الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

السوشيال ميديا وإدمان الوهم

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
عادة ما يتحدث أغلبنا ومعظمنا عن الماضي باعتزاز، كما لو كان هو الإنجاز الوحيد الذي تحقق، لذا نتفاخر به، حتى أصبح الحاضر الآن في معظمه نوثقه ولا نعيشه، بعد أن سيطرت على حياتنا مواقع التواصل الاجتماعي بتنوعاتها التي باتت تشهد جديدًا كل يوم، حتى أصبح توثيق الحدث بالنسبة للكثرين أهم من حدوثه، فلم نعد نستمتع بفنجان القهوة مع صديق أو قريب كما نستمتع بعرضه على صفحات تويتر أو فيس بوك أو إنستجرام. 
تضائلت متعتنا بكل ما هو جميل بعد أن حولنا جمال اللحظة والاستمتاع بها إلى بوست أو صورة من أجل نشرها في العالم الافتراضي ليراها المتابعين، حتى وصل الأمر إلى صراع بين المشتركين والتكنولوجيا لتقديم لحظاتهم السعيدة أو الحزينة أو بعض المواقف التي من المفروض أن تكون خاصة، حتى أصبح توثيق حياتنا على السوشيال ميديا يمتلك الحيز الأكبر من وقتنا ومتعتنا في الحياة، لنجد أن مصطلح الخصوصية أصبح لا وجود له سوى في إعدادات حساباتنا على هذه المواقع، بعد أن أصبحنا جميعًا نعلم أدق التفاصيل الخاصة بمن نتابعهم ويتابعوننا، سواء على المستوى الشخصي أو أدق تفاصيل جهة عملهم.
لم يولد ذلك الماضي الذي نفخر به من عبث، لكنه نتاج تراكمات علمية وتنويرية لأسلافنا ممن عملوا واجتهدوا في حياتهم، حتى أصبحوا مصدرًا للحكمة التي نقتضي بها اليوم في حياتنا، لذا نفخر بهم دائمًا وأبدًا، فضلاً عن علمائنا السابقين وضعوا لنا أسسًا علمية واضحة نورت لنا الحاضر الذي يؤخذنا بكل قوته نحو التوهان في دروبه وعوالمه المعقدة للغاية.
جميعنا يعلم أن الحاضر هو أساس المستقبل، ومستقبلنا ما هو إلا ما ندخره من علوم ومعرفة وطاقات إيجابية نسخرها لبنائه، وأهم هذه الطاقات هي النشء، لذا أصبح من الضروري توعيتهم بأهمية التكنولوجيا الحديثة، إيجابياتها ومخاطرها، خاصة وأن هناك الكثير من الأبحاث العلمية التي أكدت سيطرة مواقع التواصل الاجتماعي على الشعوب، مما يعني أنها أصبحت إدمان يصعب التخلص منه.
وعلى عكس واقعنا تماما ستجد المواطنين في دول الغرب، حيث يدركون قيمة الوقت، وأهمية الاستمتاع بالحياة التي نضيعها نحن في توثيق لحظاتها بكل تفاصيلها على السوشيال ميديا، ومن خلال قراءة أكثر من بحث ودراسة في هذا الشأن، فإن جميعها اتفق على أن المواطن في الدول التي تمتلك هذه التكنولوجيا لا يقضي أكثر من 10 ساعات على الأكثر طوال الأسبوع في العالم الافتراضي، أما نحن فأصبحنا متواصلين عليها طوال الوقت، لتجد البعض أون لاين 24 ساعة دون توقف طوال السنة، شأنه في ذلك شأن أقسام الشرطة.
ودون أن تدرى ستجد نفسك متابعا لبعض المواقع والأشخاص، ولأن لكل مجتمع مشاهيره ستجد نفسك متابعا لبعض الأشخاص ولا تعرفهم على المستوى الشخصي، وهؤلاء عليك الحذر أثناء متابعتهم، لأن هناك من يدعمهم ليصبحوا مشاهير في السوشيال ميديا على الرغم من أنهم ليس لهم وجود ملموس في العالم الحقيقي، لكنهم قادرين على بث التشاؤم والإحباط بشكل غير مباشر في نفوس متابعيهم في بوستات أو تويتات مغلفة بالجوانب الإنسانية لكنها تُكَسِر فيك دون أن تدري طاقات الأمل ليصبح الحلم العام على يوميات السوشيال ميديا هو السفر وركوب الطائرة المصحوب بدعاء اللهم ارزقنا الهجرة.
ولأننا نتسابق في نشر سلبيات مجتمعنا على صفحاتنا، تصور البعض أن مجتمعات الغرب لا يوجد بها سوى الجنة، وتناسوا أن لكل مجتمع مشاكله الخاصة، وأنه لا توجد دولة في العالم لا يعاني شعبها من بعض الأزمات، ويساعدهم في ترسيخ هذه الأفكار ما يطلق عليهم مشاهير التويبس أو السوشيالجية، بهدف طمس كل ما هو جميل في حياتنا في عيون متابعيهم، بهدف تجريف بلادنا من أهم ثرواتها المتمثلة في مصطلح الحلم المصحوب بالتفاؤل والمدعوم بالأمل.
ولأن الولايات المتحدة الأمريكية هي المالكة لهذه الثروة التكنولوجية الهائلة، فهي أيضا تدرك مخاطرها ومدى تأثيرها على أي متجتمع، وهو ما يؤكده الكاتب السياسي نعوم تشوميسكي في أحد مقالاته قائلا: "صحيح أن وسائل الرقابة على وسائل الإعلام والتواصل الاجتماعي لا تكاد توجد في أمريكا ومع ذلك فإن صناعة التحكم في الأفكار مزدهرة جدًا".