الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"استخدام الذراعين".. خطة "داعش" لنشر الفوضى

بعد انحساره فى الشام والعراق

البوابة نيوز
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
«القاعدة» يسعى لدمج فروعه.. والتنظيمات تتبنى استراتيجية «السرايا الصغيرة».. «ضباط البعث» كانوا وسيلة التنظيمات الإرهابية فى السيطرة على الأرض.. «داعش والقاعدة» يخططان للعودة لـ«مناكفة الأنظمة وحروب الخلايا» .. العولمة و الاحتلال الأمريكى للعراق أسهما فى ظهور «الجهاد التضامني» .. «داعش» مثّل نموذجًا لجذب آلاف المسلحين.. والتنظيمات الإرهابية تسعى للوجود فى مناطق التوتر 

أسوأ شيء أننا لم تعد لدينا القدرة على فهم التنظيمات الجهادوية المسلحة، لأننا خلطنا المعقول بغير المعقول، فنتج لنا أن التنظيم صناعة أمريكية رغم أنه ضرب فى أمريكا، وأخرى سعودية رغم أنه قتل بالرياض، وبعضنا جعله صناعة يهودية أحيانًا.. والصورة لن تكتمل إلا إذا حللنا استراتيجيات تلك التنظيمات، من خلال ما كتبه منظروها، لكى يكون ذلك مدخلاً لدراسات متوسعة حول هذه المسائل الكاشفة لواقع وحاضر ومستقبل
جماعات العنف «الإسلاموية».
لا بد أن نؤكد أولاً أن ما نكتبه يكون من خلال منظرى هذه التنظيمات، الذين وضعوا لها استراتيجيات تمتد لعشرات السنين، وبالطبع ستكون لها علاقة بمصر، إذ إن تلك الخطط تنتقل من العام إلى الخاص، وأحيانًا أخرى من العكس.

الدمج بين العنقودى والمنفرد
الأهم فى تلك الاستراتيجيات المسلحة، هو أن مرحلة «إمساك الأرض» قد قاربت على الانتهاء، عقب تناقص تلك الأراضى التى يسيطر عليها القاعدة وداعش، ومن المعلوم أن هذه المرحلة من السيطرة كان سببًا فيها بشكل مباشر، هم الضباط البعثيون الذين انضموا لهذه التنظيمات، أو الضباط العسكريون المنشقون عن النظام السوري، أو الآخرون الذين نجح التنظيم فى تجنيدهم، حيث ساهموا بشكل مباشر وفعال فى التخطيط والتدريب على إمساك الأرض والسيطرة عليها، وليس مناكفة الأنظمة عبر العمليات الفردية. الآن دارت الدورة، وحدث الانحسار، وبدأ التخطيط للعودة من جديد إلى المناكفة، وحروب الخلايا، لذا فقد كتبوا عن الدمج بين المحلى العنقودى والمحلى المنفرد.
من المعلوم أن الإسلام «الجهادوي»، بدأ بمقاتلة الأنظمة باعتبارها مرتدة، ثم انتقل إلى ما يسمى الجهاد «التضامنى» على يد عبدالله عزام، وبعدها انتقل إلى مقاتلة العدو البعيد، ردًا على العولمة، على يد «بن لادن»، ثم عاد مرة أخرى إلى قتال العدو المحلى القريب على يد «داعش»، بسبب التصدع الخاص بالهوية فى العراق، وما جرى بسوريا من مذابح وأخرى مضادة، وبعدها انتقل التنظيم من جهاد «النكاية» إلى التمكن وإمساك الأرض، وأعلن بوضوح ٩ رصاصات للمرتدين وواحدة للكافرين.
وبينما القاعدة كان فى مرحلة انحسار وكمون، كان لداعش عدة محاور من الأنظمة العسكرية، الأولى فى أماكن سيطرته، والثانية فيما يطلق عليها الولايات مثل ليبيا، أو بوكو حرام، والثالثة من خلال الشبكات والخلايا مثل بروكسل وخلية باريس، والأخيرة هى الذئاب المنفردة.
دمج التنظيم بين مقاتليه، وكانت له سياسة واضحة، هى إمساك الأرض، عن طريق مزيج من قتال الجيوش النظامية، وحرب العصابات، وما ابتدعه وهو تطهير المكان، أى مذابح للمخالفين، ثم التهجير، لكى يخلق مشكلة للجوار، وإذا انسحب يدمر المكان تمامًا كما جرى بكوبانى والفلوجة، عن طريق مقاتليه الذين أطلق عليهم قوات النخبة. لاحظوا أن التنظيم قبل حادث نيس بفرنسا بأيام أصدر فيديو كشف فيه عن هيكل دولته، وعن بنائه لمجتمع أيديولوجى تتحقق فيه مُثُل الإسلام المتصورة، وأن السيطرة على الدولة هى الطريق الرئيسى لتحقيق هذه الغاية.
وحدث اندماج لدى داعش بين الأبعاد الإقليمية والعالمية، وبين المحلى العنقودي، والمحلى المنفرد، وذلك للرد على تراجعه، وسيحدث خلال الأيام المقبلة أن يدمج ما بين عمله عن طريق الخلايا، أو العمل الفردى. 


مناكفة الأنظمة
ستتحول التنظيمات من الملاذات الآمنة فيما بعد للبحث عن أخرى مؤقتة، ولكى تستمر فى عملها ستستخدم استراتيجيات الاستنزاف، التى أطلق عليها داعش فى أحد بياناته بأحد المواقع المقربة منه «المنازلة».
إن هذا التنظير ليس جديدًا، بل هو تنظير استخدمه القاعدة، وأطلق عليه «المناكفة الجهادية للأنظمة العربية»، وبرز هذا التنظير خلال سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، حتى بدأت الحرب الأفغانية السوفيتية، وبرز ما يسمى «الجهاد التضامني»، وأطلق قادة الحركة على المنابر، شعار «من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». عقب فترة أفغانستان برز الجهاد «النكائي»، أو ما أطلق عليه بن لادن «قاعدة الجهاد»، وأطلقت عليه الجماعة الإسلامية، وتنظيم الجهاد «دفع الصائل». بروز العولمة، ثم الاحتلال الأمريكى للعراق، أسهما فى ظهور ما يسمى الجهاد «التضامني»، وظهور الشبكات الجهادية، الذى بدأ بربط التنظيمات المحلية، بتنظيمات مماثلة إقليمية، دمجت كل الأبعاد من قتال العدو القريب إلى البعيد. لأول مرة فى هذه الفترة ظهرت تنظيمات تريد حرب العالم أجمع فى وقت واحد، ففى الوقت الذى أصرت فيه قيادة القاعدة على أولوية قتال العدو البعيد، والمضى قدما فى مناكفة «الصليبيين» عبر تكتيكات حروب النكاية، ونهج الاستنزاف والمطاولة، كان تنظيم الدولة الإسلامية يشدد على دمج الأبعاد الجهادية، وأولوية قتال العدو القريب عبر استراتيجيات التمكين.
كان على تلك التنظيمات فى هذه الفترة التى تريد التمكين أن تقوض الأنظمة، وأن تطرح بدائل مناسبة لها، وهذا ما نجح فيه داعش وحده، الذى دمج بين الفقه السلطانى الوهابى القديم، مع شكل الدولة الحديثة، وأنتج نموذجًا هجينًا وغريبًا، وهو نموذج الخلافة، فيما ظل تنظيم القاعدة يستهدف تقويض الدول الغربية من دون طرح بدائل محددة.
شكّل نموذج داعش نقطة جاذبة، جمعت آلاف المسلحين والمقاتلين، على سبيل المثال، حين سئل مقاتل أجنبي فى الرقة، لماذا لا ينخرط فى الجهاد فى موطنه؟ أجاب: «لأن الدولة الإسلامية الحقيقية موجودة هنا». عقب الحرب الكونية على داعش، ظل التنظيم يبذل الجهد لكسب الوقت، من أجل حفاظه على مكتسباته، وتربية جيل جديد من الأنصار، تمكنه من الحفاظ على دولته المزعومة، فهيمن على مدارس الرقة والموصل، واستغل طائفية الحشد الشعبى جيدًا، بحجة الدفاع عن السنة، والهجوم على المرتدين.
فى بعض المناطق، نجح داعش فى التوسع، من خلال التحالف مع القبائل، والسكان المحليين، كما حصل على بيعات أفرع من تنظيم القاعدة، مثل فرع التنظيم بسيناء. الآن، وعقب تناقص حدود داعش، وتقلص التنظيم، وانحساره، بحث التنظيم عن حل جديد للتحديات، كان منها هذا الطرح الجديد، وهو استنزاف الأنظمة، عن طريق ضرب اقتصادها، وأمنها، وجيوشه، وبالطبع الجيش المصري، هو أحد هذه الجيوش المستهدفة، نظرًا لتأثير مصر بالكامل على المحيط.


الوجود فى مناطق التوتر
من المتوقع أن تحاول هذه التنظيمات التواجد فى مناطق التوتر، فأحد كبار منظرى القاعدة يورد عبارة تعبر عن تلك الحالة، حيث قال: «إن الضعفاء لا يستطيعون وضع الاستراتيجيات، لعدم إمكانيتهم فرض الظروف، أو على الأقل المحافظة على ثباتها، لذلك قد تتغير الاستراتيجيات نتيجة الانقلاب فى الظروف العامة، ومن الأجدى أن تكون استراتيجية المقاومة مجموعة خطوط استراتيجية عريضة تعطيها مرونة الحركة وتبديل التكتيكات بحسب الوقائع الناشئة، وهذه لا يمكن أن تكون إلا فى بيئات فاشلة.
يرى الجهاديون المسلحون، أنه لا يمكن الإتيان باستراتيجية إذا كانت الظروف كلها تصب فى غير مصلحة التيار الجهادى عموما والقاعدة خصوصا؟ وأماكن التوتر قد تعطى فرصة غير مسبوقة لهذا التيار، بمعنى أن تحرك التنظيم مرتبط بشكل أو بآخر بالواقع الذى يمكن أن يتحكم فيه التنظيم، وبالوضع على الأرض أو ما تسميه القاعدة بـ«فقه الواقع»، لأنه لا يستطيع العيش والعمل والتخطيط إلا فى بيئة مضطربة ومنقسمة على نفسها أو مرشحة للانقسام أو ذات حكم بوليسي، أو مناطق فوضى أو معازل اجتماعية وسياسية، أو ضمن تجمعات مذهبية أو طائفية، أو ذات نزاعات مسلحة واضطرابات سياسية.
إذن من المؤكد، أنه حال فقد داعش والقاعدة أماكن الجبهات المفتوحة لم يعد لديهما من سبيل إلا اعتماد استراتيجية بناء السرايا الصغيرة ذاتية النشأة والتكوين والدفع والمنقطعة عن بعضها، والعمل بصورة منفردة بعيدا عن الأمير المؤسس لها، وهى المحور الأهم فى عقلية الجهاديين الاستراتيجية، كما ستلتجأ لسياسة توسيع ساحة المواجهة، وهذه أخطر ما يمكن تصوره، لأنها ستجعل بلدان العالم الإسلامى مجتمعة أو منفردة ساحة مواجهة حقيقية بكل ما يترتب على ذلك من كوارث، فصناعة مساحات شاسعة للتحرك حتى لا تمكن محاصرة التنظيم، يعنى أن المواجهة القادمة بين التيار «الجهادوى» السلفى ونموذجه الداعشى أو القاعدي، سيطول دولا وشعوبًا لطالما اعتبرت نفسها بعيدة عن ساحة الصراع المباشر، أو أنها اكتفت بمواقف سياسية أو أيديولوجية أو تقديم دعم مالى.


خلق جماعات بديلة
تؤكد استراتيجية التنظيمات الجهادوية، على خلق جماعات بديلة، وتحويل التنظيم المركزى المنحسر إلى تنظيم عابر للقارات ومتغلغل بين الشعوب، فالانتشار الأيديولوجى لن يتحقق نسبيا عبر العمليات المسلحة بقدر ما يتحقق عبر شبكة التنظيمات والجماعات المختلفة، التى تمثل الرصيد الفعلى لأى اختراق محتمل وواسع النطاق.
الاستدراج الاستراتيجي
فلسفة المواجهة الجديدة هى الاستدراج الاستراتيجي، وتتمثل فى استدراج العدو لمواجهة طويلة، ومن خلال المكاسب التى تتحقق له بأنه سينتصر بالنهاية، لكن الحقيقة أن استمراره معك فى المواجهة هو انتصارك الذى تبحث عنه.
ويستدلون بحديث النبى الكريم، صلى الله عليه وسلم، عن الملك والغلام، وأن الغلام استخدم الاستدراج الاستراتيجى فى جر الملك لمواجهة ظن الملك أنه سينتصر فيها بتخلصه من الغلام فى النهاية، لكن استمرار محاولات الملك لقتل الغلام وتخليه عن زيف مبادئه فى ادعاء الألوهية، واعترافه ضمنيًا بصدق دعوة الغلام الذى قتل بالنهاية، هذا ما قاد بالنهاية الجمهور المتابع إلى الإيمان بدعوة الغلام، فجاء الخبر كالصاعقة على الملك عندما قيل له، قد آمن الناس. يقول منظر القاعدة الاستراتيجى عبدالله بن محمد: «عندما نتحدث عن الجهاد فإننا نتحدث عن الحرب، والحرب تحتاج إلى خطة، والخطة نفسها تحتاج إلى مراحل، ومتطلبات تبعًا لنوع الحرب وطبيعتها، وكل ذلك من أجل تحقيق هدف معين، وهذا الهدف إما يكون تكتيكيًا أو استراتيجيًا، وهذا يختلف باختلاف الموقع والمعطيات، فهناك مسارح حرب يكون الهدف منها إضعاف العدو، وأخرى يكون الهدف منها هزيمته، والأولى مكملة للثانية».
عبد الله محمد، تحدث عن اندلاع الفوضى العارمة فى المنطقة على نحوٍ غير مسبوق، متسائلاً: «ما الدور الذى يمكن أن يلعبه التيار الجهادى فى هذه المرحلة الخطيرة من عمر الأمة؟ وما المشروع الذى يمكن أن يدخل به فى هذه المرحلة؟ وما فرص نجاحه؟» ثم يجيب قائلاً: «فى البداية أقول إنَّ فى ظل هذه الفوضى المرتقبة لن يكتب للمشاريع الجزئية أى فرصة للحياة فى الأوضاع الجديدة». من خلال حديثه نفهم أن استراتيجية الاستدراج بعد نجاحها سيتبعها على الفور التحرك العسكري، الذى ينقسم لثلاث مراحل: البناء، والقتال، والتمكين. يؤكّد عبدالله بن محمد مسألة الحشد الفكرى والعاطفى التى يقول إنَّها يجب أنْ تسبق الخطوات التنفيذيَّة للمشروع، وهنا يلتفتُ إلى أهميَّة الدور الذى يمكن أنْ يضطلع به الإعلام فى هذا المجال؛ فيقول: «يمكن ومنذ الآن اعتماد استراتيجية بعيدة المدى تتضمن أدوات إعلامية متنوعة كالإصدارات المرئية والكتب والدراسات والمؤتمرات الصحفية والندوات الفكرية التى يمكن من خلال تكثيفها على مدى ٣ أو ٥ سنوات أن نخلق حالة من القبول الفكري، أو على أقل تقدير أن نجعل مشروع الخلافة الإسلامية قضية مطروحة عند رجل الشارع العادى إذا ما أراد مناقشة الحلول للأوضاع من حوله». مصطلح «الفوضى العارمة»، لدى «عبد الله بن محمَّد»، يعادل مصطلح «الفوضى الخلّاقة»، لدى كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، ومصطلح «مرحلة التوحّش»، لدى «أبو بكر ناجي»؛ وهم جميعًا يبحثون فى كيفيَّة استغلال هذه الحالة الاستثنائية لتحقيق أغراضهم السياسية.

استخدام الذراعين
أصدر عبدالله بن محمد كتيبًا، اسمه المذكرة الاستراتيجية تحدث فيه عن نظرية الذراعين، لبحث أفضل وأكمل الاستراتيجيات للدخول فى المرحلة المقبلة، والمقصود منها الخطط اللازمة لإقامة إمارة باليمن أو ليبيا.يقول عبدالله بن محمد، فى مذكرته: «إننى تلقيت عدة رسائل فى الآونة الأخيرة يسأل أصحابها عن أهم الجبهات التى يمكن العمل من خلالها فى ظل الأوضاع الجديدة، وأحب أن أطمئنهم إلى أن ما جرى بعد الثورات العربية لم يقلص التيار الجهادى، بل ثبته وأعطاه قفزة ماراثونية لم تكن لتخطر على قلب بشر، والثورات العربية فى محصلتها النهائية ما هى إلا كيوم «بعاث» الذى قتلت فيه صناديد الأوس والخزرج، واضطربت فيه موازين القوى فى المدينة، ليفتح الله بعد ذلك أمام أى قوة فتية تصلح للقيادة وتستطيع ملء الفراغ».أكد محمد أن الحشد الفكرى مهم، ضاربًا المثل بالأكراد، الذين انتزعوا من العالم الاعتراف بهم، رغم أنهم يعيشون فى عدة دول، لها تاريخ طويل مع قمع الحركات الانفصالية الكردية.فى المذكرة، حدد عبدالله بن محمد شروط الموقع المناسب لإقامة الإمارة، ومنها ألا يكون فى منطقة ميتة حيويًا وسياسيًا كبعض الأقاليم فى السودان والصومال وموريتانيا وصعيد مصر، وغيرها من المناطق التى لا تحظى بعوامل تجعل منها محط اهتمام للشارع الإسلامي، وأن يكون ضمن أو بالقرب من مناطق التأثير الدينى، كما يضم تضاريس تساعد على العمل العسكرى الدفاعى، كالموانع الطبيعية مثل الجبال والغابات والمستنقعات والأحراش وغيرها، من الموانع التى تعيق حركة الجيوش النظامية، أو تحيد بعض الأسلحة المتفوقة كالطيران والمدرعات.تحدث عبدالله عن اليمن، وأن به صفات جغرافية تساعد التنظيم، قائلاً: «أعتقد أن المرحلة القادمة سيكون فيها متسع أكبر للعمليات فى المناطق المفتوحة، إلا أنه من الضرورى أن تكون هناك قاعدة محمية بفعل العوامل الطبيعية كى لا تتعرض القوات لإبادة جماعية، إن تعرضت لحملات جوية واسعة أو عمليات تطويق، فضلاً عن وجود الأمن الغذائي، أى أن يضم مناطق زراعية، أو بحيرات طبيعية، تشكل له قاعدة للاكتفاء الذاتى فى الماء والغذاء، وأهمية ذلك تكمن فى أن المناطق ذات الاكتفاء الذاتى فى الماء والغذاء هى الأكثر قدرة على الصمود فى وجه أى حصار أو عقوبات اقتصادية من أى نوع». كما ذكر أن الطبيعة السكانية المساعدة، والخصائص البشرية للمنطقة، من ناحية التدين والشجاعة والصبر على المشاق، وقابلية التحرك، تتوافر أكثر ما تكون فى منطقتين من العالم العربي، هما اليمن والشام.عن استراتيجية التحرك فى نظرية الذراعين، ذكر عبدالله بن محمد، أن المقصود هو أن القاعدة ستسيطر على منطقتين إحداهما باليمن، والأخرى بالشام (لاحظوا كلمة الظواهرى التى دعا فيها النصرة لإقامة إمارة)، ونجاح منطقة الشام يعتمد على الضغط الذى تحققه منطقة اليمن ضد قوات العدو، والعكس صحيح، عن طريق شبكة الإشغال العسكرية، وشبكة التثبيت، وشبكة التغطية، وهذه تدخل فيها بقية الجبهات بشكل جزئي، لأن تشتيت جهود أى تحالف عسكرى يحتاج مواقع تتبادل الضغط والتغطية.يكمل بقوله: «لكى أقرب الصورة أكثر أقول إننا فى حربنا ضد الحملة الصهيوصليبية قد فتحنا العديد من الجبهات فى باكستان وأفغانستان ووزيرستان والعراق واليمن والصومال والمغرب الإسلامى، ونشرنا أذرعًا عسكرية حرة فى منطقة الشام وأوروبا، وبدأنا نجنى أولى ثمرات الحرب، التى ما زالت مستمرة منذ ١٠ سنين بالضعف الاقتصادى المنذر بالانهيار الكبير للنظام المالى الأمريكى والاقتصاديات التابعة له، جراء حرب الاستنزاف التى اختارتها القيادة كنمط للقتال منذ التوجيه الاستراتيجى الأهم للشيخ أسامة بن لادن». أنهى عبدالله بن محمد ما أطلق عليه مرحلة «المصاولة»، وقال إنها أوشكت على النهاية، وبمجرد الإعلان المفاجئ عن الأنسحاب الفورى للقوات الأمريكية من أفغانستان سنجد أنفسنا أمام وضع جديد يتطلب مجموعة تكتيكات جديدة للاستفادة من نتائج الحرب، ولا يعنى ذلك أن نعود إلى ما كنا فيه من ملاذات آمنة فى أفغانستان وغيرها، لأنها تقع على الهامش، وخارج مناطق الحيوية والتأثير، فالاستثمار الجيد لمرحلة «المصاولة» يكون كما يكون فى أى حرب تبدأ من مجموعة جبهات تستنزف العدو وتنهكه حتى يصل إلى نقطة الانكسار، فنقوم عندها باختيار الجبهة المناسبة لنا. حدد عبدالله بن محمد الخطوات عن طريق: التأمين الدعائي، والتأمين الذاتي، والردع، أما استراتيجية التحرك العسكرى فقسمها لثلاثة مراحل وهى: (البناء - القتال – التمكين)، وهى مراحل تعتمد على السرية فى كل شيء، وترفع شعار البناء من خلال المعركة، بحيث يكون الشغل الشاغل للمجاهدين يتركز فى تدريب وإعداد الكوادر العسكرية وبناء شبكات الرصد، وتشييد البنية التحتية، والتأمين الاستراتيجي، وهى الإجراءات المقترحة للعمل على شل قدرات العدو العملية على شن الحرب، وحرمانه من المميزات التى كانت تساعده فى الدخول إلى المنطقة، واستثمار 



السيولة.
استثمار السيولةعن استثمار السيولة، الذى تحدث عنه عبدالله ابن محمد، فببساطة هو استثمار بعض العوامل فى كيفية اختراق المجتمعات الشبابية على مختلف شرائحها وطبقاتها.تعنى السيولة الاستفادة من كل التنظيمات الموجودة، وعمل اصطفاف منها أمام من أطلق عليهم العلمانيين، وهذا فى مصر ما أوجد «حازمون» وتنظيمات أخرى مشابهة، مثل «أنصار الشريعة»، أو «طلاب الشريعة»، وهى التنظيمات التى استطاعت فيما بعد التغلغل داخل المجتمعات الشبابية، واستثمرت حماستهم فى حمل السلاح، ومواجهة الدولة، وفى هذه المرحلة ظهر هذا التطور المنهجى الذى لم يمنع الاندماج بين كل الكيانات، وتبادل الأدوار.حاول فى المقابل داعش الاستفادة من تلك الحالة أيضًا، ونجح إلى حد ما فى ضم كل من يريد حمل السلاح، واجتذب شباب الجماعات المنهارة، وأبناء العناصر المقبوض عليها، الذين ارتبطوا أيديولوجيا ونفسيا بالانتقام، أو من القطاعات الشبابية المختلفة. زيادة على الانتقام والثأر، هناك العوامل الأخرى، مثل الإحباط، أو انعدام الأمل فى المستقبل، أو التحرك الجماعى فى قطيع الجماعات، أو التنظيمات الشبابية، مثل الأولتراس، الذى احتوى الآلاف من الشباب الذين يشعرون بالإحباط، ويفقدون الثقة فى الكبار. حتى السلفيين فعلوا ذلك وكتب القيادى السلفي، عبدالمنعم الشحات، مقالاً على الموقع الرسمى للدعوة السلفية «أنا السلفي» عن ثقافة المرحلة، تساءل فيه عن الدعوة السلفية، وكيف تستفيد بهذا الواقع، وقال: «كيف نستثمر العوامل الإيجابية التى ظهرت فى مجتمع عانى من ويلات الكبت والقهر لعقود من الزمن؟ وما مخلفات المرحلة التى أطلت برأسها علينا؟». فى الختام، فإن أى شخص يشير إلى انتهاء توجهات معينة، ومنها نهاية مرحلة الإسلام المقاتل، وبداية مرحلة جديدة يتجه فيها «الإسلامويون» إلى تبنى الانتخابات بديلاً من الرصاص، هو مخطئ، فالإسلام المقاتل فى مرحلة صعود وليس فى هبوط، وما سبق كان هو استراتيجياته المستقبلية.