الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

"الطلاق الصوري".. الباب السري لسرقة مليارات الدولة

«البوابة» تفتح الملف الشائك

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رجوع المُطلقة لزوجها سرًا.. والأهالى يطلقون عليه «رجوع سُنة» موظف بالشئون الاجتماعية: «بنشتغل بورق سليم» ونقوم بالتفتيش على أعداد المُطلقات كل 3 سنوات
على مدار الأسابيع الماضية لم يتوقف الجدل حول قضية الطلاق سواء كان شفهيا أو أمام مأذون، حتى أصبح «حظر الطلاق شفويًا» محل بحث وتساؤل وتقييم ودراسة، إلى أن أصدرت هيئة كبار العلماء بيانها الذى تُقر فيه وقوع الطلاق الشفهى، مع ضرورة الإسراع فى توثيقه حفاظًا على حقوق المُطلقة، لكن ظلت كالعادة، القضية الأساسية مطروحة. نسب الطلاق، أزمة مُستمرة، وكارثة فى ازديادها يوما بعد الآخر، فما تشير إحصاءات رسمية إلى 400 ألف حالة طلاق فى 2016، وبيانات موثقة تؤكد أن 40 % من المتزوجين يُطلقون خلال الخمس سنوات الأولى من الزواج، لا تجد بديلًا عن الاقتناع بأننا نستحق، بجدارة، ما تؤكده التقارير العالمية التى تنوّه بأن مصر من دول الصف الأول الحاضنة للأزمة على مستوى العالم. «البوابة» ترصُد خلال السطور التالية نمو ظاهرة جديدة على صعيد ربوع مصر، ربما هى أحد أهم أسباب زيادة نسب الطلاق فى مصر، يتشارك فى صناعتها زوج وزوجة لا يُمانعان أكل المال العام بدون وجه حق، ومأذون يسعى للتربح من وراء وثيقة الطلاق، وموظف «مكبر دماغه»، وإمام مسجد ومُقرئ جنائز وسمسار يُفتون بالحلال والحرام، والكثيرون غيرهم، ما يُهدر على الدولة مئات الملايين من الجنيهات سنويًا، كُل ذلك بسبب ما يُطلق عليه البعض «رجعة السُنة» أو «الطلاق الصورى».

مطلقات على الورق.. والهدف المعاش
بحث ميدانى لـ«البوابة» يكشف: 40 % من حالات الانفصال تحدث شكليًا
قصتان جَرَت أحداثهما قبل أسابيع على بُعد ٧٠٠ كيلومتر من العاصمة، القاهرة، داخل إحدى قُرى شرق مركز دشنا بقنا، كانتا بمثابة طرف الخيط الذى تتبعته «البوابة» للكشف عن حجم الكارثة ومدى انتشارها، نتحفظ على ذكر أسماء أصحابهما الحقيقيين، رغم امتلاكنا للمستندات التى تثبت صحة كل ما نسرده.
تبدأ القصة الأولى، بقيام صاحب الخمسين ربيعًا، سالم محمود، موظف بالتربية والتعليم، ومتزوج من السيدة «ن م» سنة ٢٠١٣، والسيدة «س ع» سنة ١٩٩٦، بطلاق الأخيرة قبل شهور قليلة رسميًا «على الورق»، ثم زواجه منها مرة أخرى بطريقة «السُنة» سرًا، وبدون وجود دليل رسمى على هذا الزواج الجديد، وذلك حتى يتثنى له الحصول على معاش التأمين الاجتماعى لوالدها «ع»، المُقدر بمبلغ ١٦٠٠ جنيه شهريًا.
أيام قليلة قضاها «سالم» فى إنهاء الإجراءات الرسمية لأم أبنائه الخمسة، للحصول على نصيبها من معاش تأمين والدها المتوفى، وما إن حدث ذلك حتى اقترح على زوجته الثانية «ن»، التى لديه منها طفلان، ومُقيمة بمدينة قنا، طلاقهما رسميًا ثم إرجاعها فى الوقت ذاته بطريقة «زواج السُنة»، حتى يتثنى لها الأخرى مُشاركة والدتها فى الحصول على معاش زوجها المتوفى، وهو ما رفضته قطعًا، لدرجة جعلتها تُقيم دعوى قضائية ضده، بمساعدة إخوتها، تتهمه فيها بالضغط عليها للموافقة على «طلاق صورى» للحصول على معاش والدها.
على بُعد أمتار قليلة من منزل سالم، كان محمد جبريل، ٢٧ سنة، مزارع، والمتزوج من السيدة «أ س»، ولديه منها ٣ أطفال، يجلس يومى ١ و٢ من كل شهر أمام مكتب بريد القرية، وهو يُخفى «خَتم» زوجته بين قبضة يده، مُنتظرًا وصول عربة «البوستة» مُحملة بالأموال، للحصول على «معاش الضمان الاجتماعى» الخاص بها والبالغ ٣٢٠ جنيهًا، بعدما تمكن من إضافة اسمها إلى كشوف وثائق الطلاق التى يحملها مأذون القرية بعد عملية طلاق رسمى غير مُعلنة، ثم إعادتها إليه مرة أخرى سرًا، فيما يُسمى بـ«زواج السُنة».
لكن ما لم يخطر ببال «جبريل» وأربك حساباته، أن موظف بالشئون الاجتماعية بالقرية، نصحهُ بإيقاف «قَبض» -معاش- الضمان الاجتماعى الخاص بزوجته وإنهائه، حتى يتمكن من الحصول على نصيبها فى معاش التأمين الاجتماعى الخاص بوالدها، بعدما توفى قبل أيام، خاصة أن حصتها من المعاش تتعدى ٥٥٠ جنيهًا شهريًا، وهو ما يُعتبر صيدًا ثمينًا له، فيما يكون المبلغ الأقل من المعاش من حق والدتها.
وما إن بدأ «جبريل» فى إنهاء إجراءات حصول زوجته على معاش والدها، إلا وتدخل أشقاء زوجته لإيقاف ذلك، بذهابهم لمكتب الشئون الاجتماعية بالقرية أثناء وجود «مُفتش» من إدارة شئون مركز دشنا التابعين له، ليفضحوا ما قام به زوج شقيقتهم، قائلين: «أُختنا مُطلقة على الورق بس، ومتستحقش معاش أبونا، علشان جوزها معاها فى البيت»، وبعد إجراء بحث ميدانى لإثبات صحة ذلك، كان قرار مدير إدارة الشئون الاجتماعية بوقف معاش الضمان الاجتماعى لزوجة «جبريل»، بعد ثبوت أنها ما زالت متزوجة فعليًا منه، مُستندين لشهادة الزوجة نفسها.
برجوع «البوابة» إلى موظفى الشئون الاجتماعية بالقرية، للوقوف على حصر لعدد من يحصلن على معاش الضمان الاجتماعى من المُطلقات، الذى يتراوح بين ٣٢٠ و٤٥٠ جنيهًا، وإحصاء عدد المُطلقات فعليًا منهن من عدمه، جاء الرد سريعًا فى البداية بـ«ممنوع التعامل مع الصحافة»، إلى أن استطاعت «البوابة» الحصول على نُسخة ورقية مكتوبة يدويًا بإجمالى أعداد المُطلقات بالقرية، اللاتى يصل عددهن إلى ٤٠٠ مُطلقة، بالإضافة لأسماء السيدات المُطلقات من «نجع» بعينه، يصلن إلى ١٩ مُطلقة.
ومن خلال بحث ميدانى أجراه مُعدّ التحقيق على المُطلقات بهذا النجع، بمساعدة بعض الأهالى، كانت المفاجأة، أن ٨ سيدات منهن ما زالت على ذمة أزواجهن، وأن ما يحدث فقط «طلاق صورى» للحصول على معاش الضمان الاجتماعى، بما يعنى أن نسبة ٤٠٪ من عدد حالات الطلاق تحدث صورياً، وبمواجهة أحد موظفى الشئون الاجتماعية بالقرية بهذه النتائج قال نصًا: «الحكومة لها ورق علشان تقَبَّض الناس، وإحنا بنشتغل بورق سليم»، ثم اختتم حديثه فى عجلة، وهو يُبرر: «إحنا بنقوم بالتفتيش على أعداد المُطلقات كل ٣ سنوات، فيه ناس بتتضاف وناس بتتشال من الكشوف، وجايز تكون البيانات اختلفت».
فيما جاء تعليق أحد الأهالى، فضّل عدم ذكر اسمه، على تلك النتائج دون أن يُبدى أى تعجب، قائلًا: «طلاق السيدات رسميًا ثم رجوعهن بالسُنة إلى أزواجهن مرة أخرى مُنتشر فى شرق وغرب القرية والقُرى المجاورة، والموضوع لا يقتصر على حالة أو اتنين، قد يكون أكثر من نصف السيدات مُطلقات على الورق فقط، للحصول على معاش الضمان أو معاش تأمين ذويهن، والقليل منهن يسعى لذلك حتى لا يدخل أبناؤهن البكر الجيش لأداء الخدمة العسكرية».
المدخل الرئيسى لـ«الطلاق الصورى» المُستخدم فى عملية الحصول على معاش الضمان أو التأمين الاجتماعى هو ما يُسمى بـ«زواج أو رجوع السُنة»، وهو الأكثر انتشارًا فى قُرى ونجوع الصعيد لأسباب عدة، يأتى على رأسها أن عمر الفتاة أو الشاب المُقبلين على الزواج لم يصل بعد إلى السن القانونية (٨ سنة).
الإجراءات المُتبعة فى إتمام زواج السُنة العُرفى تبدأ بإثبات حقوق الزوجة القاصر، من خلال ورقة مطبوعة، تُسمى «المنقولات الزوجية»، مدوّن بها جميع منقولات وأجهزة الزواج، ومُزيلة بإمضاء شاهدين لتظل حبيسة الأدراج لدى وكيل العروس، مرورًا بإثبات إتمام الزواج من خلال ما يُسمى بـ«عقد زواج تصادق» عن طريق مأذون القرية، والمُزيل بإمضاء شاهدين ومدون أسفله ضرورة عقد الزواج رسميًا فى حال وصول الزوجة إلى السن القانونية، وإلا يُعرض الزوج نفسه للمُساءلة القانونية، وصولًا بقراءة السُنة بين العريس ووكيل العروس.
هذا فى حال زواج السُنة العُرفى لأول مرة، المشروط بالإشهار، حسبما قال محمد إسماعيل، الاسم المُستعار لأحد أئمة الأوقاف بالقرية، موضحًا: «أما فى حالة طلاق الزوجة، بهدف الحصول على معاش ضمان أو تأمين اجتماعى، فالطلاق غالبًا ما يكون فى السر، فقط يعلم به المأذون أو أحد الأقارب وأحيانًا كثيرة دون علم أحد، أما فيما يخُصّ ردها إلى الزوج مرة أخرى بطريقة «السُنة»، فالأمر لا يتطلب سوى أحد الأشخاص الذين يستطيعون «قراءة السُنة»، وأشهر من يقومون بذلك فى القرية شخص يُدعى «م س» مُقابل ٢٠٠ أو ٣٠٠ جنيه.

«رجعة السُنة».. خلاف بين علماء الدين
«الجندى»: «المطلقة صوريًا» مُحرمة على زوجها.. و«كريمة»: الطلقة تُحسب
اختلف علماء الدين حول «رجعة السُنة»، ولكنهم أكدوا وقوع الطلاق، فمنهم من يرى أن رجعة الزوجة غير صحيحة، والبعض الآخر أكد صحة الرجعة، فيما اشترط الآخرون ضرورة الإشهار لإثبات الرجعة.. «البوابة» تعرض الآراء الدينية المختلفة.
«رجعة الزوجة هُنا غير صحيحة ومُخالفة للسُنة كما أنها تُعتبر شرعًا مُطلقة من زوجها» هذا ما أكده الدكتور محمد الشحات الجندى، عضو مجمع البحوث الإسلامية، موضحًا أن الغرض السيئة والمُكر من وراء هذا الطلاق يجعل رجعة الزوجة مخالفة للسُنة ومن الأعمال البدعة، وبالتالى تُعتبر الزوجة مُطلقة كإجراء عقابى وفقًا للقاعدة الفقهية «من استعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه».
وردًا على من يبررون الطلاق الشكلى بالظروف المادية، ينوّه «الجندى» بأن الحرام هو الحرام، وأن من تدفعهم الظروف المادية الطاحنة إلى سلك تلك الطُرق أولى لهم أن يسعوا إلى طلب الزكاة أو الاستناد إلى قوانين الضمان الاجتماعى كمعاش الكرامة والتكافل أو إلى المساجد والمُحسنين إلى الناس، لأن مثل هذا الطلاق يُعتبر مُخالفا للشريعة الإسلامية وأيضًا تحايل على قوانين المُجتمع ويهدُف إلى أكل المال العام أو التربح على حساب آخرين وكُل ذلك حرام شرعًا.
بينما يرى الدكتور أحمد كريمة، أستاذ الفقه المُقارن والشريعة الإسلامية بجامعة الأزهر، أن وقوع الطلاق بهدف الحصول على معاش تأمين أو ضمان اجتماعى، يُعد صحيحًا من حيث الشَرع، موضحًا: «فى فقه المُعاملات نحنُ لنا الصيغة الصادرة عن الإنسان، بغض النظر عن نيته، لأن النية مجالها العبادات، أما الصيغة فمجالها المعاملات، وحيث إن الإنسان تلفظَ أو وقع كتابةً بأى مُحَرَر عُرفى أو رسمى بإنشاء عقد أو فسخه، وقَعَ ديانةً وشرعًا».
أما فيما يخُص رجعة الزوجة مرة أخرى شفاهيةً بعد طلاقها بالقول أو بالكتابة فى حالة إن كانت الطلقة الأولى والثانية، فيؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية أنها صحيحة أيضًا طالما كانت فى العدة، مُشددًا على أن الطلقة تُحسب والرجعة هُنا تصح ديانةً لا قضاءً باعتبارها سطوًا واستيلاءً على أموال الدولة بالباطل.
ويوضح كريمة: القاعدة الفقهية القائلة «ما أدى إلى حرام فهو حرام» تنطبق على مثل هذا الطلاق ورجعته لأنه يهدُف إلى أكل المال بالباطل وأكل السُحت، كما أنه يُعتبر تلاعُبًا بأحكام الله عز وجل، حيث إن الطلاق ما جُعل لمطامع وأغراض الدنيا، بالإضافة إلى أن الأشد خطرًا هو القيام بهذا الطلاق لإعفاء ابن للزوجة من أداء الخدمة العسكرية، وهو ما يُعتبر خيانة لله وللرسول وللمسلمين وللوطن، لذا لابد من سن تشريع فى العقوبات بحق هؤلاء المتلاعبين.
الدكتور أحمد خليفة شرقاوى، أستاذ الفقه المُقارن بكلية الشريعة والقانون بطنطا، يَشتَرط الإشهار أو الإعلان عن الرجعة لثبوت صحتها، خاصة أننا فى زمن خربت فيه الذمم على حد قوله، ويوضح: «لا نستطيع أن نقول الرجعة حرام طالما كانت مُكتملة بأركانها وشروطها، فمعرفة الأهل أو الجيران شرط لصحة رجوع الزوجة إلى زوجها بعد الطلاق، لكن إن تمت هذه الرجعة فى السر فهذا يعنى تَفلُت من القواعد ما يعنى أنها حرام شرعًا».
كما يُفرق «شرقاوى» بين أمرين فى الطلاق، هما الأمر الشرعى والأمر الرسمى أو القانونى، فإذا طُلقت الزوجة وتمت رجعتها على كتاب الله وسُنته دون أن يُثبت هذا الرجوع، فالزواج هُنا من حيث الشَرع صحيح، لكنه فى نفس الوقت قد خالف القواعد المُعتبرة فى الإثبات، ما يجعل الزوج والزوجة تحت طائلة المُساءلة القانونية سواء كانت غرامة أو حبسا، باعتبارها قواعد مُلزمة للجميع ولا يجوز الخروج عنها لأنها قواعد عامة ومُجردة وتُطبق على الجميع لتنظيم سلوك الأفراد فى المجتمع.

العقوبة: الحبس ثلاثة أشهُر وغرامة 500 جنيه!
وزير التضامن الأسبق: صحة المُستندات تُصعب تنفيذ القانون حال اكتشاف المخالفات
المادة ١٧٩ من قانون التأمين الاجتماعى، الصادر بالقانون رقم ٧٩ لسنة ١٩٧٥، نصت على أنه يُعاقب بالحبس، مدة لا تتجاوز ثلاثة أشهر وبغرامة لا تزيد على ٥٠٠ جنيه أو بإحدى هاتين العقوبتين، كل من أعطى بسوء قصد بيانات غير صحيحة أو امتنع عن إعطاء البيانات المنصوص عليها فى هذا القانون أو القرارات أو اللوائح المنفذة له إذا ترتب على ذلك الحصول على أموال من الهيئة بغير حق، حسبما أكده أحمد طلحة، باحث بدرجة الدكتوراه بحقوق عين شمس وموظف بهيئة التأمينات.
ويُشير «طلحة» إلى أنه من الأفضل ربط قاعدة بيانات وزارة الداخلية ومصلحة الأحوال الشخصية بقاعدة بيانات الهيئة القومية للتأمين الاجتماعى، مع ضرورة إحالة كل من ثبت حصوله على معاش بغير وجه حق إلى النيابة للمساءلة وتشديد العقوبة وعدم التهاون فى أموال الهيئة.
الدكتور أحمد البُرعى، وزير التضامن الاجتماعى الأسبق ورئيس قسم التشريعات الاجتماعية بكلية حقوق القاهرة، يؤكد أن الطلاق الصورى للحصول على معاش، مثله مثل أن يدفع الزوج، الذى طلق زوجته وتحصُل منه على نفقة، أمه إلى رفع دعوى تُطالب باقتسام النفقة مع زوجته، أو مثل عدم قدرة مُفتش العمل على مُراقبة خَدَم المنازل الخاضعين لقانون العمل، باعتبارها موضوعات اجتماعية يصعُب اكتشافها أو حتى إنفاذ القانون فيها بسبب صحة المُستندات.
ويُشدد «البُرعى» بأن الطلاق الشكلى مسألة أخلاقية، لا تُحل بقانون أو بقرار بقدر ما يتم السيطرة عليها بتحقيق مستوى معيشى جيد ومعقول، خاصة فى ظل ارتفاع أسعار كثير من السلع والمواد الغذائية خلال الفترة الأخيرة.

«شركات ومصالح» تتورط فى حصول السيدات عليها بسبب «مفردات المُرتب»
90% من المُطلقات العاملات بالقطاع الخاص يحصلن على معاش غير مستحق بسبب «الرقم التأمينى»
تحريات الشُرطة مسئولة عن إثبات صحة واقعة الطلاق من عدمه.. وبعض الأفراد يتورطون
طرق عديدة وأساليب مختلفة للتحايل للحصول على أموال الحكومة.. «البوابة» تنشر قصص ٣ سيدات تعامل معهن عبدالموجود أحمد، اسم مُستعار لموظف بتأمينات قنا، أثناء أداء عمله، كشفت كُل منهن عن طريقة تحايل مُختلفة للحصول على معاش ذويهن.
يقول أحمد: «مُطلقة موظفة فى مُستشفى خاص طَلَبت منها مُفردات مُرتب لتحديد إجمالى المُستحق لها من معاش والدتها، وبعدها بأيام فوجئت أن إجمالى بيان المُفردات الخاص بها ٤٠٠ جنيه فقط ومختوم بختم المُستشفى، فخاطب المُستشفى بجواب رسمى من الإدارة لإرسال بيان بمفردات السيدة كذا للتأكد، فرد علىّ المُستشفى ببيان مُختلف بإجمالى مبلغ يتخطى ١٣٠٠ جنيه شهريًا، وبالتالى مثل هذه الواقعة تحدُث كثيرًا، كما تتورط بعض الشركات والمصالح فى إثبات مُفردات مُرتبات غير حقيقية بطريقة ودية مع موظفيها».
ويُتابع أحمد: «سيدة أخرى كانت تُنهى إجراءات صرف معاش والدها، وهى لا تعمل بأى وظيفة بناءً على ما قالته وأقرته كتابةً وأيضًا وفقًا لما اتضح لنا وقتها بعدم وجود رقم تأمينى خاص بها، لكن بعدها بفترة قابلتها صدفةً فى إحدى الشركات الخاصة التى تدفع مرتبات جيدة للعاملين بها، لكن فى هذه الحالة مثلًا أستطيع أن أُؤكد بأن الكثير من السيدات يعملن ويحصلن على معاش ذويهن كاملًا بسبب أن ٩٠٪ من شركات القطاع الخاص لا تقوم بالتأمين على موظفيها».
ويُكمل أحمد: «السيدة الثالثة، يكاد أن يكون موجودا منها العشرات فى كل منطقة وقرية، وهى التى تُطلق فعليًا من زوجها بشكل علنى ورسمى، لتستحق صرف معاش والديها، لكن ما يحدث بعد فترة، أن تتزوج هذه السيدة من رجل آخر بطريقة السُنة دون وجود دليل إثبات ورقى على هذا الزواج يمنعها من الاستمرار فى صرف معاش والدها أو والدتها، لتستمر فى التربح، وهو لا يختلف عن الطلاق الشكلى بين الزوجين».
وبحسب «أحمد» فإن قانون التأمينات المصرى أعطى للسيدات استثناءات خاصة للحصول على معاش ذويهن تختلف عن معاملة الأبناء من الذكور، على اعتبار أنهن غير قادرات على الكسب حتى إن النسبة الأكبر من المبالغ المُنفقة على التأمينات تذهب إليهن، ففى حالة وصول الابن إلى السن القانونية، سواء ٢١ سنة أو ٢٦ سنة فى حالة إن كان مؤهل عالياِ وما زال عاطلا عن العمل، لا يحق له الاستمرار فى الحصول على معاش والديه، إلا لضرورة مُلحة كأن يكون من ذوى الإعاقة.
ويوضح: «أما فى حالة طلاق السيدة أو وفاة زوجها، فيحق لها أن تعود إلى صرف معاش والدتها ووالدها، حتى إن حصلت على عمل فى القطاع العام والخاص، وفى الحالة الأخيرة يتم صرف معاش والدتها أو والدها أو الاثنين معًا بعد تطبيق قاعدة «حدود جمع» وهو أن يتم حساب إجمالى المعاش ثم يُطرح منه مرتب السيدة التى تحصل عليه من العمل، لتستحق المُتبقى من المعاش، وذلك وفقًا لما ورد بالمادة ١٠٨ من قانون ٧٩ لسنة ١٩٧٥ التى نصت صراحةً على أنه يشترط لاستحقاق البنت للمعاش ألا تكون متزوجة.
على حسنين، اسم مُستعار لمُراجع حقوق تأمينية بمنطقة أسوان، أكد أن إدارات التأمينات فى المحافظات لا تقوم بالتحرى خلف أحقية المُطلقات فى الحصول على معاش ذويهن بدون وجود شكوى، التى غالبًا ما تُقدم من أهالى المُطلقة أو من زوجها فى حالة حدوث خلاف بينهما أو من أحد الجيران والمُحيطين بها وهو أمر نادر الحدوث.
وتبدأ إجراءات التحرى بكتابة مُذكرة شئون قانونية يُثبت بها وصول شكوى من أحد الأشخاص ويتهم فيها المُطلقة بالتحايل على صرف معاش لا تستحقه، مرورًا بتحويل مذكرة الشئون القانونية إلى تحريات قسم الشُرطة التابعة له المُطلقة لإثبات صحة ما ورد فى الشكوى من عدمه، وصولًا بانتظار رد رسمى من التحريات، حسبما قال «حسنين».
ويُضيف: «لا يمكن إنكار تورط بعض القائمين بالتحريات فى التعاون أو التدليس على عدم صحة الشكوى التى غالبًا ما يكون الرد فيها مُختصرًا فى عدم صحة الواقعة بعدما تم سؤال الجيران وثبت أنها مُطلقة بشكل رسمى وأنها مُقيمة بمفردها، لكن فى النهاية الكارثة الأكبر تحدث فى حالة صحة الشكوى ووقف المعاش، حيث تقوم تلك السيدات برفع دعوى قضائية ليُفاجأ الجميع بأنهن يكسبن هذه القضايا، بل وتُصرف لهن المعاشات بأثر رجعى».
ما يؤكده «حسنين» أيضًا أن موظفى التأمينات الاجتماعية كثيرًا ما يرون بأم أعينهم مُطلقات تصرفن معاشات منذ ٣ سنوات مثلًا وهن أمامهم حوامل، لدرجة أنه شاهد هذا الموقف أكثر من مرة، وفى كُل مرة يرى الموظفين يضحكون وهم يرددون «ده حمل كاذب»، وعندما حكى «حسنين» لأحد الموظفين ممن يقومون بالتفتيش والمُتابعة، قال له نصًا: «أنت مش معنى بالكلام ده».
لكن ما لم «يسكُت» عليه حسنين فى بداية الشهور الأولى من عام ٢٠١٤، أنه عندما انتحل زوج صفة المحامى لزوجته، باعتبارها مُطلقة، لإنهاء الإجراءات الخاصة بمعاش والدها، واكتشف «حسنين» تطابق اسم هذا المحامى مع اسم الزوج المدون فى قسيمة الطلاق، استطاع أن يُقنع شقيق هذه السيدة، الذى ما زال يصرف معاش والده أيضًا كونه قاصرا، بالإقرار كتابةً بأن شقيقته ما زالت على ذمة زوجها فعليًا فى مُذكرة شئون قانونية، والتى تمكن من خلالها بإيقاف المعاش بعد إجراء تحريات الشرطة وثبوت صحة الواقعة، لتلجأ بعدها الزوجة إلى المحاكم لإثبات صحة الطلاق وفقًا للوثيقة التى تملُكها.
«البوابة» تواصلت مع هيئة التأمينات الاجتماعية أكثر من مرة للوقوف على حجم الكارثة، وكان مُلخص ما حصلنا عليه، هو نفى سعيد البنا، مدير العلاقات العامة، وصول شكاوى مضمونها حدوث طلاق شكلى للحصول على معاش بدون وجه حق، وأيضًا صعوبة الحصول على معلومات خاصة بأعداد المُطلقات اللاتى يحصلن على معاشات ذويهن أو إجمالى المبالغ التى تُنفق على هذه الفئة، مبررًا بـ «عدم مرونة السيستم»، بالرغم من أن سامى عبدالهادى، رئيس الهيئة، جاء رده مباشرةً وبشكل قاطع، من خلال مكالمة هاتفية، قائلًا: «إحنا بنعانى من المُشكلة دى»، إلى أن فقدنا، مرارًا وتكرارًا، التواصل معه مرة أخرى.

قسيمة الطلاق بـ1000 جنيه
مأذون شرعى: سماسرة للطلاق دون إلقاء يمين حقيقى
أربع سطور تُكتب فى وثيقة الطلاق لوصف حَدَث الطلاق، مضمونها: «بعدما فشلت جميع المحاولات للإصلاح بين الزوجين.. قالت الزوجة لزوجها أبرأتك من كذا وكذا، وأطلب منك الطلاق بناءً على هذا. ورد الزوج قائلًا وأنت طالق، واتفق الجميع على ذلك»، لكن ما يتم فى الغالب أن بعض المأذونين، من أصحاب السمعة السيئة، يقومون بإعطاء الزوج أو الزوجة قسيمة طلاق بعد توقيعهما عليها بدون إلقاء يمين حقيقى، وبمقابل ١٠٠٠ جنيه، حسبما أكدت أمل سليمان عفيفى، مأذون شرعى بمحافظة الشرقية.
وتُضيف عفيفى: «يقع المأذون الشرعى تحت طائلة القانون والمُساءلة هُنا فى حالة أن تم تحرير الطلاق واعترف الزوج أو الزوجة بعلم المأذون مُسبقًا بالغرض من هذا الطلاق، وهذا أمر نادر الحدوث، حتى لا يقع الزوجان أيضًا فى المُساءلة القانونية، لكن الطلاق والرجعة بشكل عام فى مثل هذه الحالة يُعتبران تحايلًا وتدليسًاعلى الشرع والدين، ومن باب أولى أن يسعى هؤلاء الأشخاص للحصول على باب رزق، خير من ذلك». وتُرجح «عفيفى» انتشار مثل هذا النوع من الطلاق بسبب انعدام ثقافة الزواج والطلاق فى مصر، موضحة: بعد عملى كمأذون شرعى، اكتشفت أن كثيرًا من الأشخاص يكونون قد طلقوا زوجاتهم ٣ و٤ مرات، وما زلن على ذمتهم فعليًا، لاعتقادهم أن المأذون مُجرد شخص مسئول عن رد اليمين بمقابل ٢٠٠ جنيه، ومن المُضحك أننى قابلت أزواجًا رُدت إليهم زوجاتهم عن طريق مأذونين، كل ما يفعلونه هو ضرب الزوج «قلمين»، وكأنها من شروط الرجعة، وهذا يدُل على أن بعض المأذونين يستغلون طلاق البُسطاء ورجعتهم للتربح المادى فقط.
ورغم أن الشيخ إسلام عامر، نقيب المأذونين، لا ينفى انتشار الطلاق الشكلى والصورى خلال الفترة الأخيرة بالمحافظات المختلفة بغرض الحصول على معاش الضمان أو التأمين الاجتماعى، ويُقدره بأنه «نسبة عالية جدًا» من حالات الطلاق الإجمالية فى مصر، فإنه أيضًا يُلقى بالمسئولية كاملة على الجهات المنوط بها التفتيش والتحرى عن صحة هذا الطلاق على أرض الواقع.
ويوضح عامر: «متى طُلب من المأذون توثيق الطلاق بعد إصرار الزوجين على إيقاعه، فلا يُمكنه الامتناع عن ذلك، لكن فى حال إن كان الطلاق بعيدًا عن الخلافات الزوجية والانفصال الطبيعى، يكون من الضرورى على المأذون رفض توثيق الطلاق رفضًا باتًا».
ويُشير «عامر» إلى أن عدم تجريم العقد العُرفى، أو ما يُطلق عليه رد الزوجة بالسُنة، يأتى فى مقدمة الأسباب التى ينتُج عنها اتساع مساحة الطلاق الشكلى لأغراض مادية، ويوضح: «متى اكتملت شروط وأركان العقد العرفى، فلا يُمكن إنكار صحته، حتى إن كان شفاهةً فقط، وبدون ورقة تُثبته، بالبلدى يقول «دى مراتى وهى تقول ده جوزى» فيُصبح زواجًا شرعيًا، وهى أزمة فى زمننا الحاضر. ويشير نقيب المأذونين إلى صعوبة إثبات تورط المأذون فى توثيق طلاق فى حالة علمه بنية الزوج أو الزوجة بالتربح من ورائه، وهو ما يجعلهُ بعيدًا عن المسئولية والمُحاسبة القانونية، مؤكدًا أن المأذون أيضًا لا يحق له رجعة الزوجة إلى زوجها مرة أخرى بطريقة عُرفية، باعتباره غير مُختص، لأنه مُجرد موثق، يُثبت ما يُملى عليه فقط، مُعلقًا فى نهاية حديثه على انتشار ظاهرة الطلاق الشكلى قائلًا: «إحنا محتاجين الضمير».