الجمعة 26 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

ملفات خاصة

منازل "الأقباط" تحكي أسرار الرحيل عن شمال سيناء

ما بين «الذبح والحرق والتهديد»

شوارع الأقباط بالعريش
شوارع الأقباط بالعريش فارغة
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
رئيس ائتلاف الأقباط بشمال سيناء: العديد من الأسر القبطية تركت العريش منذ ثورة 30 يونيو
شاهد: الإرهابيون قتلوا «سعد حنّا» بـ «الرصاص» وابنه مدحت «حرقًا»
شهود عيان يروون لحظات رعب 72ساعة بين الذبح والقتل والحرق
«فاطمة»: لم نسلم من الإرهاب.. وتلقينا رسائل التهديد بالحرق والجلد
«إرهابيون» يفقأون عين «مواطن مسلم» لإيوائه «أقباطًا» فى منزله 

أقباط العريش، حكاية جديدة من المعاناة مع الإرهاب كباقى المصريين، فرض عليهم الواقع السائد فى شمال سيناء الخروج الطوعى من منازلهم متجهين إلى الإسماعيلية، بعد أن وصلت تهديدات الإرهابيين إلى البيوت والمدارس والمستشفيات حيث يعيشون ويعملون ويتعلمون. 
القصص موجعة ومؤلمة خاصة بعد أن ترك الأهالى بيوتهم، وأصبحت خاوية من أهلها هربا من جحيم التهديدات التى لا تتوقف، إلى جانب عمليات الخطف والذبح والقتل التى لم تفرق بين مسلمين أو أقباط، لكن مع تحديد أنصار بيت المقدس بيوت الأقباط لتهديدهم كان الحل الوحيد النزوح إلى محافظات ومناطق قريبة أكثر أمنا وتحديدا مدينة الإسماعيلية حيث استقبلتهم الكنيسة الإنجيلية، يأتى ذلك على خلفية قيام الإرهابيين فى سيناء باستهداف الأقباط وقتل 8 أشخاص فى عشرين يوما بينهم 5 فى أقل من 24 ساعة.
«أمجد حمدى» شاهد عيان من حى الزهور بالعريش، على حادثة حرق أحد منازل الأقباط قال لـ«البوابة»: فوجئت بعدد من السيارات التابعة لميليشيات «بيت المقدس» تطوق منزل عم سعد حنّا -٦٥ سنة- الذى قتلته نفس الميليشيات بطلقة فى رأسه، وأيضا ابنه مدحت «٤٥ سنة» الذى تم إشعال النار فيه حيا وفروا هاربين، مشيرا إلى أنه بعد حادثة حرق منزل الأقباط، ساد الذعر وازدادت دوريات الجيش لتمشيط شوارع العريش، لمطاردة سيارات يستقلها مسلحون أطلقوا الأعيرة النارية وسط حى الزهور وانطلقوا فى اتجاه شارع البحر، قبل أن تلاحقهم قوات الأمن.
لم تكن عائلة عم «سعد حنا» وحدها التى دفعت من دمائها فى سيناء، فهناك نحو خمسين عائلة أخرى - حوالى ٢٥٠ شخصًا - اضطرت للخروج تباعا، من شمال سيناء إلى مدينة الإسماعيلية بعد أن قتل مسلحون مجهولون سبعة مسيحيين خلال شهر فبراير الجاري.
شهود عيان كشفوا لـ «البوابة» أن آخر الضحايا يعمل سباكا، ومتزوج وله خمسة أبناء ويقيم بحى الزهور، قتله ثلاثة مسلحين بعد أن اقتحموا منزله، وأطلقوا عليه النار أمام زوجته، وأشعلوا النيران فيه.
وأضافت الشهود أن الغالبية من المسيحيين اختفوا تماما من شوارع العريش، ولوحظ خلال الشهرين الماضيين أن نساء الأقباط هى من تقوم بإحضار مستلزمات البيوت من الأسواق خوفا على الرجال من استهدافهم من قبل الجماعات المسلحة.

وقالت الشهود، إن مسلحين يعتقد انتماؤهم لـ «ولاية سيناء» يمرون بين القرى من حين لآخر، يحملون رايات مكتوبا عليها ولاية سيناء وأسلحة ثقيلة منصوبة على سيارات الدفع الرباعى، يقومون بمهاجمة المنازل وإذا وجدوا بها قبطيا قتلوه وأحرقوا جثته، مشيرا إلى أن هناك أسرا مسيحية بعد أن تركت منازلها جاء الإرهابيون ليقتلوهم ولكن لم يجدوا أحدا بالمنزل فقاموا بنهب المنزل وحرقه.
ومن جانبه قال «م. ع» أحد أهالى العريش: عدد الضحايا من الأهالى يزداد يوما بعد آخر، وسط تهديدات من الجماعات المسلحة بدعوى تطبيق شرع الله فى الأرض.
لأنهم «أقباط» هذا ذنبهم الوحيد وفق قانون «الطائفية الدموي» لجماعات الجهاديين الإرهابية المسلحة بسيناء، الذين يصنفون الناس وفق مذاهبهم وانتماءاتهم.. كانت هذه كلمات «صبحى كامل»، الذى كشف لـ«البوابة»» تفاصيل ٧٢ساعة رعب عاشها أهالى العريش، ما بين مشاهد ذبح وجثث تحرق علنا، مضيفا أن الديانة كانت سببا فى مقتل كامل رؤوف، البالغ من العمر ٤٠ عامًا، الذى قُتل رميا بالرصاص، بينما ابنته «يوستينا» تعرضت للذبح من رقبتها، وسبق أن اغتيل طبيب قبطى يدعى بهجت زاخر ٦٧ عاما، وقبله مدرس وتاجر ليبلغ إجمالى ضحايا المذبحة التى نفذتها العناصر التكفيرية بالعريش خلال أسبوعين ٧ أقباط.
وروى كامل، أنه فى مشهد مروع لم يسبق له مثيل قامت عناصر مسلحة بفقع عين مسلم تم اختطافه لإيوائه أقباطا فى منزله، وإشعال النار فيه بعد قتله بالرصاص.

لم تكن هذه حكايات الرعب التى يعيشها أهالى سيناء فقط، بل إن المزيد ما زال قائما ويتكرر بين لحظة وأخرى، حيث أصبح الخوف يحاصر أهالى العريش، خاصة الأطفال، وهو ما أكدته «فاطمة» قائله: العمليات الإرهابية التى تستهدف الأقباط نشرت الرعب والخوف فى قلوب الأطفال، وأصبحوا يترقبون كل قادم نحوهم يطرق الباب، فالمشاعر مختلطة من الخوف مابين أن يكون القادم ملثما معه سكين يبحث عن قبطى فى منازل جيرانه بالعريش، علاوة على أنه يوميا لا يستبعد وقوع مصاب ما أو تأتى رصاصات طائشة تصطاد أرواح الأهالي، إلى جانب مشاهد مروعة من الخطف والتمثيل بالجثث الذى بات أمرًا معتادا.
«أم دينا» نموذج للمعاناة الحقيقة، فحياتها تحولت إلى فيلم رعب، بعد ان أجبرت على ترك بيتها، والاختباء عند جيرانها لحين عودة زوجها من القاهرة للنزوح من العريش، تروى لـ«البوابة» مأساتها قائلة: خرجت من منزلى بحقيبة ملابسى، تاركة ذكرياتها وسنوات حياتها التى عاشتها فى بيتها.
«أم دينا» رأت ذبح فتاة أمام عينيها قائلة: «كل ذنبها أنها قبطية»، مؤكدة أن القبطى لا يأمن على حياته بشمال سيناء وكتب عليه النزوح إلى مصير مجهول أو البقاء ليواجه الموت ذبحا أو حرقا على أيدى الجماعات المسلحة، مؤكدة أن أطفالهم حرموا من الانتظام فى الدراسة منذ سنة خوفا عليهم من الاشتباكات التى تحدث يوميا ما بين الإرهابيين والجيش، والآن يواجه أطفالهم مصيرا مجهولا خارج موطنهم.
«أم دينا» لسانها لا يتوقف عن الدعاء على كل من تسبب فى تشريد هذه العائلات والأطفال.
فاطمة المحمدي، أكدت أيضا أن أهالى العريش يتوقعون عملية إرهابية خلال الأيام القادمة، خاصة بعد أن اختطف المسلحون سيارة نقل مياه تحت تهديد السلاح، متوقعة استخدام تلك السيارة فى عملية إرهابية جديدة، وأضافت أن صباح الأحد قام المسلحون باعتراض الأقباط بالقرب من المقابر بعد محطه الكهرباء بوسط العريش، فيما تواصل قوات الأمن البحث عنهم، لكن عن حوادث الاختطاف، فهى ليست جديدة على الأهالي حيث أكد شهود عيان أن اعتقال الجيش لعناصر إرهابية دفعهم للقيام بعمليات الخطف لمواطنين عقابا لهم على تعاونهم مع رجال الجيش، وقام مسلحون باختطاف مواطن من شارع ٢٦ يوليو وسط مدينة العريش تحت تهديد السلاح.

أما عن ضحايا الأقباط بالعريش فهم يتساقطون يوما بعد يوما وكان آخرها إصابة «مريم.أ. م»، ٣٣ عاما، بطلق ناري، أطلق عليها خلال اشتباكات مع الجهاديين فى قرية العكور بالشيخ زويد.
وحسب إحصاء رسمى عن أعداد المسيحيين فى شمال سيناء، فإن تعداد الأقباط بالعريش يصل إلى نحو١٧٠٠ مواطن ينتمون لقرابة ٦٠ أسرة تقطن حى الصفا وقرابة ٦٠ أخرى وسط المدينة بما فيها ضاحية السلام، وقرابة ٢٠ أسرة بحى السمران بمدينة العريش، نزح حتى الآن قرابة ألف قبطى وتضم العريش ٣ مواقع تتبع الكنيسة القبطية، وهى مطرانية شمال سيناء فى ضاحية السلام وتخضع لحراسة دائمة، ومقر الاستراحات الكنسية فى حى المساعيد الذى يخضع أيضا لحراسات مشددة، فضلا عن كنيسة مار جرجس وسط العريش.
وعن هجرة الأهالي من الأقباط فهى لم تبدأ الآن، لكن بدايتها الحقيقية كانت فى ٢٠١٢ عندما قامت مجموعة مجهولة الهوية بتهديد مواطنين مسيحيين داخل بيوتهم، مما اضطرهم إلى الخروج هربا من الموت، ثم تفاقمت مؤخرا الأمور أكثر بعد تنفيذ تنظيم «داعش» لتهديداته باستهداف الأقباط فى العريش، وقام الإرهابيون بذبح سبعة من الأقباط خلال فترة 
بينما أكد شهود عيان بشمال سيناء أن كنيسة مار جرجس والعائلة المقدسة تعرضت من قبل لاعتداءات مسلحة، وعمليات نهب وسرقة وحرق، حيث قامت مجموعة من الملثمين يحملون أسلحة نارية آلية، بتهديد معلّم الكنيسة بالسلاح، ثم سرقوا محتوياتها. وانضمت لهم أثناء ذلك مجموعة كبيرة من الأشخاص يبلغ عددهم قرابة المائتين بسيارات دفع رباعى، وحطموا كشافات الإنارة وزجاج الكنيسة، ثم اقتحموا الكنيسة وهدموا الصليب الموجود أعلى القبة، وسرقوا المقاعد الخشبية والأبواب الداخلية.
من جانبه أكد «أبانوب جرجس» رئيس ائتلاف أقباط مصر بشمال سيناء، أن الأقباط البالغ عددهم قرابة ألفى أسرة بشمال سيناء، رحل منهم حتى الآن ١٨٠٠ أسرة عقب ثورة ٣٠ يونيو، وتبقى قرابة ٢٠٠ أسرة، وبدأ الكثير منهم فى الرحيل، بينهم موظفون وأصحاب أملاك بالعريش يحاولون تسوية ظروفهم المعيشية للرحيل النهائى أو المؤقت على أمل العودة لديارهم مرة أخرى عقب القضاء على الإرهاب الأسود.