الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

"منتصر الزيات" واللعب على حبال أزمة لن تنتهي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا أخفى إعجابى بالطريقة التى يفكر فيها منتصر الزيات، المحامى السابق للجماعات الإسلامية فى مصر، وطريقة لعبه فى المنطقة الرمادية من الأزمة، فهو يعيد إنتاج مواقفه ببراعة السياسى الذى يحتمى بعباءة المحامى المحترف، ولم يتوان عن إعلانه عن خوض مبادرة الصلح بين الدولة والإخوان لإبقاء منافذ الحوار مفتوحة بين الحكومة والإخوان!
كاشفا أن ثمة خطوطا حمراء بين الدولة والإخوان لم تكتمل بعد، لتدوير تجربتهم وإعادة صياغتها بما يتوافق والمعطى الوطنى وبإشراف النظام نفسه، وهو يؤكد:
«لم تصدر أى إشارة توحى بأن الدولة مستعدّة لقبول المصالحة، لكنى أعتبر كلام الرئيس السيسى عن إمكان التحدّث مع الذين لم تتلطّخ أيديهم بالدم إشارة إلى إمكان المصالحة».
دور المصالحة الذى يسعى له الزيات مختلف كليًا عن أدواره السابقة مع الجماعات الإسلامية التى نذر نفسه للترافع عنها يقول الزيات: «مبادرتى الحالية تختلف عن مبادرتى الخاصة بالجماعات الإسلامية سابقا».
لكنه يضع لنفسه خط رجعة، قائلًا لـ«العربية» فى حوار أجرته معه مؤخرا: «لم تصل الأمور بعد كى أقترح مبادرة بين الحكومة والإخوان»، ووصفها بـ«لم تصل الأمور بعد كى أقترح مبادرة بين الحكومة و«الإخوان» بل أقدّم أفكارًا».
والسؤال الذى يبدو ملحًا أى أفكار يقدمها المحامى الزيات «الأفوكاتو الإسلامى» الحريف الذى يمتهن المحاماة منذ أكثر من ربع قرن؟
وهو يكاد يخوض لعبة خطرة بين الشعب والحكومة الناقمة على الإخوان من جهة والجماعات الإسلامية الكثيرة من جهة أخرى التى ترافع عنها طويلًا، وكان هو نفسه إحدى ضحاياه حين وقفوا ضده فى انتخابات نقابة المحامين، رغم مواقفه الودودة معهم طوال عهدى الرئيسين السادات ومبارك. حدث ذلك أيام حكمهم القصير، حين أقصوه عن النقابة فى وقت كان يظن أنهم سيقدرون مواقفه السابقة معهم، ويكافئونه.
رغم ذلك فإنه مصر على احتراف لعبة شد الحبل بينه وبينهم، أو لنقل معادلة شعرة معاوية «إن شدوا أرخيت وإن أرخوا شددت».
وأجد أنها لا تصلح فى حالة الإخوان الذين ثارت عليهم جموع مليونية بمؤازرة الجيش، لتخرجهم عن سدة الحكم عام ٢٠١١، وملاحقة قياداتهم، ليودعوا السجون، وليتحولوا من حاكمين إلى مطاردين.
ومنذ ربع قرن والزيات يجيد اللعب معهم ببراعة المحامى حينًا، والنقابى السياسى أحيانا، والمتبرع لإنقاذهم تارة والمدين لتصرفاتهم أخرى. يقول: «إسلاميتى لم تمنعنى من معارضة الإخوان عندما كانوا فى الحكم»، لكنه يجد من غير الصحيح استعداءهم إلى الأبد، ويقترح ترويضهم واستخلاص قيادات جديدة منهم، نحاول أن نبحث عن قيادات بديلة من «الإخوان» لسدّ الفراغ، يتأمل أن تتبنى مواقف وطنية، وإرجاعهم إلى مجالسهم كجماعة دعوية لا غير لا تطالب فى الحكم ولا تناكفه ولا تلعب دور «حصان طروادة» لتعبث بمقدراته، عبر التنظيم الدولى حينًا، والتفاوض الفردى مع الغرب أحيانا على حسابات تتعارض مع الأمن القومى المصرى الخط الأحمر فى البلاد وفى السياسة المصرية بكل عهودها.
- هل ينجح الزيات ومن وراءه فى الوصول إلى هذه النتيجة لحل أزمة السلطة ونقمة الشعب على الإخوان؟!
لنعود لتصوره: «لا بد من شكل مؤسسى يتبنى المصالحة بين الطرفين وإلا ينعدم الحياد».
ويذهب بعيدًا حين يحاول الاحتكام لتجارب غير مصرية سابقة وحالية جرت فى بلدان عربية مثل الجزائر وتونس وسواها،بل الاحتكام لتجارب غير عربية أيضًا «علينا دراسة تجربة الدول التى سارت بطريق (العدالة الانتقالة) مثل جنوب إفريقيا سبيلا للخروج من مأزق الصدام بوجود كتلة مجتمعية كبيرة تكاد تعطل الحياة السياسية وتعيق مقدرة النظام فى تخطى أزمات ملحة، فى مقدمتها الوضع الاقتصادى الضاغط على الناس، وتدنى مستوى العيش، نتيجة تكريس موارد الدولة واستنفارها لدرء مخاطر العنف، لكن الزيات يعود لينفى تورط الإخوان فى الإرهاب قائلا: «على حد علمى لم يثبت قضائيا وجود علاقة بين الإخوان والعنف حاليًا». ولا ينكر تراجع وضعهم الحالى.
«من أهم أسباب ضعف الإخوان شعبويا اتهامهم بالمسئولية عن العنف»، نعم أصاب فى ذلك، وهذا يجعلهم موضع الاتهام المستمر إذا لم يكن قضائيا بل معنويا، وسياسيًا كونهم المعارضين المعلنين أمام الشعب الذى لا يتسامح مع مرأى جثث جنوده وضباطه فى سيناء وسواها، هذه المسألة تعد من الكبائر فى مصر وإعلان حرب على المجتمع عموما، وهو يدرك ذلك قبل غيره بحكم تشبعه بقيم المجتمع المصرى، وتواشجه مع مواطنيه.
الزيات ثعلب المحاماة وخصم الإخوان أيضا يدعوهم إلى «أن يكونوا واضحين فى نفى العنف علنا، لأن من أهم أسباب التطرّف والعنف هو انسداد قنوات التفاهم فى مصر».
وهو يدين ويستنكر العنف بشدة ويعتبره من أقسى المشاهد التى يراها المجتمع المصرى.
لكنه يظل مصّرًا على أن اتهام الإخوان لم يتأكد قضائيا «بأنهم وراء ذلك وإنما يتهم (الإرهاب) الذى يطال المنطقة عموما ومصر بخاصة، ويكشف دوره فى حصيلة مواقفه التفاوضية مع الإسلاميين عمومًا، بأنه الاحتياطى الاستراتيجى لأى مصالحة قادمة مع أى جماعة إسلامية، رافعا يديه ليؤكد هذا الدور، الذى يراه وطنيا بامتياز، معتقدا أن الذين لا يرغبون فى تقريب وجهات النظر بين المصريين وصفهم بأعداء الوطن.
ولا أدرى كيف يسوغ الزيات مشروعه بتسوية أزمة الإخوان حين يكونون طرفا محرضا دائما على النظام، من وجهة نظر النظام السياسى، وأغلبية مجتمعية، وهذه الأزمة ليست من العهد الجمهورى فحسب، بل ورثها من أيام العهد الملكى، والتثبت من أنهم كانوا وراء مقتل شخصيات قيادية فى مصر، يضعهم أمام مسئولية هزّ النظام الوطنى برمته، وفصيل خطير فى إلهاء الدولة وإشغالها، فى حرب داخلية، ما لم يعمدوا إلى مراجعة جدية للنهج الذى سلكوه خلال مسارهم وإبعاد من ورطهم بالصدام مع المؤسسات الوطنية وفى مقدمتها الجيش.
ويدعو الزيات «الإخوان» إلى ما وصفه بـ«تقديم مصلحة الوطن والمشاركة الفاعلة فى وقف العنف».
مؤكدا: «أجزم بأن (جماعة الإخوان) غير راغبة فى التعاطى السياسى كما كانت سابقا».
مبادرة الزيات التى يعلن عنها بحذر، قد تبدو خجولة، لكنها خطوة فى رحلة الألف ميل تحتاج إلى الكثير من المراجعات، ونقد النهج والسلوك، والارتقاء لمستوى الفعل الذى يجعل الناس ترضى أولا وآخرًا.