الخميس 02 مايو 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

آراء حرة

لمصر وليس للرئيس السيسي

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
المنجز المصرى اليوم يتخطى التحديات التى عاشتها مصر زمن محنتها، التى توشك أن تتوارى عن الحياة المصرية تمامًا فى عهد الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى أزاح عن مصر الزبد الذى خلفته التجارب السابقة، والتى تركت بصماتها الثقيلة فى الحياة المصرية عمومًا، ونهضتها العمارية المدنية بالخصوص، والتى كان ينبغى أن تتخطى مسارها البطىء خلال السنوات الخمسين الماضية، وكعربى عاشق لمصر، أجدنى ملزمًا أن أرى مصر كما ترى هى باقى التجارب العربية كأم رءوم، تزكم حين يعطس أبناؤها، وتمرض حين يمرضون، وتتوجع كما يتوجعون، فلا مناص من تواشج مصر مع سواها من بلدان أمة العرب، فمصر التى قاتلت ونزفت وعلّمت وكتبت وغنّت وبكت على شقيقاتها العربيات، لا مناص من أن تسمعنا أيضًا، كى نراها أجمل وأرقى، بما يتوافق ومكانتها المرموقة، نحن نعرف حساسية أن يقول آخر -أىّ آخر - ملاحظة، وإن كانت عابرة عن الحياة فى مصر، وهذه حساسية مبررة بحكم الاعتداد الذى يتملك المصريين ببلدهم.
مدركين أن العزة المصرية، بل الشخصية المصرية تؤمن بقيمة الإرث الذى تمتلكه، وهذا لا يمنع أبدًا أن تسمع همس المحب لها بملاحظات ليست عابرة، بل مشاركة متمنية أن تكون الحياة أفضل بكثير مما هى عليها الآن.
بدءًا من تعاملاتها الإدارية التى عفى عليها الزمن إلى الطريقة السلحفاتية التى تستخدم فى البناء المعتمدة على القوة البدنية للعمال الذين يبذلون جهدًا فى بناء البيوت والعمائر، فى حين أن المكننة الحديثة التى ينبغى أن تستخدم لتعجل إنجاز المبانى المراد إنجازها واختصار الوقت والجهد العضلى الفردي، كذلك تأمين أناقة المدن وتحديثها، التى هى بالتأكيد ليست مسئولية الدولة وحدها فحسب، بل الناس جميعًا فرادى ومجاميع والقطاع الخاص، فمن غير المعقول ألا تجرى صيانات على المبانى والعمائر، دوريًا وبشكل ملزم من الدولة، كى تظل جميلة وشامخة.
ومن غير المقبول لمصر ألا تدخل المكننة الواسعة فى التنظيف، الذى ينبغى أن تتولاه شركات القطاع الخاص بفاعلية مع رقابة البلديات الصارمة عليها مع تحمّل الناس نزرًا يسيرًا من تكاليفها وإن كانت رمزية كى يشعر المواطن بمسئوليته وبجمال مدنهم وحاراتهم وشوارعهم.
ونقترح حملة أولًا بـ«مدن حول النيل» وتقوم بلدياتها مع سكان تلك العمائر المطلة عليه، والتى تسمى فى التخطيط الحضرى «نطاق الحافة» الأول بحملة إعمار ودهن الواجهات ونظافتها، لتشرق وجه العاصمة والمناطق السياحية فيها فى الأقل، مع حملة لتنظيف وإعادة ترتيب لعدد من الأحياء الجميلة فى القاهرة من أمثال العجوزة، والدقى، والزمالك، وجاردن سيتي، والمهندسين، وسواها كى تكون نموذج لغيرها، فى نطاق الحواف الأخرى فى العاصمة وباقى المدن.
كم يكلف ذلك؟
نعم يكلف مالًا وجهدًا، وقبل ذلك إرادة، يمكن أن يساهم فيها القطاع الخاص والميسورون من سكانها، كما يكلف جهدًا، لمسح غبار المبانى التى يعشقها المصريون ويحبها الزوار، إنها بداية ممكنة، وليست صعبة أو مستحيلة إذا توفرت إرادة التغير وامتحنت محبة المصريين والقاهريين، خصوصًا لمدينتهم الأجمل فى العالم، يقول مثل فرنسى «المدن كالعطور لها رائحة»، وأظن عبير القاهرة والإسكندرية وطنطا وأسيوط وسوهاج وغيرها ينبعث من تاريخ عريق، وحضارة موغلة فى الزمن، لا يمكن التساهل مع إهمالها والاكتفاء بالتفرج عليها، وهى تشيخ وتهرم، فى وقت أن هناك ملايين العمال المهرة فى مصر يمكن توظيفهم لهذا المشروع المهم، لاسيما وأن هذه البلاد علّمت العالم معنى العمائر منذ آلاف السنين، ويرنو سكانها كل يوم إلى إحدى عجائب الدنيا السبع الأهرامات، فمتى نراها مشرقة تباهى بمنجز ورثته من زمن غابر؟
حب مصر ليس كلامًا فضفاضًا ينتهى بمشاعر عاطفية، ولكن برغم أهميتها تعبيرًا عن عمق وطنية الشعب المصرى وقياداته المتفانية، فإن التفانى الحقيقى فى العمل الفردى والجماعى لرؤية نهضتها وشموخها، بفرض تقاليد الحياة اليومية بشكل أكثر جمالًا وصحة واعتدال، برواقة المدن ونظافتها أيضًا.