجد مكان للانتظار فيه، فى الوقت الذى يجبرنا الأطباء على شراء أدوية، وإذا خرجت الممرضة ولم تجد أحدا من أهل المريض، لا تسأل فى المريض.. وممكن تتركه يموت لعدم وجود أدوية كافية فى المستشفى»، كما أشارت إلى أن الباعة الجائلين يبيعون الباطنية من ٢٠-٣٠ جنيها للنوم عليها أمام العنابر لمرافقة المرضى طيلة فترة المرافقة فى المستشفى والتى قد تستغرق أيامًا طويلة وربما عدة أشهر خصوصًا مع حالات الأمراض المزمنة». 
مرضى فى الطرقات
المؤسف أن طرقات قصر العينى التى تمتد لعشرات الأمتار ليس فقط مأوى لأهالى المرضى، بل فى بعض الأحيان نجد فيها المرضى يفترشون الأرض يتألمون ويصرخون فى انتظار دورهم لإجراء تحاليل وأشعة مقطعية، والغريب أننا لم نجد ممرضة بجوار المرضى، ولكن وجدنا المرافقين لهم الذين اشتكوا أن مرضى الأعصاب يضطرون إلى النزول من عنابرهم بمفردهم لإجراء الأشعة.

قمامة.. وتلوث
واصلنا السير داخل طرقات قصر العينى القديم ما بين جنبات تملؤها القمامة، وعنابر تمتلئ عن آخرها بالمرضى، وأسر تُخرج مريضها بسريره أمام العنبر ليجدوا متنفسًا لهم، إضافة إلى أكياس التعقيم الملقاة فى الطرقات، حتى الأدوات المستخدمة فى العمليات تجدها ملقاة على أرضيات الغرف. ليتحول قصر العينى من مصدر للعلاج، إلي مكان ينقل الأمراض والعدوى.
حقل تجارب
بداخل أحد العنابر، وصف نائب جراحة، رفض ذكر اسمه، النظام داخل مستشفى قصر العينى القديم بالمهزلة الكبرى، مشيرا إلى أن الضغط كبير جدا على المستشفى، حيث يأتى له المرضى من جميع المحافظات، فالمستشفى يعد الوحيد فى مصر الذى يحول إليه جميع المرضى من جميع المستشفيات سواء داخل القاهرة نفسها أو خارجها، وبالتالى يكون هناك ضغط على العاملين بالمستشفى مقابل ندرة فى الممرضات، حيث نجد العنبر الواحد الذى يسع لأكثر من ١٠٠ مريض تعمل فيه ممرضة أو اثنتان، وبالتالى مستحيل أن ترضى الخدمة المريض، ويعد عبئًا على العاملين فى المستشفى الذين يعملون لأكثر من ٦٣ ساعة متواصلة دون راحة ما بين متابعة العمل الإدارى فى العنابر، وحضور العمليات ومتابعة المرضى فى غرفة الأشعة والطوارئ والاستقبال.
كما أشار إلي أن هناك مشاكل خاصة بالنواب وطلبة الامتياز تبدأ بأن بعض النواب فى السنة الأولى لهم بمستشفى قصر العينى يقومون بأعمال إدارية وأعمال النظافة والأمن، وبعد أن يرضخوا لتلك الأعمال ينتقلون للمرحلة الثانية، وهى أن يكون مسئولًا عن عنبر كامل بالمرضى سواء كانوا مرضى عظام أو أورام أو جراحة، وهذا يعد خطورة كبيرة على المرضى الذين يتحولون لحقل تجارب لغياب الأطباء الاستشاريين والإخصائيين الذين لا نرى وجودهم إلا فى غرفة العمليات أو ساعة كل أسبوع، وبالتالى لا يوجد تعليم للأطباء النواب وطلبة الامتياز ولا توجد خدمة طبية متكاملة للمريض، موضحا أن الأطباء النواب الذين يريدون أن يتعلموا يحاولون التطفل على الأطباء لحضور عمليات معهم. 
الأسانسير عطلان
وقال بمرارة «الأطباء مظلومون أكثر من المرضى، فنحن نعمل ساعات طويلة وسط إمكانيات ضعيفة، لدرجة أننا نجبر على علاج المرضى على الأرض لعدم وجود سرائر كافية من ناحية، ولمحاولة لإنقاذ المريض القادم من المحافظات دون أن نغلق الباب فى وجهه لعدم وجود أماكن، فكان البديل هو افتراش المريض على الأرض، وتوفير الرعاية الطبية له، علاوة على أن الأطباء النواب والامتياز يواجهون صعوبة فى نقل المرضى بين الأدوار لأنه يوجد أكثر من ١٠ مصاعد عطلانة منذ سنوات، مؤكدا أن هناك خطورة على حياة المرضى إذا توقفت عضلة قلب مريض فى أحد الأدوار ويتحتم نقله للعناية المركزة فى الدور الأول فنضطر لحمل المريض مع المرافقين له لإنقاذه. 
ورأى نائب الجراحة، أنه لحل هذا النظام يجب أن يتم توفير مستشفيات مجهزة فى المحافظات، حتى لا يكون الضغط على مستشفى قصر العينى وحده، بحيث يعطى مساحة لتوفير خدمة حقيقية للمرضى وتخفيف العبء على العدد القليل من التمريض والعاملين فى المستشفى، بالإضافة إلى تشديد العقوبة على الأطباء الاستشاريين والإخصائيين الذين لا يتواجدون فى مستشفى قصر العينى إلا بضع ساعات.

«ملاك الرحمة» بـ«5 جنيه بقشيش» 
«أبجنى تجدنى» كلمة السر للحصول على الخدمة
تحولت ممرضات مستشفى قصر العينى القديم من ملاك للرحمة إلى بشر يتاجرون بآلام المرضى مقابل جمع «بقشيش»، ليتحول الأمر إلى سبوبة للممرضات.. فالشعار داخل عنابر قصر العينى «الدفع أولًا.. ثم العلاج».
قال أحمد السعدنى، البالغ من العمر ٦٣ عامًا: «إن الممرضة تطلب بشكل علنى يوميًا بقشيشًا مقابل رعاية ابنى داخل قسم العظام»، مشيرًا إلى أنه إن لم يمنحها «البقشيش» فإنها لا تعتنى بابنه، حتى تغيير ملاية السرير لازم بالفلوس... ومش بعيد يسيبوا المريض فى الطرقة، ويقولك دخله أنت الغرفة».
وقال مستشفى قصر العينى يبدو أنه للعلاج المجانى، ولكن الحقيقة غير ذلك، فالمستشفى تجبرنا على شراء الأدوية من الخارج، كذلك شراء الشاش والقطن والسرنجات، متسائلًا فى تعجب: «هو فى مستشفى لا يوجد فيه شاش وقطن؟!». 
وقالت مريضة، تدعى صالحة عبدالبارى، بالغة من العمر ٥٢ عامًا، محتجزة فى قسم العظام «معظم السراير فى المستشفى مفروشة بملايات قديمة وغير نظيفة، فتجد الملاية غارقة بدماء مرضى، وربما بإفرازات العمليات الجراحية، وتبقى الملايات بالشهور دون غسيل، ويتغير المريض على السرير، وهو مجبر على النوم على الملايات المتسخة أو على السراير بدون ملايات، أو إعطاء عشرة جنيه للممرضة لإحضار ملاية جديدة، بعد أن تحولت السراير التى يرقد عليها المرضى لمصدر للأمراض. 
وقالت صالحة: المرضى يخشون من غضب الممرضات، لأن بيد الممرضة بقاء المرافقين مفترشين الأرض أمام العنبر لمساعدة المريض، وتوزيع وجبات الإفطار والغداء على المرضى، مشيرة إلى أن المرضى يتحملون المعاملة السيئة من الممرضات.

تطوير التمريض
ومن جانبها، قالت الدكتورة كوثر محمود، نقيب عام التمريض، إنه تم عقد اجتماعات موسعة مع لجنة قطاع تعليم التمريض بالمجلس الأعلى للجامعات، حيث تم الاتفاق على استراتيجية للتطوير من التمريض داخل المستشفيات الجامعية، مشيرة إلى أن اللجنة تتقبل شكاوى المرضى ضد فريق التمريض لمحاسبة من يستغل حاجة المرضى، مشيرة إلى أن هناك لجانًا دورية للمراقبة على أداء التمريض بالمستشفيات الجامعية، معتبرة وجود شكاوى من التمريض مجرد حالات استثنائية، يجب ألا يتم تعميمها.

رئيس طوارئ قصر العينى: مخزون الدواء ينفد فى إبريل من كل عام
مشاكل مستشفى قصر العينى القديم كثيرة ومتعددة .. تبدأ فى عجز عدد الأسرّة .. ونقص الأدوية.. وتزايد المترددين عليها.. فضلًا عن مشاكل الأطباء والعمل فى ظروف غير آدمية.. «البوابة» التقت هشام عامر، نائب مدير قصر العينى للتعرف على مشاكل المستشفى. قال «عامر» إن مشاكل المستشفى تنقسم إلى قسمين، كمى وكيفى، مشيرا إلى أن المستشفى يعانى من نقص الأسرّة، مقارنة بعدد المرضى المترددين على المستشفى، وقال المستشفى بها أربعة أقسام.. كل قسم يستوعب من ٦٠ إلى ٨٠ مريضا، لكن عدد المرضى بكل قسم يزيد بنسبة ٣٠ بالمائة، يوميا.. وأضاف: رغم ذلك فالمستشفى لا يرفض استقبال المرضي، وتابع: «لما يجيلى مريض أحضر له مرتبة وينام على الأرض، ولا أقوله أمشى».
وأرجع عامر شكوى المواطنين من الخدمة المقدمة بالمستشفى، قائلا: «الناس مش مبسوطة لأن الطبيب يتعامل مع عدد كبير من المرضى فى آن واحد، الطبيب بيشتغل فى مكان غير آدمي.. فكيف تطلب منه أداء كويس؟». أضاف «عامر» أنه يوجد زحام كبير من المرضى، وقال لا يمكن أن أحمل الطبيب والممرض أكثر من طاقته، مشيرا إلى أنه يعمل فى الوقت الحالى على أن يكون موظف العلاقات العامة هو الرابط بين الطبيب وأهل المريض، ليطمئنهم على الحالة ولتقليل حدة المشاحنات بين الأطباء وأهالى المرضى. وتابع: الأدوية لا تكفى حاجة المرضى، مضيفا نشترى الأدوية سنويا ويبدأ المخزون فى النقص من منتصف شهر أبريل حتى انتهاء السنة المالية من كل عام.

تدريب الأطباء
من جانبه، رأى الدكتور خالد مجاهد، المتحدث الرسمى باسم وزارة الصحة، أن إصلاح المنظومة الصحية لا يرضى المرضى بنسبة مائة فى المائة، مشيرا إلى أن خطط تطوير المستشفيات رغم أنها سريعة إلا أن المرضى لا يلمسونها على المدى القريب، مشيرا إلى أنه كى يرضى المرضى عن الخدمة الطبية لا بد أن يحصل الطبيب أولًا على دعم تعليمى مستمر، ومن ناحية أخرى يحصل المريض على خدمة طبية فندقية وميسرة، بالإضافة لتوفير علاج آمن وفعال لا يرهق كاهل المريض، موضحًا أن هناك حربًا لا هوادة فيها ضد مافيا الدواء وهناك اجتماعات مستمرة بين وزير الصحة ومديرى المستشفيات لتوفير الاحتياجات اللازمة والناقصة فى المستشفيات.