الأربعاء 01 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

ما الذي يحدث «في الليلة الكبيرة»؟!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
فضيلة السينما أنها قادرة على أن تعرض وتلخص عالمًا واسعًا فى ساعة أو ساعتين، وتجعل المشاهد ملتصقًا بكرسى العرض، ليتطلع لرؤية المخرج وكاتب الفيلم، وينسجم مع أداء الممثلين حين يقدموا مستوى رفيعًا لأدوارهم. 
وتظل عظمة السينما متحققة حين تحول أعمالًا أدبية ضخمة إلى شريط، يختزل وقت القراءة وحشد الشخوص فى العمل الروائى بشريط سينمائى.. تسنى لى أن أرى فيلم «الليلة الكبيرة» ولو متاخرًا لمخرجه سامح عبدالعزيز، وإنتاج عائلة السبكى، المهتمين بالإنتاج السينمائى للعروض الشعبية خصوصًا، ولهم الكثير من الأعمال، فى هذا السبيل الفضل فى شرف المحاولة، لإدارة وتمشية عجلة الإنتاج السينمائى بأى ثمن ووسيلة، ويسجلون فضلًا بتحريك تلك العجلة التى أوقفتها الظروف المعقدة فى مصر، وإن كان موضوعها خليطًا من الاستعراضات الشعبية التى قد يصفها البعض بأوصاف شتى، منها سينما الترفيه على وفق فرية «الجمهور عاوز كده»، دون استفتاء لرأى ذلك الجمهور الموصوف، هى من دون شك توصف بالهابطة، بالمقارنة مع عصر السينما المصرية الارستقراطية التى اعتمدت المواضيع والحكايات المعتمدة على روائيين وكتاب كبار، أمثال نجيب محفوظ والسباعى وسواهم، لكنى أجد فى هذه المجموعة التى تنتج وتتواصل، ملامسة للواقع الشعبى يمكن تطويره إذا ما دخل المخرج الذكى سامح عبدالعزيز، الذى يستفيد من إمكانات الأداء للممثلين وحرفيتهم، كونهم من لحمة الواقع الشعبى العميق، فالمحلية والشعبية إذا ما وظفت بذكاء وحرفية تصل حتمًا إلى العالمية..
أعود لـ«الليلة الكبيرة»، الذى ضم حشدًا من نجوم الصف الأول من النجوم، أمثال سميحة أيوب وأحمد بدير وصفية العمرى وسمية الخشاب وأيتن عامر وفاء عامر ووائل نور وسيد رجب وغيرهم.. وإن صح التوصيف فإن الذين أدوا أدوار العمل بتلقائية مذهلة، فى «سينما الأضرحة» والمقامات التى يتحلّق حولها الفقراء والغلابة، يمسحون وجوههم وأثوابهم بشبابيكها، وهذه الظاهرة ليست فى مصر وحدها، بل فى العالم العربى والعالم عمومًا، وهى ليست جديدة، لكنها هذه المرة صارت جوهر الفيلم وثيمته الأساسية، حيث يجتمع الناس فى المولد، ويستعرضون وقائع معلنة فى موسم ما خلصت إليه الثقافة الشعبية بتسميته بـ«الليلة الكبيرة»، وهى ليلة المولد، وفيها خليط من عوالم الاحتفاء الأسطورى الرمزى تقربًا لله بشفاعة أوليائه من أصحاب الكرامات، تزلفًا وتوسلًا لتحقيق شتى الأمنيات التى يسعى إليها العقل الشعبى الجمعى المستسلم لإرادة القدر والتمسح بأصحاب الكرامات، فى وقت تجرى صفقة بيع للمكان برمته من مالك أرض المقام وتحويله لمشروع تجارى!
وليذهب هؤلاء المعتقدين ببركات ولى المقام والطقوس حوله إلى الجحيم كما قدمه الفيلم أمام مغريات ومرأى الفلوس لصاحب الفندق والأرض التى شيد فيها مقام «عرش الدين الأنصارى» برمزيته الطقسية، وكراماته لدى المعتقدين به أن الميثولوجيا الشعبية تحكم وعى الناس، وتتحكم بقناعاتهم المستسلمة للقدر والتبركات، كما التى تنهار فى آخر المطاف وفق الفيلم، ولم يتحقق منها شىء، لأنها ارتكنت إلى الخرافات والاستسلام والتأويلات.. أراد سيد المقام أن يبررها لرجل متدين آخر بمعنى الشفاعة لا غير، وهى تستحق كل هذا الإشهار الاحتفالى من وجهة نظره، كى يعبِّر الناس عن ولائهم وتسويغ الحاجة إلى الشفاعة فى اليوم الآخر، طريقها ممارسة طقس المولد، بتلك الاحتفالية متعددة الأوجه، هذه هى خلاصة كل تلك الحكاية التى تنهار أمنياتها فى آخر الحكاية فى وحل الأمطار التى انهمرت لتغسل وجوه تلك الأمنيات الزائفة وتعرّيها، ليعود أصحاب الدعوات لشباك الضريح متسائلين مصدومين، ويسألونه لماذا؟، وكيف لم تستجب لنا؟ وكأن الضريح هو المسئول عن خطاياهم، وأمنياتهم خارج العقل والمنطق.
إن فيلم «الليلة الكبيرة»، رغم بساطة تصويره وضعفه التقنى، قدم لنا فكرة واضحة، عن أناس رهنوا أنفسهم لأقدارهم والشفاعة وشباك المقام الأصم، وكأنه المنقذ والمخلّص لهم من عذاباتهم اليومية، دون العمل واللجوء للسياقات العلمية فى العلاج والتداوي! وسرعان ما تتبدد أمامهم كل الدعوات فى الواقع اليومى الذى يطرق رؤوسهم بقسوته، نتيجة جهلهم وأميتهم، وخداع العارفين بأن كل ما يجرى خدعة لا غير، ليثروا ويجلسوا منتفعين على جثث آمال الضحايا من الفقراء وأمنياتهم، فى مجتمع منسى، يقبع خارج عصر النور والعلم والحقيقة الساطعة.. خلاصة: الليلة الكبيرة تأتى على لسان المطرب أبو عمر، الذى أداه ببراعة عمرو عبدالجليل عن تعلق الأجانب بزيارة احتفالية المولد «بيشوفونا لسه بنفقر ولّا بدينا نفكر»..