الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

«أن نذهب فنموت هناك خير من أن نموت هنا عطشًا»!

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
قبل إعلانها الرسمى ببدء تخزين مياه الفيضان يونيو المقبل، ونسفها لجولات ٦ سنوات من المفاوضات، استهلكت أكثر من ١٢٠ ساعة على مدار ١٢ جولة رسمية، و٢٣ غير رسمية من المناقشات والمداولات على مستوى رؤساء الدول والحكومات والوزراء المعنيين والخبراء والفنيين.. بدأت إثيوبيا تطبيق السياسة الإسرائيلية «النتن-ياهوية» فى تشتيت الأنظار، خاصة حيال «سد النهضة»، والعمل بنظرية المماطلة واستهلاك الوقت وفرض «الأمر الواقع»!
فقد زعمت الحكومة الإثيوبية إحباط قواتها «الأربعاء الماضى» لهجوم مسلح كان يستهدف سد النهضة شمال غربى البلاد، وتحدثت عن وقوف مجموعة مسلحة تابعة لحركة (٧ مايو) المعارضة التى تتهم إثيوبيا إريتريا بإيوائها، بتنفيذ الحادث. 
وكان لافتًا للنظر أن وكالة «الأناضول» التركية ذات الميول «الإخوانية» هى التى انفردت بنشر الخبر، وتناقلته عنها كل وسائل الإعلام!
وزير الدولة الإثيوبى فى مكتب الاتصال الحكومى «زادقى أبرهة» قال للوكالة «الأردوغانية»: إن قوات الحماية تمكنت من إفشال المحاولة التخريبية قبل وصول منفذيها إلى موقع السد، وقتلت ١٣ عنصرًا، واعتقلت سبعة آخرين كانوا قد فرّوا إلى السودان، وتم تسليمهم إلى إثيوبيا، مبينًا أن المجموعة المسلحة التى كانت بحوزتها متفجرات وقاذفات «آر.بى.جى» وأسلحة خفيفة مختلفة، «تم تدريبها لتنفيذ عمليات إرهابية وقتل العاملين فى السد».
وبينما لم يوجه الوزير الإثيوبى اتهامًا مباشرًا لطرف أو جهة بعينها بالوقوف وراء «المحاولة التخريبية»، إلا أنه قال إن بلاده تحتفظ بحقها فى الرد على الجهات المتورطة فى تدريب وتسليح المجموعات الإرهابية، وذلك فى إشارة إلى دولة بعينها! وقد سبق أن اتهمت إثيوبيا، على لسان المتحدث باسم حكومتها جيتاتشو ردا، «مصر وإريتريا» بالسعى لـ«نسف استقرارها» عبر تقديم الدعم المالى والتدريب لعناصر إرهابية، لافتًا إلى أن لدى حكومته أدلة واضحة بهذا الخصوص، دون أن يكشف عن ماهية هذه الأدلة! ويأتى هذا «التلفيق» بعد أقل من شهر على اتفاق مصر وإثيوبيا على مواصلة العمل معًا لتعزيز العلاقة الثنائية، ومنع أى موقف من شأنه أن يقوض من الطبيعة الأخوية والإستراتيجية لهذه العلاقة، وجاء ذلك حرفيًا فى البيان المشترك للقاء الرئيس السيسى ورئيس الوزراء الإثيوبى «ديسالين»، على هامش قمة الاتحاد الإفريقى بأديس أبابا!
إن الشىء المؤكد أن هناك عدة أطراف معنية تحاول تشتيت جهود مصر دون التوصّل إلى حل يضمن استحقاقات شعبها التاريخية فى مياه النيل، وتدفع بإثارة القلاقل ونشر الشائعات والتقارير المغلوطة حول قدرات الجيش المصرى العسكرية فى توجيه ضربة لسد «النكبة»، أو تسليحه للمعارضة الإثيوبية وميليشيات إرتيرية للنيل من أمن الشعب الإثيوبى من ناحية، والتلاهى عما تقوم به حكومات ودول عربية وغربية وآسيوية فى السابق مع الزمن لملء خزان السد على مجرى النيل الأزرق القادم من بحيرة تانا غرب إثيوبيا قرب حدودها مع السودان، بـ٧٤مليار متر مكعب، بحيث تكون نتائج الدراسات الاستشارية الفرنسية لتأثيرات السد «تحصيل حاصل»، وبالتالى يتم التعجيل بالتأثير المباشر على حصة مصر السنوية من المياه! 
لقد حان الوقت بعد عشرات الجولات والاجتماعات والمفاوضات بين لجان فنية ولجان وزارية متخصصة ووزراء خارجية وقمم رئاسية، التلويح صراحة بالاحتكام للقانون الدولى، والانسحاب من اتفاقية المبادئ، والذهاب سواء باللجوء لمنظمات إقليمية كالاتحاد الإفريقى أو تدويل القضية عبر إحالتها لمحكمة العدل الدولية أو مجلس الأمن أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو بطلب رأى استشارى من محكمة العدل الدولية، إذا رفضت إثيوبيا، الاحتكام بدعم القوانين الدولية المتعلقة بالأنهار العابرة والاتفاقيات الثنائية والاتفاقات المبرمة بين دول الحوض العشر.
إن أزمة سد النهضة أصبحت كاشفة للغاية عن تفاعلات السياسة فى مصر، وتتناسب مع قوتها الحالية وتأثيرها فى دوائرها الدولية والعربية والإفريقية، والتماشى مع مقتضيات الموازنة بين تعقيدات المشهد الداخلى السياسى والأمنى والاقتصادى والقدرة الذاتية وتعضيد الشرعية وتوازنات القوى الإقليمية. صحيح أن تخبّط القرار السياسى المصرى بخصوص السد فى فترات ما قبل السيسى، وعدم تبلور رأى حاسم تجاهه، والذى استطاعت إثيوبيا استغلاله جيدًا لصالحها، وإخراج مصر من حالة التفكير والتلويح بالقوة للاعتراف بالواقع وإجبارها أخيرًا على الجلوس لطاولة المفاوضات، إلا أن عبارة الرئيس السادات «أن نذهب فنموت هناك، خير من أن نموت هنا عطشًا»، ما زال صداها يقبع فى عقول وقلوب المصريين.. وللحديث بقية.