الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

البوابة القبطية

بولس حليم يكتب: البابا شنودة رجل يندر وجوده

 البابا شنودة
البابا شنودة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
أمة برجل وهو رجل بأمة، رجل يندر أن يجود الزمان بمثله، إنه العظيم فى البطاركة تلك الشخصية الأسطورية والاستثنائية فى تاريخ الكنيسة، إنه المتنيح قداسة البابا شنودة الثالث.
فإن اعتبرنا أن الكنيسة القبطية بها عظماء ثلاثة يكون هو ثالثهم مع أثناسيوس الرسولى والبابا كيرلس السادس، لقد سطر بحياته فصلًا من فصول تاريخ الكنيسة القبطية، وصار علامة فارقة فى تاريخ الكنيسة لن تُنسى فقد نقل الكنيسة القبطية من المحلية إلى العالمية وكتب بأعماله وإيمانه عهدًا جديدًا للكنيسة القبطية، إنه حبيب جرجس الثانى و"شبيه النيل العظيم وأبو الهول" كما وصفته جريدة الأهرام، و"الهرم الرابع" كما وصفته الكنيسة الإنجيلية، وبصمته فى تاريخ مصر والكنيسة سوف تظل محفورة لزمن ممتد.
أما على المستوى الوطنى فهو مصرى وطنى حتى النخاع تعيش مصر فيه بكل جوارحه ووجدانه، وكان يحمل بين جوانحه وطنًا.. فقد كان يمثل الشخصية المصرية في أكثر حالاتها نقاء وصفاء، كان يعشق مصر حتى آخِر لحظة فى حياته.
له مواقف وطنية سُطّرت له فى كتب التاريخ بحروف من نور وكان حكيما في مواقفه الصلبة المصرية مما جعله صمام أمان الوحدة الوطنية فاستطاع إدارة الأزمات والفتن الطائفية بحكمة وعلا بمصلحة الوطن فوق كل اعتبار لأنه كان يملك حلًّا لكل المواضيع بالوداعة والصبر والحكمة. 
حتى قال عنه الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة: "حرص على وحدة الشعب المصرى الشقيق"، وقال عنه د. عمرو موسى: "إنه أحد حراس الوحدة الوطنية والنسيج المصرى" وقال عنه د. رفعت السعيد: "حمل علم الوطنية المصرية". 
ليس هذا فحسب بل كان أيضًا زعيمًا وطنيًّا انحاز إلى مصر وقضاياها الوطنية وكان يوجه الأمور نحو المسار الصحيح حتى فى أحلك الظروف. 
وقاوم أي استقواء بالخارج ورفض المزايدة ووقف بصلابة أمام التدخل الأجنبي فى شئون البلاد الداخلية، لذلك كان الأقرب إلى وجدان المصريين ونجح في كسب احترام الجميع ورضاهم مسلمين وأقباطًا، لذلك قيل عنه "إنه مبعوث للعناية الإلهية فى فترة تاريخية مرت بها مصر". 
وإن كان هذا على الصعيد المصرى إلا أنه أيضًا له مواقفه المشهودة على الصعيد العربى ضد الانتهاكات الإسرائيلية للمقدسات الإسلامية، وقال عنه فضيلة الإمام الأكبر أحمد الطيب شيخ الأزهر: "يذكر الأزهر بكل الإجلال موقفه الرائع فى قضية القدس وصلابته فى الدفاع عنه". 
فقد طغت عروبته على مواقفه الوطنية وقد قال عنه الشيخ حسن علي جوجو رئيس القضاء الشرعي الفلسطيني: "مواقفه المساندة للقضية الفلسطينية سببًا في انزعاج السلطات الإسرائيلية"، فاستحق لقب بابا العرب مثل ما قال مفتى لبنان.
فقد كان البابا شنودة رجل الكنيسة الوطنى العربى "كرّس حياته من أجل التسامح والتعايش" مثلما قال الملك حمد بن عيسى آل خليفة عاهل البحرين. 
وكان سفيرًا لمصر ولذلك قالت عنه الشيخة فريحة الأحمد بالكويت: "دائمًا يوصيني خيرًا بالجالية المصرية في الكويت".
أيضًا كان أبًا عطوفًا أكثر الناس عطفًا على الفقراء والضعفاء وكان يهتم بكل أحد ليخلصه وبلسمًا يطيب الجروح الغائرة يشتمون به رائحة الآباء من أعمدة الرهبنة الناسك الزاهد والمعلم الحاذق أبًا ومعلمًا ومرشدًا ومثالًا طاهرًا لم يتوقف عن التعليم أبدًا جاهد لأجل الوحدة المسيحية وكل إنسان يقترب منه كان يحبه كان يمتلك قلبًا متسعًا يحتمل الجميع ولكى تعرفوا عمق هذا الإنسان النبيل والراقى تأملوا فى قوله "أنتم فى قلبى باستمرار... لقد عشت زمانى كله فى قلوبكم ومازلت أعيش... أخذتكم فى قلبى وفى فكرى أنتم وآلامكم ومشاكلكم أعرضها على الله... من أجلكم أنا هنا ومن أجلكم أذهب إلى هناك". ​
أما عن صفاته الشخصية فهو مجمع مواهب شخصية شاعر موهوب وفنانا رقيقًا وإنسانا ملائكيا خفة ظل مصرية عريقة دائم الابتسام صاحب فكاهة راقية، أفكاره ضياء، أفعاله هيبة أقواله نورانية الحروف، لم تضحك عليه جموع تنتظر إشارة منه لتنفذ ما يقوله، كان ملهما لغيره رجل المواقف الصعبة، عقلية فذه أمتلكت القدرة على استشراف المستقبل فى زمن قياسى، رجل دولة مثل أحمد عرابى وسعد زغلول وجمال حمدان ونجيب محفوظ.
أما على الصعيد الدولى فهو قامة عملاقة صاحب مكانة عالمية مرموقة تجاوز بشخصيته حدود المحلية إلى أن صار شخصية ذات تقدير دولي، شخصية حظيت بإحترام المجتمع الدولى والشخصيات العالمية ترك فى الدنيا دويًا، حتى قال عنه المكتب الإعلامى للفاتيكان إنه "فقيد الأمة والعالم" إنه نفسية قوية بالله لا تهتز وقد أعطاه الإيمان والثقة بالرب والنفس عزيمة المقاتلين فتحمل ما لا يتحمله بشر وقد حمل أثقالا تنوء بها الجبال فى صمت، وكان لا يكل ولا يمل بل يعمل ليلًا ونهارًا، نعته جميع الفصائل المتنافرة.
أما عن يوم نياحته فقد هتف الشعب القبطي: "ارفع رأسك فوق... البابا في السماء" وليس الشعب القبطى فقط بل توهج الوجدان المصري في لحظات الحزن النبيل في وداعه حتى قالت عنه جريدة الفيتو "ليلة بكى فيها الوطن"، وابلغ وصف هو الذى قاله الملك عبدالله الثاني العاهل الأردني "الملايين فى وداعه لم يدفعها أحد لتترك منازلها وتواصل الليل بالنهار فى مكانها" أنه أول رجل دين مسيحى يوم جنازته تنكس فيه أعلام مصر حتى صارت القرية التي ولد فيها البابا بأسرها سرادق للتعزية، ربما يتمنى رؤساء جمهوريات أن يموتوا كما مات البابا! العملاق الذى بكت عليه كل أرجاء المسكونة، لقد رحل الحكيم... وبقيت الحكمة، خسرته الأرض... وربحته السماء. وسيظل بقيمه النبيلة حيًا فى قلوب المصريين جميعًا.
وختامًا: استعير عبارة الأنبا باخوميوس مطران البحيرة يوم صلاة الجناز قائلًا بصوت جهوري: "إن الكلمات لا تعبر عن هذا المحبوب"، ولسان حال الكل يقول له: "أنت يا أبى أسطورة أنت أعجوبة أنت أنشودة".