رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

قتلى والفاعل مجهول.. سميرة موسى أول شهيدة مصرية في قائمة علماء الذرة.. سيارة غامضة تلقي "مس كوري" في واد عميق بكاليفورنيا.. حفيدة الجاسوسة راقية إبراهيم تؤكد تورطها في حادث الاغتيال

سميرة موسى
سميرة موسى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لا تزال حادثة رحيل عالمة الذرة المصرية سميرة موسى، الشهيرة بلقب "ميس كوري الشرق"، لغزا كبيرا يُحيِّر المصريين، هل هو مجرد حادث أم عملية اغتيال محكمة، حيث وفاتها المنية عن عمر 35 عامًا قبل تمكنها من خدمة مصر ببحوثها وتفوقها العلمي الذى شهد له العالم أجمع.

من هي سميرة موسى؟ 
ولدت سميرة موسى في 3 مارس 1917 بقرية سنبو الكبرى مركز زفتى بمحافظة الغربية بمصر، وكان لوالدها مكانة اجتماعية مرموقة بين أبناء قريته، وكان منزله بمثابة مجلس يلتقي فيه أهالي القرية ليتناقشوا في جميع  الأمور السياسية والاجتماعية، وتعلمت منذ الصغر القراءة والكتابة، وأتمت حفظ القرآن الكريم وكانت مهتمة بقراءة الصحف وتتمتع بذاكرة فوتوغرافية تؤهلها لحفظ الشيء بمجرد قراءته.
انتقل والد سميرة إلى القاهرة من أجل تعليمها واشترى ببعض أمواله فندقا في حي الحسين حتى يستثمر أمواله في الحياة القاهرية؛ والتحقت سميرة بمدرسة قصر الشوق الابتدائية ثم بمدرسة بنات الأشراف الثانوية الخاصة التي قامت على تأسيسها وإدارتها نبوية موسى الناشطة النسائية السياسية المعروفة.
وهناك رواية أصبحت أسطورة بنيت عليها حياة سميرة موسى هي أنه بعد وفاة سعد زغلول جاء الأب بجريدة نشرت نعيه وراحت سميرة تقرأ النعي الذي كان يشمل الجريدة كلها وفي اليوم التالي طلب مدرسها سيد البكري أن تقرأ على تلاميذ الفصل النعي لكنها قالت له: لماذا أقرأ الجريدة أستطيع أن أقول ما فيها دون الحاجة إليها فقد حفظتها وذهل المدرس وطلب من الأب أن يأخذ ابنته إلى القاهرة ليرعى نبوغها قبل أن يدفن في طين الريف واستجاب الأب وأخذ ابنته ورحل إلى العاصمة لتبدأ سميرة مشوارها إلى القمة. 
وحصدت الطالبة سميرة الجوائز الأولى في جميع مراحل تعليمها، فقد كانت الأولى على شهادة التوجيهية عام 1935.
دراستها الجامعية كيف كانت؟ 
كانت سميرة دوما تحلم أن تكون إحدى طالبات كلية العلوم وبالفعل اختارت كلية العلوم حلمها الذي كانت تصبو إليه، رغم أن مجموعها كان يؤهلها لدخول كلية الهندسة، حينما كانت أغلى أمنية لأي فتاة هي الالتحاق بكلية الآداب، وارتدت سميرة الرداء الأبيض ودخلت معامل الكلية شغوفة لتحصيل العلم وهناك لفتت نظر أستاذها الدكتور علي مشرفة، أول مصري يتولى عمادة كلية العلوم. 
حصلت الدكتورة سميرة على بكالوريوس العلوم وكانت الأولى على دفعتها، وعينت كأول معيدة بكلية العلوم بفضل جهود د.علي الذي دافع عن تعيينها بشدة وتجاهل احتجاجات الأساتذة الأجانب، وعلى رأسهم الإنجليزي "آيرز".
ولكن رفضت الكلية أن تعينها معيدة فهي سابقة لم تحدث أن تكون فتاة عضوا في هيئة التدريس في الجامعة وهنا برز دور (الأستاذ) الذي يمنح الموهبة والحماية والرعاية ولا يكتفي فقط بسرد مناهج صماء لا علاقة لما يقوله فيها بما يفعله في الحياة لقد جن جنون الدكتور مشرفة ووضعت استقالته على مكتب مدير الجامعة إذا لم تعين سميرة موسى في المكان الذي تستحقه.
بداية رحلتها إلى لندن 
سافرت سميرة موسى إلى لندن وحصلت على شهادة الماجستير في موضوع التواصل الحراري للغازات ثم سافرت في بعثة إلى بريطانيا درست فيها الإشعاع النووي، وحصلت على الدكتوراه في الأشعة السينية وتأثيرها على المواد المختلفة. أنجزت الرسالة في سنتين وقضت السنة الثالثة في أبحاث متصلة وصلت من خلالها إلى معادلة هامة تمكن من تفتيت المعادن الرخيصة مثل النحاس الذرة من أجل السلام مع الأسف الشديد لم تدون الكتب العلمية العربية الأبحاث التي توصلت إليها الدكتورة سميرة موسى، لقد كانت تأمل أن يكون لمصر والوطن العربي مكان وسط هذا التقدم العلمي الكبير؛ حيث كانت تؤمن بأن زيادة ملكية السلاح النووي يسهم في تحقيق السلام، فإن أي دولة تتبنى فكرة السلام لا بد وأن تتحدث من موقف قوة فقد عاصرت الدكتورة سميرة ويلات الحرب وتجارب القنبلة الذرية التي دكت هيروشيما وناجازاكي في عام 1945 ولفت انتباهها الاهتمام المبكر من إسرائيل بامتلاك أسلحة الدمار الشامل، وسعيها للانفراد بالتسلح النووي في المنطقة؛ حيث قامت بتأسيس هيئة الطاقة الذرية بعد ثلاثة أشهر فقط من إعلان الدولة الإسرائيلية عام 1948 وحرصت على إيفاد البعثات للتخصص في علوم الذرة فكانت دعواتها المتكررة إلى أهمية التسلح النووي، ومجاراة هذا المد العلمي المتنامي.

عودتها لمصر وردها الجميل لوطنها
لأن دكتوراه سميرة موسى، كانت في (خصائص امتصاص المواد لأشعة إكس)، أطلق المصريون عليها لقب (مس كوري المصرية)، وكتب أحد أساتذتها في جامعة بدفورد في تقريره العلمي الذي أرسله إلى الجامعة في القاهرة: "إن تجارب سميرة موسى قد تغير وجه الإنسانية لو وجدت المعونة الكافية"، ولكن سميرة موسى لم تنتظر المعونة الكافية بل راحت تقدم خبرتها وعلمها لمساعدة مرضى السرطان في مستشفى قصر العيني، وكثيرا ما كان أهل المرضى يظنون أنها ممرضة ولم يكن ذلك يضايقها فهي تريد أن تنفذ شعارها الذي آمنت به وهو أن يكون العلاج بالراديوم (كالعلاج بالإسبرين)، ولم تتوقف عند حجة نقص الإمكانيات وطلبت من الأب أن يبني لها معملا وبالفعل اشترى فدانا من الأرض على طريق الهرم لبناء المعمل، لكن القدر وأنصار الظلام لم يمهلوها الوقت الكافي لدخوله، فقد سافرت في منحة إلى الولايات المتحدة. وهناك طلبوا منها والحوا أن تبقى وأن تحصل على الجنسية وأن تنفرد بمعمل حديث يكون لها لكنها رفضت أن تبيع وطنها بكل مغريات الآخرين وأصرت على العودة.
عملت الدكتورة سميرة على إنشاء هيئة الطاقة الذرية وتنظيم مؤتمر الذرة من أجل السلام الذي استضافته كلية العلوم وشارك فيه عدد كبير من علماء العالم. لقد كانت تأمل أن تسخر الذرة لخير الإنسان وتقتحم مجال العلاج الطبي؛ حيث كانت تقول: "أمنيتي أن يكون علاج السرطان بالذرة مثل الأسبرين"، ونزلت متطوعة للخدمة في مستشفيات القصر العيني؛ للمساعدة في علاج المرضى بالمجان.
سميرة موسى كانت عضوا في كثير من اللجان العلمية المتخصصة على رأسها "لجنة الطاقة والوقاية من القنبلة الذرية" التي شكلتها وزارة الصحة المصرية، كما كانت مولعة بالقراءة، وحرصت على تكوين مكتبة كبيرة متنوعة تم التبرع بها إلى المركز القومي للبحوث؛ وأجادت استخدام النوتة والموسيقى وفن العزف على العود، كما نمت موهبتها الأخرى في فن التصوير بتخصيص جزء من بيتها للتحميض والطبع، وكانت تحب التريكو والحياكة وتقوم بتصميم وحياكة ملابسها بنفسها، وشاركت في جميع الأنشطة الحيوية حينما كانت طالبة بكلية العلوم، وانضمت إلى ثورة الطلاب في نوفمبر عام 1932 التي قامت احتجاجا على تصريحات اللورد البريطاني "صمويل" وشاركت في مشروع القرش لإقامة مصنع محلي للطرابيش، وكان الدكتور علي مشرفة من المشرفين على هذا المشروع، وشاركت في جمعية الطلبة للثقافة العامة التي هدفت إلى محو الأمية في الريف المصري، وجماعة النهضة الاجتماعية والتي هدفت إلى تجميع التبرعات؛ مساعدة الأسر الفقيرة، كما انضمت إلى جماعة إنقاذ الطفولة المشردة، وإنقاذ الأسر الفقيرة.
استجابت سميرة موسي إلى دعوة للسفر إلى أمريكا في عام 1951، أتيحت لها فرصة إجراء بحوث في معامل جامعة سان لويس بولاية ميسوري الأمريكية، تلقت عروضا لكي تبقى في أمريكا لكنها رفضت بقولها: "ينتظرني وطنٌ غالٍ يسمى مصر"، وقبل عودتها بأيام استجابت لدعوة لزيارة معامل نووية في ضواحي كاليفورنيا في 15 أغسطس، لكن قرارا سريا كان قد صدر بأن لا تعود، وإذا عادت فلتعد جثة هامدة في تابوت، كان ذلك في أغسطس 1952 في ذلك الوقت كان العالم لا يزال مفزوعا محروقا بإشعاع القنبلة الذرية التي ألقيت على هيروشيما ونجازاكي، وفي ذلك الوقت أيضا كان الإسرائيليون يخشون السلطة الثورية الجديدة التي استولت على الحكم في مصر قبل حوالي 3 أسابيع فقط من قتل سميرة موسى، وكل هذه التغيرات ساهمت في سرعة التخلص من سميرة موسى.
ومن كل عالم يمكن أن يؤمن بلاده بقنبلة نووية ويمكن أن نعتبر سميرة موسى أول الضحايا في مسلسل دموي شرس راح ضحيته 146 عالم ذرة في دول العالم الثالث في الفترة من عام 1959 إلى عام 1985 على رأسهم الهند وباكستان وجنوب أفريقيا ومصر، حسب إحصائيات لوكالة الطاقة الذرية في فيينا وحسب نفس المصدر فإن 98% من الضحايا قتلوا خارج بلادهم ولم يعرف الجناة و92% تلقوا عروضا للعمل في دول أكثر تقدما في البحث العلمي من بلادهم ولكنهم رفضوا ونصفهم على الأقل مات بالرصاص أما النصف الآخر فقد قتل بوسائل متنوعة سم، حادث سيارة، تفجير بيته عن بعد، وفي معظم الحالات لم تطلب دول الضحايا تحقيقا أو تعويضا، بل كانت تفضل عدم الكشف عن الجناة ولا فتح القضايا لأسباب بدت فيها السياسة الخارجية أكثر تأثيرا عليها من السياسة الداخلية.
واقعة اغتيالها الغامضة:
فى 15 أغسطس 1952، في طريق كاليفورنيا الوعر المرتفع ظهرت سيارة نقل فجأة؛ لتصطدم بسيارة سميرة موسي بقوة وتلقي بها في وادٍ عميق، قفز سائق السيارة واختفى إلى الأبد، وكان واضحا أن السائق المدرب كان يعرف بما سيحدث فقد قفز من السيارة في الوقت المناسب وظهر أنه كان يحمل اسما مستعارا وأن إدارة المفاعل لم تبعث بأحد لاصطحابها. أين سيارة النقل التي ظهرت في طريقها؟ ومن كان فيها؟ أين ما توصلت إليه الشرطة الأمريكية؟ ولماذا قيدت القضية ضد مجهول؟..أين..أين؟ هل ماتت سميرة ميتة عادية أم حادث اغتيال؟ أم أن مطاردة علماء الذرة المصريين والعرب مؤامرة إسرائيلية.
وتحت عنوان «قتلوها في أمريكا» في ٢ أبريل عام ١٩٩٨ كتب رجاء النقاش يقول إنها كانت تركب سيارتها مع زميل لها قيل إنه هندي، وفجأة هوت السيارة من قمة جبل وماتت ونجا زميلها الذي قفز من السيارة وهرب واختفي للأبد.
كما اشارت ريتا ديفيد توماس حفيدة راقية إبراهيم الفنانة التي كان يعرف ولائها لإسرائيل من زوجها الأمريكي اليهودي الذي تزوجته عقب هجرتها من مصر، كشفت أن جدتها كانت على علاقة صداقة حميمة بعالمة الذرة المصرية، وهذا من واقع مذكراتها الشخصية التي كانت تخفيها وسط كتبها القديمة في شقتها بكاليفورنيا، وتم العثور عليها منذ عامين.
حفيدة الممثلة الجاسوسة أكدت أن جدتها ساهمت بشكل رئيسي في تصفية عالمة الذرة المصرية من خلال استغلال علاقة الصداقة التي كانت تجمعهما، والتي كانت تسمح لها بالذهاب لمنزلها، وتصويره بشكل دقيق.
وفى إحدى المرات استطاعت راقية- والكلام على لسان حفيدتها- سرقة مفتاح شقة سميرة، وطبعته على «صابونة»، وأعطتها لمسؤول الموساد في مصر، وبعد أسبوع ذهبت للعشاء مع موسى في «الأوبيرج»، ما أتاح للموساد دخول شقة سميرة موسى، وتصوير أبحاثها، ومعملها الخاص.
كانت إسرائيل قلقة من طموح سميرة موسى التي كانت تسعى لامتلاك مصر القنبلة الذرية، وتصنيعها بتكاليف بسيطة، فدفعت راقية إبراهيم لتقدم لها عرضا بالحصول على الجنسية الأميركية، والإقامة في الولايات المتحدة، والعمل في معامل أميركا.
فقيدة مصر والعالم العربي رفضت عرض الجاسوسة بشكل قاطع، وطردتها من منزلها، فهددتها راقية بأن رفضها لهذا العرض سيكون له عواقب غير حميدة، وظلت تحمل ضغينة للعالمة المصرية التي لم تهتم بهذه التهديدات، وواصلت أبحاثها، الأمر الذي لم يرض الموساد الإسرائيلي، وقرر تصفيتها.
هكذا.. غربت شمس هذه العالمة الجليلة في 15 أغسطس عام 1952 سلمت إلى والدها نوتة سوداء صغيرة كانت تسجل فيها خواطرها وكانت آخر ما خطته فيها ثم غربت الشمس.
قال المتحدث باسم السفارة المصرية في واشنطن ذلك اليوم: "إن الآنسة سميرة موسى علي الطالبة المصرية التي تتلقى العلم في الولايات المتحدة قُتلت في حادث سيارة بعد أن أتمت دراستها في جامعة "أوكردج" بولاية تنيسي الأمريكية".
كلماتها الأخيرة لوالدها:
فى آخر رسائل سميرة موسى لوالدها قالت: "لو كان في مصر معمل مثل المعامل الموجودة هنا كنت أستطيع أن أعمل حاجات كثيرة"، وعلق محمد الزيات مستشار مصر الثقافي في واشنطن وقتها أن كلمة "حاجات كثيرة" كانت تعني بها أن في قدرتها اختراع جهاز لتفتيت المعادن الرخيصة إلى ذرات عن طريق التوصيل الحراري للغازات ومن ثم تصنيع قنبلة ذرية رخيصة التكاليف.
وقالت أيضا: "لقد استطعت أن أزور المعامل الذرية في أمريكا وعندما أعود إلى مصر سأقدم لبلادي خدمات جليلة في هذا الميدان، وسأستطيع أن أخدم قضية السلام"، حيث كانت تنوي إنشاء معمل خاص لها في منطقة الهرم.
وما زالت الصحف تتناول قصتها وملفها الذي لم يغلق، وإن كانت الدلائل تشير - طبقا للمراقبين - أن الموساد، المخابرات الإسرائيلية هي التي اغتالتها، جزاء لمحاولتها نقل العلم النووي إلى مصر والوطن العربي في تلك الفترة المبكرة.